أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجي ظاهر - الهدية















المزيد.....

الهدية


ناجي ظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1212 - 2005 / 5 / 29 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


قصة: ناجي ظاهر
توقف سالم الصفوري، أبو صبحي، عن مغادرة سيارته الفورد القديمة، ووضع إصبعه في أذنه محاولا أن يهيئها للاستماع إلى صوت المذيع ينبعث من راديو السيارة، يقول إن أسراب الجراد ابتدأت بالانطلاق من جزيرة قبرص باتجاه المنطقة!!
لم يصدق سالم أذنيه، وراح يحرك مفتاح الراديو، باحثا عن محطة تعطيه الخبر اليقين، فهل هو سمع جيدا؟ وهل ستصل أسراب الجراد إلى بلادنا؟ وإذا وصلت؟ ماذا يفعل؟
منذ ُهجّر سالم من قريته عام النكبة، ليقيم في البلدة القريبة شفاعمرو، وهو يخشى الجراد ويسمي كل عدو أو خصم بهذه الصفة الفظيعة!! أبوه قال له قبل الخروج القسري من البلدة، إن أسراب الجراد، ملأت سماء البلاد، أيام الأتراك، وإنها لم تبق لا زرعا ولا ضرعا!! وقضت على المزروعات، حتى أن الناس كانوا يبحثون عن حب القمح فلا يجدونه، إلا في روث المواشي!!
ترى هل ستأتي أسراب الجراد؟
هل ستشمت به زوجته، ابنة شفاعمرو؟ هل ستمشي تلك الجرادة الخبيثة التي أخذت كل شئ منه. أتت على الأخضر واليابس، يساعدها في هذا قانون ظالم يحميها؟ وماذا سيفعل لمواجهة الجراد إذا ما جاء؟
أرسل سالم نظرة باتجاه المزروعات في أرضه. لا يمكن لا يمكن أن تتحطم آماله في هذا الموسم. انه موسم خير. الجراد لا يمكن أن يأتي إلينا، سيبقى في مكانه. وخطرت له فكرة، ما لبث أن ابتسم لها. ألا يكفينا ما يوجد لدينا من الجراد؟ وتصور أسراب الجراد تتعارك فيما بينها، فافترشت وجهه العجوز ابتسامة، ما لبثت أن امحت، إزاء تفكيره المتجدد بذلك العدو الخبيث.
سالم وعد زوجته، جرادته، أن يأتي إليها بهدية، لم تر مثلها في حياتها، إذا ما صبرت عليه ولم تعذبه أكثر. زوجته التزمت حينا واخلفت أحيانا، فكانت تلعنه وتلعن الساعة التي وافقت فيها على أن ترتبط به، وتبالغ فتلعن أساس أساسه!! وكان هو يشد ويرخي. لقد اعتاد عليها كما يعتاد المصاب بالسرطان على مرضه. فكان يبتسم لها في الظاهر، ويرد علها بأقذع مما تكرمت به عليه، في الباطن. فماذا ستفعل تلك الشفاعمرية، إذا ما اخلف وعده؟ أي هو بدون إخلاف وعد مش عارف كيف يمشي حاله معها، فماذا ستفعل إذا ما اخلف؟!
هذه الهواجس والأفكار، دفعت سالم إلى تفكير جنوني، ما لبث أن شرع في تنفيذه.
انطلق في سيارته القديمة، باتجاه بيته وراح يتلهى بالنظر إلى الأراضي الضيقة المزروعة في البلدة. أبناء عمومتنا لم يبقوا لنا غير القليل القليل من الأراضي الصالحة للزراعة. أغرونا بالعمل اليومي. ما أجمل هذه المزروعات. ما أجملها ما أجملها. إنها تذكره بتلك التي كانت في صفورية. لو بقي هناك هو وأهله، لما ارتبط بتلك الجرادة، وربما لعاش حياة أفضل بمئة مرة من هذه التي يعيشها بين آخرين يعتقدون انه اختطف اللقمة من أفواههم.
وتوقف أبو صبحي عند احد المفترقات القريبة من بيته. هو لا يريد أن يذهب إلى هناك. لا يريد أن يرى تلك الجرادة الشمطاء، آه لو انه يهرب، يسافر في فياف لا حدود لها. لا احد يعرفه قيها، لا انس ولا جراد، ولا إنسان شامت.
وانطلق في سيارته. كان يفكر في تلك الفكرة التي خطرت له. هو سيذهب إلى بيته، وسيقترب من جرادته، سيهمس في أذنها. سيقول لها إنني وعدتك بان آتي إليك بهدية لم تري مثلها، فترسل إليه نظرة ارتياب، فيتابع القول، أنا وعدتك بهذا إذا ما غل الموسم. لكن ماذا سأفعل إذا ما جاء الجراد مثلا والتهم الأخضر واليابس؟ وعبثا تصور ما ستقوله له. وشّرق وغرّب، ولم تبتعد أفكاره عن أن زوجته ستمسح به الأرض، وستقول له: الجراد في عينك!
وتوقف سالم قرب أرضه. نعم قرب أرضه. كل الدروب تؤدي إلى أرضه. هو لا يعرف أرضا أخرى أو زرعا آخر، ودائما تقوده إطارات سيارته القديمة إلى تلك الأرض.
وأغمض عينيه. انه متعب متعب متعب، ولا بد له من النوم قليلا، حتى يعرف ماذا بامكانه أن يفعل حماية لنفسه من الجراد القادم. وأرسل نظرة بعيدة إلى أرضه. الجراد لا يمكن أن يأتي إلى هنا. أنا إنسان مريض نفسيا. أنا مصاب بعقدة الاضطهاد. جرادتي كانت مصيبة حين اتهمتني بالاضطراب العقلي. أنا زلمة خويف. مفيش في الدنيا أخوف مني. مؤكد إني ببالغ وانه الكلام عن الجراد، هو كلام فارغ. أنا طول عمري مشفتش الا جرادة واحدة.
ولعن أبو صبحي الجراد وأهله، ونزل من سيارته، وضحك له نوار البندورة والخيار، فنسي الجراد وأيامه، ومد يده إلى المعزق، واخذ يقلب الأرض برفق لا حدود له. انه يحب هذه الأرض، ويحب ما تغدق به عليه، غير انه رجل لا يعرف كيف يفرح. ولا يعرف كيف يعيش. هذا ما قالته له جرادته، وهذه هي الحقيقة، فقد اعتاد على أن يشمر عن ساقيه قبل أن يصل إلى الماء، وان يعذب نفسه على الفاضي والمليان. تيجي الجراد بنواجهه. هيك بعمل كل الناس. أما أنا فأواجهه قبل ما ييجي. هذا هو العذاب عينه.
ونسي أبو صبحي الجراد، وانغمس في عمل عمره أربعون عاما، وفي حب عمره في طول عمر الإنسان في هذه البلاد، وأرسلت المزروعات في أرضه ابتسامة أحلى وأجمل. آه لو ترى زوجته هذه الابتسامة، لما نغصت عليه، ولما أذاقته من المر ألوانا!! وربما لرأت أن العالم ابعد من أربعة جدران. لا إنها لا ترى. اجل إنها لا ترى. وهذه هي مشكلتها.
ومضى الوقت رخيا، كما يحصل دائما، و.. فجأة فجأة فجأة، رأى أبو صبحي جسما غريبا ذا أجنحة يتحرك على عود البندورة القريب منه. إن طوله يقارب العشرة سنتمترات. انه احمر. هو لم ير في حياته مثل هذه الحشرة. ترى هل تكون الجرادة؟ اجل ولم لا تكون؟ أبوه وصف له جراد الأتراك. صحيح هو لا يعرف الجراد ولم يره من قبل، غير انه يعرفه. نعم يعرفه.
هي جرادة إذن؟
ومد يده بخفة لا حدود لها هه. هاي هي الجرادة بيدي. لم يكن الحديث عن الجراد مجرد كلام، وهاهو حقيقة أمامه. ترى ماذا تفعل هذه الجرادة هنا في ارضي، وهل يوجد سواها؟ وراح سالم يبحث ويبحث. كان يبدو كمن فقد عقله، وكان يريد أن يلقي القبض على جرادة أخرى وأخرى وأخرى، سوى انه لم يجد غيرها. ترى أتكون هذه جرادة شاردة؟ ربما، لكن ماذا سيفعل بها؟ وخطرت له فكرة العن من سابقتها، ليقدمها إلى جرادته الشمطاء. ليقدمها إليها. الم يعدها بهدية لا مثيل لها. ها هي الهدية بين يديه وما عليه إلا أن يقدمها إليها على طبق.. من عذاب.




#ناجي_ظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجي ظاهر - الهدية