أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالرحيم الكريمى - كوكب الأرض بين الأمركه والنظام العالمي الجديد















المزيد.....



كوكب الأرض بين الأمركه والنظام العالمي الجديد


عبدالرحيم الكريمى

الحوار المتمدن-العدد: 285 - 2002 / 10 / 23 - 01:38
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


     الجبهة الوطنية الديموقراطية

لمقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني

 مركز الدراسات الستراتيجية للجبهة         

          الكراسة الخامسة

    ــــــــــــــ

 

 

 

 

·   الأمركه ليست حتمية تاريخية فهي آفلة.. إنها صناعة قديمه  بأساليب قديمه لعالم جديد .

·    الكوكبة نظام عالمي قيمي وتاريخي قادم .

·   القضية الوطنية من خلال مفاهيم العالم الجديد .

·    التكنولوجيا هي أساس تطور المجتمعات البشرية .

                                         

 

 مدخل :

 

أنها إشكاليه إنسان هذا العصر بشكل عام، والإنسان العربي والمصري بشكل خاص، هل نحن مسيرون أم مخيرون؟؟ هل نحن قادرون أن نكون أضافه حقيقية وإيجابية لعصرنا وما يطرحه من قضايا في ظل تلك الفوضى العارمة التي تجتاح العالم؟؟ أم إننا مجبرون أن نكون مجرد توابع ومتاحف تاريخية، وقيماً مهملة لا نفع منها غير كونها قوي مستهلكة للمنتوج الحضاري لعصرنا بعقلية متخلفة.. ثم هل سنقبل  هذا الدور الهزيل  الذي ورغم هزله تحدده لنا حتى في منطقتنا قوي تتسيد اليوم على العالم ؟؟ لكونها فقط ملكت القوه المادية فظنت بذلك إنها تملك غد هذا العالم. 

 

في محاولة منا لتحديد جوانب هذه الإشكالية لابد من الأخذ بالقول المعروف "التحليل المحدد للواقع المحدد"، فبدونه ستختلط علينا الأمور، وسنفقد اتجاهنا وسط بحر وأمواج متلاطمة من الأفكار والأفكار المعاكسة، ومنذ البداية يجب أن نحدد بالتحليل والدراسة طبيعة تلك المرحلة الزمنية التي يعيشها العالم ونعيشها الآن، من بعد انتقال العالم من حقبه كان يحكم  فيها بنظام القطبين إلى عالم اليوم الذي تحكمه الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عالم القطب الواحد .

 

والحقيقة أن السمة العامة لهذه الفترة التي يعيشها عالم اليوم هي "الفوضى"، فوضى القيم والمثل والمبادئ، فوضى المفاهيم، فوضى الآليات، وفوضى النظم والقوانين والتشريعات، وفوضى الرؤى المستقبلية..

 

وفى عصور الفوضى يسود قانون الغاب، البقاء للأقوى والأشرس والأكثر قدره على التهديد والقتل والتشريد، فالفرق بين الأحداث في تتابعها وبين اتجاهها التاريخي صار ضبابيا غير واضح، بل ويتعنت  البعض ويتعمد طمس هذه الفوارق حتى يظل استخدام المصطلحات بين المثقفين في هذا العصر بغير مدلول مشترك، فيسهل إمرار سياسات بعينها في غفلة منا تحت مسميات كثيرة ضاع مدلولها ومضمونها.

 

 وما اخطر خلط المفاهيم وعدم تحديد الفوارق بينها فإنها سببا تكون لضياع القضية نفسها،  فبين العولمه والامركه والكوكبة والنظام العالمي الجديد مفاهيم مخلوطة، وبين الطريق الثالث، والاشتراكيات الديمقراطية، وتشريعات الإصلاحات الاجتماعية مفاهيم مخلوطة، وبين الحرب التقليدية وتلك التي تدور  رحاها الآن في العراق ويوجوسلافيا وأفغانستان وفلسطين وغدا في أماكن أخرى مفاهيم مخلوطة، وبين الديمقراطيات السياسية والمجتمعات المدنية والأهلية وحقوق الإنسان وديموقراطية الشعوب مفاهيم مخلوطة، وبين الانتماء القومي والثقافة القومية والانتماء إلى الثقافة العالمية مفاهيم مخلوطة، وبين الرأسمالية البنكية والرأسمالية المالية والشركات العابرة للقارات والحدود والقوميات مفاهيم مخلوطة، والحقيقة  أن المستفيد الأوحد من هذا الخلط هو الولايات المتحدة الأمريكية صاحبه الزفة والمولد في عالم اليوم ذو القطب الواحد.

 

 سنحاول في هذا المقام أن نحدد للأشياء أسماءها، ونعطيها مدلولاتنا، فلم يعد من الممكن دون تحديد ضبط المصطلح ومفاهيم الظواهر والأحداث الاتفاق على خطوه واحدة في مواجهه هذه الفوضى التي نعيشها اليوم  بقياده البلطجى الأمريكي، الذي يعمل جاهدا  ويساعد على إيجاد تلك الحالة الضبابية بين المثقفين في العالم حتى لا تتحدد المواقف والصفوف .   

 

مرحله فوضى المفاهيم .. والفرق بين الكوكبة والامركه :

منذ سقوط الاتحاد السوفيتي دخل العالم في مرحله جديده تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول خلالها أن تفرض نظاما جديدا ذو القطب الواحد، يرث السوق العالمي وخاصة  سوق العالم الثالث ولا نستثنى السوق الأوروبي الاستعماري بطبيعته القديمة والسوق الآسيوي المهول، وخطئا وخلطا أطلق على هذا النظام الرأسمالي ذو المركز الأمريكي نظام العولمه أو العالمية أو الكوكبة، وهو  في حقيقة الأمر ليس هذا ولا ذاك بل هو نظام  للنموذج  الرأسمالي الأمريكي تحاول فرضه على العالم بالقوة الجبرية، وعلينا أن نؤكد أن امركه العالم ليست حتمية تاريخية، ولا هي التطور الطبيعي للمجتمعات البشرية بقدر ما هي تطور  للنموذج  الرأسمالي الأمريكي القومي في ظل الظرف الموضوعي الجديد الراهن في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

 

والحقيقة إننا لابد من تحديد هذا الفارق بين النظامين منذ البداية، بين الامركة والنظام العالمي التاريخي القادم، حيث الخلط بينهما يولد خلطا خطيرا في الأوراق يتسبب عنه كما هو حادث الآن بين كثير من المثقفين حاله من فقدان الاتجاه والتوازن.. فالنظام العالمي الجديد القادم، هو الاتجاه الطبيعي لتطور المجتمعات البشرية في  ظل هذه الثورة العالمية  للتكنولوجيا الحديثة والموجه الجديدة من العلوم، فالركيزة الأساسية للنظام الجديد أو الكوكبة هو الاعتماد  على تكنولوجيا العصر في خلق "مجتمعات الوفرة"، مما يقلل من أسعار السلع الرأسمالية  والاستهلاكية إلى اقل المستويات الاقتصادية، وذلك بفتح كل الآفاق أمام الاستغلال الأمثل للعلوم والتكنولوجيا واعتبارها مشاع بين الناس دون تمييز، وذلك لخلق تلك المجتمعات التي تستطيع بتوفير التكنولوجيا لها بأسعار اقتصادية أن تحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية  للقاسم الأغلب من شعوبها.

 

أما الامركه، فهي محاولة من النظام الرأسمالي ( النموذج الأمريكي ) في فرض قوانينه التي تراعى فقط مصالح القائمين عليه، فهو نظام يستهدف السوق بعد ربطه وتقييده  بقوانين لا تتوخى غير مصلحه وصحة واستمرار النموذج الرأسمالي الأمريكي دون مراعاة للآخر، الذى يطالبونه بالرضوخ  والإذعان والخضوع، وإلا فالآلة العسكرية الأمريكية له بالمرصاد والعينة بينه في العراق وليبيا وأفغانستان ويوجوسلافيا وغدا مناطق أخرى مختلفة.

            

وفى ظل هذه الفوضى التي نحياها على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، في كل بقعه من العالم يكون الفرض التعسفي واستخدام القوه هي الخاصية الأساسية المميزة لهذا العصر وهو ما تؤكده سلوكيات النظام الأمريكي بواسطة مؤسسته العسكريه ومؤسسته المالية الضخمة، والتى ستتجه فى نهاية الامر بغير شك الى الفاشستية والعنصرية، فى نهبها الوحشى للشعوب وخاصة شعوب العالم الثالث والبلاد النامية البترولية. 

 

ولا حاجه لنا أن نقول للقارئ العزيز أن هذا الخلاف بين النظامين يكمن في الأساس أن منطلقاتهما الفكرية والنظرية مختلفة جذريا..

 

فبينما تعكس الامركه بشكل يومي الحال الذي وصل إليه العالم من تناقض صارخ للغاية بين فقراء اليوم وأغنياءه، فإنما ذلك يرقى إلى أن يكون دليلا على أن النظام الرأسمالي الأمريكي في جوهره يمر بأزمة عميقة، على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافى، لا يستطيع حلها في داخل حدوده القومية الأمريكية، ويسعى إلى حلها على حساب فقراء العالم وشعوبه النامية في القسط الأكبر منها، وهى من اجل هذا تتلون وتتبدل  في كل مراحل تطورها لتصبح اكثر ملائمة وقدره على نهب وسلب شعوب الدنيا، وهى في سبيل ذلك لا تتورع في استخدام القوة الغاشمة التي تملكها، وعلى النقيض من ذلك المنطلق الفكري لنظام الامركه فان النظام العالمي الجديد ينطلق من فكره إنهاء استغلال الشعوب وخاصة شعوب العالم النامي، وأقامه رقابه شعبيه ديمقراطية على أسعار المواد الأساسية والنظام النقدي العالمي، ومشاعيه الحصول على احدث التكنولوجيات المنتجة للغذاء والكساء وسبل الحياة المختلفة بأقل الأسعار للدخول إلى مجتمعات الوفرة، مما يساعد كل الدول النامية على الانتفاع بثرواتها القومية والحصول على منتجها الوطني بأرخص الأسعار والدخول في علاقة تجاريه متكافئة مع باقي دول العالم تحت مظلة قانون تعاون تجارى عالمي يحدد أسعار السلع الرئيسية الاستراتيجية. 

 

وليس خافيا على أحد أن نظام الامركه ذو القطب الواحد بعد اكثر من عشر سنين من تفعيلة في الواقع عجز في تقديم حلول ولو إصلاحية لسد الهوة بين البلدان الصناعية والبلدان النامية، وعدم التكافؤ في سوق التجارة العالمي، والتضخم المتواصل وتدهور قيمه العملات، والبطالة، وأزمات البورصات المتكررة، وعدم توفير فرصه متكافئة لجميع الشعوب للحصول على المنجزات العلمية والتكنولوجية.. وهى كلها أمراض عضال تنخر في عظام النظام الرأسمالي العالمي ذو القطب الواحد الأمريكي ولا تجعل أمامه وقد خلت الساحة تماما من النقيض المنافس القوى إلا اللجوء إلى القوه دون تردد يذكر وبوحشيه زائدة لكل متململ أو راغب في المحافظة حتى على  ماء وجهه ليكون عبره لمن يعتبر، فلا سبيل لحل هذه الأمراض العضال لنظام أغنياء العالم إلا على حساب فقراءه بالقوة أو بالاقتناع الجبري . 

 

وإذا كان الحديث قد تطرق إلى تلك الوسائل التي يستخدمها النظام الأمريكي في فرض رأيه وسياسته على عالم اليوم، فإننا يجب أن ننوه ونؤكد على حقيقة أضحت واضحة ولا لبس فيها، آخذت في التبلور منذ اللحظة الأولى لميلاد نظام القطب الواحد، وكان ذلك في حرب الخليج ثم يوغوسلافيا، فلم تعد نافعه تلك الأدوات التي أنجبها واستخدمها عالم النظام ذو القطبين، واقصد بها الأمم المتحدة ومنظماتها الصحية والتعليمية والثقافية و وارسو واطلنطى، فهذه الأدوات لم تعد صالحه لشمشون الأمريكي لفرض سيطرته على العالم، وها هي تتأكد هذه الأساليب خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، فالقوة الغاشمة هي لغته الوحيدة التي يفهمها، مارسها في أفغانستان وفلسطين وغدا العراق وسوريا وكوريا وإيران.

 

ولكي يفرض شمشوننا  أساليبه واستراتيجيته الجديدة كان لابد له في البداية أن يجربها في العراق، ثم يبلورها في يوغوسلافيا، ثم يعلنها استراتيجية له في نيويورك في الاحتفالية الخمسين للناتو، حيث تم تدشين استراتيجية الناتو الجديدة كآلة الحرب لنظام الامركه في القرن الواحد والعشرين، حيث نصب الناتو نفسه شرطيا أوحد يفرض الإرادة الأمريكية على العالم  دون منازع ليس في نطاق حدود ارض وجغرافية أعضائه، وإنما في أي مكان من العالم يراه قد خرج عن الناموس الجديد. والملاحظ إن الناتو بدأ ب 11 عضوا في سنه 1949 واليوم صاروا 19 عضوا والأعداد تتزايد في طابور طويل قد يصل إلي نحو عدد أعضاء الأمم المتحدة، ليصبح الناتو بعد حين الأمم المتحدة الجديدة في ظل نظام القطب الواحد الأمريكي.   

 

لغة القوه .. هي لغة عصر الفوضى الامريكى:

لعلنا لن نخرج عن صلب الموضوع في إلقاء بعض الضوء على ظروف استخدام هذا الأسلوب تاريخيا ونتائج هذا الاستخدام، فحينما نتكلم عن لغة القوه فنحن نقصد بها أساسا استخدام العسكر والسلاح لفرض سياسات معينه على الغير دون رغبته خاصة لو كانت هذه السياسات خارج نطاق المبادئ المعروفة والقيم التي استقر الرأي العام الإنساني عليها في أي مرحله تاريخية معينه، والقوه بهذا المعنى العسكري سياسة من العصر القديم الآفل، واستخدامها إنما هو صياغة قديمه بأساليب قديمه لعالم جديد.

 

نحن .. اليوم نعيش عصر الفوضى والهيمنة الأمريكية .. واقصد بنحن العالم كله ، واقصد بالهيمنة الأمريكية سيطرة السياسة الأمريكية  الاستراتيجية على كل بقاع الدنيا، بما تملكه من تفوق واضح في السلاح التقليدي على العالم كله، وهى السياسة التي ظهرت آثارها جليه وواضحة في شكلها التطبيقي إبان الحرب العراقية أو حرب الخليج في بداية التسعينات،  ونرى بكل وضوح أن هذا الأسلوب العسكري في فرض السيطرة، إنما هو مرتبط اشد الارتباط بالطبيعة المختلفة للكوكبه التاريخية والامركه كنظام يعبر عن نمو وتطور النموذج الأمريكي للرأسمالية، ومن ثم فان استخدام تلك الأساليب العسكرية القاهرة من قبل النظام الأمريكي أراه طبيعيا بل ومتناسقا ومعبرا عن الطبيعة الاستعمارية لفائض رأس المال تاريخيا .  

والامركه كنظام عالمي ترجمته العملية في الواقع "الشركات متعددة الجنسية" أو العابرة للقارات والحدود والقوميات، وقعقعة السلاح الأمريكي في أي جزء من العالم، خاصة مناطق الطاقة، فالامركه هى النظام الاقتصادي القومي الأمريكي الذي تقف وراءه طائرات الشبح وصواريخ الباتريوت والكروز والتومى هوك، فالشركات متعددة الجنسيات هي الصواريخ الاقتصادية العابرة للقارات والتي تنطلق من قاعدة الدولار الأمريكي لتنفجر في كل أسواق العالم متخطيه الحدود الجغرافية والعقول والثقافات، ومن يحاول الفلفصه عليه أن يواجه مصير صدام العراق وميسيلوفيتش يوجوسلافيا وعرفات فلسطين.

 

الشركات متعددة الجنسية أدوات أمريكية:

إن حقبه الاستعمار القومي، التي تكونت على أثرها إمبراطوريات الدول الرأسمالية الكبرى، مثل إنجلترا وفرنسا، ثم انتقال الرأسمالية إلى المرحلة الاحتكارية الإمبريالية، وصولا إلى محطتها الآن، كمرحله أهم  ما يميزها هو تشييد وتكوين كيانات مالية ضخمة تشترك في تكوينها شركات عملاقة بأجناسها المختلفة، تحتكر المستويات القمية من التكنولوجيا في العالم وعلى رأسها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

 

فبعد أن كانت الرأسمالية في مرحلتها القومية الاستعمارية معنية بتصدير المنتجات، صارت في مرحلتها الاحتكارية الإمبريالية تصدر رأسمال، والآن في مرحلتها العولمية ذات القطب الواحد الأمريكي، صار منتجها الذي تصدره هو المعلومة، ومن ثم فان مفهوم القضية الوطنية والتحرر الوطني الذي انتشر بين الحربين العالميتين وما بعدهما حتى نهاية السبعينات، كان ذو بعد قومي يعتمد النظرة القومية مضمونا له، وذلك في ظل الاستعمار القومي، وهذا المضمون القومي لقضية التحرر، فرض على الثورة الوطنية خاصة بعد الثورة البلشفية في روسيا، فرض عليها بعدا ديموقراطيا وعمقا اجتماعيا مختلف، عما كان علية هذا المضمون الوطني قبل الثورة البلشفية، إذ ادخل الطبقة العاملة والفلاحين وقطاعات من البرجوازية داخل المعسكر الوطني، وصاروا شركاء قضية واحدة هي التحرر من الاستعمار في شكله القديم المحتل العسكري.

 

لقد اصبح هذا المضمون للقضية الوطنية غير فعال في ظل الإمبريالية، وبالأحرى في ظل النظام العالمي ذو القطب الواحد الأمريكي، بل وغير ثوري، فهذه المرحلة الإمبريالية وذات القطب الواحد، أحد سماتها الأساسية أنها ركزت راس المال وبشكل ضخم في يد حفنة قليلة من رأسماليي العالم، مما طرد من النظام العالمي الرأسمالي جيش كبير من الرأسماليين، أصبحوا بما يملكون غير قادرين على مواجهة تلك الديناصورات الرأسمالية ذات الطابع الكاسح العالمي. 

 

فحسب قائمة فورشن هناك فقط 500 شركه على مستوى العالم متعددة الجنسية تتحكم الآن في اقتصاد العالم وتستحوذ عليه، ولتفهم هذه الظاهرة الجديدة علينا أن نذكر أن النظام الجديد ذو القطب الواحد قد استحدث أساليب عمل وأداره مختلفة جذريا عن المفاهيم القديمة في عهود نشوء الرأسمالية حتى مرحلتها الإمبريالية، فالمصنع بمعناه القديم وأساليب إنتاجه القديمة قد تغيرت كيفيا، ومفهوم عهد الصناعات الثقيلة التي تعتمد على آلاف العمال والتي تستهلك كميات ضخمه من الطاقة والتي تكون  فيها العملية الإنتاجية شاملة أو شبه شاملة ومكتملة، هذه المفاهيم لم تعد صالحه في زمن أل GLOBALIZATION ، فاستخدام الحد الأدنى من العمالة المكتبية، بل وتشغيلها من منازلهم،  والمصانع التي تنتج مرحلتين أو ثلاثة من المنتج النهائي والتي تعتمد على اقل عدد  من العمالة، وبأقل عدد من ساعات التشغيل، بدلا من 35-40 ساعة عمل في الأسبوع، و الحرية المطلقة للعامل و صاحب العمل في إنهاء العقد، والتركيز على العامل المهندس واختفاء العمل اليدوي، نظرا للتقدم التكنولوجي الهائل في خطوط الإنتاج الجديدة، هي مفاهيم النظام العالمي الجديد، وهى مفاهيم  سوف تعتمد في الأساس على تفتيت العالم  إلى  وحدات إنتاجيه صغيره و متخصصة تعتمد على ثروات أوليه بعينها متوفرة لديها دون غيرها، وذلك حتى تستطيع هذه الشركات  المتعددة الجنسية أن تزيد من هيمنتها في مواجهه الدولة بشكلها  القومي المعيق لها و لنشاطها، إذ بلغت هذه الشركات حدا من القوه المادية الاقتصادية والسياسية  تجاوز سلطه الدولة الإقليمية القومية.

 

ولكي يتضح مقصدنا عن مفهوم الهيمنة الأمريكية ، يجدر بنا أن نذكر إن الدول السبع الرأسمالية الكبرى أل  G7  تضم 428 شركه متعددة الجنسية من مجموع ال500  شركه في العالم ، وان بالولايات المتحدة فقط 153 شركه ، ودول المجموعة الأوروبية الخمسة عشر تضم 155 شركه ، بينما  في اليابان 141 شركه ، وهو ما يعنى هيمنة الولايات المتحدة على هذا النظام العالمي الجديد، إذا ما أخذنا في  اعتبارنا ما لديها  من قدرات تدمير شيطانيه تتيحها لها ترسانة ضخمه من أسلحه الدمار الشامل لا تملكها اليابان و لا حتى الدول الأوروبية مجتمعه، بالإضافة إلى قاعدة صناعية هائلة على أعلى مستوى تكنولوجي في العالم كله، فضلا على استخدام الدولار كعملة معيارية لكل هذه الشركات، مما يضمن لها التفوق والهيمنة والسيطرة.

     

ولكن هذه الهيمنة الأمريكية آفلة ولا ريب، ولكن لفترة نراها ليست قريبة سوف تظل الدولة الأمريكية لها دورها المهيمن الذي بلا شك سوف تلعبه لفترة قادمة، وهو دور موجه لدور الشركات المتعددة الجنسية المتنامي الذي يجعل من الحدود الوطنية الإقليمية مسامية بدرجه اكبر مما يصعب على الدولة بشكلها القومي الآفل أن تحتفظ بسيادتها عليه، فإنها تعانى في حقيقة الأمر من تآكل سلطتها، فقد أصبحت اقل قدره على السيطرة على انتقال الأموال أو المعلومات عبر الحدود، وهو ما تفرضه قوانين لعبه الامركه الجديدة.

 

في ظل ثلاث مظلات ثقيلة :

 ولكن، أين نحن من هذا النظام العالمي الذي نحن على أعتابه ويتشكل حولنا تحت ظل ثلاث مظلات ثقيلة الوطأة..  الأولى : مظلة الوجود الصهيوني بمفهومه الاستيطاني العدواني آخذا دور الراعي الأصيل  للمصالح الأمريكية في المنطقة، المظلة الثانية : وجود البترول بكثرة في المنطقة واستمرار كونه رغم كل التطور العلمي ارخص مصدر طاقه حتى الآن، المظلة الثالثة : غياب دور شعوب المنطقة في رسم سياسات بلادها أو بمعنى أدق غياب الديمقراطية بشكل مطلق في  بعض البلاد العربية أو وجودها بشكل ناقص أو مشوه في ظل قائمه ثقيلة من القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات في البعض الآخر من الدول.

 

 لقد فقدت معظم بلاد العالم الثالث أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لنظام الامركه الذي نعيشه الآن، فتلك البلاد التي تكونت أهميتها الاستراتيجية فيما مضى نتيجة موقعها الجغرافي المتميز الواقع والمتحكم في محاور النقل البرى أو الجوى، أو تلك البلاد التي تميزت بوجود ثروات طبيعية أو محاصيل زراعية ذات أهميه اقتصادية استراتيجة، أصبحت بعد الثورة العلمية التكنولوجية الكبرى التي نشهدها الآن في كل الميادين، فاقده أو هي في سبيلها  لفقد أهميتها الاستراتيجية التي ميزتها في الزمن السابق، والسبب هو التطورات التكنولوجية الهائلة في البلاد الصناعية الكبرى التي راعت في تطورها الاستخدام المحدود للمواد الأولية والطاقة، وخلق مواد أوليه جديده صناعية افضل من تلك الموجودة في الطبيعة، كالبلاستيك الصلب بدلا من الحديد، والكاوتش الصناعي بدلا من الكاوتش الطبيعي، والألياف الصناعية بدلا من القطن والكتان، والأخشاب الصناعية بدلا من الأخشاب الطبيعية وتحويل المزارع إلى مصانع  زراعية واستنباط أصناف محاصيل جديده.  

 

ورغم ذلك، والى فتره ليست وجيزة ستنفرد منطقتنا بان البترول يوجد بها بكثرة، كما انه يستخرج منها بأقل الأسعار بالإضافة أن العالم مازال لم يكتشف بعد مصدر طاقه اقل سعرا منه، وهو ما يجعل المنطقة لم تزل محط أنظار مراكز صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية التي لهذا الظرف الخاص مازالت تضعنا على رأس أجندتها السياسية الاستراتيجية، وليس ابلغ دليل على ذلك من تلك الهجمة الشرسة والحصار العسكري الضخم الذي مازال  قائما حول العراق تحت حجه أزاله أسلحه الدمار الشامل، بينما الحقيقة التي لا تخفى على عاقل هي السيطرة الكاملة على آبار البترول في المنطقة، ولكن وفى ظل نظام الامركه وفى خضم صراعاته وتناقضاته تتخلق كل يوم محاور جديده رافضه فكره هيمنة القطب الأمريكي الواحد على العالم ، وهو ما يتبلور وتظهر رؤوس تلك المحاور  اليوم في الصراع اليوجوسلافي وأزمة كوسوفو تلك الواجهة التي تخفى  ورائها  الطرق التي يراد بها إخراج مرحله الفوضى الأمريكية في العالم وبلوره شكل مخرجها.

 

ولكي تكتمل الصورة أيضا لابد من الإشارة إلي وضعيه الصراع العربي الإسرائيلي بعد أزمة العراق سنه 1990 وأزمتها الآن سنة 2002 ، فبعد كل من الأزمتين نرى إسرائيل تنحو إلي حل عملي جزئ للازمه بينها وبين السلطة الفلسطينية وقبولها جزء مما كانت ترفضه  قبل ألازمه،             وأضافه إلي هذه الملامح ولكي تتضح الصورة اكثر واكثر فلابد إذن من التنويه إلي نظمنا السياسية السائدة في بلادنا العربية خاصة ومناطق العالم الثالث عامه، والتي تغيب فيها ديمقراطية الشعوب بشكل حقيقي، فنحن مازلنا بعيدين تماما عن  الحريات السياسية الفاعلة وأعنى على وجه التحديد حرية تشكيل أو تكتل سياسي جماهيري مخالف وفعال في مواجهه قضيه ما أو مناصر لقضية ما، أي أن يكون للحركة السياسية بعدا شعبيا وجماهيريا بغرض خلق رأى آخر فعال مؤثر في الشارع السياسي.

 

بهذه الصورة ثلاثية الأبعاد نجتاز عصر الامركه وندخل عصر الكوكبة ونتطلع للمستقبل ..وهنا تبرز المشكلة الأساسية التي يحاول البعض منا  تحت دعوى العولمه المتأمركه إقناعنا أو السذج منا أن القضية الوطنية قد انتهت ولم يعد لها وجود في عصر يتطلب فيه العالم أن يتقبل كل منا الآخر .

 

القضية الوطنية في عصر الفوضى الأمريكية :

نتساءل ونسأل من يدعى أن القضية الوطنية قد انتفت ولم يعد لها وجود في ظل العولمه ونقول : هل انتفت عن الشركات المتعددة الجنسية الصيغة الجديدة للاحتكار الرأسمالي بشكله العالمي ظاهره الاستغلال  وقهر الشعوب؟؟؟ أم أن هذه الظاهرة قد ازدادت شراسة وتفاقمت في ظل الامركه ونظامها الفوضوي؟؟؟ الإجابة بالقطع في رأينا أن هذه الشركات متعددة الجنسيات هي الوجه الأكثر شراسة وتسلطا واستغلالا للشعوب في تاريخ البشرية بأكملها، وما العولمه بشكلها ومفهومها الأمريكي إلا مرحله من مراحل تطور الرأسمالية العالمية بمضمونها الاستغلالي المتسلط ، والفارق بين مرحله  الرأسمالية الاستعمارية العسكرية ومرحلتها الإمبريالية ومرحلتها المتأمركه هو في حقيقة الأمر الفارق في التقنية والتكنولوجيا بين هذه المراحل الثلاث..

 

وكمثل تطور الرأسمالية في صورها الثلاث الاستعمارية، تطورت أيضا المسألة الوطنية، وأخذت أشكالا ومضامين مختلفة، فقد ازدادت في عصر العولمه مركزة رأس المال في يد قلة بشكل ضخم وخرافي، وازدادت عزله هذه القلة في العالم، فصار التناقض بينها وبين كافه البشر في كل أنحاء المعمورة تناقضا تتعمق جذوره كل يوم بل كل ساعة ويزداد شراسة وقسوة، وبتفعيل هذه الظاهرة يظل  المعسكر المناهض  لنظام الامركه يزداد اتساعا وعمقا كل يوم بقدر ما تتكشف حقيقة هذه الفوضى التي تنتشر في العالم.

 

ففي مرحلة الاستعمار القومي والاحتلال المباشر كانت المسألة الوطنية قومية في الأساس، ذات شكل وطابع عسكري مقاوم للاحتلال، وكان المعسكر الوطني المقاوم للاحتلال واضح ومحدد لوجود الاستعمار بشكل مباشر عسكري سافر، هذا المعسكر اختلفت طبيعته الطبقية قبل الحرب العالمية الأولى والثورة البلشفية عنها بعد الحرب والثورة، فقد زاد الارتباط بين المسألة الديموقراطية بقضية التحرر الوطني كما أخذت القضية الوطنية بعدا اجتماعيا اكثر جذرية في المسألة الوطنية نتيجة انضمام شرائح العمال والفلاحين والفئات التكنوقراطية والطبقات الفقيرة إلى ساحة العمل السياسي بعد الحرب والثورة البلشفية.. بينما بانتقال النظام الرأسمالي العالمي إلى مرحلة الاحتكار الإمبريالي، أعطى زخما اكبر للمعسكر الوطني  الذي زاد تفهما للمسألة الوطنية وأعطاها بعدا اقتصاديا واجتماعيا لم يكن واضحا في المرحلة الأولى، حيث كانت المسألة الوطنية تنحصر في تحرير الأرض والجلاء، ولكن هذا المضمون للتحرر الوطني لم يكفى في المرحلة الإمبريالية، حيث اصبح الخروج من دوائر الاستغلال للنظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي هي هدف قضية التحرر الوطني، مما أثر أيضا على الأساليب المتبعة في النضال ضد هذا الشكل الإمبريالي للاستعمار المحجب، مما استدعى آن تكون القوى الوطنية ذات وعي اكثر بطبيعة الإمبريالية وأشكالها الاستعمارية المبتكرة، مما كان سببا في ضبابية المعسكر الوطني لدى العامة رغم فرضية اتساعه وعمقه لدى النخبة.. واليوم بعد انتقال النظام العالمي الرأسمالي إلى مرحلته الأمريكية ذات القطب الواحد، تحدد معسكر العدو بشكل واضح لدى الكافة، فبالإضافة انه اصبح قطبا واحدا إلا انه اصبح أيضا مكون من طغمة من العتاة العسكريين الفاشست العنصريين، ومجموعة من مصاصي دماء الشعوب كافة، إذ مجال استغلالهم ونهبهم وموطنه هو العالم اجمع بكل شعوبه بما فيها الشعب الأمريكي ذاته، إن هذا التحديد هو مقتل هذا النظام الآفل.             

 

كيف خرج علينا النظام العالمي الجديد :

هنا لابد وان نقف لحظه نلتقط فيها أنفاسنا ونحدد مقصدنا، بادئ ذي بدء أرى أهميه التنويه لظاهره بدت ملامحها تتضح في الكيفية التي خرج بها النظام العالمي الجديد علينا .. أي كيف ظهر؟؟ وأسلوبه في طرح نفسه على العالم؟؟ فمن المعروف أن حياه البشر وتطورها ليست نتاج صدفة إنما هي تعبير عن حركه التاريخ والصراع بين الأنماط الإنتاجية المختلفة، وهو التطور الحادث نتيجة نمو وتطور أساليب الإنتاج..وكان ذلك مصحوبا في الأساس  بتقدم وتطور أساليب الإنتاج  والمعبرة عن المستوى العلمي والتكنولوجي والتقني للمجتمع، وعاده ما يسبق هذا التغيير الجذري حاله يمكن أن نطلق عليها الحالة الثورية في المجتمع المؤهل للتغيير، وهى حاله تمتد إلي كل ركائز المجتمع  الثقافية والفنية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية  تؤثر تأثيرا مباشرا على نسقه الفكري السالف وتدعو كل ما فيه للحركة والتغيير والثورة نحو نسق فكرى جديد مغاير للقديم.

 

وعكس هذا القانون الذي ثبتت  فاعليته عبر الأزمان الماضية فان الكوكبة نشأت وانتشرت بأسلوب مغاير تماما عما كان يحدث في الأزمان الماضية دون أن يسبقها هذا لتصور المتكامل أو هذه الحالة الثورية التي أشرنا إليها ، فهي في الواقع بدون أصول فكريه في العلوم الاجتماعية المختلفة، وهذا صحيح إلي حد بعيد، ولكنه ليس الحقيقة كلها التي تشرح وتفسر هذه الظاهرة الجديدة، فدعنا نفهم كيف حدث هذا ونحدده فلسفيا ونحن على أعتاب هذه الظاهرة الجديدة.    

 

اثر التكنولوجيا الحديثة في تطور المجتمعات:

ففي كلمه واحدة لابد من الاعتراف أن نظرتنا الفلسفية للعالم قد تأثرت بفضل التكنولوجيا المتطورة التي أتاحت لنا تحقيق و تجريب أي فكره مهما كان جنونها في مخيلتنا، بل أن علوم اليوم وما وصلت إليه من تطور يفوق التصور صارت تتحدى خيالنا بما فتحته أمام عقولنا من إمكانات بلا أي حدود، لقد استطاعت التكنولوجيا العصرية أن تلغى أو بمعنى أدق أن تقلل وتصغر إلي ابعد حد ولأول مره في التاريخ المسافة التي كانت دائما بين الفكرة والواقع، بين النظرية والتطبيق . 

 

ولمزيد من الضوء حول اثر تكنولوجيا اليوم وعلوم العصر في نظرتنا الفلسفية للعالم الآن، يمكننا أن نرصد تلك الدرجة من التطور التي بلغتها فروع العلوم المختلفة في الربع الأخير من القرن الذي اشرف على الانتهاء، وبلوغها تلك الدرجة الكبيرة من التجريد التي أصبحت مشبعه  بالعلاقات والصيغ والمعادلات شديدة التعقيد في علوم اليوم، وهو ما يعكس مدى تطور وتعقد بنيه العلم، وهى البنية التي أدت إلي اعتبار العالم مجموعه من العلاقات المجردة والمعقدة سواء كانت هذه العلاقات موضوعيه أي موجودة في الواقع، أو كانت من نتاج عقل الباحث، بحيث اصبح العلم المعاصر وتكنولوجيا العصر قادرة على خلق عالم من صنع العقل البشرى بما أتاحه العلم من اكتشاف العلاقات والصيغ والمعادلات المجردة، انه خلق جديد وبعث جديد للحياة الإنسانية.. فلم تعد التجربة وحدها تكفى للتعبير عن الواقع بكل تداخلاته، بل لقد أثبتت علوم  اليوم  كعلوم الميكروفيزياء على سبيل المثال بتعاملها  مع موضوعات غير مرئية أن تصورات الباحث صارت جزء لا يتجزأ من التجربة واصبح لا انفصال للتجربة عن النشاط والنتاج العقلي للباحث، وهو ما يحاكى ويماثل في الواقع الموضوعي هذا التداخل الشديد بين مفهومي المسافة والزمن، وفى الفلسفة  التداخل بين التجربة والعقل كنتيجة منطقية لهذه النقلة النوعية والتغير الكيفي للعلم، وما وصلت إليه التكنولوجيا من تعقيد ورقى مذهل.

 

وحقيقة الحقائق المفسرة للظاهرة الجديدة التي أشرنا إليها في سطورنا السابقة عن الحالة الثورية والتصور الفكري المتكامل السابق على التغيير، أن العلوم التطبيقية المادية صارت لها الغلبة  والقيادة على العلوم الاجتماعية، فلم تعد العلوم الاجتماعية التي كانت دائما السباقة في الماضي في محاكاة المستقبل قادرة بعد اليوم أن تقوم بدورها السابق نظرا للتطور المذهل اليومي في كافه أفرع العلوم التطبيقية والتي نجملها في لفظه واحدة هي التكنولوجيا، وهو ما يجعل ظاهره كالكوكبة لا أصول لها في العلوم الاقتصادية والاجتماعية أو السياسية، بينما في الحقيقة أصولها تكمن في العلوم التطبيقية أو في تاريخ التطور التكنولوجي وليس الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي .. وهذا هو الجديد الذي يجب التعامل معه منذ الآن وصاعدا.. فقد صارت التكنولوجيا هي القاطرة التي تجر وراءها المجتمعات البشرية وتحدد لها مسارها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، إذ أن تأثير  التطور التكنولوجي صار أسرع وأقوى واكثر انتشارا بين الناس من تأثير الفكرة أو النظرية .                                           

 

رؤيتنا للنظام العالمي الجديد .. الكوكبة :

وتأسيسا على ذلك نبني رؤيتنا حول نظام هذا العالم الجديد الذي تلعب التكنولوجيا فيه دور المايسترو دون منازع، فأي كوكبه نقصد وأي توجه نستهدف ؟؟

 هنا يجب في المقام الأول أن نذكر الفارق بين مفهوم الامركه والكوكبة أو النظام العالمي الجديد كقيمة تاريخية، كمرحله من تطور المجتمعات الإنسانية جرتنا إليها قاطرة التكنولوجيا،  كمرحله من تطور النظام التكنولوجي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في اتجاه مجتمع الوفرة وحقوق الإنسان والديمقراطية التكنولوجية.

 

·  إننا ندعو لنظام عالمي جديد مبنى على هذا الأساس الذي جسدته علوم هذا العصر وهو أن صارت التكنولوجيا هي المحرك الرئيسي للتاريخ والتطور الاجتماعي والاقتصادي، فقد صارت تكنولوجيا العصر المدخل التاريخي لآفاق رحبة للإنسانية تفوق كل خيال لتكون وبيقين كامل مدخل لبعث جديد سوف تلعب فيه التكنولوجيا القادمة والحسوب الذكي المفكر دورا في خلق أجيال من الأجهزة والآلات لا دخل للإنسان في خلقها إذ تكون خارج قدراته العقلية الطبيعية الحالية، وأظننى لم اذهب بعيدا لو قلت أن أهميه الهندسة الوراثية والاستنساخ  تكمن في خلق هذه الأجيال البشرية الذكية القادرة على التعامل مع القادم التكنولوجي الخارق  للعادة والمتجاوز لكل إمكانات الخيال لجيلنا من البشرية بما نملك من قدرات عقليه صارت محدودة .. فالطبيعة سوف تعي نفسها في عقول مستوى ذكاءها أرقى مما هي عليه عقل إنسان اليوم .

·  أن نظاما عالميا جديدا يعتمد على التكنولوجيا كقيمة تاريخية لهذا العصر إنما بحق يمكن تسميته بشكل واقعي بمجتمع الوفرة .. فان التكنولوجيا القادمة التي تستند على أوسع قاعدة معرفية علميه عرفها الإنسان على مر كل تاريخه، سوف  تكون بلا شك المدخل لخلق أساليب إنتاج تعتمد على مواد خام غير طبيعية تفوق في جودتها وكميتها مثيلها الطبيعي، فيزداد الإنتاج وبوفره وبأرخص الأسعار، مما يضرب في مقتل آليات السوق المعروفة بقانونها الأزلي عن العرض والطلب، الذي ظل يعمل طيلة ألازمنه الماضية دون منافس في مجتمع الندرة والذي لن يعود صالحا في مجتمع الوفرة ..   

·  إننا ندعو لنظام عالمي جديد يشكل تاريخيا أنماط إنتاج تكون قاعدتها الأساسية التكنولوجيا الحديثة التي تسمح  أولا  بإنتاج نفسها بأرخص الأسعار بحيث تكون متاحة للجميع  بغير قيود حكومية من أي نوع .. كما أن هذه التكنولوجيا سوف تسمح بتكوين قاعدة إنتاجيه ضخمه الإنتاج ، يختلف فيها شكل ومضمون المصنع والمزرعة التي نعرف عن المصنع والمزرعة التي سوف تكون، ونتيجة لضخامة إنتاجها سوف تكون قادرة على الوصول بأسعار منتجاتها إلي أدنى  مستويات السعر من ناحية والى أعلى معدلات الجودة القياسية المتعارف عليها عالميا من ناحية أخرى، وذلك في ظل قاعدة معلوماتية واسعة وعالميه الانتشار تمتد من مشارق الأرض إلي مغاربها، ومشاع للجميع.

·   سوف تشكل التكنولوجيا الحديثة في النظام العالمي الجديد آفاق البشرية اجتماعيا واقتصاديا  وسياسيا وفكريا بما أصبحت تلعبه تكنولوجيا اليوم من دور قوى العمل الإنتاجية (العمال والفلاحين) في الماضي، وبما سوف تلعبه وتفرضه من دور مؤثر في تشكيل شكل ومضمون النظام السياسي ليكون قادرا على استيعابها وتطويرها  دون عائق، فقد أصبحت التكنولوجيا تمثل في البنية التحتية  للمجتمع  القوى والطبقة الثورية التي تحاكى التطور والمستقبل، كما أصبحت تمثل في البنية الفوقية للمجتمع النظام السياسي الذي سوف يمثل دكتاتوريتها، متيحا للمجتمع البشرى آفاق من الحرية لم  تعهدها من قبل في التاريخ،  ومن ثم فإني أرى في هذا النظام العالمي نتاجا للتطور التكنولوجي والعلمي وليس نتاجا للتطور الرأسمالي بنموذجه الأمريكي الآفل.  

·  وهو نفسه ذاك النظام العالمي الذي تتوحد فيه عملته في كافه أنحاء المعمورة فتسقط والى الأبد فكره المضاربة على سعر الصرف في البورصات التي تصيب النظم الاقتصادية بالعجز عن مواصلة التطور وسداد التزاماتها لدى الغير مما يضطرها إلى خفض أسعار سلعها  وطرحها في السوق العالمي بسعر اقل من سعر التكلفة أو خفض قيمه عملتها، وهى سياسة مؤداها مزيد من إفقار الشعوب وبدقه اكثر مزيد من إفقار الطبقات الفقيرة في العالم  اجمع، بينما في ظل نظم مالية تستند إلى عمله تعامليه  واحدة في العالم كله سوف يؤثر تأثيرا إيجابيا على تطور  الشعوب في اتجاه تطورها السلمي نحو آفاق لم تعهدها البشرية من قبل في تاريخها .

·  إن نظاما عالميا ذو قيمه تاريخية هو ذاك النظام الذي ينبذ العنف والإرهاب والقهر واستغلال الشعوب كوسيلة لحل الخلافات بين الفرقاء، وهو النظام الذي يسمح بقبول الآخر لا على أساس على أسس ثقافية جديده استبعدت منها الأفكار العنصرية من أي نوع الدينية والجنسية أو العرقية، ومن ثم فان النظام العالمي النابذ للعنف والإرهاب وقهر واستغلال الشعوب لابد وانه يدعو ولا محال إلي نزع وتدمير وإتلاف كافه الأسلحة ذات القدرة التدميريه الشاملة بل والتقليدية أيضا إلى الحدود المعقولة .

·  إن نظاما عالميا جديدا تلك حدوده الاقتصادية والاجتماعية لابد إن يكون مجتمعا منفتحا يضمن حد أدنى من الثقافة العلمية المشتركة بين عناصره، ولكنه في نفس الوقت لا يلغى بل يغنى التنوع الثقافي والتراثي البشرى.. وما من شك إن هذا الحد الأدنى الثقافي العلمي والتكنولوجي المشترك بين شعوب المعمورة كلها لكفيل بتمشيط الثقافات المتنوعة والمختلفة من طابعها العنصري والقومي السياسي، بحيث لا تصبح في ظل هذا الحد الأدنى قادرة على التحول إلى حركه سياسية تعود بنا إلى العنصرية الثقافية متخلصة بذلك من الأنا الخاصة بها لتبقى جوهر ثقافي نقى ملك للعالم  والبشرية كلها دون تمييز.

 

أن هذه القيم التاريخية في النظام العالمي الذي ندعو إليه هي بكل وضوح وبغير لبس ليست الامركه ولا هي  الطريق الثالث ولا الاشتراكية الديمقراطية وليس فكرا وسطيا بين الرأسمالية والاشتراكية، وإنما ما ندعو  إليه هو في جوهره استقراء لحركه التاريخ ونظامه الحتمي القادم المستند أساسا على هذه القاعدة التكنولوجية الفائقة التأثير على تطور المجتمعات البشرية .

 

ونحن لا نجنح بعيدا عن الحقيقة حين نقول أن النظام الرأسمالي المالي الأمريكي بمنهجه الاستعماري  وباستخدامه سياسة العصي الغليظة وقواته العسكرية إنما يؤكد على إفلاسه ونراهن نحن على انفجاره من  الداخل، فكل مقومات انفجاره كامنة في التناقض المطلق لسياسته هذه مع نظامه وقوانينه وأساليبه ذاتها، فسوف تغرب فتره الازدهار الأمريكي بعد أن يفقد قدرته على تصدير ودفع كل مضاعفاته وأزماته وأمراضه إلي أطراف هذا النظام  بعيدا عن القلب، والمثل الفاضح لهذه السياسة تلك الأزمات التي دفعت بها تناقضات النظام الأمريكي  إلي أطرافه اليابانية في أوائل التسعينات وآسيا وروسيا بعدها وألازمه البرازيلية والمكسيكية من قبلها،  فقد أوضح التاريخ أن أسواق المال كثيرا ما تنهار مسببه الركود الاقتصادي، وبالطبع إن انهيار هذه الأسواق الواحدة تلو الأخرى سوف يزداد وطأه في ظل عصر الفوضى الأمريكية على اقتصاديات البلاد الممثلة لأطراف النظام الرأسمالي، والتي تشكل خطوط الدفاع عن القلب النابض حتى اليوم فقط والذي إن آجلا أم عاجلا سوف تتحرك الجلطة الدموية من الأطراف إلي القلب ولا محالة، انه التهديد الرأسمالي للرأسمالية .       

 

الرأسمالية تحفر قبر الرأسمالية :

لقد أسست وجهه نظري هذه على حقيقة من حقائق النظام الرأسمالي الحيوية، وهى جنى الثروة .. ففي ظل الهيمنة وشمولية النظام الرأسمالي الأمريكي على العالم والتحول المستمر من مجتمعات الندرة إلي مجتمعات الوفرة بفعل التطور الخارق للتكنولوجيا في مجالات الإنتاج ، لا توجد إلا وسيلتين فقط لجنى الثروة  من داخل النظام الرأسمالي وقوانينه وليس من خارجه،  الوسيلة الأولى  عن طريق المنافسة في السوق على الإنتاج الرأسمالي، والوسيلة الثانية عن طريق  المضاربة.. والوسيلة الأولى عمادها البنوك، وغنى عن القول أن طريق البنوك المبنى على الدراسة وتقليل التكاليف الإنتاجية إلي الحدود الدنيا والبيع بهامش ربح يضمن للمشروع اقتصادياته، أن هذا الطريق لجنى الثروة هو بالفعل أطول وأبطأ واقل جنيا للثروة من المضاربة في البورصة في عمليات بيع وشراء سريعة للسلع الاستهلاكية أو المواد الأولية أو المضاربة على أسعار الصرف بين للعملات المختلفة.       

 

وهنا يجب التنويه في جمله اعتراضيه إلي تاريخ هذه الظاهرة قبل الحديث عن الاستنتاج من  وجهه نظري.. فالواقع أن منذ أزمة الثلاثينات كان لتعاظم دور الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا قد احدث تقاربا بين شكلي الرأسمالية على جانبي المحيط الأطلنطي، وكان ذلك في الأساس في إطار جهد مشترك للوقوف أمام التحدي الشيوعي، ولكن بعد أن زال شبح الشيوعية من على الخريطة السياسية والاقتصادية وزوال دور الدولة المركزية بقدر كبير في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي نعيشه اليوم مما دفع عالم اليوم إلي التمحور حول فكره  اللازمن واللامكان والحديث عن العولمه، كنتيجة للتطور الهائل في علوم العصر وتكنولوجيته، إذ قد هزم العلم تلك الحدود القومية المفتعلة منذ زمن بزوغ الرأسمالية، وأصبحت آثاره ممتدة عبرها، ونتيجة لذلك فقد عاد النموذجين الرأسماليين من جديد للتناطح، النموذج البنكى الذي تمثله ألمانيا في أوروبا واليابان في آسيا ( البلاد المنهزمة في الحرب العالمية الثانية ) والنموذج  الأمريكي المعتمد أساسا على المضاربة في البورصات العالمية للجني الأسهل والأسرع للثروة عبر أسعار صرف العملات في الأساس، وهو التناطح الذي تمثل بوضوح فوق سطح الأحداث حين أصدرت  أوروبا بقياده ألمانيا "اليورو" في مواجهه مباشرة مع الدولار كمنافس قوى في السوق التجاري الدولي في يناير 1999 ، أما بوادر هذا الصراع فقد ظهر في نهاية عام 1990 حين انتصر هلموت كول في الانتخابات في ألمانيا واستقالت تاتشر في بريطانيا، وذلك في ظل سياسة ريجان  صاحب مقولة(أمريكا  تعود)،  فقد كان هذا الانتصار وتلك الاستقالة أعلانا للهيمنة الاقتصادية الألمانية على أوروبا واليابانية على جنوب شرق آسيا  وجرسا يعلن بداية الجولة الأولى للصراع بين الرأسمالية الأمريكية بنموذجها المضارب والرأسمالية الألمانية  واليابانية بنموذجيهما البنكى   

 

والجدير بالذكر ونحن بصدد الحديث عن هذا الصراع الذي بدأت جولاته في العشر الأواخر من القرن العشرين بين النموذجين  الرأسماليين المتنافسين، جدير بالذكر أن نوضح الخلفية المسرحية والبانوراما التي يدور على مسرحها هذا الصراع، والتي تتركز في رأينا في المشاهد الأربعة الآتية :

 

المشهد الأول ..

·  أن الامركه ليست عمليه تطور في اتجاه تاريخ تطور المجتمعات، بقدر ما رسمله العالم هي الاتجاه الحقيقي لتطور المجتمعات، كما أن الكوكبة اوGlobalization  لا يجب فهمها بقصرها في اتجاه الامركه، بل أنى اذهب في  افتراضي إلي  مدى ابعد من ذلك وأقول أن عمليه امركه العالم واقعة في تناقض بالغ الخطورة وحاد للغاية مع الكوكبة بمفهومها القيمى التاريخي، والكوكبة بهذا المفهوم التاريخي إنما هي النتيجة الطبيعية لوصول علوم وتكنولوجيا العصر إلي مستوى من التطور والرقى النوعي لم تصنعه العقول الأمريكية فحسب وإنما صنعت الجانب الأعظم منه عقول من كافه أنحاء العالم المتطور والمتخلف منها أيضا، إذا فالامركه ليست عمليه حتمية  تاريخية بالمعنى القديم لهذا التعبير، ولا هي تعبير عن  الثورة التكنولوجية التي تعيشها البشرية اليوم.. إنما هي محاولة من أمريكا بافتراض أنها قلب النموذج  الرأسمالي المالي الأمريكي المريض الذي مازال ينبض بضعف شديد في جنى اكبر قدر  من الثروة العالمية، وذلك بالتهام اكبر نصيب  من كيكه التجارة العالمية  وكذلك محاولتها الالتفاف حول والسيطرة والاستيلاء على المنتوج العلمي والتكنولوجي للعالم وذلك عن طريق التحكم في سعر صرف الدولار، وهو الدور الذي بدأت تلعبه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والأمثلة كثيرة وعديدة إلي الحد الذي يصعب إحصائه .

 

 

المشهد الثاني ..

·  أن هذا الصراع تدور رحاه تحت وطأه ترسانة عسكرية رهيبة تملكها الولايات المتحدة الأمريكية .. وهى لا تزل ترصد لهذه الترسانة مليارات الدولارات حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي المروع سنه 1989 وقد بلغ حجم الميزانية العسكرية الأمريكية في ألسنه المالية القادمة 296 مليار دولار أي ما يقارب حوالي 49 في المائة من الميزانية الاتحادية الأمريكية، بل وزيادة هذه الميزانية بما قيمته 110 مليار دولار في السنوات الست التالية ورفع مرتبات العسكريين إلي مستوى لم يسبق له مثيل منذ السبعينات، وهو مؤشر بالغ الخطورة يعكس بكل وضوح نوايا أمريكا وخططها للهيمنة على العالم.. والحقيقة أن من لا يدرك الدافع  وراء هذا الاهتمام الشديد بالقوة  العسكرية الأمريكية من قبل حكومة مثل حكومة كلينتون الذي فاز في انتخاباته واستطاع أن يمر من أزماته الجنسية مع خليلاته فقط بفضل برامجه الاجتماعية المعلنة، من لا يدرك هذا الدافع  سوف يخطأ كثيرا في تحليل الموقف، فالحقيقة أن أمريكا لم تعد الرائدة في مجال التكنولوجيا بأنواعها ومنها المتطور أيضا فقد سبقتها إلى ذلك ألمانيا واليابان بشكل خاص وأوروبا  بشكل عام، والهند وكوريا والصين، فالتكنولوجيا هي التي ستقوم بالدور الأكبر والأكثر فاعليه في تنميه المجتمعات المعاصرة وتقدمها، وهو ما جعل السلطة الأمريكية كي تعيد هذا التوازن الدولي أن تحتفظ بأكبر  قوه عسكرية  في العالم وتكون  أيضا قادرة على استخدامها، وليس ابلغ من الإشارة إلى المفاهيم الجديدة للمؤسسة العسكرية الأمريكية والتي تستند إلى افتراض دخول القوات الأمريكية في حربين  كبيرتين في نفس الوقت أحدها في العراق والأخرى في كوريا،  وهو ما يطلقون عليه خبراء الحرب الأمريكيون "التهيؤ لخوض حربين كبيرتين في مسرحين بعيدين في وقت واحد" . تحت هذا التهديد العسكري الأمريكي المستمر للعالم منذ نهايات القرن الماضي منذ  أن شرعت في الاستيلاء على البلدان التي كانت أجزاء من الإمبراطورية  الأسبانية في أمريكا الجنوبية ثم الفلبين في أقصى الشرق ثم استيلائها على بلدان العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية، بملء فراغ الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في العالم ثم في حربها مع كوريه من سنه 1950-1953 ، وبعد ذلك في فيتنام من سنه 1960-1973 بل وللمتتبع للحروب الأمريكية يمكنه بسهوله شديدة رصد غزواتها واعتداءاتها المستمرة طوال القرن العشرين على شعوب أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا والآن في أوروبا ضد يوجوسلافيا السابقة.. تحت هذا التهديد العسكري الأمريكي يدور الصراع بين النموذجين الرأسماليين .

 

المشهد الثالث ..

·  لأول مره في تاريخ البشرية تنفصل القوه الأعظم بمعناها العسكري وتتركز في يد من لا يملك المستوى التكنولوجي الأعلى  في العالم، لأول مره صارت البندقية في يد من لا يملك تكنولوجيتها، ولكنه يملك المال لشرائها.. أن هذه ظاهره الجديدة بدأت شواهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهى الظاهرة التي لم  تكن في يوم  من الأيام في كتاب التاريخ الإنساني عبر كل مراحل تطوره، فقد سبقت ألمانيا واليابان والصين في طريقها الولايات المتحدة الأمريكية في إنتاج التكنولوجيا الأكثر تطورا في العالم.. ويكفى أن نعرف أن صواريخ باتريوت الأمريكية هي تكنولوجيا يابانية وصواريخ الفضاء أجزاء منها كاملة تكنولوجيا فرنسيه والصواريخ الكروز والتوماهوك تكنولوجيا ألمانية في أجزاء منها، والطائرات أل أف- 15 أجزاء التحكم الاكترونى والتنشين تكنولوجيا إسرائيلية اكثر تطورا من نظيرتها الأمريكية. فلم تعد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية التكنولوجية أبدا بديهية، والابتكارات تتم في الخارج في الكثير  من الأحوال، ومعدات استخدام الابتكارات في النظم الإنتاجية أو في تصميم منتجات جديده أصبحت  أسرع بكل وضوح في اليابان وأوروبا منها في الولايات المتحدة (أربع ساعات في مقابل سبع في صناعه السيارات) ، ونقول مع  تقرير المجلس الأمريكي المشكل من فريق من المسؤولين في الأوساط الصناعية، انه من بين 95 تكنولوجيا رئيسيه في العالم أمريكا غير متواجدة في 15 منها، بل أن أمريكا لم تصبح منافسا حقيقيا إلا في 25 منها فقط، (مقتبسات من كتاب "الرأسمالية ضد الرأسمالية" ل"مشيل البير" المفوض العام للتخطيط القومي في فرنسا تحت عنوان "الصناعة تتقهقر") . ففي ظل استأساد النموذج الأمريكي المالي بالقوة العسكرية الأكبر في عالم اليوم وامتلاك النموذج البنكى ناصية التكنولوجيا وتطورها تدور رحى الصراع بين النموذجين الرأسماليين .

 

المشهد الرابع ..

·  إن الملمح الأساسي في عالم اليوم هو فتح الأسواق وتطبيق مذهب الحرية الاقتصادية على المستوى العالمي ، وفى نفس الوقت ضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي من خلال الاهتمام الشديد بالبعد الاجتماعي للتنمية .. وفى ظل محاولة حل هذه  المعادلة الصعبة في العالم تدور رحى هذا الصراع بين النموذجين  الرأسماليين  .. أحيانا من فوق السطح وأحيانا كثيرة من تحت السطح ، ولعل من أمثال هذا الصراع ما تم مؤخرا من استقالة وزير المالية الألماني "لافونتان" الاشتراكي المذهب والذي كان سببا رئيسيا في نجاح المستشار الألماني "شرويدر" على  أسس من برنامج اشتراكي ديمقراطي متطور وكانت استقالته نذيرا لرفض القوى الاحتكارية الألمانية لهذا  البرنامج الذي يعتمد أساسا على مزيد من الاستثمارات لجذب نسبه العمالة والبطالة الألمانية المرتفعة  وكذا رفض سياسته التأمينية والاجتماعية التي ترفع عن كاهل الشعب مشاكل جمه، لقد اتفق كثير من علماء العالم الاجتماعيين على أن يكون الطريق الثالث هو الطريق لحل هذه المعادلة الصعبة ، ويمكننا رصد العالم  الإنجليزي "انتونى جيدنجز" في كتابه الهام " الطريق الثالث تحديد الديمقراطية الاشتراكية " ورئيس الوزراء الإنجليزي "تونى بلر"فى كتابه " الطريق الثالث " والذي صاغ منه برنامجه السياسي ونجح في الانتخابات  بناء على وجهه نظره التي جاءت في كتابه المختصر، والحقيقة التي تستدعى النظر والدراسة هي نجاح الحزب الديمقراطي في انتخابات أمريكا مرتين متتاليتين نتيجة تركيزه على برامج الرعاية الاجتماعية والصحية  والتعليمية والقضاء على البطالة وهى كلها أدوات الطريق الثالث في ظل الأنفاق العسكري الفائق الحدود، نحن إذن يمكننا أن نشهد أن هذا الصراع بين النموذجين الرأسماليين  يدور رحاه على أرضيه تلك البرامج السياسية التي انتشرت في أوروبا وأمريكا واليابان وكثير من دول العالم الثالث نتيجة نجاح أحزابها في انتخابات معظم الدول الأوروبية وأمريكا .

   

وفى رأينا أن المأزق وعنق الزجاجة الذي يمر به هذا الصراع بين النموذجين الرأسماليين هو عقدة محصله القوى بين عوامل هذا الصراع الأربعة السابق ذكرها.. وهى العقدة التي لابد أن تكون في محصلتها النهائية في اتجاه حركه التاريخ وتطور المجتمعات البشرية، وهنا تبرز مشكله تتمثل في المنهج الذي تتعامل به القوى السياسية المختلفة في البلاد المختلفة مع مشكلات عوامل الصراع المتضاربة والمتناقضة لهذا الواقع ذو الأربع مشاهد ..

 

يمكننا  إجمال المناهج التي تتعامل مع مشكلات الواقع الحالي في العالم من قبل قواه السياسية المختلفة وخاصة بعد سقوط النموذج السوفيتي في ثلاث مناهج أساسيه، وهى في أبرزها نراها برجماتية تطبيقيه تقوم على أساس الصيغة القابلة للتطبيق بصرف النظر عن الهدف والوسيلة للوصول إلي هذه الصيغة، كما أنها عند البعض تنطلق سلفا من مجموعه متناسقة من القيم وأيديولوجيات يمكن بسهوله تحولها إلي صيغ جامدة، بينما المنهج الذي يحاول أن يجد مكانا له على الخارطه السياسية في العالم هو المنهج التلفيقي الوسطي بين المنهج البراجماتى والمنهج الأيديولوجي.. وفى الحقيقة أن جميعها بعيد كل البعد عن  المنهج  العلمي الذي يستند إلي التفاعل التاريخي والقيمى بين الواقع والفكر..وهو التفاعل الذي تثريه التكنولوجيا المتطورة العصرية بتقريب الهوة بين الواقع والفكرة وتصل بهما إلي آفاق من الحرية والتطور لم تسبق للبشرية أن خطت إليها ..   

 

وبالتالي لا يمكن للمنهج التطبيقي أن يكون له توجه اجتماعي ثابت، إذ يعتمد هذا المنهج في الأساس على التجريب والتطبيق والتغيير دون أي توجه تاريخي أو قيمي، فيكون الحديث عن التوجه الاجتماعي لمن يتمسكون بهذا المنهج ضرب من الخيال وزيف في البرامج الانتخابية الاجتماعية ودلس مراده النهائي أصوات القسط الأعظم المقهور من الناخبين.. فهكذا فقط يمكننا تفسير هذا التناقض الفاضح بين البرامج الاجتماعية الصحية والتعليمية والتأمينية لكلينتون الذي نادى بها أثناء الانتخابات وسياسة الأنفاق المجنون على عسكرة أمريكا وهى السياسة التي تستميل أعضاء الكونجرس ومجلس  الشيوخ التي ترتبط مصالحهم بشكل مباشر أو غير مباشر بمصالح الصناعات الحربية في ولاياتهم، والحقيقة التي لابد ألا تغيب عن  أعيننا تتلخص في السؤال الآتي : من أين ستتوفر هذه الأموال الطائلة؟ والإجابة هي من الإقلال من الأنفاق الاجتماعي، أو من افتعال أزمات كتلك في العراق لكي تدفع الدول الخليجية فواتير الحرب وتسد الفجوة بين الأنفاق الاجتماعي في أمريكا والأنفاق العسكري .

 

لقد تربعت أمريكا على قمة الترسانة العسكرية في العالم وذلك هو ضمانها الأوحد في التحكم في اتجاه سير التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بما يحقق لها السيادة على العالم .. ومن جانب آخر تتربع بقيه البلدان المتطورة وعلى رأسها ألمانيا واليابان وفى طريقها إلي ذلك الصين  والهند وكوريا على قمة التطور التكنولوجي والعلمي في العالم .. ولأول مره في التاريخ يحدث أن تتركز  القوه العسكرية في  يد لا تنتجها ، فبعد سنوات قليلة سوف تكون اغلب الترسانة العسكرية في أمريكا من  صنع غيرها أو مستخدمه تكنولوجيا أوروبية أو يابانية أو حتى إسرائيلية تجمع في أمريكا ..

 

أن خطورة هذه الظاهرة لا تكمن في هذا التقسيم الجديد للعالم في حد ذاته المبنى أساسا على التكنولوجيا  والتطور العلمي ، وإنما الخطورة الحقيقية في هذا التقسيم تكمن في أن طرفي القسمة ينتمي كل منهما لنموذج رأسمالي مختلف عن الآخر اختلافا جوهريا . يؤدى في الحركة والواقع إلي خلق عالم ذو قطبين رأسماليين لا يخلوان بأي حال من الأحوال من آليات  الفكر القومي والعنصري الذي سوف يعتبر ما عداهما من بشر وقوميات وبلاد أخرى اقل تأثيرا في الواقع العالمي الجديد  دون المستوى وكم مهمل ومهمش ، وهو ما يزيد من احتمالات انتشار وذيوع الفوضى لمرحله كاملة تندلع فيها لكل  أنواع الحروب القديمة الطراز ( التحررية والإقليمي والقومية والدينية والعرقية ) يبحث أصحابها عن مكان ثابت في الزمن المقبل .

إن هذه المرحلة من الفوضى والتخبط هي ما جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تستشعرها  جيدا فتزيد من نفقاتها العسكرية في الست سنوات القادمة 112 مليار دولار لتتفوق بذلك عن معدلات ميزانياتها العسكرية أثناء زمن الحرب الباردة، وهو ما جعل حلف الناتو أداه العصر القديم العسكرية الآفل مازال يعمل ويؤكد دوره العالمي (في حرب العراق) مره، والإقليمي عده مرات في حرب يوجوسلافيا التي لم تنتهي فصولها بعد حتى تاريخ كتابه هذه الدراسة.. أو بمعنى أدق مؤكدا دور كل من  النموذجين الرأسماليين في قياده العالم وبسط النفوذ في كل بقعه من العالم مهما بعدت أو صغرت. 

 

الصراع الداخلي بين عوامل النظام الرأسمالي الآفل :

لقد أخلف لنا العالم القديم أدواته ، سواء كانت عصبه الأمم ثم من بعدها الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو صندوق النقد الدولي وغيرها من المنظمات التي كانت تعبر عن توازنات القوى الاقتصادية والسياسية التي خرج بها العالم  بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، كما كان حلف وارسو والناتو التعبير عن التوازن العسكري لهذا العالم القديم الآفل ذو القطبين الرأسمالي والشيوعي .. لقد كانت سنه 1989 إعلانا عن بداية سقوط الاتحاد السوفيتي، وبعد عشر سنين أو اكثر قليلا من هذا التاريخ لا يمكن أن نقول أن تمام السقوط قد حدث وانتهى، فخروج ثلاث كواكب أساسيه من فلك الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الحالية وهم المجر وبولندا والتشيك في فبراير - مارس 1999 ودخولهم في الناتو والسوق الأوروبية المشتركة لهو أيضا انهيار أساسي في الجبل السوفيتي القديم والروسي الجديد، ولعل من أهم أسباب الهجوم الماحق للناتو بقياده أمريكا على بلجراد "ميلوسوفيتش" (يوجوسلافيا القديمة) في نهاية شهر مارس من نفس العام هو ضربه أخرى لمعاقل الدب الروسي الذي صار مترهلا عجوزا لا يقوى على المقاومة ودفع الأذى عن نفسه وعن أولاده  بتقصف آخر  ظفر من أظافره، هذا الظفر  الذي استخدمه الغرب الرأسمالي بمهارة سياسية عالية في منع ظهور جمهورية إسلامية في  وسط أوروبا أو حتى في أطرافها ، وهى المهمة التي تشرف الآن على الانتهاء باقتلاع كوسوفا من جذورها بواسطة هذا المخلب ثم الاستدارة عليه لقصفه بعد انتهاء مهمته، ليكون الغرب الديمقراطي جدا بريء من دم يعقوب من ناحية وليبدو في نفس الوقت في صوره المخلص الذي يخلص البشرية من أشرارها وشرورهم .

 

وقد يقول قائل ما العلاقة بين أحداث يوجوسلافيا اليوم والعراق من قبلها وكوريا وإيران واليونان وتركيا وسوريا ومصر في المستقبل، وتلك الأدوات السياسية والعسكرية للعالم القديم الآفل وبين الصراع  بين النموذجين الرأسماليين.. أقول أن العلاقة وثيقة بل ومتشابكة إلي حد يصعب الفصل بين هذا وهذه وتلك .

يمكنني أن أمركز هذه العلاقة وأمحورها حول كلمه واحدة أراها معبره بشكل موضوعي عن الواقع الذي نحن بصدد تحليله .. محاولة امركه العالم .

 

إن عمليه الامركه هذه ومحاولة صياغة العالم من منظور النموذج الأمريكي للرأسمالية ، هذه العمليه لا علاقة لها بال GLOBALIZATION ، وإنما تبقى في إطار كونها محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية في فرض سيطرتها الكاملة على العالم بأسره دون استثناء وتركيعه أمام إرادتها  السياسية والاقتصادية .. ولتحقيق ذاك الهدف تستخدم ترسانتها وقوتها العسكرية،  وهى بذلك تقع في تناقض صارخ بين كونها لم تزل هي نفسها نمط من أنماط الدولة القديمة الباليه في شكل جديد، وبين قيم العالم الجديد المرجو الذي يستنكر استخدام القوه والسلاح  كوسيلة  لحل الخلافات كلغة حوار عفي عليها الزمان ولم تعد البشرية تقبلها  تحت أي دعوى كانت، إنها صياغة قديمه بأساليب قديمه  لعالم جديد.. تحاول من خلالها أمريكا بكل المفاهيم القياسية السابقة إخضاع العالم لأكبر عمليه استغلال ونهب للثروات عرفتها البشرية لصالح قله ثرية اثبت التاريخ فشل أطروحتها الرأسمالية تماما كما اثبت فشل الأطروحة الاشتراكية بالمفهوم الروسي.. إنها محاولة من الحرس القديم الرأسمالي الأمريكي الذي مازال يحتفظ بالقوة العسكرية الأكبر في العالم للتأثير في التاريخ بفعل القصور الذاتي والتراكمات السابقة أيام مجده وصراع القطبين .. معتقدا انه الأكثر قدره والأجدر على ميراث العالم الجديد

 

بينما الكوكبيه هي هذا العالم الجديد الخالي من الصراعات الإقليمية العرقية أو الدينية أو القومية ، هي هذا العالم الحر والمفتوح بلا حدود من أي نوع جغرافية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ، عالم  الوفرة الذي يتيح للشعوب المنتج الرأسمالي والسلعي بأقل الأسعار وبأعلى جوده ممكنة حين تصبح التكنولوجيا المتطورة ملكا للجميع دون استثناء وحقا مشروعا للبشرية كلها .. وحين يصبح حق امتلاكها حقا من حقوق الإنسان وشعارا ترفعه عاليا المجتمعات المدنية  الأهلية .. إن عالم بهذا المنطق القيمى والتاريخي لا يمكن للولايات المتحدة الامريكه بتركيبها الاقتصادي والسياسي والثقافي الحالي وأساليبها الآفلة التي تتبعها لتحقيق عالم  القطب الواحد المستحيل ، لا يمكن لهذا النموذج الأمريكي الغارق في القومية ان يقود ويعبر بالبشرية  إلى آفاق هذا العالم الجديد .. فهذا العالم الجديد يستوجب نظاما اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا جديدا ، لا هو براجماتى ولا  هو وسطى بين الرأسمالية والاشتراكية، لا هو الطريق الثالث كما يحلو للبعض تصوره، إذ أين هما الطريق الأول والثاني، فلا وجود لهما إلا في الكتب وفى خيال  المتوهمين الإصلاحيين والدوجماتيين بعد أن اثبت الواقع الموضوعي وحركه التاريخ فشلهما الذريع ، ولا هو تلفيقي  بين الثنائيات الزائفة التي عبقت أجواء القرن العشرين ، ولا هو براجماتى تطبيقي بغير اتجاه تاريخي وقيمى . 

 

إننا نعيش فتره فوضوى أمريكية، فتره تحاول  فيها  الدولة الأمريكية السيطرة على  كل صغيرة وكبيرة في كل أنحاء المعمورة بيابسها و بحورها وأجواءها بالأساليب القديمة الآفلة من عصور الاستعمار والإمبريالية والحرب الساخنة والباردة بين العملاقين المنهزمين.. نعيش عصر البلطجى الأمريكي، وفى نفس الوقت نعيش أزهى عصور العلم والتقدم التكنولوجي، عصر الكمبيوتر، سمه العصر ودليل تمدينه وتقدمه حتى أصبحت معرفة الإنسان بالكمبيوتر قياساً وجواز سفر لدخول الإنسان بوابة " طريق المعلومات السريع " وعصر الليزر والهندسة الوراثية والاستنساخ والسرعة الفائقة والدقة المتناهية في إصابة الهدف العسكري، مما سوف يضيف في السنوات  القادمة المعدودة  للإنسان المعاصر قدرات فائقة و خارقة لكل الأصول المعهودة  والمألوفة ،خاصة  بعد وصول تلك الأبحاث  التي تجرى الآن في أمريكا حول تطويع و استخدام ظاهرة "ضد المادة"، و ما يمكن أن تضعه في يد إنسان القرن الواحد والعشرين من طاقة هائلة و إمكانيات تفوق كل تصور وخيال، وتصبح القضية هنا في ظل هذا التطور العلمي الهائل نكون

أو لا نكون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.عبدالرحيم الكريمى ــــــــــــــــــــ

             

 

 

 



#عبدالرحيم_الكريمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما يختزل الوطن في رجل.. أو في لحظة تاريخية.. أو فكرة - مل ...
- التسوية السياسية مع إسرائيل بين الممكن .. والمستحيل


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالرحيم الكريمى - كوكب الأرض بين الأمركه والنظام العالمي الجديد