أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدية العبود - عندما اغتيل الامل (في ذكرى حادثة بشتاشان )















المزيد.....

عندما اغتيل الامل (في ذكرى حادثة بشتاشان )


سعدية العبود

الحوار المتمدن-العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 09:29
المحور: الادب والفن
    


كان الوقت قد قارب الخامسة بعد الظهر عندما قررت الذهاب اليه فقد كانت قلقة لمعرفة اخباره وما يفكر به هذه الايام .لقد اعتقل اغلب رفاقه في حملة شرسة بعد انفراط عقد التحالف في الجبهة الوطنية, لذا عندما اخبرتها صديقتها انه يطلب مقابلتها جاءت مسرعة .ولو انها جاءت مبكرة الا انها فضلت النزول في منطقة غير المقصودة ,واصلت المسير كي تصل في الزمان والمكان المعينين .
كان الوقت قد قارب مغيب الشمس في شهر كانون الأول من ذلك العام وكان قد مضى على تخرجهم اكثر من سنة ولم يسرح من الخدمة الالزامية بعد ,ووضعه قلق وحرج لان اتهامه بأي تنظيم يعني الاعدام .بدا موقف الباص مزدحما ,لان برودة الجو تجبرهم على العودة الى دورهم مبكرين ,وضعت كفيها في جيب المعطف لتغالب القشعريرة التي دبت في جسدها عندما سمعت همس خلفها :لا تلتفتي ,فأنا مراقب ,اهتمي بنفسك وكوني حذرة, قد نلتقي .ثم توارى في اول باص توقف في منطقة الانتظار.
بات ذلك اللقاء الذي لم يتح لها حتى رؤية وجهه اخر صورة تختزنها ذاكرتها عن ذلك الشخص السومري ذو السحنة السمراء .فقد كانا زميلين في نفس الكلية والمرحلة الدراسية. بالرغم من كون العلاقة تبدو طبيعية الا ان زملائهم كانوا يهمسون كلما وجدوه قريبا منها :
- ها ما نطق ابو الهول ؟
كانت تتخذ من الصمت واللامبالاة جوابا لتعليقاتهم فقد كان خجولا وهادئاُ ولا يبدو عليه التفكير بهذا الموضوع. فقد كان منظره لا يدل على ذلك فهومن عائلة بسيطة ومعدمة .فقد قال لهم عندما عملوا حفلات تخرج في دورهم, انه يفكر في موضوع تدبير مروحة كي يدعوهم الى داره, وهذا ما جعلها تلزم الصمت وتتذكر ذلك اليوم الذي وجدها متضايقة وتلتزم الصمت ,عندها ادخل يده في جيبه وهو يسألها, ان كانت بحاجة الى نقود . اذا هو لا يملك شيئا ومع ذلك يتبرع بما يملك دون ان يطلب منه احد. ما جعلها تنظر اليه بمنظار اخر هو انها تفاجأت يوما من كونه مكلف بمسؤولية في التنظيم, وهذا ما عرفته من احد زملائها بعد ان تبنى شرح موضوع اقتصادي بأسلوب بسيط وعلمي موضحا فيها فكره في هذا المجال ,وهكذا كان معهم في اغلب لقاءاته ,حتى تندر احدهم قائلا
- (اليوم هم بالع جريدة ؟ )
كان صوت عبد الحليم يملئ النادي بأغنية( اهواك واتمنى لو انساك وانسى روحي وياك ),حانت منها التفاتة وجدته يختلس النظر وكأنه يريد ان يسألها ,تجاهلت الموقف واستمرت بالحديث مع اصدقائها لأنها اقنعت نفسها ان موضوع واحد فقط يسيطر على تفكيره ,ولذا لا داعي لمراقبة ومتابعة الموقف ,واعدت الموضوع مجرد نزوة .
كانت تنظر بنظرة جامدة عندما سألها المحقق عن زملائها في الجامعة وانكرت تواصلها مع أي منهم, وعندما خطت يدها على ذلك التعهد الذي وقعته بتحملها عقوبة الاعدام في حالة اخفاؤها معلومات .
رسالة وصلت بيد زميل في العمل, من المنقولين قسرا من المحافظات الشمالية الى الجنوبية ,حيث اعلمها انها من قريبه الذي يبعث سلامه لمعرفته بها وقد ارسل بيده هذه الرسالة .لم تفتح الرسالة ولم تبدي اهتماما بها ودستها في حقيبتها .
عندما ادخلت يدها في حقيبتها لأمر ما تلمست شيء اخر في كان ذلك المظروف الازرق ,دفعها الفضول لمعرفة ما بداخله ,ارتبكت وسرت رعشة خوف وشوق وحنين عندما قرأت اسم كاتبها ,فقد كان قريبه الكردي مجرد وسيط :
عزيزتي
لأول مرة اطلق لمشاعري العنان فقد احسست بالجرأة وانا بعيد عنك واكتب لك ما اعانيه لأنني مدرك انك تعي موقفي .لم افكر يوما ان اطلب شيء كهذا, لأني نذرت نفسي لقضية اكبر, وتمنيت ان تشاركيني ولو حتى في مشاعرك وهذا اقصى ما اطلبه. كانت اللحظة التي ودعتك فيها كمن تنتزع روحه منه ,ولكن خوفي وحرصي عليك جعلني ابرحك دون كلمة امل .فقد كنت مراقب وفي ذات اليوم دوهمت داري واقتيد والداي الى التوقيف بدلا عني , واستخدمت داري كمين لكل من يتصل او يطرقها. تنقلت في اماكن ومحافظات عديدة حتى وصلت الى هذه المنطقة القريبة البعيدة عنك لصعوبة الوصول اليها.
في هذه القرية التي تغفو على جبل شديد الوعورة يخترقها نهر عذب يذكرني بعذوبة صوتك ,اجتمعت وبعض رفقتي حيث استقر بنا المقام ننشد ان نخلق وطنا حر وسعيد, بعد ان خرقت الاتفاقية واعدم اغلب رفاقنا والبعض الاخر في المعتقلات, لذا كان خيارنا الاخير حمل السلاح.
تجرأت للكتابة لك لأني سمعتك يوما تحلمين في العيش بكوخ صخري وسط الثلوج في قرية نائية, تستمعين الى صوت ناي حزين وتراقبين الموقد وانت تقرئين قصة تشدك ,وهذا ما اعشه هذه اللحظة هنا فشعرت بالحنين اليك , تنتشر عرائش الكروم في قرية غادرها اهلها قسرا ,اتخذناها مقرا لوحدتنا .قبل ايام حصل صدام مع قوة عسكرية من سكان المنطقة كادت تزلزل المكان ,وقد حاول الرفاق معالجة ذلك, وبذلك عقدنا اتفاقية معهم مما ابعد الخطر عنا .
هل تذكرين تلك الفتاة المندائية صاحبة القامة الممشوقة ذات الشعر الاسود المسترسل على كتفيها ,انها معي في هذا المكان حيث نتبادل ذكرياتنا عنك وعن رفاقنا ايام الجامعة, فقد اقترنت بشاب احبته وتعش معه هنا ,ومعنا الكثير من العوائل والأطفال نتقاسم همومنا واحلامنا. وادعوك لمشاركتي حياتي ولو ابدو اناني الا انها امنية طالما حلمت بتحقيقها.
لا ارسم لك حياة وردية للعيش معي ,فهذا الدرب الذي نذرت نفسي له ,يجعلني لا اشعر بشظف العيش وخشونة الحياة وصعوبة الحصول على متطلباتها هنا ,ولكنك امنية تمنيتها .الخيار لك سأتدبر امرك ان كان جوابك ايجابا .لك مودتي
المخلص سين
/شباط -1983
وضعت الرسالة تحت وسادتها وكانت تتقلب في سريرها لم يغلبها النعاس ولا تعلم ما تفعل فقد دق في حياتها ناقوس عرس وناقوس جنازة ,وتتصارع بين خوفها على عائلتها وبين استجابتها الى دعوته ,ولا تعلم كيف اخلست تلك اللحظات من الكرى لترى تلك الرؤية الغريبة التي ما وجدت تفسيرا لها الا متأخرا .فقد رأت نفسها بين مجموعة من الأصدقاء يسيرون على شاطئ البحر وكان هو بينهم وكانت ترمقه بنظرة جانبية دون ان تلتفت صوبه او تشعره بمراقبته, فقد كان يرتدي جلبابا وبدا يتراجع في سيره حتى احتوته موجة اضاعته عنهم .استفاقت مذعورة وانفاسها تتسارع .
نظرت الى وجهها في المرآة كان شاحبا ومتعبا ,تمتمت لتعاود النوم فاليوم هو الاول من ايار ولديها عطلة لتسترح فيها .
كتبت اليه رسالة فيها بضعة امل ,تعده بالانتظار والالتحاق به عندما تستطع , لكنها لم تصل اليه فقد اعلموها انهم رحلوا عن المكان بسبب حصول غدر من حلفائهم .وبقيت سنوات تعيش على الأمل .
اليوم لم يعد شيئا مخفيا فقد انكشفت الاوراق وبانت الحقيقة لقد اغتيلوا عندما كانوا يحتفلون بذلك اليوم .كانوا بعدد انصار الحسين وقتلوا من اجل قضيتهم بغدر واتفاق مخابراتي مع حلفاؤهم من اجل اطماع الحصول على مكاسب مادية وسبيت واسرت نساؤهم واطفالهم .ستثأر لهم ارض بشتا شان التي احتوتهم وسيأخذ التاريخ بحقهم ان تناسوهم الاخرين .
سعديه العبود 29-4-2013
بغداد



#سعدية_العبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدية العبود - عندما اغتيل الامل (في ذكرى حادثة بشتاشان )