أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أسامة الشّابّي - ألف باء ماركسيّة: توضيحات نظريّة وايديولوجيّة مبسّطة (مقدّمة)















المزيد.....


ألف باء ماركسيّة: توضيحات نظريّة وايديولوجيّة مبسّطة (مقدّمة)


أسامة الشّابّي

الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 11:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لـمـاذا يـقـرن الـنـاس بـيـن الـشـيـوعـيـة والالـحـاد?? مـالـشـيـوعـيـة اصـلا ??وهـل صـحـيـح ان الشـيـوعـي لا يـؤمـن بـالله وبـرسـولـه...اسـئـلـة يـتـداولـها شـبـابـنـا اليـوم بـعـد خـروجـه مـن زمـن الظــلام الـى مرحلة ثوريّة جديدة (مـا بـعـد 14 جـانـفـي 2011). هـي تـسـاؤلات مـشـروعـة خـاصـة وأن الـنـظـام الـجـائـر الـذي حـكـم بـلادنــا فـي الـسـابـق تـعـمـد تـخـديـر الـوعـي السـيـاسـي لـلـتـونـسـيـيـن الـى درجـة انـهـم صـاروا لايـفـرقـون بـيـن الـشـيـوعـيـة والالـحـــاد. لـذلـك اكـتـب هـذا الـمقـال الـمـتـواضــع فـي مـحـاولـة مـنـي لـدحــض الـتـشـويـهـات والافــكـار الـمـسـبـقـة حـول الـشـيـوعـيـة.

مـاهــيـة الـشـيـوعـيـة
لـنـنـطـلـق فـي تـفـسـيرنـا لـلـكـلـمـة مـن مـعـنـاها الـلـغـوي-------;------- وهـي مـن شـاع يـشـيـع شـيـوعا, اي ذاع وانـتـشـر ويـقـال فـكـرة شـائـعـة بـيـن الـنـاس او حـتـى فـي لـهـجـتـنـا الـعـامـيـة "ارض عـالـشـيــاع" فـي احـالـة عـلـى مـعـنـى الـمـشـتـرك بـيـن الـمـجـمـوعـة. كـذلـك الـحـال فـي الـفـرنـسـيـة فـمـعـنـى الـكـلـمـة لايـكــاد يـخـتـلـف عـن الـعـربـيـة و هـو الـمـشتـــرك
"Commun"isme .
امـا فـلـسـفـيـا فـالـشـيـوعـيـة هـي نـتـاج فـلـسـفـة تـدعـى الـمـاديـة الـجـدلـيـة أو الـديالـكـتـيـكـيتة كـمــا تـعـرف ايـضــا بـالـمـاركـسـيـة. وهـي فـلـسـفـة عــلـمـيـة تــقــوم عـلـى مـجـمـوعـة قـوانـيـن مـن بـيـنـها التـحـول والـتـطـور بـالـتـنـاقـض مـن اجــل تـوعـيـة الـطـبـقـة الـشـغـيـلـة بـالـمـظـالـم الـمـسـلـطـة عـلـيـهــا مـن قـبـل الاقـلــيـة الـبـرجـوازيــة الـتـي كـانـت تـسـتـعـمـل هـي الاخـرى فـكـرا مـيـتـافـيـزيـقـيا يـقـوم عـلـى الـركـود والـهـدوء ورفــض الـتـغـيـيـر وتـمـيـيـع الـبـرولـيـتـاريــا وتـجـريـم الـعـمـل الـنقـابـي الـثـوري .
فــي حـيـن ارتـكـزت الـشـيـوعـيـة مــن حـيـث هــي كايدولوجيا عـلـى تـقـويض اسـس الاسـتـبـداد الـبـرجـوازي وتـوسـيـع دائـرة الـمـلـكـيــة الـمـشـتـركـة لـوسـائـل الانـتــاج حـيـث لا تـوجـد مـبـادئ خـالـدة لـلـمـلـكـيـة الـخـاصـة او افـكـار ابـدية لـسـلـطـة الـرأسـمـالـيـيـن عــلـى الـعـمـال.
امـا اولـــى تـجـارب الـشـيـوعـيـة فـي الـعـالـم فـكـانـت مـع لـيـنـيـن والـثـورة الـبـلـشـفـيـة فـي 1917. وحـتـى نـكـون اكـثـر مـوضـوعـيـة لـنـقـل ان الـشـيـوعـيـة لـم تـتـحـقـق فـي اي مـكـان مـن الـعالـم حـتـى الان. فـما حـصـل فـي روسـيـا والـصـيـن مـثـلا لـــيــس الا تـجـارب اشـتـراكـيــة حـديـثـة مـثـلـهـا كـمـن يــزرع ارضــا لاول مــــرة و الـــهــــدف مــن هــذه الـتـجــارب الـرقـي الـى الـشـيـوعـيـة وهـي مـرحـلة مـتـقـدمـة مـن الاشـتـراكـيـة.
امـا مبادئ الـشـيـوعـيـة فتتمحور حول مقاومة الجور والفساد و نـصـرة الـفـئـات الـشـعـبـيـة الـمـهـمـشـة ومـحـاربـة الاسـتـغـلال الامـبـريـالــي لـضـعـاف الـحـال و مـعـاداة الـكـيـان الـصـهـيـونـي الـغـاصـب.

الـديـن افـيـون الـشـعـوب"
تـنـسـب هـذه الـمـقـولـة الـى كـارل مـاركـس وهـي الـفـرصـة الـتـي انـتـظـرهـا اعـداء الـمـاركـسـيـة طـويـلا لـيـشـوهـوا هـذه الـنـظـريـة مـتـهـمـيـن الـشـيـوعـيــيـن بـالـكـفـر والـزنـدقــة. الا انـنا اذا اطـلـعـنا عـلى الـسـيـاق الـذي وردت فـيـه هـذه الـجـمـلـة لـعـلـمـنـا ان الـمـقـصـود بـالـمـقـولـة لـيـس شـتـم الـديـن او الاسـتـنـقـاص مـن شـأنـه انـمـا هـو نـقـد لـتـوظــيـف الـديـن لـخـدمـة الاغـراض الـخـاصــة و الـضـيـقـة. لا سـيـمـا ان الـفـئـات الـبـرجـوازيـة الـمـسـتـغـلـة بـدايـة مـن الـقـرن الـخـامـس عـشـر لـطالـمــا تـسـتـرت بـالـديـن فـجـرمـت الـكـنـيـسـة الـتـحـركـات الـعـمـالـيـة ضـد الـسـلـطـة بـدعـوى ان فـي تـغـيـيـر الـنـظـام ثـورة عـلـى الـمـشـيـئـة الالـهـيـة فـان كـان الله رافـضـا لـلـطـبـقـيـة لـخـلـقـنا عـلـى قـدم الـمـسـاواة وهـلـم جـرا مـن الـتـجـاوزات بـاسـم الـديــن.
ويـشـهـد الـتـاريـخ بـسـعـي الـشـيـوعـيـة الـى ضـمـان حــق حـريـة الـتـديـن ولـعـل نـداء لـيـنـيـن لـلـمـسـلـمـيـن فـي 1917 خـيـر دلـيـل عـلـى ذلـك حـيـث
أُعـيـدت عـلـى اثـره الآثــار والـكـتـب الإسـلامـيـة الـمـقـدسـة الـتـي نـهـبـتـهـا الـقـيـصـريـة إلـى الـمـسـاجـد. وقـد تـم تـسـلـيـم الـقـرآن الـكـريـم الـمـعـروف بـقـرآن عـثـمـان فـي احـتـفـال مـهـيـب إلـى الـمـجـلـس الإسـلامـي فـي بـتـروجـراد فـي 25 ديـسـمـبـر سـنـة 1917. وقـد أُعـلـن يـوم الـجـمـعـة، يـوم الاحـتـفــال الــديـنـي بـالـنـسـبـة لـلـمـسـلـمـيـن، يـوم الأجـازة الـرسـمـيـة فـي كـل آسـيـا الـوسـطــى. (نشرت في العدد 110 من مجلة (International Socialism

آمل من خلال هذاالمقال المتواضع ان اوضـح بـــراءة الـشـيـوعـيـة مـن الـكـفـر والإلحاد ومـدى انـخـراطــهـا فـي التراث التقدّمي والثوري للانسانيّة فـعـسـى ان تـكـون هــذه الـكـلـمـات اضــافـة بـسـيـطـة لـلـجـهـود الـمـبـذولـة لـلـتـعـريــف بـالـثقافة الاشـتـراكــية فــي أوساط الشّبيبة.



انّ هذا الأثر موجّه أساسا نحو التّعريف بالثّقافة الاشتراكيّة ولكن قبل الخوض في التّفاصيل, فلنتّفق أوّلا على تحديد دور المثقّف في محيطنا :

1 - دور المثقّف في المجتمع :
يبدو "المثقّف" المعاصر في مجتمعنا التّونسي و العربي و حتّى في عديد المجتمعات الغربيّة (أو أغلبها) وكأنّه رمز لشريحة اجتماعيّة مستقلّة أو احيانا كائن فوق المجتمع و غالبا ما يتذمّر من يسمّون انفسهم بالمثقّفين او"النّخبة" من القطيعة الحاصلة بينهم وبين الدهماء بعبارة فولتير فيتحدّثون عن "العامّة" و "الخاصّة" على طريقة ابي حيّان التّوحيدي (ق10م) و لا يدركون انّ سبب الفرقة هو انّهم حادوا عن مهمّتهم فصرنا نتحدّث بذلك عن "اشباه المثقّفين" أو الثّقفوت". الجميع يعرفهم ويقرّ بانّهم وُجدوا بلا جدوى , حتى ان البعض يحصر قيمة هؤلاء في الثّلب واجترار النّظريات وارتداء الملابس الفضفاضة و النظارات المقعّرة وارتياد المقاهي الفاخرة و كأنّ الثّقافة مجرّد مظهر أو موضة وضيعة.
انّ وظيفة المثقّف انبل بكثير من ان تُحصر في جانب مادّي شكليّ أو في انتماء طبقيّ معيّن (عادة ما يرتبط مفهوم النّخبة بالبرجوازيّة الصّغرى ) اذ لا قيمة لها ان لم تكن منخرطة قلبا و قالبا في اليوميّ المعيش وأساسا في النّضال الاجتماعي للجماهير. اذ لا أعتقد انّ التّفلسف على الطّراز الاغريقي أو انّ اللّهَج (الولع والذّكر الدّائم) بترديد النّظريات المجرّدة قد يحافظ على قيمة الفكر في ضلّ الواقع المعقّد للبشريّة و انّما هو مجرّد تهرّب من الواجب خوفا من القمع و المصادرة ان وجدا. فلا قيمة للمثقّف اذا كان متملّصا من قضايا شعبه فذلك هو ميدان المعركة الحقيقيّ بالنّسبة الى "النّخبة" من مبدعين ومثقّفين. لا أسعى بذلك الى حصر دور المثقّف في التّكتيكات السّياسيّة و لا في نقل هموم الشعب بل ينبغي تجاوز هذه المرحلة نحو تغيير الواقع , هذا هو الرّهان الثّقافي "و في ذلك فليتنافس المتنافسون ". و لعلّ خير مثال على دور المثقّف هو وظيفة الوتد داخل الخيمة : فالمنطق يحتّم ان يثبَّت الوتد تحت الخيمة حتّى يرتفع ويرفعها معه و إلاّ فلا قيمة للوتد و لا للخيمة. ذلك هو دور المثقّف الّذي يسمو بمجتمعه الى اعلى المراتب. ولنا امثلة على هؤلاء المثقّفين الذين غالبا ما يقترن ادبهم بقضايا التّحرّر الوطني كابي القاسم الشّابي وأشبال فلسطين على غرار غسّان كنفاني وناجي العليّ ونبذ الهيمنة والاستغلال في شعر أحمد فؤاد نجم و مظفّر النّوّاب و كلّ هذه الاهتمامات تتلخّص بدورها في مفهوم مركزي يسمّيه هؤلاء بالالتزام من حيث هو تسلّح بقضيّة و بمبدأ.
و بعبارة أخرى المثقّف ملتزم أو لا يكون . و لا التزام ما لم يكن ثوريّا و مشحونا بهموم النّاس أي انّ على المثقّف ان يُراكم للثّورة في كلّ مكان و زمان فاولائك الذين ذكرت أسمائهم سابقا لم يدخلوا التّاريخ الاّ بانغراسهم في المجتمع و ما انغراسهم في المجتمع الا ايمانا بالثّورة من حيث هي أداة طبيعيّة للتّغيير.
أن تكون مثقّفا هو ان تمتلك الشعور العالي بالمسؤولية صمودا و دفاعا و تضحية من اجل المسائل الوطنيّة و القيم الانسانيّة . و إن أنيطت بك مسؤولية إدارية أو تكنوقراطية أو سياسية حافظ على منظومة مبادئك و لا تنسى واجبك النّقديّ تجاه الجميع ... قدّم بديلك … اياك و السكوت على الظّلم . وحذاري من أن تسقط في فخّ التّكسّب فألقّبك حينها "بمثقّف البلاط " الجشع المتاجر بالقضيّة و لا تنسى أن تبقى الى جوار شعبك فكلاكما يستمدّ اهمّيته من الاخر.
و لا يمكن ان ننسى فئة أخرى من أشباه المثقّفين و هم "اللاّمسؤولون" ,أولئك الذين يستغلّون محدوديّة وعي اصحاب العقول البسيطة لتسويق بضاعتهم "الادبيّة" مفتقرين الى الحدّ الادنى من المسؤوليّة : اذ يعتبر المثقّف قائدا وعليه تُلقى امال الملايين فان لم يتحلّ بالوفاء والاخلاص لهم تحوّل الى دجّال أو "ديكتاتور" اذا ما دخل لعبة السّلطة و أخصّ بالذّكر في هذا السّياق فئة الفوضويّين النّخبويّين ممّن لا بديل لهم على المستوى الاجتماعيّ وان بدوا في الظّاهر ملتزمين بقضيّة الشّعب أيّا كان بعدها. فغالبا ما يزجّ هؤلاء بأتباعهم "المساكين" في مواجهات خاسرة قد تنتهي بسجنهم أو قتلهم أو تشريدهم, لافتقارها الى هدف حقيقيّ.
وعليه, فانّ المهمّ بالنّسبة الى المثقّف ان يتّخذ لنفسه بوصلة تشير ابرتها الى قضيّته المركزيّة لا مصلحته الشّخصيّة و إلاّ فلا يجوز نعته بالمثقّف , يقول الرّسّام الكاريكاتوري الشّهيد الفلسطيني ناجي العليّ : "أنا شخصيا منحاز لطبقتي ، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحي و لا أتملق أحدا ، القضية واضحة و لا تتحمل الإجتهاد . الفقراء هم الذين يموتون ، وهم الذين يسجنون ، وهم الذين يعانون المعاناة الحقيقية . المناضل الحقيقي دائم العطاء، ويأخذ حقه من خلال حق الآخرين و ليس على حسابهم ". وهكذا ينتقل المثقّف من طور التّفكير الى طور الممارسة وهو الاهمّ . فلا يبقى لفئة "الثّقفوت" من قيمة خاصّة و أنّ شعار التحرّر الذي يرفعه المثقّف الحقيقيّ هو تحرّر من الدّغمائيّة و الطّوباويّة و ليس التّحرّر من الواقع الاجتماعي كما سارع الى ذلك بعض الكتّاب اللّذين وجدوا في الكتب ملاذا امنا يحميهم من ضجيج الشّوارع و قسوة المشاهد الحيّة فحكموا على انفسهم بالانعزال والجمود ودُفنوا نهائياّ.
و كحوصلة لما سبق أقول انّ معنى المثقّف الحقيقيّ (الملتزم) هو أن يكون وسيطا بين المعرفة و الجماهير فينقل للأخيرة وعيا طبقيا يلائم تطلّعاتها للثّورة , فيكون بذلك جزءا من قوى التّغيير الثّوري الى جانب الفقراء والعمّال و الفلاّحين و الموظّفين و من يتملّص من هذا الدّور فهو "شبه مثقّف" مخرّب لنضالات الجماهير و عدوّ للثّورة حتّى وان لم يُضمر العداء(…).

ولعلّ من أبرز المسائل التي عالجها المثقّفون عبر التّاريخ هي العمل :

2- قـيـمـة الـعـمــل في الموروث الاخلاقي والدّيني للإنسانيّة

العمل, هذا المفهوم المتأصل في الكائن البشري منذ ظهوره على وجه البسيطة خمسين مليون سنة خلت ولولاه لما تحقق التطور على مستوى الانسان و محيطه من حيث دوره وهو تحويل الاشياء الموجودة الى قيم استعماليّة وتبادليّة. فآثار العمل والإبداع الاولى "لبني آدم" باقية لا محالة قد نجدها في قسم المستحاثات في اللوفر أو في متحف التاريخ العلمي في لندن في شكل ادوات ورسوم وآلات وسلوكات. انها حافزنا على مواصلة درب أجدادنا وتبليغ الرسالة لأحفادنا : رسالة مفادها ان العمل هو وسيلتنا لإثبات وجودنا المعنوي والمادي وهو القيمة الاسمى على هذا الكوكب...ومع التطور الذي شهدته البشرية على مدى حقبات متتالية من الزمن ازداد الوعي بقيمة العمل فظهرت الأديان لتمحور عقيدتها حول العمل. يستهل الكتاب المقدس(الانجيل) مثلا الحديث عن الله باعتباره عاملاً. فهو العامل الذي خلق السماوات والأرض: "ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل." (سفر التكوين). والله العامل الخالق يريد أن يكون الانسان عاملاً أيضاً: "وأخذ الرب آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها." لذلك يقول القس الدكتور جون ستوت ((John Stott: "ليس العمل نتيجة لسقوط الانسان بل نتيجة لخلق الانسان على صورة الله." ولمفهوم العمل صدى في الاسلام ايضا, فكونه خاتم الاديان اخذ المسلمون على عاتقهم واجب نشر الدعوة فأدركوا أن لا سبيل الى ذلك سوى بالعمل, بدليل الاية 105 من سورة التوبة : "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ". وعليه فان قيمة العمل تنال عناية كبيرة في الفكر الديني من حيث هو كبنية منطقية تواكب أطوار نمو الوعي البشري ومقوما مشتركا بين غالبية البشر. ويتواصل نمو الوعي البشري الى ما يسمى "بفكر التنوير" في القرن الثامن عشر في أوروبا ليتضمن قيمة العمل. ولعل ابرز من حث عليه هو "فولتير" من ناحية أن العمل يمنع عنا ثلاثة شرور ألا وهي القلق والرذيلة والحاجة… أما اذا تأملنا بعد هذه اللمحة التاريخية في واقعنا المعاصر ومكانة العمل فيه فسنلاحظ تراجعا ملحوظا لهذه القيمة لدى بعض الشعوب المعاصرة وهو ما يفسر تخلفها وضعف مساهمتها في الانتاج, فنحن طبعا بصدد الحديث عن العالم الثالث. وهي تسمية اختارها الفريد سوفي ليشير الى البلدان التي لم تكن تنتمي لا الى حلف فرصوفيا بزعامة الاتحاد السوفياتي ولا الى حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة طيلة القرن الماضي. إلا ان تسمية العالم الثالث تقترن في عصرنا الحالي بالتخلف والضعف والفقر فما هو سبب هذه المأساة ? هو حتما تفشي عقلية التواكل والكسل على حساب قيمة العمل ! فهذه العقلية هي نفسها التي تطرقت اليها في بداية السلسلة ألا وهي العقلية الميتافيزيقية الكلاسيكية الفاشلة والراكدة المشجعة على التخاذل والقائمة على تكبيل فكر البشر ومنع نور الحضارة من النفاذ اليه. وتتجلى هذه العقلية في تفسير المواقف والظواهر بسطحية مما يضاعف امكانية الفهم الخاطئ. فإذا سألت أحدهم عن سبب فشله وأخبرك أن الله هو الذي جعله يخفق متعللا بالمشيئة الالهية فاعلم انه أحد ضحايا الفكر الميتافيزيقي الرجعي. والحال أن الله من وجهة نظر توحيدية لا ذنب له في فشل أي منا فكل منا مسؤول عن مصيره بدليل المثل الشعبي التونسي القائل"كل شاة معلقة من كراعها", وبعبارة أخرى فان الكائن البشري مخير بقدر ما يعلم كما قال تعالى : " إِنَّا هَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً" (المنظور الاسلامي لمسألة القضاء والقدر). وفي السياق ذاته يقول الامام الشافعي :"ماشئت كان وان لم أشأ وماشئت ان لم تشأ لم يكن, خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن"- أخرجه البيهقي عن الربيع بن سليمان(مناقب الشافعي (1/412، 413) شرح أصول إعتقاد أهل السنة (2/702) )- .وعليه فان بساطة الفكر ومحدوديته تسحقان قيمة العمل من عقلية الأمة والعكس صحيح. فلنقارن عالمنا الثالث بغيره من الأمم, من قبيل المانيا مثلا. سيقال لنا حتما شتان بين الثرى والثريا والسؤال المطروح ما الذي جعل ألمانيا في هذا الموقع فهي ذات اقتصاد له الحدّ الادنى من الاستقرار لمواجهة تقلبات المناخ الاقتصادي العالمي ? حتما الالتزام بقيمة العمل ! من المعلوم أن هذا البلد قد استنزف تماما عقب الحرب العالمية الثانية وصار في حالة يرثى لها, إلا أن مثابرة الالمان وعزمهم على البناء والعمل جعلا منها مثالا في الرقي والتقدم, هذا البلد الذي يصنع ما يقارب 5.5 مليون سيارة في العام (احصائيات 2003) وهو الذي تمتع بأكبر حصة من أدوات الالات في السوق العالمية بنسبة 19.3% سنة 2004. أما في الدول التابعة فلا قيمة للعمل أو العامل, ففي تونس مثلا تعمل الأم تاركة صغارها عرضة لخطر الانحراف في حين أن للأم في اليابان أن تصحب أبنائها رفقتها لتوفر مقرات العمل على محضنات أطفال وبذلك تحفظ حقوق العاملات و العمال ويتم تحفيزهم على العطاء والبذل دون أن ننسى فضل العاملات في نمو الاقتصاد الذي سينعكس ايجابا عليهم فاليابان تحتل الرتبة 17 عالميا من حيث نصيب الفرد من الناتج الوطني الخام...
خلاصة القول أن ثقافة العمل هو ما ينقصنا كي نتحرر من قيود الأوهام والشعوذة والأباطيل وهي التي تضفي على حياتنا قيمة وتجعل لوجودنا معنى من أجل تحقيق توازن الكائن البشري, وهو ما يمثّل أحد مبادئ الثقافة الماركسيّة اللّينينيّة.

3- أهمّ أسس الثقافة الماركسيّة اللّينينيّة :

أ‌- النّظرة المادّية الجدليّة للعالم

انّ لفظ ماركسيّة لينينيّة هو التّسمية التي تطلق على الاصل الفكري الذي يقود الشّيوعيّين في العالم وهو وبكلّ بساطة مصطلح مشتقّ من اسمين الاوّل هو ماركس منظّر المادّيّة الجدليّة (فيلسوف وعالم اقتصاد وناشط سياسي الماني من القرن التاسع عشر) والثاني هو لينين وهو من قاد الثورة الاشتراكيّة في روسّيا سنة 1917 استنادا الى مؤلّفات ماركس القائمة على المادّيّة الجدليّة وسنتحدّث عنهما وعن باقي أعلام الشيوعيّة في مناسبات أخرى.

باختصار تختصّ النّظرة المادّية الجدليّة (الماركسيّة) للعالم في كونها أوّلا وقبل كلّ شيء تسبّق المادّة على الوعي من حيث وجودها أي أنّ المادّة وُجدت قبل الوعي, ولذلك هي مادّيّة (أي النظرة).
مثل ذلك أن نُسقط انسانا منذ ولادته في غابة فكيف سيكون نمط تفكيره ؟
سيكون حتما بدائيّا وشديد الارتباط بهذا المحيط, ويمكن افتراض أنّ الاولويّات التي ستشغل باله ستكون كالآتي : أوّلا قطف الثّمار, ثانيا صيد السّمك ان وُجد نهر, ثالثا البحث عن مأوى...الخ
وبالتّالي فانّ الواقع المادّي هو الذي يحدّد أشكال وعي الانسان, وهذا غير قابل للشّكّ.
ولكنّ العلاقة بين الاثنين ليست أحاديّة لأن الوعي بنفسه يؤثّر في واقعه المادّي لتغييره وهذا النوع من العلاقات يوصف بالجدليّ ولهذا سمّيت الماركسيّة "الماديّة الجدليّة". فلنعد لمثالنا السّابق حيث افترضنا انّ انسانا وجد نفسه في غابة, فبعد وعيه بمحيطه سيكون من الطبيعيّ أن يحاول تكييفه بما يتماشى مع مصلحته وذلك قد يكون بصناعة أدوات من الخشب والصوّان للصيد أو ببناء كوخ من القشّ للاحتماء به عند الحاجة والامثلة تطول, والمـُراد من هذا المثال هو توضيح مبدأ الجدليّة في الوجود وكذلك تبيان أنّ الانسان في صراع دائم :
يولد الانسان فيبدأ جسده في الصراع مع المرض (موت/حياة) ثمّ ومنذ طفولته يخوض صراعا داخل العائلة (من أجل نصيبه من النقود مثلا أو لتصادم المصالح بين الاخوة...) ثمّ يتطوّر الصّراع خلال الشّباب ليصبح مع السّلطة من أجل تحقيق مطالبه (العمل النّقابي) وغير ذلك من الامثلة التي تبيّن الصّراع بين المتناقضات الذي يمثّل قاعدة من قواعد المادّية الجدليّة.
وباختصار شديد وتفاديا منّي للتّعقيد والإطالة لافتقارهما للجدوى يكفي الاقرار بأنّ أكثر ما يهمّنا من هذه المتناقضات في تاريخ مجتمعنا الانساني هو ما يتعلّق بالطّبقات الاجتماعيّة.

ب‌- الصّراع الطّبقي ورهان الطّبقة العاملة

انّ الاصل في كلّ أنماط الانتاج عبر التاريخ واحد: الصّراع الطّبقي
هذا الصّراع الذي بدأ في العبوديّة بين العبد والسّيد مرورا بالإقطاع فصار بين القنّ والنّبيل (الاقطاعي) وصولا الى الرّأسماليّة فأصبح بين العامل والرّأسماليّ, هو المحرّك الأساسيّ للتّاريخ البشري.
اذ أنّ كلّ الحروب والظّواهر الاستعماريّة بما فيها ما نعيشه اليوم في تونس في جلّ البلدان النامية من تبعيّة اقتصاديّة وثقافيّة وسياسيّة في ظلّ الامبرياليّة (أي الهيمنة الاحتكاريّة لدول نافذة على حساب شعوب مضطهدة), كلّ هذا مصدره الصّراع الطّبقي. فالطّبقة الحاكمة في الدّول الامبرياليّة هي طبقة الرّأسماليين التي لا تتوانى في البحث عن أسواق جديدة لها (بحكم انّ الاقتصاد الرّأسمالي هو اقتصاد السّوق) وموارد للمواد الاوّليّة على حساب الشّعوب المضطهدة كما كان حاصلا في تونس ابان الاستعمار الفرنسي المباشر وأقول مباشر لانّ الاستعمار مازال متواصلا ولكن بصورة غير مباشرة (غياب التدخّل العسكري) أو كما جرى في العراق من استنزاف ثروات باسم الديمقراطيّة والقائمة تطول... في مقابل الطّبقات المفقّرة في هذه الشّعوب المسيطر عليها وحتّى في الدول ذات الحكومات الامبرياليّة نفسها نجد الطبقات الشّعبيّة تعاني ورغم ذلك تقاوم وتناضل ضدّ الاستغلال الرّأسمالي وفي مقدّمة هذه الطّبقات نجد العمّال.
هذه الطّبقة المغتربة عن انتاجها وهي في نفس الوقت مصدر رخاء الرّأسماليّين الذين يستنزفونها والتي ظلّت رغم ذلك صامدة متماسكة. هذا هو المقصود بالصّراع الطّبقيّ اليوم في زمن الرّأسماليّة, هذا الصّراع الذي كلّما تطوّر واحتدم ازداد قربا من الانفجار كأيّ صراع في الوجود, وهذا الانفجار اصطلح المؤرّخون على تسميّته بالثّورة الاشتراكيّة.
تلك الثّورة المحقّقة للعدالة الاجتماعيّة فتجعل من ملكيّة المصانع والمزارع والمؤسّسات الاقتصاديّة (أي وسائل الانتاج) ملكيّة جماعيّة لعموم الشّعب حتّى ينتفع الانسان بما ينتجه بعد القضاء على عدوّه "رأس المال". في تلك المرحلة فقط تكون للشعب سيادة على ثرواته وتفتح اَفاق جديدة للتّعاون البشري الحقيقيّ على أنقاض الامبرياليّة بعد قرون من المعاناة والاضطهاد المتراكم والاستغلال. يقول جوزيف ستالين وهو أحد من كرّس مبادئ الماركسيّة اللّينينيّة في هذا السّياق : "وأما طرح المسألة فيكون على الشكل الآتي: أفي حركة الاستقلال الوطنية في البلاد المظلومة ممكنات ثورية؟ وإذ كان الجواب نعم، فهل من مجال لاستخدام هذه الممكنات في سبيل الثورة البروليتارية وتحويل البلدان المستعمرة والمستعبدة من قوي احتياطية للبرجوازية الاستعمارية إلى قوى حليفة للبروليتاريا الثورية؟ هكذا تعرض المسألة.
ويضيف :" لقد عاشت هذه الانتهازية في المسألة الوطنية حتى جاءت الماركسيّة اللينينية فكشفت القناع وهدمت الحاجز بين البيض والسود، بين الأوروبيين وسواهم من أمم القارات الأخرى، وساوت بين أرقاء الاستعمار «المتمدنين» وبين أرقائه «غير المتمدنين»، وهكذا جمعت بين المسألة الوطنية ومسألة المستعمرات. وبهذا أصبحت المسألة الوطنية مسألة عالمية: مسألة تحرير الشعوب المضطهدة في المستعمرات وفي البلدان التي استعبدها الاستعمار."...


يتبع...
* التّشكيلات الاجتماعية الاقتصاديّة
*رهان التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي



#أسامة_الشّابّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألف باء ماركسيّة: توضيحات نظريّة وايديولوجيّة مبسّطة (مقدّمة ...


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أسامة الشّابّي - ألف باء ماركسيّة: توضيحات نظريّة وايديولوجيّة مبسّطة (مقدّمة)