أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء ملا يوسف - عن الحرية















المزيد.....



عن الحرية


شيماء ملا يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4190 - 2013 / 8 / 20 - 11:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في كتابه "عن الحرية" يوضّح الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل (1806-1873) الحرية المدنية أو الاجتماعية، وقصد بها طبيعة وحدود السلطة التي يمكن أن تُمارس بشكل شرعي على الفرد من قِبل المجتمع، والتي لم تُناقش هذه القضية كثيرًا قبلَه. لكن، ومع تطور البشرية أصبحت الحرية المدنية أكثر إلحاحًا، وحاجة للمعالجة عن ذي قبل.
بدايةً، يعرّف ميل الحرية بأنها كانت تعني الحماية من طغيان السلطة الحاكمة، حيث كان البشر في العصور القديمة مقتنعين بحاجتهم للخضوع إلى حاكم واحد يحميهم من الأعداء الخارجين، وكان لابد أن يتمتع الحاكم بقوة شديدة لحمايتهم، إلا أن السلطة الحاكمة سواء المتمثلة في حاكم واحد أو في القبيلة أو الطائفة الحاكمة، كانت تستخدم قوتها ضد شعبها مثلما كانت تستخدم القوة ضد الأعداء الخارجين. لذلك، نظر الشعب إلى تلك السلطة نظرة عدائية، وكانت بالنسبة إليه، موضع الخصم. ولكي يحمي الشعب نفسه من سطوة وقوة السلطة الحاكمة، سعى إلى وضع حد لتلك الممارسات القمعية التي تمارس عليه. هذا بالضبط ما قُصد بكلمة الحرية.

تحقق الهدف
وقد تحقق هدف هذا السعي على مرحلتين:
الأولى، كانت من خلال حصول الشعب على اعتراف ببعض الحصانات، والتي اطلق عليها اسم الحريات أو الحقوق السياسية، الي كان انتهاكها من قِبل السلطة الحاكمة، يعد خرقا للواجب.
وبعد أن حصل الشعب على الحقوق السياسية، جاءت المرحلة الثانية، والأكثر تطورًا، وهي : تأسيس نقاط المراقبة الدستورية، التي من خلالها أصبحت موافقة المجتمع شرطًا مُلزمًا لبعض أفعال السلطة.
ثم جاء زمن تطور الشؤون الإنسانية، حيث أصبح فيه الناس لا يرون ضرورة طبيعية في وجوب أن يكون حكامهم سلطة مستقلة، ومناهِضة لمصالحهم. وكان الهدف الأبرز، هو إيجاد حكام منتخبين، ومؤقتين، وأن يكونوا مندوبين عنهم، ويمكن عزلهم وإلغاء صلاحياتهم. وبهذه الطريقة فقط كان بوسعهم امتلاك ضمان بأن السلطة لن تسيئ استخدام صلاحياتها بما يضر مصالحهم. وكان هذا المطلب ضد مصلحة السلطة، التي اعتادت إن تتعارض مصالحها مع مصالح الشعب. كان لابد من تعليم الحكام أن تكون مصلحتهم وإرادتهم متوافقة مع مصلحة الشعب وإرادته، حمايةً للشعب.
وعندما صارت السلطة الحاكمة هي من الشعب نفسه، كان الاعتقاد بأن الشعب ليس بحاجة إلى قوانين تحد من سلطته على نفسه، وهذا الاعتقاد بديهي عندما لا تكون الحكومة شعبية. أما عندما تكون الحكومة هي حكومة الأغلبية -أغلبية الشعب- ، فهذا يعني أن هناك أغلبية، وهناك طغيان الأغلبية، الذي يعتبر طغيانا اجتماعيا، وهو أكثر هولًا من العديد من أنواع الطغيان، وحتى من الطغيان السياسي. لذا فإن الحماية فقط من طغيان السلطة الحاكمة لا تكفي. هناك حاجة للحماية من طغيان الأغلبية، ومن نزعة المجتمع نحو فرض أفكاره على هؤلاء الذي ينشقّون عن أفكار المجتمع وسلوكه. لذلك لابد من حماية الفرد من طغيان الأغلبية، شأنه شأن الحماية من الاستبداد السياسي.
وبعد الاتفاق على ضرورة وضع حد لتدخل المجتمع في حرية الفرد، يظهر السؤال الآتي: أين نضع الحد ما بين حرية الفرد والسيطرة الاجتماعية؟
هناك شعور في عقل كل شخص بأن الجميع يجب أن يتصرفوا بالطريقة التي يحبها هو. وبناءً على ذلك، فإن آراء الناس تتأثر بالأسباب المتعددة التي تؤثّر في رغباتهم، والتي تكون في الأغلب رغباتهم ومخاوفهم على أنفسهم، أي أنانيتهم، التي أحيانا تكون شرعية وأحيانا غير شرعية. فمثلاً، حينما تكون الطبقة الغنية حاكمة، ستنبثق القوانين طِبقًا لمصالح تلك الطبقة وهكذا. ولكن ثلة من الناس، الذين سبقوا المجتمع في الفكر والشعور، ولم يحاولا أن يغيّروا ما يحبه ويكرهه الناس، تركوا ما يحب وما يكره الناس على حاله، وشغلوا أنفسهم في تغيير مشاعر الناس نحو ما يحبون وما يكرهون. نجحوا في تغيير مشاعر الناس، لكن ظل الناس يرفضون التدخل المباشر من قِبل الحكومة في حرياتهم، ولا يزالوان ينظرون إلى الحكومة على أنها تمثل مصلحة مضادة لمصلحتهم، وهناك قدرًا كبير من المشاعر الجاهزة للتأجيج ضد أية مقاومة تقوم بها السلطة الحاكمة للسيطرة على الأفراد في الأشياء التي لم يعتادوا أن يخضعوا لسيطرتها. إذًا، ليس هناك مبدأ يُقاس عليه التدخل الحكومي، فالناس يقررون حسب تفضيلاتهم ومنفعتهم الشخصية. فعندما يرون خيرًا لهم يحرّضون الحكومة طوعًا على أن تقوم بهذا العمل، أو على رفض العمل إن كان شرًّا عليهم. وبسبب غياب المبدأ الذي يُقاس عليه تدخل الحكومة من عدمه، تُدان الحكومة بشكل مستمر بسبب تدخلها في حرية الأفراد.
عودة للسؤال: أين نضع الحد ما بين حرية الفرد والسيطرة الاجتماعية؟
بما أن الفرد هو سيد على نفسه وجسده وعقله، كان الهدف من الحرية هو مبدأ واحد وبسيط، وهو حماية الفرد من سيطرة المجتمع عليه، سواء أكانت الوسيلة المستخدمة للسيطرة قوة مادية على شكل عقوبات شرعية، أو إجبارًا معنويا للرأي العام. لا يمكن إجبار الفرد على أن يفعل شيئًا أو لا يفعل حسب ما يراه الآخرون بأنه هو الأفضل له. وإن قام بعمل اعتُبر خلاف ما يرونه حكيمًا، يمكنهم مناقشته، أو إقناعه، أو التوسل إليه، لكن لا يمكنهم إجباره.
لذلك، ليس للحرية -كمبدأ- أي تطبيق قبل الزمن الذي يصبح فيه المجتمع قادرًا على التطور عبر المناقشة الحرة والمتساوية، وهي فترة تستغرق زمنًا طويلاً. أما الإكراه فلم يعد مسموحًا به ، بوصفه وسيلة لمصلحة الفرد، فهو غير مبرر إلا لأجل حماية الآخرين وصيانة أمنهم في مواجهة أي عمل مؤذٍ من قِبل الفرد، والقانون هو من يقوم بمعاقبته، أو من خلال الشجب والاستنكار العام، أو يقوم بأعمال إيجابية لمصلحة الآخرين.

الحريات
إذا كان الهدف من الحرية هو حماية الفرد من المجتمع، فالسؤال هو: كيف يتحقق ذلك؟
يتحقق هذا الهدف من خلال تمتع الأفراد بالحريات عبر العيش في مجتمع حر، ومن تلك الحريات:
أولًا: حرية المعتقد بالمعنى الشامل. أي حرية الفكر والرأي والعاطفة في كافة المواضيع، العملية، والعلمية، والمعنوية، والدينية. وأيضا حرية التعبير ونشر الآراء، وإن كانت تبدو أنها تقع تحت مبدأ مختلف، كونها تهم أناسا آخرين، ولكنها غير قابلة للفصل عن حرية الفكر. لذلك هي تندرج تحت حرية الفكر.
ثانيا: حرية الأذواق. حرية تصميم حياتنا لتتناسب مع أشخاصنا، حرية أن نفعل ما نحب دون إعاقة أو عرقلة من المجتمع طالما ما نقوم به لا يلحق الضرر بالآخرين، حتى وإنْ اعتقدوا بأن سلوكنا أحمق أو خاطئ.
ثالثا: حرية التجمع بين الأفراد، وحرية الارتباط من أجل أي غاية لا تنطوي على ضرر يلحق بالآخرين.
تلك الحريات إن وجدت بالشكل المطلق ودون شروط، عندها فقط نقول بأن المجتمع حر ويتمتع أفراده بالحرية، مهما كان شكل حكومته.


حرية الفكر والمناقشة
في الكثير من البلدان، ليس هناك خشية من أن تحاول الحكومة السيطرة على حرية التعبير عن الرأي. فالحكومة الجيدة لا تكون لها صلاحية في ذلك أكثر من الحكومة السيئة. ولكن ما يُخشى منه هو عندما تمارس الحكومة سيطرتها على حرية التعبير بالتعاون مع الرأي العام.
لو أن البشرية اتفقت على رأي واحد، وكان هناك شخص واحد معارض لهذا الرأي، لا أحد يملك الحق في إسكات هذا الشخص ومنعه من التعبير عن رأيه، باعتبار أن الرأي ملكية شخصية لا يملكه أحد إلا صاحبه.
ولكن ، أين يكمن الضرر في حالة حرمان هذا الشخص من حرية التعبير عن الرأي؟ يقع الضرر في تلك الفرضيتين:
الفرضية الأولى: إنْ كان يُعتقد بأن الرأي صحيح ولكن لم يُسمح لصاحبه بالتعبير عنه، عندها ستفقد البشرية المعرفة الأكثر وضوحا وعمقا بهذا الرأي، وتظل في جمودها، ومع مرور الوقت تضعف الآراء، وسيُعتقد بها دون معرفة السبب في أنها صحيحة، وبالتالي تفقد حيويتها وتطورها مع تطور الفرد والمجتمع.
الفرضية الثانية: إنْ كان يُعتقد بالمطلق بأن الرأي خاطئ، ألا يمكن في المقابل أن يكون الرأي صحيحا؟ بالتالي فإن كل محاولة لإسكاته هي حرمان للبشرية من الرأي الصائب، لأن الذين أسكتوه يجزمون بخطئه في الوقت الذي يعترفون أن البشر غير معصومين عن الأخطاء، إلا أن ثقتهم وغطرستهم تمنعهم من افتراض خطئهم، خاصة للذين اعتادوا أن يُطاعوا، كالحكام المستبدين مثلا.
هناك ملاحظة لمن يفترض هاتين الفرضيتين. لو التفت أفراد المجتمع إلى الوراء، إلى العصور التي سبقتهم، سيجدون أن الكثير من الآراء التي حُكم على صحتها لن تكون صحيحة الآن، كتلك المتعلقة ببعض الحروب غير العادلة، وكالآراء التي قُمعت في الماضي ويُعتقد الآن بصحتها. لذا، من المحتمل أن العديد من الآراء التي يرونها اليوم صحيحة أو خاطئة، سينظر إليها في المستقبل بنظرة مغايرة. وحتى قبل أن نفرض تلك الفرضيتين، علينا أن نتساءل: كيف لنا أن نعرف حقيقة الآراء المتنازع حولها؟ والأسس التي تم الاستناد إليها لمعرفة الحقيقة؟ فحقيقة الآراء "لا تستوطن" في العقل.
على الحكومة وأفراد المجتمع أن يفعلوا أفضل ما بوسعهم لمعرفة الحقيقة، فلا يوجد الآن امتلاك محتكر لما يسمى بالحقيقة المطلقة، فالآراء الصحيحة لن توجد بصورة صحيحة بالكامل، والآراء الخاطئة لابد أنها تحوي جزءا من الحقيقة والصحة، فالقول بأن هذا الرأي صحيح وذاك الرأي خاطئ ما عادت قطعية الحقيقة وما باتت حتميتها سائدة، ليس لأن الحقيقة صارت بعيدة عنا، بل على العكس، لأنه كلما تعددت الآراء وتنوعت، اقتربنا من الحقيقة أكثر. لذلك، هناك فرق بين أن يكون رأينا هو الصواب، وبين "الافتراض" بأن رأينا هو الصواب.
إذاً، ماذا تعني العبارة أن على السلطة الحاكمة وأفراد المجتمع أن يفعلوا أفضل ما بوسعهم؟ يؤمن العقلانيون والأخلاقيون أن البشر غير معصومين من الخطأ، وأن أخطاءهم قابلة للتصويب من خلال "التجربة". بل ليس من خلال التجربة وحدها، فقليلة هي التجارب التي تخبرنا بصوابها أو خطئها بنفسها، لذا لابد أن تصاحبها "المناقشة" لتفسر أسباب الخطأ والصواب.
فقط من خلال المناقشة يمكن الوصول إلى مقدار من الصواب. فالذين نعتقد بأن آراءهم تستحق الثقة، فذلك لأنهم أبقوا عقولهم مفتوحة للنقد الموجه لآرائهم، والاستماع لكل ما يقال ضدها من خلال المناقشة مع الآخرين.
لا توجد أمام العقل البشري إلا طريقة واحدة للاستفادة، ولتطور الآراء، وهي الاستماع إلى جميع الآراء على تنوعها، من أجل تصحيح وإكمال الرأي، عن طريق ترتيبها ومقارنتها مع آراء الآخرين. ومن خلال المناقشة تتشارك الآراء المتعارضة مع الحقيقة، لنصل إلى المرحلة التي تصبح فيها الحقيقة مسألة توافقية بين مختلف المتناقضات.
إلا أن حرية المناقشة والتعبير عن الآراء لا بد أن تسير وفق أسلوب معتدل، أي بعيدا عن الإهانة والتهكم والشخصانية، خاصة من قبل أصحاب الرأي السائد، ومن قبل الذين كثيرا ما يسمون الآخر بأنه سيئ ويريد أن يزعزع ثوابت المجتمع وغيرها من التهم التي تلصق بالآخر. وعلى أصحاب الرأي غير السائد أن يكونوا معتدلين في استخدام اللغة، وأن يحرصوا على تجنب إثارة واستفزاز أصحاب الرأي السائد. لذلك، لابد على كلا الطرفين أن يحترما الرأي الآخر، فلا يسود الشتم والسباب، ولا يتم التعرض للنوايا.

الفردية
لا يزعم أحد أن تكون الأفعال حرة كما هي شأن الآراء الحرة، بل حتى الآراء تفقد حصانتها عندما تكون الظروف التي يعبر من خلالها عن تلك الآراء غير ملائمة، مثل أن تكون الآراء تحريضا على أعمال فوضوية ضارة، أو ضررا على الآخرين.
فالأفعال يجب أن تُحد إلى درجة لا تكون خلالها مصدر إزعاج وضرر على الآخرين. ولكن إذا امتنع الفرد عن إيذاء الآخرين فيما يخصهم، وتصرف وفق ميوله وأحكامه في الأشياء التي تخصه، فله الحرية في ذلك. لذا، يجب أن تؤكد الفردية نفسها في الأشياء التي لا تخص الآخرين. فعندما يقلد الفرد الآخرين، عندها ستفقد البشرية التنوع. وكما لا بد من تنوع الآراء لتطور وازدهار البشرية، كذلك هي التجارب الفردية.
الصعوبة لا تكمن في الوسائل المؤدية لتلك الغاية - ازدهار البشرية وتطورها - بل في لا مبالاة الأفراد بصورة عامة تجاه هذه الغاية. فأنماط التفكير لدى العامة، لا تعترف بالفردية وقيمتها الجوهرية، ولا ترى ضرورة بأن تكون لكل فرد تجربته الخاصة في الحياة تختلف عن تجربة الآخر، بل البعض يرى أنها لا تستحق أي اعتبار، لأنهم مقتنعون بطريقة حياتهم، ويرون أن من يريد أن يكون له نمط غير السائد في المعيشة، هم أشخاص مثيرون للمشاكل ومتمردون. قد تكون غيرتهم من الفرد القادر على الاختيار تدفعهم لقول ذلك، أو أنهم لا يعرفون السبب والغاية في أن يغير فرد نمط حياته.
ما من أحد يرى أن رُقي البشر، هو في أن لا يقوم البشر إلا بتقليد بعضهم البعض. أيضا من غير المعقول أن نزعم بأن الناس ينبغي أن يعيشوا كما لو أنه لم يُعرف شيء في العالم قبل أن يجيئوا إليه، وأن نعدم كل التجارب الإنسانية التي سبقتنا. لا أحد يشك في ضرورة تعليم البشر وتدريبهم في مرحلة الشباب، ليعرفوا ويستفيدوا من النتائج التي وصلت لها التجارب الإنسانية. والوضع الطبيعي للإنسان هو في أن يستخدم تلك التجارب، ويفسرها بطريقته الخاصة، بمعنى أن يكتشف بنفسه أي أجزاء من تلك التجارب تناسب طبيعته وميوله وشخصيته، وألاّ يُساق الفرد كما يساق الغنم في القطيع، فالبشر ليسوا كالأغنام، حتى الأغنام فإنها ليست متشابهة إلى حد لا يمكن التمييز بينها.
الأعراف والعادات تصنع لظروف تقليدية ولأشخاص تقليديين، فقد يكون الفرد إنسانا غير تقليدي، أو تكون العادات غير ملائمه بالنسبة له. ثم، حتى إن كانت تلك العادات جيدة وملائمة بالنسبة للفرد، فبمجرد أنها عادات فإنها لن تعلمه أو تطور فيه أية صفات مميزة. فالقوة العقلية والأخلاقية شأنها شأن القوة العضلية، لا تتطور إلا من خلال الاستخدام. فالشخص الذي يفعل أي شيء، فقط لأن ما يفعله هو "عادة" من عادات المجتمع، فهو لا يقوم بأي اختيار، ويتنازل عن حقه في معرفة الأفضل بالنسبة إليه، فما يفعله، هو ما يفعله الفرد الذي سُلبت منه حريته دون اختيار منه. فمن يقوم بتلك العادات، قد تخلى عن حريته باختياره عندما لم يختر سوى الاعتقاد بشيء ما، فقط لأن الآخرين يعتقدون بهذا الشيء. وقد يقوده ذلك إلى طريق سالك، وبعيد عن الأذى، ولكن ما الذي ستكون عليه قيمته النسبية كإنسان؟
إن الطبيعة البشرية هي هبة إلهية مميزة للفرد وحده، دون غيره، ومن الإجحاف أن نحوّل تلك الطبيعة إلى آلة بيد المجتمع، ليقوم بتغييرها حسب المعايير الاجتماعية، ثم ندعها تنطلق في الحياة وفق تلك العادات والمعايير، فهي ليست آلة يمكن بناؤها وفق نموذج معين وجعلها تقوم بالعمل المنوط إليها بشكل دقيق، بل هي شجرة تحتاج إلى أن تنمو وتكبر وتطور نفسها حسب ميلها وقواها الداخلية التي تجعلها شيئا حيا. فأية قيمة حضارية ستضاف إلى البشر حينما نكرر نفس نمط الحياة على سنين طويلة من تاريخ البشرية؟ ما الفرق بين هذا النوع من البشر وبين الآلات الميكانيكية التي تكون جيدة حينما تؤدي عملها كما هو؟ ما يحتاجه الإنسان ليضفي قيمة على نفسه هو أن يختار لنفسه خطة، فيستخدم كل القدرات التي يمتلكها، بدءا من المشاهدة ليلاحظ، ثم الاستدلال المنطقي والحكم ليستقرئ المستقبل، مرورا بالنشاط ليجمع المواد لقراره، ثم التمييز ليتخذ القرار، وبعدها يقرر، حيث يحتاج إلى الثبات وضبط النفس للتمسك بقراره.
من المحبذ أن يمارس الأفراد تجاربهم في الحياة وفق فهمهم، ولا يعني ذلك عدم الالتزام بعادات المجتمع، بل يكون التزاما "ذكيا" بذلك، بل حتى الابتعاد عن الذكاء في بعض الأحيان، أفضل من الالتزام بشكل نمطي وتقليدي. لا بأس بالالتزام بتلك العادات، ولكن ليس إلى حد الإبقاء على دوافعنا، فالدوافع والرغبات هي جزء من الإنسان، شأنها شأن المعتقدات. ولا خوف من الدوافع حتى وإن كانت قوية، فلا خطورة منها. نريد أن تتطور الرغبات والنوازع لتصبح قوة، وهو ما نعنيه بالطاقة، والطاقة يمكنها أن تكون في مجال الخير أو الشر، وأيضا يمكننا تحويلها إلى الخير إن نزعت إلى الشر، من خلال تهذيبها وتعديلها، وليس من خلال الحرمان من الفردية. فالأفراد الذين ننعتهم بأنهم يملكون شخصية قوية، هم الذين تكون دوافعهم ورغباتهم ملكا لهم، أي هم من يُعبّرون عن طبيعتهم الخاصة. بعكس الشخص الذي لا تكون رغباته ودوافعه ملكا له، فهو لا يمتلك أكثر من الماكينة البخارية لشخصيته، والتي يكون المجتمع قد صممها له، وما يفعله هو مجرد تشغيلها وفق تصميمهم.
لا يصبح للبشر أهداف نبيلة وجميلة، إذا تم إضعاف كل ما هو فردي - خاص - في أنفسهم، وإذا تم إخضاعهم لما يطلبه المجتمع منهم، بل يمكن تحقيق تلك الأهداف من خلال تهذيبهم ضمن الحدود التي تفرضها حقوق الآخرين. فلا يمكن الاستغناء عن بعض القوانين، لمنع الأفراد الأقوياء من الاعتداء على الآخرين وإلحاق الضرر بهم. ومن بين تلك الاضرار، أن الأضعف لن يحصل على فرصة مكافئة للتطور. لقد انتهى العصر الذي كان يضع الأفراد ذوي العقول والأجساد القوية، تحت ضوابط يفرضها المجتمع، للسيطرة على دوافعهم وطاقاتهم، من خلال ما فرض عليهم من قانون ونظام. هناك نوع من البشر يرى أن مفهوم البشرية يكمن في تلك التي تمتلك طبيعتها وتؤكدها، وليست في تلك التي تنكر أو تلغي تلك الطبيعة. لابد من إعطاء كامل الحرية لطبيعة كل فرد، وإلا فالبشرية كلها ستصاب بالبلادة.
إذاً، الفردية متلازمة مع التطور. فالأفراد العباقرة هم الذين أعطوا قيمة لهذه الأرض، وطوروا كل شيء يتعلق بها. والعبقري لا يمكنه أن يكون عبقريا، إلا في فضاء الحرية، فضاء لا يحد من طبيعته الفردية الخاصة به. العباقرة أكثر فردية من الآخرين، وبالتالي هم أٌقل قدرة على تكييف أنفسهم، دون ضغط مؤذ، للدخول في أي من القوالب التي يطرحها المجتمع لأجل أن يوفر على الأفراد مشقة تشكيل شخصياتهم بأنفسهم. فغالبية الأفراد لديهم ميل للانحدار الى القوالب. لكن، هناك معضلتان تواجهان العبقري في كلتا الحالتين، الأولى: إن وافق العبقري، بسبب الخوف، على الدخول في إحدى هذه القوالب، وأن يترك الفردية التي لا يمكن أن تتوسع تحت ضغط المجتمع، عندها سيكون المجتمع بالنسبة إليه، مكانا سيئا لعبقريته. الثانية: إذا كانت لديه شخصية قوية جدا، واستطاع أن يكسر تلك القوالب، فإنه سيصبح علامة للمجتمع الذي لم يفلح في تحجيمه، حيث سينعتونه بالعنيف وما إلى ذلك من الأوصاف السلبية.
لذا، من الضروري الكشف عن العبقرية من خلال حرية الفكر والممارسة، حيث المنفعة لن تكون للعباقرة وحدهم، بل سيعم التطور الفردي على البشرية كلها. فهم أكثر من يوافقون على أهمية العبقرية من الناحية النظرية، إلا أن القليل جدا من يكترث بتلك الناحية، ويؤمن بها. والبعض يعتقد أن العبقرية تكون إما بكتابة قصيدة جميلة أو برسم لوحة رائعة، لكن العبقرية أبعد من ذلك، فهي تكون في الفكر والعمل.
إن تسلط العادة هو العائق الذي يقف في وجه التطور. وبالمناسبة فإن روح التطور ليست دائما هي روح الحرية، لأنها قد تهدف إلى فرض التطورات على الأفراد غير الراغبين فيها. وروح الحرية ترفض محاولات الفرض. وإن كانت محاولات الفرض لتطور البشرية، فروح الحرية قد تتحالف مع أعداء التطور.
والآن لنر، ما الذي جعل أوروبا متطورة؟
قبل الإجابة عن السؤال، لنفكر قليلا في المبدأ التقدمي. فمن الممكن لأي شعب أن يكون تقدميا لفترة من الزمن، ومن ثم يتوقف عن ذلك، لماذا؟ لأنه يكف عن امتلاك الفردية. فالتقدمية تحرم التفرد، ولكنها لا تمنع التغيير. فنحن نصنع باستمرار اختراعات ميكانيكية جديده، ونبقي عليها حتى تتفوق عليها اختراعات أفضل، ونحن راغبون في التطورات السياسية والاجتماعية، وحتى في الأخلاق، والتغيير والتقدم لا يكون فقط من خلال إقناع الآخرين، بل يكون بإجبارهم على أن يكونوا جيّدين، وهنا الاعتراض. ففي هذه الحالة سنحارب الفردية، ونحارب حريته في الاختيار، حتى وإن اختار الأسوأ بالنسبة إليه.
إن الأسباب التي جعلت أوروبا تتطور على سائر الشعوب، لا يتعلق بأي تفوق فيها - وإن وجد فهو يوجد كنتيجة وليس كسبب - ولكن للتنوع البارز في الشخصية الأوروبية وفي الثقافة الأوروبية. توجد حرية في الاختلاف، وحرية في تجارب أفرادها المتعددة في الحياة. التجارب الجيدة والنافعة والسيئة، هي التي صنعت أوروبا الحالية. وإن كان هناك سبب ما سيقودها للانحدار، فإنه سيكون عدم تنوعها - مثل تشابه الفرنسيين في الوقت الحالي مع بعضهم - لأن الحرية ليست وحدها هي الشرط الأساسي لتطور البشرية، بل لا بد أيضا من تنوع المواقف، لجعل الناس لا يشبهون بعضهم البعض. ما نراه الآن هو اقتراب الأفراد من التشابه، فهو يقرؤون نفس الكتب، يذهبون إلى الأماكن نفسها، ويستمتعون بالأشياء نفسها، وحتى أهدافهم أصبحت هي نفسها, وبدت الاختلافات تتلاشى. يرجع سبب ذلك إلى عدد من التغيرات في العصر الحالي، منها التغيرات السياسية، وثورة وسائل الاتصال التي جعلت البشرية تقترب من بعضها وتتشابه فيما بينها ودمج كل سكان العالم مع بعضهم. تلك الأسباب وغيرها، هي حشد قوي وكبير جدا ضد الفردية، وإن استمرت الأمور هكذا دون مقاومة، سيُنظر لكل الاختلافات الفردية على أنها أمور متمردة آثمة ولا أخلاقية ووحشية ومعاكسة للبشرية، ويصبح الجنس البشري غير قادر على استيعاب التنوع.


سلطة المجتمع على الفرد
يتلقى الفرد حماية من المجتمع، في حين على الفرد أن يلتزم بسلوك خاص تجاه خدمة الحماية تلك. ويرتكز هذا السلوك، أولا، على عدم إلحاق الضرر بمصالح الأفراد، وثانيا، أن يضحي الفرد من أجل حماية مجتمعه.
من حق المجتمع أن يمارس سلطته على الأفراد الذين يتملصون من تأدية واجباتهم تجاه مجتمعهم. إن ممارسات الفرد قد تكون مؤذية للآخرين من دون أن تنتهك حقوقهم الدستورية، فيُعاقب المسيء حينها على نحو عادل من قبل الرأي العام وإن لم يعاقبه القانون.
لا يحق للمجتمع أن يقول لأي فرد بلغ سن الرشد "لا يجب عليك أن تفعل"، أو "من اللازم أن تفعل"، أو "من أجل مصلحتك افعل"، فالفرد هو الشخص الأكثر اهتماما بمصلحته الخاصة. لذلك، قد يتم العبث بالمصلحة الفردية، باستثناء حالات تتعلق بوجود صلات "قوية" بين الأفراد. إنّ تدخل المجتمع لنقض أحكام الفرد وغاياته فيما يتعلق به، سيبنى على افتراضات عامه من قبل المجتمع، وهذه الافتراضات يمكن أن تكون خاطئة تماما، أمّا إن كانت صحيحة فمن الممكن أن يُساء تطبيقها من قبل أشخاص غير مطلعين على بعض الظروف. وقد يُقدم المجتمع بعض الاعتبارات والمحفزات لدعم حكم الفرد وتقوية إرادته، لكنه يبقى الحاكم الذي بيده القرار الأخير. إن السماح للآخرين بفرض "قيود" على الفرد لأجل ما يعتبرونه مفيدا لمصلحته، يفوق كل الأخطاء التي من المحتمل أن يرتكبها الفرد بنفسه.
إن الناس يختلفون. فهناك من يتصف بصفات تؤدي إلى تحقيق مصالحه الخاصة، لكنه يكون قريبا من الكمال المثالي للطبيعة البشرية، فيكون موضع إعجاب. أمّا إذا كان لديه نقص كبير في صفاته، فسيكون غير محبب، وسيملك أفراد المجتمع الحق في أن يتصرفوا معه وفق ما يرون ويعتقدون، لكن لا يملكون الحق في قمع فرديته.. لديهم الحق في تجنبه، لكن ليس إلى حد فرض أحكامهم عليه.
قد يعاني الشخص من عقوبات قاسية أوقعها الآخرون عليه نتيجة لأخطاء لا تخص أحداً سواه. فالشخص الذي ينغمس بالملذات على حساب عقله، لابد أن يتوقع في أنه سيكون غير محبب عند الآخرين، لكن ألاّ يصل ذلك إلى حد الكراهية الشديدة، فلا يوجد شيء يبرر الكراهية. فقسوة المجتمع، والطبيعة الحاقدة المريضة، والحسد، والنفاق، وعدم الإخلاص، والاهتياج في موضوع لا يستحق، وحب السيطرة على الآخرين، والغرور الذي يستمد الإشباع منه بإهانة الآخرين، والأنانية التي تعتقد أن النفس واهتماماتها أكثر أهمية من أي شيء آخر، كل تلك رذائل أخلاقية أكثر سوءا على المجتمع من أخطاء ذلك الفرد الذي لا تتعدى أخطاؤه ذاته.
إن التمييز بين فقدان الاعتبار، الذي يجنيه الفرد من خلال خلل في التعقّل أو في الكرامة الشخصية، وبين الرفض وعدم التأييد الذي ينتظره نتيجة لإساءته للآخرين، هو تمييز دقيق، ويخلق فرقا كبيرا في مشاعرنا، وفي سلوكنا تجاهه. في حين، إذا كان قد أزعجنا في أمور نعتقد أنها من حقنا، وبين أمور أخرى نعرف أنها ليست من حقنا، فإننا هنا قد نعبر عن كرهنا له، ونبتعد عنه، ولكن من الخطأ أن نجعل حياته متعبة. فهو سيعاقب في حال ارتكابه خطأ قانونيا، أما إذا كان خطؤه ناتجا عن سوء إدارة حياته فإننا لن نرغب في زيادة فساده، وسنحاول جاهدين أن نخفف عنه، عن طريق اطلاعه على كيفية تجنب الشرور التي يمليها سلوكه عليه. قد نشفق عليه، أو لا نحبه، ولكنه لن يكون موضع غضبنا وكرهنا، ولن نعامله على أنه عدو للمجتمع. أما إذا انتهك القواعد الضرورية لحماية أفراد مجتمعه، فإن التبعات السيئة لأفعاله لن تقع حينها عليه بل على الآخرين، ومن شأن المجتمع بوصفه المدافع عن كل أفراده أن يرد عليه، ولا بد من إلحاق الألم به لغرض إشعاره بالعقوبة.
إن العديد من الناس لا يستطيعون أن يميّزوا ما بين الجزء الخاص بحياة الفرد، وبين الجزء الذي يخص الآخرين، لأنه ما من كائن يعيش بشكل منعزل تماما، وكثيرة هي الأمور التي لا تكون مؤذية للفرد فقط بل يصل أذاها أيضا للآخرين، خاصة من هم على صلة قرابة مع الفرد، فإذا ألحق الضرر بملكيته، فإنه يلحق الضرر بهؤلاء، وإذا ما تسبب في تدهور قدراته الجسدية أو العقلية، فإنه لا يجلب الضرر على الأشخاص المعتمدين عليه فقط، بل يعيق نفسه ويصبح غير مؤهل لتقديم الخدمات التي يدين بها لأبناء جلدته، ويصبح عبئاً عليهم.
وإذا كان الإدمان على الخمر والسُكر يصل إلى درجة فقدان السيطرة أو الخمول، أو غيرها من الأمور المؤذية للآخرين، شأنها شأن الأفعال التي يمنعها القانون، كالجرائم، فلماذا لا يقوم القانون بجهد لمنع هذه الأشياء أيضا؟ ألا ينبغي على الرأي العام أن يمنع هذه الأفعال وينظم جهازاً إدارياً كالشرطة وينزل العقوبات الاجتماعية لهؤلاء الذين يمارسون تلك الموبقات؟
ولكن، أوليس منعه فيه تقييد لفرديته بمنعه من تجاربه في الحياة؟
هناك أذى يلحقه الشخص بنفسه مما يؤثر بشكل جدي على هؤلاء المرتبطين به بشكل خاص، كما يؤثر على المجتمع بشكل عام. فعلى سبيل المثال، إذا أسرف شخص ما، وأصبح غير قادر على سداد ديونه، عندها سيخل بواجباته تجاه أسرته، ولن يكون بمقدوره أن يعيل أبناءه، ولن يستطيع أن يتكفل بتعليمهم، ولابد أن يتعرض للعقاب العادل نتيجة إخلاله بواجباته تجاه أسرته وتجاه دائنيه، وسيكون إسرافه موضع رفض أخلاقي. أيضا، لا يعاقب شخص لأنه مخمور، ولكن يُعاقب الجندي الذي أخل بواجبه تجاه المجتمع. بعبارة أخرى، عندما يقوم الأفراد بعمل فيه ضرر، فإن ذلك يخرج من مجال الحرية إلى مجال الأخلاق والقانون.
سنذكر هنا نوعا من الضرر الذي لا يضر المجتمع كثيرا بقدر ما يضر الفرد نفسه، من خلال سلوك لا ينتهك حق المجتمع ولا يسبب أي أذى محسوس لأي فرد آخر ماعدا للفرد نفسه، كالإزعاج مثلا، الذي هو من الأمور التي يستطيع المجتمع أن يتحملها من أجل المصلحة الكبرى، أي من أجل الحرية الفردية. إن الضرر الذي يسببه الفرد للمجتمع يمكن إصلاحه، لكن ليس عن طريق الانتظار حتى يفعل الفرد عملا طائشا ومن ثم يعاقبه المجتمع معاقبة أخلاقية أو قانونية. فالمجتمع يملك سلطة مطلقة على الفرد، وقادر على أن يجعله يسلك السلوك العقلاني في الحياة، بالتأثير على مراحل حياته الأولى في فترة الطفولة والمراهقة. وبالطبع، فإن الجيل الحالي الذي يشرف على الجيل القادم لن يكون مثاليا، ولكن على اٌقل تقدير فإنه قادر على أن يجعل الجيل القادم بنفس مستواه أو أفضل منه بقليل، ليس فقط من خلال التعليم بل أيضا من خلال الرأي المتوارث. لا يجب على المجتمع أن يلجأ إلى وسائل أكثر سلطوية من ذلك. ففي المجتمع هناك أفراد نشطون ومستقلون، يثورون عندما يحاول المجتمع السيطرة على خصوصياتهم وحرياتهم، ويصبحون علامة من علامات الحماس والشجاعة في الوقوف ضد القوانين التي تحد من حرياتهم.
من النتائج السيئة لتدخل المجتمع في الشؤون الخاصة للأفراد، تدخله على نحو خاطئ في المكان الخاطئ. ففي الأمور التي تخص الفرد في الغالب، يكون رأي الأغلبية السائدة خاطئا، لأنهم في مثل هذه القضايا يكونون ملزمين بالحكم استنادا إلى مصالحهم الخاصة، ولا يبالون كثيرا إلا لتفضيلاتهم. فالعديد من الناس يعتبرون أي سلوك لا يحبونه أو لا يفضلونه بمثابة أذى لهم، ويبغضونه، كما لو كان استفزازا لمشاعرهم، كالمتعصب دينيا عندما يُتّهم بعدم احترام المشاعر الدينية للآخرين فهو يبادر إلى الإجابة بأنهم لا يحترمون مشاعره من خلال استمرارهم على معتقداتهم.
في تدخلات المجتمع بالسلوك الفردي، فإن الغالبية لا تفكر بأي شيء سوى بفداحة شرور الفرد وسوء تصرفه، لأنه تصرف على عكس ما يشعرون هم بصحته وما يعتقدون بأحقيته. فهم يجعلون من مشاعرهم نحو الخير والشر، هي الملزمة على بقية الأفراد، بل حتى على العالم أجمع. مثال على ذلك، التأمل في عواطف الكراهية التي يحيا عليها البشر، فهي عواطف غير قائمة على أسس جيدة، سوى أن الذين يعتنقون آراء تختلف عن آرائهم لا يمارسون ما يمارسونه هم، كالمسلمين حينما يكرهون المسيحيين لأن المسيحيين يأكلون لحم الخنزير، أو شعوب جنوب أوروبا حينما ينظرون إلى رجل الدين المتزوج بأنه ليس فحسب غير متدين بل يعتبرونه غير طاهر و مثير للاشمئزاز.
لا يحق لأفراد المجتمع أن يطبقوا المبدأ القائل: يحق لنا أن نضطهد الآخرين لأننا على صواب، ولا يحق لهم اضطهادنا لأنهم على خطأ، بل ليس من حق الغالبية أن تتدخل في الشؤون والأذواق الشخصية للأفراد وكفى.

*كاتبة من الكويت



#شيماء_ملا_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رموز الدين.. والله


المزيد.....




- أغنيات وأناشيد وبرامج ترفيهية.. تردد قناة طيور الجنة.. طفولة ...
- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء ملا يوسف - عن الحرية