أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أيوب عيسى أوغنا - من ذكريات قلعة كركوك (2)















المزيد.....

من ذكريات قلعة كركوك (2)


أيوب عيسى أوغنا

الحوار المتمدن-العدد: 4257 - 2013 / 10 / 26 - 22:34
المحور: سيرة ذاتية
    


من ذكريات قلعة كركوك (2)

يبدوا أن تسمية ( قلعة كاووريه) أثارت بعض الأهتمام والتساؤل , ولكن الجدير بالذكر أنها ايضا كانت تشمل الأقلية من التركمان المسيجيين أيضا , حيث كانت هذه الأقلية تتمتع بنفوذ بين بقية الأقليات ومعظمهم من الكلدان الكاثوليك , ومن أحد تلك الشخصيات ( ميناس غريب ) , الذي كان مالك البيت الذي ولدت فيه , وفي الكنيسة الوحيدة في القلعة , التي كانت على بعد مرمى حجر من مسجد النبي دانيال ( حجر صديق كما جاء في أغنية الفولكلور التركمانية) , كانت الطقوس وقراؤة الأنجيل في أغلب الأحيان تتلى باللغة التركمانية , مما تثيربعض الأنزعاج من الكلدان الذين كانوا يتلونها باللغة الآرامية/ السيريانية , وحتى أن اللغة اللاتينية كانت ببعض الأحيان تتلى كحل وسط حسب هوية الشماس واالقس وكانت المنافسة على أشدها بين القس التركماني والقس الكلداني من شقلاوة الذي كان يتشجع ويستعين بحضور والدي المرحوم الشماس (عيسى بيو) , ولكن من باب الأنصاف كنا نحن الصغار نحبذ التركمانية لأن عذوبة أصوات الكورس النسائي كان ملائكيا وخاصة في عيد السعانين والأعياد الأخرى !!..
وأتذكر في أحد الأيام جمعا غفيرا من الناس وهم يحومون حول شخص طريح الأرض , وتبين أنه أصيب بنوبة قلبية من جهد الصعود فوق عشرات الدرجات الى أعلى القلعة, وكان شخصية ذات أحترام في القلعة وهو تركماني مسيحي , وأصبح أبنه ( صباح عيسى) بعد سنوات , من أعز أصدقائي في ثانوية كركوك ومن غريب الصدف , أنني ألتقيت به في مكتب رعاية شؤون اللاجئين في كندا حيث كان يعمل , ونظرا لأنني كنت في عجلة من أمري وأنا في مهمة سفر لتعزية أحد الأقارب هناك وللأستفسارعن طريقة نقل جثمانها الى أرض الوطن , فلم يسمح لي الوقت لنتسامر معا ولنتذكر تلك الأيام الحلوة وذكرياتها الجميلة حيث كانت له غراميات ومعجبات لتشبهه بحليم حافظ بالصوت والصورة !!..
في تلك الأيام لم نعرف شيئا عن الشيعة والسنة , بالرغم من خروج المئات من أهالي القلعة بمسيرات بمناسبة (عاشوراء) , كانت تثير الرعب في قلوبنا نحن الصغار , وخاصة مشاهدة الدماء تسيل من رؤوس وأجساد العديد منهم نتيجة ضرب أنفسهم بالخناجر والزناجيل ( التطبيل), وتبين لنا ولو بعد سنوات أن تلك الطقوس هي للشيعة في ذكرى عاشوراء/ كربلاء وأستشهاد الأمام حسين بن علي وأهله (عليه السلام) , وأيضا كنا نشارك معهم باصوات عالية في ليالي تلك المناسبات الدينية , ونحن ننام فوق السطوح , حيث كانت الأصوات بالدعوات وأصداؤها تعلو في سماء القلعة كسمفونية تشبه الكورال في السمفونية التاسعة لبتهوفين !!..
وكانت مدرسة الطاهرة للبنين , ملتقى أبناء أهالي القلعة بأختلاف طوائفهم , ومن أحلى تلك الأوقات كان هي عملية الأصطفاف للطلاب والمعلمين في الصباح , ونشيد وطني وطني بالعربية , ولكن كان يعقبه أناشيد شجية من الفولكلور التركماني , وفي مناسبة نادرة في أحدى القنوات التركمانية بالصدفة تم غناء بعض تلك الأغاني في تلك القناة , ولم أتمالك نفسي , والدموع تنهمر من عيني فرحا لذكرى تلك الأيام وأصوات الطلاب ترن في ذهني مرة ثانية .
ونظرا لأن هذه هي سيرة ذاتية لذكريات الصبا , فانني سأذكر لكم ما حدث لي في مدرسة البنات البتدائية أيضا , لقد كان عمر القبول في مدرسة البنين الأبتدائية هو (7) سنوات ولكن شغفي في التعلم وأنا في السادسة , فأضطر والدي الطلب لي بلألتحاق بالصف الأول لأنني كنت قد تعلمت القراؤة والكتابة من أخواني وأخواتي في البيت , ونظرا لعدم وجود مقاعد شاغرة , طلب المديرمن والدي أن يجلب لي مقعد لكي ألحق بالصف, ولكن مبلغ = 100 فلس قيمة المقعد كانت صعبة على والدي وأجوره الزهيدة في عمله ككهربائي في شركة نفط العراق , فلم يتمكن من ذلك ( وربما هذا ما دفعه للمشاركة في الصفوف الأولى لأضراب ( كاوورباغي) التاريخي , ولم يحصل على شيء بالمقابل سوى طلقة نارية في الكتف وأشهر من البطالة لحين أسترداد صحته ورجوعه الى العمل , ولكن حصل في أواخر عمره وهو في التسعين قبوله كلاجيء سياسي في بريطانيا , بعد أن تم قبول طلبه بذكر مشاركته في كاوورباغي والتي يبدو أنها لم تصبح نسيا منسيا في نظربعض موظفي الهجرة البريطانيين , كما تم طمس ذكراها في العراق وحكوماته الوطنية بلأسم فقط !!؟؟..
ولقد حصل أيضا عند بلوغه من العمر (100) سنة , معايدة وبطاقة عليها صورة الملكة أليزابيث الثانية وعليها صورتها , وتم أيصالها بساعي البريد الخاص بالقصر الملكي , وكنا نمزح معه عن أمكانية نيل لقب الفارس أيضا , ولكن هيهات لأنه فارق الحياة بعدها بثلاث سنوات وكان طلبه أن يتم دفنه في البلد الذي أكرمه ورعاه كأكبرلاجيء سياسي عمرا على قيد الحياة . ويبدوا أن جينات العمر الطويل قد ورثها من والده الذي رحل عن الدنيا بعمر (113) سنة , وأنا متأكد بأن العشر سنوات الناقصة من عمره كانت بسبب التدخين ( وكما أثبتت الدراسات بأن المدخنين يخسرون (10) سنوات على الأقل من أعمارهم ) , ولابد أن نذكر أيضا نبذة مختصرة عن والده الذي أذاق الجندرمة العثمانيين درسا قاسيا , حيث تمكن من الهروب من الألتحاق القسري بالجيش العثماني مرتين في ما يعرف ( السفربلك) بالعامية , والصحيح = السفر بيوك ( الحرب الكبيرة/العظمى) , وعندما تم ألقاء القبض عليه حكم بالأعدام , ولكن لشدة الحاجة الى الجنود في الحرب العالمية الأولى , أعفي عنه , على أن يتم ألحاقه في الجبهة , وتمكن أثناء تسفيره تحت الحراسة المشددة من حفر فتحة في أسفل الحائط والهروب من السجن وساعد نزيل آخر معه , ولم يتمكن أعضاء الجندرمة المسلحين من اللحاق بهم , وتمكنوا مشيا على الأقدام لقطع مئات الأميال من الحدود التركية الحالية الى عنكاوة بالقرب من أربيل , وتمكن والدي وهو صبي مع والدته الأخذ بيد اليهودي متخفيا ومرتديا الملابس النسائية وأيصاله الى بيته في أربيل سالما معافا , ولكن جدي من والدتي لم يكن أحسن حظا , حيث مات مختنقا في قبو بعد أختفاؤه في تلك الحفرة ليتخلص بنفسه من الأسر والتجنيد القسري الى الهلاك , ولقد كان من المعتاد في زمن المجاعة الكبرى , أن يغزو الجندرمة القرى المسيحية المسالمة ويجروا الشباب من القرية , وسلب ما لديهم من المواشي والحنطة والشعير وتركهم يموتون من الجوع ( ويبدو أن الجندرمة من أبناء وأحفاد هؤلاء العثمانيين , حاولوا أخذ ثأرهم من والدي الجريح في أضراب كاوورباغي ؟؟!!., والله أعلم)
ولنرجع الى ما يتشوق اليه القاريء لما حدث لي في مدرسة البنات .... فما كان من أختي أن تذكر بان مدرسة البنات تقبل بعمر (6) سنوات , وأن الصف الأول فيه شواغر , وفي اليوم التالي تم مرافقتي الى مدرسة البنات وأنا ألبس التنورة السوداء و الصدرية البيضاء حول العنق , وألتحقت بالصف الأول , ولم يلتفت أحد لوجودي بينهم لأيام عديدة , ولكن أنفضح أمري أثناء التبول في المرحاض على الحائط وأنا واقف , فما كان من صياح البنات بعد أن أنكشف أمري , وجائت المديرة ومسكت بيدي وطردتني شر طردة خارج باب المدرسة !!!..
وكما ذكرت فأن معظم سكان القلعة نفسها كانوا من التركمان , والأقليات من اليهود والكلدان وعدد قليل من الآثوريين , وأتذكر جيدا أحد هؤلاء الفرسان من ( الليفي وهي فرقة آثورية كانت متمركزة في بحيرة الحبانية , تم تدريبها من قبل الأنكليز في الحرب العالمية الأولى , وكانت مشهورة بالشجاعة والبسالة والوطنية أيضا , ويذكر التاريخ بأن الأنكليز غدروا بلآثوريين بعد أن تم الأستغناء عنهم , ولولا ذلك فأن فرقة الليفي كانت عل أبواب بغداد لأحتلالها قبل أن يصل الأنكليز اليها . ويجدر بالذكر رئيس أساقفة الآثوريين ( مار شمعون) وأخته ( سورميه) الذين لعبوا دورا مهما في تلك الأحداث , ومن غريب الصدف أن التقي بحفيدة (مارشمعون ) في مدينة لوس أنجيليس في كاليفورنيا حيث كنت في زمالة قصيرة في السنة الأولى من جامعة ليفربول , وتم مرافقتي معهم الى المهرجان السنوي لآثوريين في كاليفورنيا حيث أصبحت تضم أكبر جالية آثورية في العالم بعد تهجيرهم سواء من تركيا العثمانية ( أو ما تبقى منهم من الأبادة التي تعرضوا لها مع الأرمن سنة 1915, وما حدث لهم من قتل وتهجير سواء في العراق وأيران , ونهاية النفوذ الآثوري كانت مذبحة
( سمائيل) في القرى الآثورية على يد الجيش العراقي بقيادة ( بكر صدقي) سنة 1932, ولاحاجة للدخول في أحداث تلك الحقبة المؤلمة من التاريخ العراقي , فهي بتفاصيلها على صفحات الأنترنيت والعم غوغل , لمن يريد البحث والتقصي , وأيضا ما جاء بتفاصيل الحملة الحالية على صفحات
( الحوار المتمدن في تسمية أحدى شوارع أربيل بأسم سيمكو وأحداث 1918) .
ولنرجع الى هذا الفارس الآثوري في قلعة كركوك , حيث كان من عادته ركوب حصانه الهائل
بين الأزقة الضيقة , ونحن الصغار يصيبنا الرعب ونحتمي بين البوابات لحين مروره , وبالرغم من قصر حجم الفارس , ولكن نظراته و تقاسيم وجهه والشارب الكثيف المعقوف , وعلى رأسه شبقته
( قبعته)الأصلية والريشة المعروفة لأفراد فرقة الليفي , ومن الصدف الغريبة والعجيبة , بأنني ألقيت بضابط بريطاني متقاعد في مسقط / سلطنة عمان , وكانت لديه صور لجده الضابط المسؤول عن فرقة الليفي الآثورية , يا لها من عالم ودنيا صغيرة , بل وأصبح العالم قرية كونية ...

يتبع ولو الى حين ...
وأرجوا أن أحصل على عدد أكبر من ردود القراء الذين عاصروا تلك الأحداث ولكن يبدو أني تأخرت بالكتابة كثيرا , وأن الكثير منهم يبدو , قد رحل قبل هذا التاريخ الى رحمة الله , وأن فترة يوم أو يومين في النشر , ليست كافية للآخرين وتسنح لهم الفرصة للقراؤة والرد .



#أيوب_عيسى_أوغنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكريات قلعة كركوك


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أيوب عيسى أوغنا - من ذكريات قلعة كركوك (2)