أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن علي - مساهمة في توثيق تجربة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية - الحلقة الأولى : من التأسيس إلى الاعتقال















المزيد.....


مساهمة في توثيق تجربة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية - الحلقة الأولى : من التأسيس إلى الاعتقال


حسن علي

الحوار المتمدن-العدد: 1177 - 2005 / 4 / 24 - 10:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


حين خرجت من السجن في بداية العام 1997 عاهدت نفسي بأن لا أعود إلى العمل العام بعد الآن . ولم يكن ذلك لأنني جبان أو عديم الإحساس بهموم الوطن . ولكن بفعل ما رأيته داخل السجن من بعض المعتقلين الذين يجعلوك تلعن حتى تاريخ ميلادك وتقرف من كل شيء وتتقيأ حتى أمعائك الغليظة ، بل وتحب حتى الحكومة والسلطة والمخابرات ! ومنذ ثماني أعوام وأنا أنجح في التزامي بعهدي لنفسي ولأمي . ولكن بعد أن شاهدت الحلقة الأخيرة من برنامج" زيارة خاصة " على قناة الجزيرة التي كانت مخصصة للقاء المحامي السوري أكثم نعيسة ، فقد قررت أن أخون العهد .
لقد سمعت وقرأت خلال السنوات الماضية تصريحات كثيرة للمحامي نعيسة . وفي كل مرة كنت أقول لابد أنه سيصبح أكثر توازن وصدق مع نفسه في المرات القادمة . ولكن في كل مرة كان يزداد الكذب والادعاء و " المنفخة " الفارغة في حديثه وينخفض الصدق إلى الحضيض ، خصوصا حين يتحدث عن تجربة " لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية " من التأسيس إلى الاعتقال فالمحاكمة فالسجن الطويل . وهو في الحقيقة لم يتحدث مرة واحدة عن تجربة اللجان ، ولكن عن تجربته هو شخصيا ، حتى وإن تكون تجربة مزورة لا أساس لها . وفي الحلقة الأخيرة من يرنامج " زيارة خاصة " الذي يعده سامي كليب تجاوز أكثم كل الحدود المعقولة . وقد ساعده على هذا التجاوز مقدم البرنامج سامي كليب ، الذي ظهر كجاهل لا يعرف أي شيء عن الموضوع الذي يقدمه ، إن لم نقل إنه أحمق أو متواطئ من أجل إعداد حلقة خاصة لتعويم ونشر ادعاءات السيد نعيسة . وأعتقد أن ما يساعد أكثم على الاستمرار في هذه الادعاءات المزعومة أن تجربة اللجان لم يكتبها أحد حتى الآن ، وجميع من اعتقلوا على ذمة قضيتها ، وأنا منهم ، لم ينشروا أي شيء عن ذلك ، فبقي الميدان مفتوح لأكثم حديدان ، يصول فيه ويجول دون أن يوجد شخص يقول له " عيب عليك ، وحلك توقف عند حدك وتاكل حقوق الناس بدون حق" .
في هذه الحلقة من البرنامج المذكور ادعى السيد اكثم ، للمرة الألف ربما ، أنه كان " الناطق الرسمي المنتخب باسم اللجان " وأنه تعرض للتعذيب و ..و . . إلخ . وفي هذه السطور أحاول أن أقدم مساهمة بسيطة في توثيق التجربة ، لا سيما وأني اعتقلت بسببها لمدة خمس أعوام ، وكنت خلالها بالقرب من السيد أكثم في السجن ، وأعرف كل التفاصيل التي يعرفها أيضا زملائي السابقين في المنظمة كما أعرفها أنا ، ولو أنهم يلزمون الصمت حتى الآن تجاه الحقيقة .
* حقيقة التأسيس والمؤسس الحقيقي :
إن " اللجان " ، وبعكس ما ادعاه السيد أكثم مرات ومرات ، لم تنتخبه لا هو ولا غيره كناطق باسمها . وكل ما كان هو أن قيادة المنظمة وزعت المسؤوليات بين أعضائها ، فكان أكثم مسؤول التنظيم ، ومحمد علي حبيب المسؤول المالي ، وعفيف مزهر مسؤول المكتب القانوني ، و نزار نيوف المسؤول عن الإعلام ومجلة المنظمة " صوت الديمقراطية " بسبب خبرته الصحفية . وكان آنذاك يعمل في مجلة " الحرية " التي تصدرها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، و مدير تحرير مجلة " الأردن الجديد " السياسية الثقافية الشهرية التي كان يصدرها من دمشق فرع الجبهة الديمقراطية في الأردن . وبسبب عمله هذا اكتسب نزار أيضا خبرة في مجال حقوق الإنسان من رئيس تحرير مجلة "الأردن الجديد" السيد هاني حوراني الذي كان في نفس الوقت رئيس منظمة " لجنة الدفاع عن الحريات الديمقراطية في الأردن " التي اشتق منها نزار لاحقا اسم منظمته السورية . وربما كان أكبر خطأ ارتكبته المنظمة هو تعيين أكثم مسؤول للتنظيم ، فقد ساقها إلى جهنم كما سيرد معنا لاحقا .
2 ـ لقد ادعى السيد أكثم شخصيا أكثر من مرة ، وأحيانا بواسطة زملائه الحاليين ( لاسيما إخوته ) ، أنه مؤسس اللجان . فإذا كان يقصد اللجان في صيغتها القديمة ، يجب أن نقول أنه لم يكن حتى مجرد عضو مؤسس فيها . وإذا كان يقصد تجربتها بعد السجن ، فيجب أن نقول إن مؤسسها الحقيقي هو اللواء حسن خليل نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية في ذلك الوقت ، والعميد كمال يوسف رئيس فرع التحقيق العسكري سابقا !! وإليكم التفاصيل التي تنشر لأول مرة :
في 10 كانون الأول 1989 قام المعارض السوري نزار نيوف بكتابة بيان التأسيس و كراس " النظام الداخلي " للمنظمة وكراس " المنطلقات الحقوقية " وطباعتها وتوزيعها بآلاف النسخ . وقد استفاد من التجهيزات التقنية في المكان الذي كان يعمل فيه في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المذكور أعلاه. وقد تولت زوجته السابقة السيدة ندى جورج شحود ترجمة البيان إلى اللغة الفرنسية باعتبارها متخصصة في الأدب الفرنسي . أما التوزيع فقد توليته أنا والسيدة ندى والسيد صلاح نيوف ( شقيق نزار . وقد كان طالب في المعهد العالي للعلوم السياسية ) . وللأمانة والتاريخ والحقيقة فإنه لا أنا ولا صلاح كنا نعرف ماذا نوزع ! فقد وضع نزار البيانات في مغلفات مختومة وأعطانا إياها لنوزعها باليد على صناديق البريد في مداخل البنايات في دمشق . والمئات منها طلب منا أن نرسله إلى عناوين محددة عبر البريد إلى بقية المحافظات السورية. فقد كان نزار قد جمع المئات من عناوين المحامين والأطباء والصيادلة والمؤسسات في جميع المحافظات وسجلها على مغلفات ووضع عليها الطوابع اللازمة . وبسبب كثافة التوزيع بهذه الطريقة ظنت السلطة والناس أن العشرات من الأعضاء يقفون وراء هذه المنظمة الجديدة ! وفي نهاية كانون الثاني 1990 تعرف نزار على مدرس اللغة الإنكليزية محمد علي حبيب الذي كان يؤدي الخدمة العسكرية في دمشق . وكان التعارف عن طريق أهل زوجة نزار ( أي بيت السيد جورج شحود أبو ندى) الذين تربطهم بأهل محمد حبيب علاقة صداقة عمرها أكثر من ثلاثين سنة بدأت في مدينة القنيطرة قبل احتلالها . وكان محمد حبيب ، بحكم اهتمامه بالأمور السياسية وخصوصا المعارضة ،قد سمع بالمنظمة الجديدة من الناس . ولم يكن يعرف أن نزار له أي علاقة بالموضوع . وقد تفاجأ حين أخبره نزار بأنه هو من يقف وراءالأمر ووراء توزيع البيانات. وفي لقاء التعارف هذا أخذ محمد حبيب عدد من النسخ من " النظام الداخلي " المطبوع في كراسة صغيرة ، بالإضافة لنسخ من كراس " المنطلقات الحقوقية " للمنظمة ، والذي كان أعده نزار عند التأسيس وأدرج فيه المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان ، ومعها الفصل الرابع من الدستور السوري الذي يتعلق بحقوق المواطنين وواجباتهم. وكان محمد آنذاك ذاهب إلى اللاذقية في إجازة بمناسبة اقتراب انتهاء خدمته العسكرية ، تسمى " إجازة نهاية الخدمة " . وحين عاد من الإجازة أخبر نزار أنه يوجد في اللاذقية محامي يدعى أكثم نعيسة يريد التعرف عليه والمشاركة في نشاط المنظمة ، وهو شخص موثوق وسجين سابق من حزب العمل الشيوعي . فوافق نزار على الاجتماع بأكثم . وكان ذلك في منزل نزار بأشرفية صحنايا ( ضاحية جنوب دمشق ) نهاية شباط 1990 ، أي بعد تأسيس المنظمة بأكثر من شهرين ، وكان محمد حبيب هو الذي نظم أكثم في المنظمة عمليا . وفي هذا اللقاء الذي حضرته أنا شخصيا كضيف في بيت نزار ، قام نزار بدعوة أكثم للمشاركة في مؤتمر يعقد في بيت نزار أوائل شهر آذار سيحضره عدد آخر من زملائه. وفي 5 آذار جرى الاجتماع فعلا ، وقد حضره ، على ما أذكر، كل من المحامي حسن رفاعة( أبو يسار) و عفيف مزهر وحسام سلامة ( أبو الطيب) وأخرين لا أذكرهم . وكان معظم هؤلاء من الحزب الشيوعي ـ منظمات القاعدة ( بقيادة مراد يوسف ، قبل أن يتوحد مع جناح يوسف فيصل) . وحضر الاجتماع بالطبع كل من أكثم ومحمد حبيب . وأذكر آنذاك أن نزار طلب مني أن أغيب كيلا يتعرف أحد منهم عليّ ، أو أن يعرفوا أن لي علاقة تنظيمية باللجان. واكتشفت لاحقا أن نزار كان ، بسبب عدم ثقته أمنيا بالآخرين وقرون استشعاره الأمنية والجنائية الطويلة جدا ، يرتب لإنشاء " منظمة ظل " للمنظمة الحقيقية تكون مربوطة به وحده بشكل خيطي ، وتأخذ على عاتقها القيام بالنشاط الفعلي للجان ، فيما تبقى اللجان " الواجهة " إذا ما حصلت عملية ملاحقة واعتقال. وقد اكتشفت بعد التجربة المريرة أنه كان مصيب إلى أبعد الحدود بهذا التدبير التنظيمي والأمني ، رغم أنه يعبر عن سلوك " تآمري" . فهؤلاء الذين كانوا " تنظيم الظل " المرتبط بنزار شخصيا لم يعتقل منهم أحد إلا أنا ( لأن المخابرات ضبطت نزار في بيتي بسبب خطأ تنظيمي ارتكبته أنا كما سيرد لاحقا ) ومترجم اللغة الإنكليزية نبيل ناعوس ( بسبب استخدام نزار لهويته أثناء الملاحقة والتخفي ) وزميلنا الكردي ناظم الحسين ( الذي اعتقل بسبب خطأ ارتكبته أنا خلال التحقيق ) . ذلك لأن المخابرات ، ورغم شهرين من التعذيب ، لم تستطع أن تنتزع منه أي معلومة ذات قيمة ، بسبب رأسه اليابس الذي لم أرى أعند منه في حياتي . والشاهد على ذلك إفادة نزار التي أرسلتها المخابرات إلى محكمة أمن الدولة ، وهي متوفرة في أيدي الجميع ولاسيما المحامين . ومن يقرأ هذه الإفادة سيرى أنها لا تتضمن أي اعتراف تنظيمي ذو قيمة . وفي تقديري أن جميع أعضاء " تنظيم الظل" أصبحوا لاحقا أعضاء في " المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية " الذي أنشأه نزار على أنقاض " اللجان " بعد خروجه من السجن . فقد كان ـ على ما يبدو ـ يخطط وفي ذهنه المثل القائل " خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود " !

في الاجتماع المذكور ( بتاريخ 5 آذار 1990 ) لم تجري أي إضافة إلى اللجان أبدا ، باستثناء الإضافة التنظيمية ، رغم أن البعض يميل إلى اعتباره " مؤتمر تأسيسي " للجان التي كانت قد تأسست فعلا قبل ذلك بثلاثة أشهر . ولكن جرى النقاش حول تثبيت عضوية الحاضرين في " اللجان" كأعضاء جديدين ، والتحضير لعدد من النشاطات بمناسبة اقتراب الذكرى 27 لإعلان حالة الطوارئ ( 8 آذار 1990 ) ، ومنها إصدار بيان بالمناسبة . وفي هذا " المؤتمر " أيضا أصبح أكثم عضو في المنظمة بشكل فعلي . وليته لم يصبح ، لكان وفر علينا العذاب والتعتير والسجن والبهدلة والفضائح . ولكان عبد العزيز الخير الآن ، على الأرجح ، حر طليق !
ما يؤكد المعلومات التي أوردتها آنفا هو أن المنظمة توقفت عن العمل تماما عندما قرر نايف حواتمة رئيس الجبهة الديمقراطيةلتحرير فلسطين ، وأبو ليلى عضو مكتبها السياسي ، إرسال نزار إلى الأردن أواخر العام 1990. فقد كان الملك حسين قرر إحداث انفراج ديمقراطي ومصالحة وطنية بعد انتفاضة الجنوب الأردني في ربيع 1989 . وبسبب ذلك انتقلت مجلة " الأردن الجديد " من سورية وقبرص إلى عمان ، وكان على نزار نيوف أن يذهب بأوامر حواتمة وأبو ليلى للمساعدة في تحرير مجلة " الأردن الجديد " و صحيفة الأهالي الناطقة باسم حزب الشعب الديمقراطي الأردني ـ حشد ( منظمة الجبهة الديمقراطية في الأردن سابقا ) . ولكن السلطات الأردنية أبعدت نزار من الأردن بعد حوالي خمسة أشهر . وقد اضطرت الجبهة الديمقراطية إلى نقله إلى قبرص وليس إلى سورية لخشيتها من أن يكون نزار مطلوب في سورية ، وأن يكون إبعاده من الأردن قد جرى بالاتفاق مع السلطات الأردنية . وفي أوائل الصيف عاد نزار إلى سورية بعد أن تأكدت الجبهة أنه غير مطلوب . وقد بقيت زوجته وابنته الرضيعة (سارة ) في الأردن ، لأنهم كانوا تركوا بيتهم المستأجر في سورية قبل الذهاب إلى الأردن ، ولا يوجد مكان تعود إليه الزوجة وابنتها. ولكن نزار لم يرجع للعمل في " اللجان " بسبب بعض الخلافات ، وبسبب أنه كان مشغول بالبحث عن بيت آخر لإرجاع زوجته وابنته من عمّان. إلا أن زملائه أقنعوه بالعودة لاحقا . وحسب معلوماتي أنهم وافقوا على شرط نزار وهو أن يكون مطلق الصلاحيات في كل ما يتعلق بالإعلام والخط التحريري للمجلة والبيانات وكل ما يصدر عن المنظمة . ورغم أن نزار لم يكن له الحق في ذلك لأنه سلوك ديكتاتوري ، فقد وافق زملائه على شرطه . وكانت هذه خطيئة عظيمة من أكثم ومحمد حبيب وعفيف مزهر والآخرين ، مكّنت نزار من أن يوجه إعلام المنظمة بطريقة متطرفة جدا تبينت نتائجها عند الاعتقال والمحاكمة . وفي تقديري الشخصي أن تطرف نزار كان سبب أساسي من الأسباب التي جعلت السلطة تتشدد في ملاحقة المنظمة وفي الأحكام التي أصدرتها على أعضائها ، إلى درجة أن بعض زملائنا ( مثل بسام الشيخ رضوان ) كان يتخوف بالفعل من صدور أحكام بالإعدام على بعض أعضاء المنظمة ، بسبب بيانها الأخير قبل الاعتقال . وهو البيان الذي قصم ظهر البعير وأصبح بحد ذاته قصة خاصة من قصص " اللجان" كما سيرد معنا لاحقا .
بعد أن تمت تسوية الخلاف بين نزار وزملائه في قيادة "اللجان " ، طلب نزار من أكثم أن يسافر إلى فرنسا من أجل إنشاء فرع للجان في أوربة . وبحسب علمي الأكيد فإن نزار حدد بعض الأسماء التي يمكن الاتصال بها . وقد كان اسم هيثم مناع في مقدمتها . أما الأسماء الأخرى فلا أعرفها. وكان أكثم هو الوحيد الذي يستطيع السفر خارج سورية . فنزار كان ممنوع من السفر منذ أن اعتقله اللواء محمد ناصيف رئيس الفرع 251 في صيف عام 1988 بسبب خطبته من الصيدلانية اليهودية الدمشقية يائيل شالوح ( أو سارة شالوح ) وقراره بالزواج منها. أما الزملاء الآخرين فكانوا يحتاجون لموافقة إدارية خاصة للسفر لأنهم موظفين عند الحكومة . بالإضافة إلى أن جميعهم لم يكن يستطيع ذلك ماديا . وكان وضع أكثم المادي " فوق الريح " . وحين سألت نزار عن سبب إلحاحه على تأسيس فرع في الخارج ، قال لي على ما أذكر " نحن قادمون على فترة عصيبة جدا ، ومن الممكن أن يعتقلوننا جميعا . ويجب أن يكون هناك فرع في الخارج يؤمن استمرار عمل اللجان ويحمي ظهورنا فلا ينسانا الرأي العام " . لم يقل لي نزار أنه كان يخطط في سره لجر "اللجان" إلى مواجهة حامية مع السلطة . ولكن هذا ما استنتجته حين لاحظت قيامه ببعض الاجراءات الاحتياطية . فقد نظم وكالة عامة لزوجته ، ووكالة خاصة لها بأن تكون " وصية شرعية " على طفلته الرضيعة سارة ، لأن أمها مسيحية وقانون الأحوال الشخصية السوري لا يسمح لأهل الذمة أن يكونوا أوصياء على أبناء المسلمين !!!؟؟؟
في ذلك الوقت سافر أكثم إلى فرنسا واجتمع بعدد من المعارضين في الخارج . وكان يحمل تكليف رسمي مكتوب من قيادة المنظمة بهذا العمل . وكان اسمه الحركي في الرسالة " أكرم ناصر " . والغريب أن أكثم قدم نفسه للمعارضين في الخارج بهذا الاسم ، رغم أن جميعهم تقريبا يعرفونه باسمه الحقيقي ، وبعضهم ( مثل هيثم مناع ) كان رفيقه سابقا في رابطة العمل الشيوعي !!! وسنكتشف لاحقا أن أكثم أخفى هذا الرسالة عن المعارضين الذين التقى بهم في فرنسا لكي لا يعرفون حدود مسؤولياته وحدود المهمة المكلف بها ، وقدم نفسه لهم بأنه " رئيس اللجان " ، رغم أن اللجان لم تنتخب في تاريخها لا رئيس ولا أمين عام ولا حتى ناطق رسمي باسمها !
في الواقع لا أعرف ماذا حصل في فرنسا بالتفصيل ، وكيف تم تأسيس فرع الخارج . ولكن المعلومات التي وصلتنا لاحقا إلى السجن ( ولست متأكد منها ) تقول أن أعضاء هذا الفرع نتفوا ريش بعضهم البعض بعد اعتقال قيادة المنظمة في الداخل ، وحاول كل منهم أن يوظف نشاط المنظمة لصالح الحزب الذي ينتمي إليه . فقد كان أعضاء فرع الخارج جميعهم ( باستثناء هيثم مناع ) ينتمون إلى أحزاب معارضة. وكان الصراع الأساسي في فرع الخارج ، بعد اعتقالنا ، هو بين هيثم مناع وغياث نعيسة ( شقيق أكثم ) . والسبب في ذلك أن أكثم هرّب رسالة مزورة أخرى من سجن صيدنايا إلى فرع الخارج في فرنسا ادعى أنها من قيادة المنظمة في السجن ، وتقول الرسالة " إن المنظمة اتخذت قرارا بأن يكون غياث نعيسة هو مسؤول فرع الخارج وليس هيثم " . والواقع أن أكثم زور هذه الرسالة باسم المنظمة ، ودون أن يكون أحد من زملائه على علم بها ، ربما باستثناء محمد حبيب وجديع نوفل اللذين كانا يتواطأن مع أكثم قبل الفطيعة النهائية بين أكثم ومحمد في سجن صيدنايا أواخر العام 1993 ، ما سيرد معنا لاحقا. ومن أبرز عمليات التزوير الأخرى التي قام بها أكثم أنه حين سافر إلى فرنسا ادعى أمام المعارضين أنه " رئيس اللجان " ، وأخفى الرسالة التي كان يحملها من المنظمة ، كما أشرت آنفا. وقد كرر أكثم هذا السلوك غير الأخلاقي عدة مرات ، خصوصا بعد السجن ، كما سيمر معنا . ( هذا ما لدي من معلومات حول ما حصل في فرع الخارج . وهو يحتاج إلى توثيق وشهادات أخرى من أصحاب العلاقة ، لا سيما هيثم مناع وغياث نعيسة . وأنا لا أستطيع الإدلاء بشهادة حول أشياء وحوادث لا أعرفها ) .
بعد أن عاد أكثم من فرنسا ، وتأكد نزار من تأسيس فرع في أوربة وجاهزيته للعمل ، راح نزار يصعّد لهجة بيانات المنظمة ومجلة " صوت الديمقراطية " أكثر مما هي مصعّدة أصلا. وقد أصبحت هذا اللهجة أكثر نارية حتى من لهجة حزب العمل الشيوعي والمعارضة السرية الأخرى . ونسي أنه يعمل في منظمة حقوقية وليس في حزب سياسي!! وفي الواقع لم يكن زملائه في قيادة المنظمة قادرين على فعل أي شيء ! لأنه كان " ماسكهم من الإيد يلي بتوجعهم " كما يقول المثل . فهو الوحيد بينهم الذي كان يجيد لعبة الإعلام ، وبدونه لا أحد يستطيع أن يفعل شيء . والدليل أن " اللجان " لم تطبع ولم تنشر ولو كلمة واحدة منذ أن غادر نزار سورية إلى الأردن إلى أن عاد إلى " اللجان " بعد انتهاء " حرده " في أواخر صيف 1991( أي على مدى حوالي ثمانية أشهر تقريبا !!) . ثم أن نزار ، وكما ذكرت آنفا ، كان قد اشترط عودته إلى " اللجان " بأن لا يتدخلوا في الخط الإعلامي للبيانات والمجلة . وإضافة لذلك ، فقد كان الوحيد الذي يعرف أين تطبع المواد وكيف تطبع . وأعتقد أن هذه النقطة الأخيرة كان مصيبا فيها ، لأنه كان أخذ ضوء أخضر من " أبو ليلى " ( قيس عبد الكريم السامرائي ) نائب رئيس الجبهة الديمقراطية نايف حواتمة باستخدام أجهزتها الطباعية . رغم أن أبو ليلى كان يعرف خطورة ذلك ، إذا ما انكشف الأمر ، على وجود الجبهة الديمقراطية في سورية . ولكن أبو ليلى كان يثق ثقة كبيرة بنزار . ونزار أثبت أنه أهل لهذه الثقة ، فلم يطلع حتى زملائه على الطريقة والمكان التي تطبع فيها مطبوعات المنظمة . وحتى في التحقيق عجزت المخابرات عن معرفة الأمر رغم التعذيب الذي تعرض له . والمعلومات التي أثبتها هنا تذاع لأول مرة . فلم يعد هناك أي خطورة . والظروف تغيرت جذريا ، والجبهة الديمقراطية ، وأبو ليلى ، أصبحوا في أراضي السلطة الفلسطينية .
خلال تلك الفترة كانت معظم اجتماعات " اللجان " تنعقد في منزل يقع في حي الفحامة بدمشق . وهو منزل مستأجر من قبل بعض أعضاء اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين . وكان مفتاحه مع نزار ، وكان لديه في المنزل غرفة خاصة يستطيع استخدامها في أي وقت . ولم يكن باقي أعضاء قيادة " اللجان " يعرفون أصحاب المنزل الحقيقيقيين . فقد أخبرهم نزار أن المنزل مستأجر من قبل طلاب سوريين من أصدقائه !! وربما هذه أول مرة يعرفون ذلك ، بعد 15 سنة !! ولم أعلم أنا شخصيا بهذا الأمر إلا حين أصبحنا في سجن صيدنايا . فقد أخبرني نزار بالأمر. وتكشف هذه الواقعة أن عن طريقة تفكير نزار وذهنيته ، حيث أنه لم يكن يثق حتى بزملائه في قيادة " اللجان" !!؟
في تشرين الثاني 1991 جرى الاستفتاء لإعادة " انتخاب " الرئيس حافظ الأسد لولاية رئاسية أخرى . وقد شهدت سورية حملة هستيرية من قبل السلطة : إنزال الناس بمئات الألوف في مسيرات تأييد ، وإجبار الناس على الذهاب إلى صناديق الاستفتاء .. إلخ . وقد تزامن الاستفتاء مع الذكرى الثانية لتأسيس " اللجان " ( 10 كانون الأول ) . وبهذه المناسبة قررت " اللجان " إصدار بيان يتحدث عن هاتين النقطتين . وكالعادة ، اجتمعت قيادة " اللجان " في " منزل الفحّامة " المذكور، ووضعت النقاط الأساسية للبيان ، وتركت لنزار ، كالعادة ، مهمة صياغته وطباعته وتأمين توصيل حصة كل فرع من فروع المنظمة في المحافظات من البيان . ولم يكن نزار يريد أكثر من ذلك . فقد كان من الواضح أنه قرر أن " يضرب ضربته الكبيرة " . وهل هناك مناسبة أفضل ، بالنسبة لمعركته الانتحارية ، من مناسبة الأحداث التي جرت أثناء الاستفتاء !؟
كتب نزار البيان في صفحتين ونصف على ما أذكر . وكان في الواقع يعادل أربعة صفحات تقريبا . لأنه استخدم آلة كاتبة صغيرة ناعمة الخط ، وجعل المسافة بين السطور نصف المسافة العادية . وطبع منه ما يعادل خمسة " مواعين " ورق . وإذا علمنا أن " الماعون " يحتوي على خمسمئة صفحة ، نعلم أن نسخ البيان كانت قرابة ألفين وخمسمئة نسخة . ولم يكن أي حزب سري معارض في سورية يستطيع أن يطبع ويوزع هذه الكمية باستثناء حزب العمل الشيوعي .
كانت مهمتي أن أوصل حصة فرع "اللجان " في حلب من نسخ البيان . فقام نزار بتغليف حوالي أربعمئة نسخة من البيان بغلاف كتاب جامعي عن الشعر الجاهلي ، حملته في يدي وسافرت إلى حلب بالنقل العام . وأذكر أنني لم أشعر بالخوف في حياتي أكثر من ذلك اليوم ، واليوم الذي اعتقلوني فيه بعد ذلك التاريخ بثلاثة أسابيع . فعلى طول الطريق من دمشق إلى حلب ( حوالي خمس ساعات ) كانت فتاة بجانبي في الرحلة تحاول أن تستعير " كتاب الشعر الجاهلي" المزعوم لتتسلى به على الطريق . وكان عليّ أن أشاغلها وأماطلها بحجج غريبة ، بعضها مقنع وأكثرها لا معنى له ، من أجل عدم إعارتها الكتاب المزعوم ! إضافة إلى أن دوريات المخابرات كانت حتى ذلك الوقت تملأ محطات الانطلاق وتفتش المسافرين بشكل دقيق قبل صعودهم إلى الباصات . والمهم أن نسخ البيان وصلت إلى حلب ووزعت بأمان على المئات من المحامين والأطباء والمهنيين الآخرين ، وفي بعض الأحياء السكنية . وكان التوقيت المتفق عليه هو أن يبدأ توزيع البيان في الساعة الثامنة من مساء اليوم المذكور في جميع أنحاء سورية .
أثار البيان بعد توزيعه جدل كبير في جميع المحافظات والأمكنة والأوساط التي وصلها . فقد كان بيان ناري لا سابق للهجته ، على الأقل من قبل منظمة لحقوق الإنسان . فقد تحدث عن الاستفتاء على رئاسة الجمهورية ، وتناول الرئيس حافظ الأسد شخصيا بكلمات قاسية . وتحدث أيضا عن " كتائب الموت التي تخطف الناس من بيوتهم ومن الشوارع كرهائن عن أقربائهم الهاربين خارج سورية ، على غرار كتائب الموت في أمريكا اللاتينية .." . وكانت هذه أول مرة يجري الحديث فيها عن قضايا من هذا النوع ، من أي جهة سورية معارضة . وسأخصص في هذه الشهادة فقرة خاصة بهذا البيان لاحقا ، بالنظر للغط الذي دار حوله في التحقيق والمحكمة والسجن ، وكيف تنصل جميع أعضاء اللجان من المسؤولية عنه ، وأولهم أكثم نعيسة ، وألبسوا التهمة لنزار وسط ذهول ودهشة المحامين .. وحتى المحكمة وعناصر المخابرات . وكيف أعلن نيوف أمام هؤلاء جميعا أنه المسؤول الوحيد عن البيان ، ورفاقه لا علاقة لهم بالأمر !

بعد توزيع البيان بأسبوع ، أي بتاريخ 18 كانون الأول 1991 أصدر الرئيس السوري أول مرسوم عفو منذ وصله إلى السلطة في العام 1970 . وكان العفو بمناسبة إعادة " انتخابه " رئيس للجمهورية . وقد شمل العفو ، حسب الصحف الرسمية ، 2864 ( ألفين وثمانمئة وأربعة وستين) سجين معظمهم من الإخوان المسلمين وبعث العراق . وفي اليوم نفسه ، عند المساء ، اعتقل أكثم في اللاذقية من قبل المخابرات العسكرية حين كان في طريقه إلى مكتبه في الحي نفسه الذي يسكن فيه ، ليأخذ بعض الأوراق من أجل اجتماع قيادة " اللجان " في منزل محمد حبيب في اللاذقية لبحث أبعاد العفو الرئاسي . وباعتقال أكثم انفتحت أبواب حملة الاعتقالات ضد " اللجان " على مصراعيها ، وانطوت مرحلة من تجربتها لتبدأ مرحلة ثانية هي مرحلة التحقيق والمحاكمة والسجن و انكشاف المستور فيها وفي أعضائها ، وانفضاح أشياء ووقائع كنا نسمعها ونعرفها للمرة الأولى . وهذا ما سيكون موضوع الحلقة الثانية من هذه الشهادة.
سورية ، حلب
في 15 نيسان 2005



#حسن_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن علي - مساهمة في توثيق تجربة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية - الحلقة الأولى : من التأسيس إلى الاعتقال