أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - هل يؤسس الإلحاد مذهبا إنسانيا في الحب؟ نقاشات تنموية في فضاءات إريك فروم















المزيد.....



هل يؤسس الإلحاد مذهبا إنسانيا في الحب؟ نقاشات تنموية في فضاءات إريك فروم


علي المدن

الحوار المتمدن-العدد: 4122 - 2013 / 6 / 13 - 22:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعود بدايات اهتمامي بالفيلسوف والمحلل النفسي الإمريكي (الألماني الأصل) إريك فروم إلى فترة التسعينات من القرن الماضي حين كنت أقرأ عن مدرسة فرانكفورت، حينها عرفته ـ دون أن أدعي أنني فهمت ذلك جيدا ـ واحدا من أبرز أعلامها وأهم منظريها. وحيث إن السمة الأبرز في مدرسة فرانكفورت كانت نقد المجتمع الرأسمالي الحديث، من خلال وصف وتحليل اغتراب الكائن البشري داخله، فإن الاقتباسات التي صادفتها من كلمات فروم لاقت أرضا خصبة في نفسي حرَّضها وجودي في المهجر للتعلق به رومانسيا.
بعد ذلك تمكنت من الوقوف على بعض كتبه فتعرفت على بعض أفكاره بما يتجاوز مرحلة "الاقتباسات" المتناثرة، وأعجبت بقدرته على التحليل والنقد، ولكني رأيت فيه مفكرا أقل أصالة من طبقة ماركس ونيتشه وفرويد .. وأن جُلَّ أعماله الفكرية تنطلق من مسلمات تعود إلى هؤلاء تحديدا، ومن المؤكد أن ذلك لا يعني التقليل من قدراته الخلاقة وذكائه الفذ في دمج كل هذه العناصر واستلهامها في إرساء أكثر التحليلات نضجا وعمقا وبصيرة. وإذا كان مستوعبا نقد مفكر ذا خلفية ماركسية للمجتمعات الرأسمالية الحديثة، فإنه سيكون متوقعا أكثر أن يتحول مجرد النقد هذا إلى شعور بالحنق عليها إذا أضيف لتلك الخلفيات كون المفكر المذكور ألمانيا ذا جذور يهودية، كما هو الحال مع إريك فروم، ومن يقرأ مقدمة كتابه "ما وراء الأوهام" يدرك أن هذه الملاحظة ليست من نسج الخيال.
ومع أنني لم أنفصل منذ ذلك الوقت عن فروم وكتاباته، إلا أنني أعود إليه اليوم من زاوية أخرى غير تلك التي تعرّفت عليه من خلالها. يشجعني في ذلك صدور الترجمة الجديدة والفاخرة لكتابه "فن الحب" الذي نشره المترجم سعيد الباكير (1)، وهو الكتاب نفسه الذي سبق أن ترجمه مجاهد عبد المنعم مجاهد عام (1980 - مكتبة الأنجلو المصرية) ونشره تحت عنوان (بحث في طبيعة الحب وأشكاله)، وهذه هي الترجمة التي كنت قرأتها في سالف الأيام. الفرق بين الترجمتين ـ لمن يقارن بينهما ـ لا تخطئه فطنة القاريء، وهو الدقة والوضوح والسبك اللغوي المتين كما يتجلى في ترجمة الباكير. ومع هذا فإن لترجمة مجاهد محاسنها أيضا، وهي تلك التعليقات المهمة (ولا بد أن نقول أيضا: القليلة) التي أضافها لإنارة النص. وهما معا يشتركان في نقطة واحدة كنت أتمنى عليهما أضافتها، وهي التقديم للكتاب والحديث عن الآراء الواردة فيه، وموقعها داخل مجمل أعمال فروم وفكره، ثم التنبيه على السياق التاريخي الذي ولدت فيه، وعلاقة ذلك كله بصعود النازية واندلاع الحرب العالمية الثانية وقيام مدرسة فرانكفورت.
ولا أراني بحاجة للتأكيد أن هذا المقال لا يتكفل تحقيق هذه الأمنية، كما أنه ليس تلخيصا لما ورد في الكتاب المذكور يغني القاريء عن مطالعته، إنما كل ما يطمح إليه هو مقاربة إحدى الإشكاليات التي طرحها الكتاب ومتابعتها في كتابات فروم الأخرى بما يلائم الحجم الطبيعي لمقال ما. والسؤال الذي أود طرحه هنا ليس جديدا كل الجدة على فروم، فقد سبق أن تطرّقتْ إليه المناقشات الثرية التي حفل بها الكتاب، وإنما أفرده بالعناية لاعتقادي بأنه يشكل النقطة الأهم من بين كل المناقشات الأخرى، والخلاف بشأنه يترك بصماته على جميع التفاصيل والمقترحات التي قدَّمها الكاتب. سؤالي هو: إلى أي مدى يمكننا الحديث عن تجذيرٍ لفلسفة الحب داخل الفضاء الأنطولوجي الإنساني بمعزل عن الإيمان بوجود الله؟ هل التنظير لحب من هذا النوع، حب يؤسس نفسه بشريا بنفسه، لا يكترث لوجود الله، بل ويستغني عنه بالمرة، هو تنظيرٌ متاح للفلسفة الواقعية؟
قبل أن أتناول جواب فروم على هذا السؤال، أذكّر بأن فروم رفض، ومنذ أول سطر في كتابه، أن يُنْظَر إلى عمله هذا على أنه مجموعة من التعاليم والتقنيات الهادفة لبناء العلاقات العاطفية والغرامية. لم يكن الرجل يفكر بإسداء النصائح والتكتيكات لمن يريد الاستحواذ على قلب الآخر (ذكرا كان أو أنثى)، بل رأى أن مهمته كفيلسوف أكبر من ذلك وأعقد، وأنه معني بـ"الحب" كنمط لما يجب أن يكون عليه الوجود البشري، سواء في علاقته بنفسه، أو في علاقته بكل ما عداه، بالمعنى الأوسع لكلمة "كل".
ينطلق فروم من فكرة أن الحب معطى نتوفَّر عليه كبشر، ولكنه يتساءل قائلا: هل هذا المعطى هو مجرد احساس غريزي نمتلكه هكذا وببساطة، أم أنه "فن" نساهم في إيجاده وخلقه وإسباغ المعاني عليه؟ يعتقد فروم أننا نحافظ على الفرضية الأولى لأن تعاطينا مع الحب ينصب على فكرة كيف نكون "محبوبين" في نظر الآخرين، لا كيف "نحبهم". ولأننا ـ ثانيا ـ نفكر بـ"الموضوع" الذي نحيطه بحبنا أكثر من البحث عن إمكانية الحب بنحو عام. ولأننا ـ أخيرا ـ ننظر للحب كسلعة، كمنفعة تبادلية، مساومة يتبادل فيها كل طرف ما عنده بما عند الطرف الآخر.
في مقابل ذلك يذهب فروم إلى أن الصحيح في فهم الحب هو النظر إليه كـ"فن"، كعزم وتصميم إنساني للحياة وشكلها الذي نختار أن تكون عليه، إنه يحتاج ـ كأي فن آخر ـ إلى تكريس المعرفة والممارسة في حدودها القصوى. يولد الإنسان ويولد معه تعلقه بأمه، وحين يكبر يتغير معه الموضوع فيصاب بالوحدة، ومن المعاناة بالوحدة يولد القلق (2)، المرض الأشد فتكا بالإنسان الحديث وقواه الإبداعية. حينها سيكون على الإنسان مواجهة هذا التحدي عبر "قيمة" يتسلح بها كمفهوم فلسفي يؤسس لنمط الوجود الذي يشاء أن يكون فاعلا فيه، وليست تلك القيمة إلا مفهوم "الحب". هذه هي المشكلة التي يواجهها الإنسان والمدخل إلى معالجتها كما يتصورها فروم. ومن هنا نجده يتوسع على مدار دراسته في تحليل تجليات هذه المشكلة في حياة الإنسان المعاصر والمفاهيم السائدة في فهمها والمداخل التي يستعان بها لإعادة إنتاج هذا المفهوم. يسترسل في وصف التفسيرات الشائعة للحب التي يستخدمها الإنسان لتجاوز عزلته، فيتحدث عن "اتحاد النشوة" و"اتحاد التلاؤم" و"اتحاد النشاط الابداعي" و"الاتحاد التعايشي". يحدد ملامح كل واحد منها والسلبيات التي تنطوي عليها، ليختار في النهاية تفسيره الخاص الذي أسماه بـ "الحب الناضج".
ما يهمنا من كل تلك التفاصيل هو ذاك الجزء من تفسيره وردوده التي طرحها بخصوص "حب الإله"، أي تأسيس الحب الإنساني على الفرضيات القائلة بوجود الله، بمعنى أن يستمد الإنسان احساسه بحب الآخرين لا فقط من التعاليم المنسوبة لله، بل ومن وجوده كذات خالقة لهذا العالم ولا سيما الكائن البشري المميَّز بالإرادة الحرة. إلا أنني أحسب أن فهمنا لآرائه يبقى مبتسرا ما لم نشر إلى المصادرات التي يشيد فروم عليها آراءه، وهي في نظري ثلاث مصادرات:
الأولى: نظرته لطبيعة الوجود الإنساني. وهذه الفكرة هي الحجر الأساس في تحليلات الكتاب كافة. وفروم حريص على التنبيه عليها منذ الصفحة الأولى لدراسته.
الثانية: نظرته لمستوى الفردية التي بلغها الإنسان المعاصر. وهي في رأيه العائق الأكبر أمام كل حديث معمق عن التصورات المشوّهة الرائجة باسم الحب اليوم.
الثالثة: نظرته للإيمان العقلاني (في مقابل الإيمان غير العقلاني). وهنا يسرد فروم خلاصة الأساس الذي تقوم عليه إمكانية تطبيق تنظيراته السالفة بشأن الحب الجدير بالإنسان التعلق به.
من المجازفة بمكان القول إن بإمكاننا الحديث عن هذه النقاط الثلاث مجتمعة، والسبب في ذلك يعود لكونها تمثل أغزر ما أنتجته "الروح" الغربية في مواجهة التهديد الذي يشكله العلم والحضارة اللذان أنتجهما الغربيون أنفسهم. فإذا كان الجانب الخاص من نظرية الوجود الإنساني المتمثل بنقد التصور الجوهراني القديم للنفس هو نقد فلسفي قد لا يعبر بنحو صريح ومباشر عن قلق الذات الغربية وشعورها بالضياع والاستغلال، فإن الجانب الآخر الذي يمثله مفهوم "الاغتراب" هو في صميم هذه الإشكالية، والمعبِّر الحقيقي عن تلك الروح الإنسانية الرافضة لكل أنواع التيه والتمزق والجشع والاستغلال الذي يروج باسم الحضارة والعلم والتطور. إن ما يقوله فروم هنا (3) هو خلاصة لكل ما قدّمه التفلسف الغربي منذ اسبنوزا وهيجل وغوته، مرورا بفيورباخ وكيركيجار، وانتهاء بماركس ونيتشه وفرويد وجورج لوكاتش.
على ماذا تؤكد تلك الخلاصة؟ على نقطة واحدة محددة وواضحة، وهي: كل ما يقال باسم الإنسان من قيم ودوافع وغايات ما هي في الواقع إلا تبريرات ايديولوجية زائفة. نحن نصدق بهذا التنظير الفارغ عن ذواتنا فنبتعد عن الحقيقة، عن الواقع، لنقع فريسة "الوهم"، وهو تحديدا ما تعنيه كلمة "اغتراب"، إنه عجز الفعالية الإنسانية عن فهم العالم الموضوعي (4).
أين يقف فروم في تفسيره لاغتراب الكائن البشري داخل هذا التراث الضخم؟ ملاحظة سريعة لكتاباته توصلنا ـ بنحو خاص ـ إلى تراث ثلاث شخصيات رئيسية، هي: فيورباخ وماركس وفرويد. لنضع مؤقتا نقده الصارم ـ وهو الفرانكفوني العريق ـ للمجتمعات الغربية الرأسمالية (وأنا هنا أردد كلماته) حين تُقصر همّها على تراكم رأس المال، حين يفقد الفرد ذاته تحت ذرائع التنظيم المركزي للعمل فيتشيَّأ، حين تتحول العلاقات الإنسانية إلى تواصل آلي يخضع للتسلية ونزعة الاستهلاك المتوحشة وصفقات النجاح المربح. لنضع جانبا كل ذلك النقد الذي يطرب له الكثيرون منا، ولنستمع إلى خصوص ما يقوله في موضوع علاقة "الحب" بالله والدين الذي هو بؤرة اهتمامنا.
تعد الأطروحات التي يقدمها فروم في هذه النقطة امتدادا لأفكار فيورباخ في كتابه "أصل الدين"، وما أرساه من معنى للاغتراب الإنساني المتمثل بإسقاط الإنسان لصفاته في حدودها القصوى على موجود متوهم، مختلق، يسميه: الله. في حين أن هذا الإله ليس في الحقيقة شيئا آخر سوى الإنسان ذاته (5). يقول فروم: (يتعلق المعنى الخاص للإله بما يشكل النعمة المشتهاة القصوى للإنسان؛ لذلك يبدأ فهم الإله من تحليل بنية خُلق (طبع) الإنسان الذي يعبد الإله) (ص63). ووفقا لنظرية فروم فإن تطورات النوع الإنساني في هذا الصدد مرت بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة الانفصال عن الطبيعة، وهنا عبد الإنسان الحيوانات.
الثانية: مرحلة عبادة الأصنام المصنوعة، وهنا عبد الإنسان مواهبه ومهاراته.
الثالثة: مرحلة إعطاء الإله شكل الكائنات الإنسانية. وهنا تم تأنيس الإله المعبود، إما في هيئةِ طبيعةٍ "مؤنثة" (وفروم يعترف بقلة معلوماته عن هذه النسخة من الإله، قائلا بأن أغلبها معلومات افتراضية)، وإما في هيئةِ طبيعةٍ "مذكَّرة" و "أبوية" حيث الإله يضع القوانين ويسن المبادئ ويكون حبه لولده معلقا على مقدار تنفيذ هذا الولد لمطالب أبيه - الإله.
أما التحولات التي مر بها (الإله - الأب)، فهي عنده ثلاثة أيضا: في البدء نجد هذا الإله سلطويا صارما. يطرد آدم، ويغرق البشر مع نوح إلا من رحم .. . ثم يأتي التحول الثاني ليصبح الإله من مجرد أبٍ إلى رمز لمبادئه، مبادئ العدل والحب، فيكون هو العدل، وهو الحب، يصبح (رمز مبدأ الوحدة في تنوع الظواهر) (ص67). أما التحول الثالث فيمثله التأكيد الديني القائل بعدم جواز إعطاء نعتٍ إيجابي للإله (لا تذكر اسم الإله بتاتاً، لا تتحدث عن الإله).
يلخص فروم كل ما تقدم بقوله: (أصبح الإله هو الحقيقة، الحب، العدل. الإله هو أنا بمقدار ما أكون إنسانا) (ص68). (الإنسان المتدين حقا إذا كان يتبع جوهر فكرة الإله الواحد، لا يصلي لأجل شي ما، لا يطلب أي شيء [ ... ] يصبح الإله بالنسبة له الرمز الذي عبّر فيه الإنسان، في مرحلة مبكرة من تطوره، عن كل ما كان يطمح إليه هو نفسه) (68 - 69). وفي نص أوضح يضيف: (إن مفهوم الإله بالنسبة لي هو مفهوم مقترن بالشروط التاريخية، عبّر فيه الإنسان في مرحلة تاريخية محددة عن تجربة فهمه لقواه العليا، عن سعيه الدؤوب للحقيقة والاتحاد) (ص 70).
وهكذا تنتهي تحليلات فروم حول "الإيمان بالله" إلى نتيجتها المنطقية: نفي إمكان قيام علمٍ خاص اسمه اللاهوت (أو الإلهيات)، واعتبار الإيمان "وهْماً طفوليا" (6) من مخلفات التاريخ، تجاوزه (بعض معلمي الجنس البشري العظام) (ص 68) في حين بقيت أغلبية الناس متمسكة به. بعبارة موجزة يمكننا القول: إن كل جهود فروم تنحى باتجاه واحد وهو تحويل الثيولوجيا إلى أنثروبولوجيا.
وقبل أن نسترسل في بيان الفكرة البديلة التي يقيم عليها فروم تصوره عن الحب، أشير إلى تلك المفارقة التي تناولها بنحو رائع عن وجود نهضة دينية أو انبعاث ديني في الغرب. لقد رفض فروم هذه الفكرة أشد الرفض، وعدّها أبعد الأشياء عن الحقيقة. وهو في ذلك ينطلق من تحليله العميق لطبيعة العلمانية السائدة في وقته (والتي هي اليوم أبشع بكثير مما كانت عليه في زمنه وتشمل في بعض قيمها مجتمعات ليست بالضرورة غربية ومتطورة). لقد أحجمتُ سالفا عن التوغل في نقل آرائه النقدية التي تخص المجتمعات الغربية المعاصرة، لأنني أعرف أن من يروّج لذلك النقد هم أكثر الناس تقليدية ومناهضة لمكتسبات التحديث والعقلانية، وأنهم غير معنيين بأمثال تلك المحاولات النقدية من أجل خلق نسخة معتدلة من الحداثة، بمقدار استغلالهم إياها لتقويضها (= الحداثة) وكل ما تعنيه من انتصارات للعلم والثقافة والحقوق المدنية. أما الآن فإنني أعود لنقده ذاك في سياق مختلف لأجده يتجاوز الحالة التي قصدها فروم ليشمل حالتنا نحن بعد انتشار العولمة وقيام الثورة المعلوماتية. يقول فروم إن واقع حياة الناس لا يبرهن على وجود نهضة دينية؛ إذ ليس فيهم من يأخذ الدين على محمل الجد (فالحياة اليومية منفصلة بوضوح عن كل القيم الدينية، وهي مكرسة للصراع من أجل الرفاه المادي ومن أجل النجاح في السوق الشخصية) (ص97) حياة تقوم على المتعة والتسلية والانغماس المفرط في الاستهلاك وتبديد الطاقة الحياتية من أجل مزيد من الربح.
يتساءل فروم عن ما يعنيه مفهوم الإله في ظل هذه الظروف؟ فيجيب في واحدة من أغزر عباراته فظنة: (لقد تحول معناه الابتدائي الديني إلى معنى يتفق مع ثقافة النجاح الغربية. في النهضة الدينية القريبة العهد تحول الإيمان بالله إلى ثقافة نفسية ينتظر منها أن تسهم في تحسين التلاؤم مع صراع المنافسة) (ص 98). لقد كفّ الدين عن الحضور كمحفز للإنسان يجعل من شخصيته أكمل، وتحول إلى ما يشبه العلاج النفسي الذي يحد من توتر ضغوط الحياة، ويشحذ غرائزنا الأنانية في مواصلة مبادراتها لتكريس المتعة. ومن هنا أجد وصف فروم لما يسمى "الانبعاث الديني" على أنه عودة للفهم الوثني للإله وصفا صائبا ودقيقا.
وإذا كان فروم مقتنعا أن حديث الإنسان عن الله ما هو في الواقع إلا حديث عن الذات الإنسانية في حدودها القصوى، فإن خطوته التالية هو استبدال هذا (الإله) وما يعنيه كإطار قيمي يستلهم منه، بـ (الإنسان) نفسه وما يعنيه من إمكانيات هائلة في تبجيل الحياة وتطويرها. أما كيف يفعل الإنسان ذلك؟ ما الذي يحتاجه ليتوفر على مواصفات الحب التي يطالبه بها فروم (من عطاء واهتمام ومسؤولية واحترام ومعرفة وصبر وتركيز ... )؟ فإن فروم يقول: إن كل ما يحتاجه الإنسان هو الإيمان بإمكانياته، ثقته بفكره وتجربته، احترامه الكرامة الإنسانية في نفسه وفي الآخر (نحتاج لأن يكون لدينا مثال للحياة الإنسانية السليمة التامة) (ص107)، (التعلم بواسطة الوجود البسيط لإنسان محب وناضج) (ص107). الاستلهامُ من: الشخصياتِ التاريخية الحية، الأعمالِ العظمى في الأدب والفن، تقاليدنا الثقافية العريقة .. فإن في ذلك كله فرصة لتصور الحياة الإنسانية الحقيقة، و (تكوين حس مرهف أيضا تجاه الحياة الخطأ). وهو إذ يتحدث عن الإيمان العقلاني فإنه يقصد به تلك القناعة المستقلة (عن رأي الأغلبية) التي مصدرها تجربتنا الشخصية في الفكر والشعور، الرافضة لهيمنة أي مرجعية والخضوع لها دون تمحيص نقدي حر.
يقول: (يرتكز هذا الإيمان على فكرة أن إمكانات الإنسان تتيح له لدى توفر الشروط المناسبة أن يبني نظاما اجتماعيا تقوده مبادئ المساواة والعدل والحب. وبما أن الإنسان حتى الآن لم يتمكن من أن يقيم مثل هذا النظام، فإن الاقتناع بأنه سوف يكون قادرا على أن يفعل ذلك ما زال بحاجة إلى الإيمان. ولكنه شأن أي إيمان عقلاني، ليس هذا الإيمان مجرد أمنيات طيبة، وإنما يستند على شواهد الانجازات الماضية للنوع الإنساني، وعلى التجربة الداخلية لكل فرد، وعلى تجربة عقله وحبه لشخصيته) (ص 114).
وماذا لو فشل الإنسان في تهيئة ظروفِ تصور الحياة الناضجة كما دعا لها فروم ووفق الإمكانات التي وثق بها؟ ماذا سيكون مصير الحضارة الغربية حينئذ؟ يجيب فروم: (نصبح فعلا وجها لوجه أمام احتمال انقطاع تقاليدنا الثقافية [ ... ] ثقافة خمسة آلاف سنة سوف تنهار) (ص 108).
بعد هذه التفاصيل التي وضعناها بين يدي القارئ عن وجهة نظر فروم، أحسب أن علينا التوقف عن الانجرار وراء اغراءات الأسلوب الشيق والثري الذي يقدم به فروم أفكاره ومداخلاته المقارنة. من الأفضل لنا أن نكرّس الجزء الباقي من هذه السطور للإدلاء ببعض الإيضاحات التي من شأنها توسيع آفاق البحث وتمكين القارئ من المشاركة في النقاشات التي تثيرها الأفكار أعلاه.
قلنا إن فروم إذ يتحدث عن "الحب"، إنما يتحدث في الواقع عن "القيمة العليا" التي تخضع لها، أو تدور في فلكها، بقية القيم والأفكار والتوجهات التي يتشكل منها مذهبه الإنساني. وهذا يعني، كما هو الشأن في كل حديث من هذا النوع، أنه حديث ينصب على المرجعيات الأخلاقية العليا للنشاط البشري. والصعوبة الأكبر في مثل هذه الأبحاث تتمثل في "المعايير" التي نعتمدها في ترجيح هذه المرجعية دون تلك، والوسائل التي نثبت من خلالها سلامة ونجاعة تلك المرجعية في تحقيق الغايات التي نسير وراءها دون المرجعية الأخرى. إن كل نقاش من شأنه القفز على هذه النقطة، أو تغييبها، ما هو إلا علامة على عقم الأفكار التي يبشر بها ذلك النقاش ومراوغتها بالرغم من نواياها الحسنة المعلنة.
لا شك أن الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها وجهة نظر فروم حول استبعاد التأسيس الإلهي للمرجعيات الأخلاقية العليا للإنسان، وخواء هذا "الإلهي" في إثراء السجال المحتدم بشأن مفهوم "الحب"، إنما تعود إلى الإرث الفيورباخي- الماركسي وما أرساه من مفهوم للـ"اغتراب" البشري. لقد تنامي الإيمان بهذا المفهوم والتفكير بواسطته في الدين ليتحول إلى واحد من أشد البديهيات البشرية المتأخرة صلابة وقوة، بل وانقلب من مجرد فرضية فاحصة في تفسير نشأة أشكال التدين، من مفهوم إجرائي غني في كشف أبعاد التشبث بالمطلق وتفكيك التباساته وأوهامه واستلاباته، إلى مكوِّن لاشعوري إقصائي للأجيال اللاحقة، مغالٍ في أنسنة الظاهرة الدينية وتهميش جوهرها. إنه في ما صار إليه شبيه بذاك الشعور الذي أسرّ به نيتشه لجارته حين صارحها قائلا إنه لم يعد بوسعه القبول بوجود الله حتى لو كان هذا الإله موجودا فعلا. إنه شعور سلبي ناقم أكثر من كونه حقيقة علمية أو تاريخية. إن تسليمنا بالأدوار المهمة لهذا المفهوم في تفسير وفهم الظاهرة الدينية في الحياة البشرية، وهي أدوار لا يمكننا بحال التقليل من أهميتها، لا يمنعنا من الاعتراف بفداحة هذا التمادي الجسور في حصر أبعاد تلك الظاهرة واختزالها في الجانب الأنثربولوجي فقط. إن مفهوم الاغتراب وهو يتطاول في التنكر لـ"ذات" الظاهرة الدينية، بدل أن يكتفي بتفسير الأحداث المرافقة لها، يفقد طاقته الاجرائية في فهم الحقيقة لصالح طمسها.
يضاف لذلك أن المأزق الذي تعاني منه هكذا أفكار يتخذ جانبا أكثر خطورة حين تبدو كتعميمات يستحيل تقويضها. إنها نظير تلك المفاهيم السائدة حول استحالة "الموضوعية الفكرية"! فهل يمكنك أن تثبت لمن ينفيها أنك "موضوعي" ولست متحيزا بأي شكل من الأشكال؟
إن "مفهوم الاغتراب" بحسب التوظيف السالف أشد تعقيدا حتى من "مفهوم الغفلة" ذي الجذور الدينية (7). فحين يقول الإنسان: أيها الإله! أنت لستَ شيئا حقيقيا، أنت مجرد أمنيات لي في حدودها القصوى. يقابله قائل آخر يقول: أيها الإنسان! أنت لست إلهاً، أنت مجرد "غافل" لا يعرف من يكون ولا ما هي إمكاناته. وإذا كان القول الأخير ما هو إلا فرضية يمكن تفكيكها بالعودة إلى إبحاث الإلهيات وفحص طبيعة هذا الإله المتكلم ومدى ما يتمتع به وجوده من معقولية وثبات، فإن القول الأول يمثل فرضية تتخطى نتائجُها معطياتِها التي تشكلت منها.
لقد قاد اصرار فروم على مفهوم الاغتراب إلى الرهان على "إمكانات الإنسان" في شكل من أشكال التنظير "للسوبرمان" النيتشوي. وعندما تحدث عن خاصية "العطاء" في الحب، العطاء الذي يتجاوز الأشياء المادية ليشمل كل مجال إنساني نبيل، اعتبرها (التجلي الأسمى للقوة) (ص27) وتحقيق الغنى والسلطة الفرديين. في حين أن ذلك يبدو للمتأمل الصوفي، الشغوف بامتثال نداء الكمال الذي تمثله إرادة الله، انحطاطا "أنانيا" يترفّع عن التفكير فيه فضلا عن الدعوة إليه. وهذا الصوفي نفسه يجد أن فروم غير متماسك في حديثه حين يجمع إلى تحليله السابق "للعطاء" تحليلا آخر لخاصية "المسؤولية"، حين يجعل منها فعلا تطوّعيا مرّدُه إلى اعتبار قضية الآخر قضيته الشخصية؛ لأن الصوفي يرى أن القوة وتحقيق السلطة تنحيان بالفرد ليكون مسؤولا أمام ذاته بدرجة الأولى، إنهما عائقان أكثر من كونهما تكريسا للحياة الكاملة التي يتخيلها.
لا أريد للقارئ أن يتصور أنني أقابل بين التحليلين للحب، بين فروم والصوفي، من أجل أن أثبت سطحية تحليلات الأول لصالح عمق الثاني، إنما أريد التدليل على أن هذا الصوفي ليس "مغتربا" فحسب كما يريد فروم إقناعنا، وأنه ليس أقل تماسكا منه إن لم يكن أشد وأقوى. إن ما يؤاخذ فروم عليه ليس تلك التحليلات الغضة والشفافة التي يكتبها باسم الحب، بل انكماشه في استيعاب ما يضيّعه عليه مفهوم الاغتراب من تنظيرات ثرّة، وضمانات أشد متانة، كتلك التي يقدمها البشر المؤمنون بالله. إن الخلط بين المتعالي والمحايث، بين ما يشكل أسمى تجليات للروح المؤمنة وما تفرزه وتغذيه الخيالات والثقافات والرموز والشعائر الشعبية في الدين، هو ما سرق الفرصة من فروم وكثيرين غيره ليتأمل في ذلك. لست أتغاضى عن تشريحه البصير لسمات التدينين التسلطي والإنساني كما ورد في كتابه القيم "الدين والتحليل النفسي" (8)، عن كشفه مغالطات التدين الأول المتمثلة في ما يصطلح عليه بـ "الاسقاط" و"الاعتماد"، فأنا أتفق معه تماما في مدخله النفسي في تحليل الدين كنظرية في المشاعر الإنسانية، وأحسب أن هذا المدخل من أنجع المداخل في فهم الدين (9)، لا أتغاضى عن ذلك كله، بل أطالبه باستلال النتائج الفلسفية لكلامه وتحليلاته، ولا سيّما ونحن نعلم أن فروم فيلسوف قبل أن يكون محللا نفسيا. ولن ينفع في التقليل من فداحة هذا التجاهل تأكيده على أنه مهتم بالمواقف الإنسانية وعدمها في الدين أكثر من التقليد المتوارث منذ عصر الأنوار في مناقشة "السؤال الحاسم" ـ على حد تعبيره ـ حول وجود الله أو إنكاره (10).
إن اللغة التحفيزية المتوترة التي يستنهض بها فروم همم وضمائر قرائه من أجل أن يكونوا بمستوى إنسانيتهم، ليس بوسعها أن تخفي حقيقة أن قاموسها، أي قاموس مفردات تلك اللغة، هو نفسه الميدان الذي يفضل فروم عدم أخذنا له مأخذ الجد. وأنا أعني بذلك الميدان: ذلك التراث الفلسفي - الصوفي - الجمالي العريق المتناغم مع التصورات الدينية. لا أحد يشك أن كلمات من قبيل: الكرامة والتضحية والبذل والعطاء والتفاني ونكران الذات والتواضع وغيرها ما هي إلا كلمات يصعب دمجها مع عقيدة تحصر تكوينها بتراث إسحاق نيوتن وديفيد ريكارو ودارون وسيجموند فرويد، في ندية مطلقة مع تراث القديس أوغسطين وتوما الإكويني وديكارت وإيكهارت وكيركجارد وغوته ومايكل أنجلو. لقد فقد الرهان على التراث الأول فتنته في صنع السوبرمان الذي بشرت به بلاغات نيتشه التي قادته للجنون، ولن تنجح "ثورة الأمل" (11) التي قادها فروم ما لم ينصت الإنسان لأسئلة الوجود الكبرى التي في داخله.
إن الاستفاضة في متابعة كل الأفكار التي يثيرها نص فروم في "فن الحب" مهمة مستحيلة، لأن أفكار الرجل متداخلة فيما بينها وحافلة بالمقارنات. وسيكون من الرائع لو كان بوسعنا متابعة تلك الاشكاليات في تراثنا العربي - الإسلامي، أو عقد مقارنة بين ما قاله واستشهد عليه من تراثه الغربي، بما قاله علماؤنا ومفكرونا، لا سيّما المتصوفة (وأنا هنا أفكر بنحو خاص بتراث الصوفي العظيم محيي الدين ابن عربي)، خصوصا مع إشارة فروم إلى حاجتنا في تغذية حسنا المرهف بطبيعة الحب وسمات الخطأ، على حد السواء، إلى استحضار النماذج العظمى من أشكال الحياة السليمة التي يزخر بها الفن والشعر والأدب (وأغلب تلك النماذج التي يذكرها فروم هي من أعلام التراث الآخر الذي أشرنا إليه سابقا كما هو الحال مع غوته وإيكهارت وأضرابهما).

تلك مهمة ستكون جليلة ومفيدة لو أنجزت على وجهها الصحيح، نرجوا أن نوفّق للقيام بها في فرصة قريبة قادمة (12).
__________
(1) فن الحب، إيريك فروم، سعيد الباكير، دار علاء الدين ـ دمشق، 2010. أنوِّه بأن الإحالات الواردة داخل المتن تعود حصرا لهذه الطبعة.
(2) لقد فضَّلت أن تكون مقاربتنا لمساهمة فروم في "فلسفة مفهوم الحب" من خلال مدخله في "مفهوم الاغتراب"، وكان من الممكن أيضا فعل الشيء ذاته عبر متابعة إشكالية "وحدة الإنسان الحديث ضمن الجماعة"، وهي من الأفكار المركزية الشائعة في أدبيات رواد مدرسة فرانكفورت، وفروم يقول في هذا السياق: (إن معاناة الوحدة هي المصدر لكل قلق)، وما محاولته في التنظير للحب ـ في أحد أهم جوانبها ـ إلا من أجل إنقاذ الإنسان من هذه المعاناة. لقد أعرضت عن الخوض في هذه الإشكالية، إشكالية مصدر القلق البشري، لأنني في ريب من صحة "حصر" مصدر هذا القلق في عامل واحد، ولأنني ـ ثانيا ـ أرى أن "الموت" كتجربة مصيرية ذاتية عصية على التحليل، يمكن أن تمثل أكبر مغذ للقلق البشري، وما "مأزق الوحدة" (في غير البعد الاجتماعي الذي يستاثر باهتمام فروم) إلا أحد التجليات النفسية لتلك الحقيقة المُرَّة، هذا دون أن نتحدث عن تجلياته الميتافيزيقية الأخرى. ومن الواضح إن فتح هذا الملف يقودنا إلى أعماق الأبحاث اليقضة للفلسفة الوجودية (من تلك الأبحاث الدراسة المعمقة لعبد الرحمن بدوي حول مشكلة الموت) وهو ما لا تتسع له هذه السطور.
(3) ناقش فروم مفهوم "الاغتراب" في جُلّ أعماله، إلا إن أشمل ما كتبه في هذا المجال هو ذاك الفصل الذي خصصه له بالكامل داخل كتابه: مفهوم الإنسان عند كارل ماركس. (ترجمة: محمد سيد رصاص، دار الحصاد ـ دمشق، ط1، 1998، الفصل الخامس). غني عن الذكر أن مفهوم "الاغتراب" له معان عديدة، يجمعها معنى تخلي الإنسان عن ذاته وحضوره في هذا العالم، ذاتا أو وعيا أو ممارسة، لصالح شيء ما "خارج" عنه. ونحن هنا معنيون بمفهومه "الإسقاطي" كما أرساه فيورباخ أكثر من غيره من المفاهيم.
(4) يقول فروم: (في المقام الأول، يجب ملاحظة أن ماركس، كسبينوزا ولاحقا فرويد، كان يعتقد بأن معظم ما يعتقد به الناس هو وعي "زائف"، هو أيديولوجية وتبرير. أي إن البواعث الرئيسية الحقيقية للسلوك الإنساني يكون الإنسان غير واع بها. طبقا لفرويد، فإن هذه البواعث متجذرة في دوافع الإنسان الليبيدية، بينما نجد ماركس يراها تعود بجذورها إلى مجمل التنظيم الاجتماعي للإنسان، والذي يحدد اتجاهات معينة لوعي الإنسان، ويعوقه ـ في الوقت نفسه ـ عن أن يكون واعيا لحقائق وخبرات محددة). مفهوم الإنسان عند كارل ماركس، مصدر سابق، ص38. وهنا ألفت عناية القارئ إلى كلمة "معظم" الواردة في النص المتقدم، لأنها تمثل تحفظ فروم على التعميمات التي توحي بها هذه الفكرة. ولمتابعة هذا الموضوع في فكر فروم يمكن مراجعة: الدين والتحليل النفسي، إريك فروم، ترجمة: فؤاد كامل، دار غريب ـ القاهرة، 1977، ص53 وما بعدها.
(5) الفرق بين هذا النظرية ونظرية العرفاء القائلة بتنوع صور إله المعتقدات بحسب استعدادت المعتقد (بالكسر)، والتي أوجزها الجنيد ـ كما نقل عنه ابن عربي في آخر الفص المحمدي ـ حين سئل عن المعرفة باللَّه والعارف، بقوله: (لون الماء لون إنائه) ... هو: اعتراف الثانية بحقيقة وجود هذا الإله في الواقع بالرغم من اختلاف التصورات بشأنه (في مقابل "الإله المطلق" الذي لا تحده الحدود ولا يمكن تصوره بحال من الأحوال). في حين تقف النظرية الأولى عند فكرة "الإسقاط" هذه، لاغيةً كل افتراض بوجود هذا الإله خارج تصورات ذهن الإنسان وخياله.
(6) لا ننسى أن أول من نحت كلمة "وهم" في هذا السياق هو فرويد، حتى جعلها عنوانا لدراسته الأعمق والأشمل عن الدين، كما في كتابه الشهير "مستقبل وهم".
(7) الإشارة هنا لتلك النصوص العديدة التي تفسّر إعراض الإنسان عن الإيمان بالله وتكذيبه للأنبياء وجحوده اليوم الأخر بأنه اغترار إنساني بظواهر الحياة الدنيا واستحباب لها تمليه عليه مشاعر "الغفلة"، أذكر على سبيل المثال الآيات التالية: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون) (يونس: 7)، (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون) (النحل: 107 - 108)، (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) (الروم: 7). هذا، علما أن فروم يجعل من "مفهوم الخطيئة" التعبير الديني عن مفهوم الاغتراب، في حين أن ما أثبتناه هنا هو الأنسب في نظرنا بالظاهرة الدينية في سياقها القرآني.
(8) راجع بنحو خاص ما كتبه في الفصل الثالث: (تحليل لأنماط من الخبرة الدينية).
(9) من المفيد مراجعة ما كتبه فروم في الفصل الخامس والأخير من كتابه "الدين والتحليل النفسي": (هل التحليل النفسي تهديد للدين) فإنه يسلط الضوء بنحو رائع على هذه النقطة.
(10) الدين والتحليل النفسي: ص 102.
(11) عنوان لأحد أمتع الكتب التي ألفها إريك فروم، ترجمه للعربية مجاهد عبد المنعم مجاهد.
(12) من المحاولات التي كتبت في هذا المجال كتاب "مشكلة الحب" لزكريا إبراهيم، و"مدارات صوفية" لهادي العلوي، و"الحب والفناء" ـ وهو أقل أصالة من سابقيه ـ لعلي حرب.



#علي_المدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - هل يؤسس الإلحاد مذهبا إنسانيا في الحب؟ نقاشات تنموية في فضاءات إريك فروم