أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الإله بوحمالة - الأحزاب السياسية في المغرب















المزيد.....

الأحزاب السياسية في المغرب


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1166 - 2005 / 4 / 13 - 05:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


يجد المتأمل للمشهد السياسي في المغرب صعوبة لا تنكر وهو يواجه غزارة ما تطرحه الظاهرة الحزبية، كعامل أساسي ضمن هذا المشهد، من تحولات وتفاعلات، وما تولده مراقبتها أوالتعامل معها من أسئلة وإشكالات. الأمر الذي تبدو عليه وكأنها، في المجموع، حالة خاصة وظاهرة سياسية استثنائية، أو لنقل بتعبير ملطف، ظاهرة توحي لقارئها بأنها غير تامة الشكل ولا منتهية التشكل، لا تجدي فيها القراءة المسلحة بنظريات ومناهج وأنماط جاهزة ما لم تكن مشفوعة بحس نقدي يفصص قبل أن يفهم ويركب قبل أن يستنبط، ويراعي التجربة وخلفياتها.
هذا الكلام تزكيه أغلب المقاربات التي اهتمت بتاريخ الأحزاب في المغرب واتخذت من تحليل سلوكها السياسي ومراقبة علاقاتها موضوعا لبحثها ودراستها. وهي محاولات لم تفلح في تحصيل نتائج ملموسة وصياغة خلاصات مفيدة ومقنعة، في حسباننا، إلا لأنها ركزت في إمساكها بتلابيب الظاهرة، على الانطلاق من مقدمات محدودة ومداخل جزئية ومفصلية حساسة، منها ما هو مشترك بين كل الأحزاب على اختلاف مشاربها، ومنها ما هو خاص بحالات أو اتجاهات حزبية بعينها. وكان انكبابها على تحليل تلك المقدمات والمداخل وتركيب النتائج الفسيفسائية مع بعضها البعض هو السبيل الأمثل لما يمكن أن يعتبر رؤية بقدر من الوضوح لحالة حزبية موغلة في الزئبقية والضبابية.
ذات المسلك في التناول، أي مسلك التجزيء والتفصيص، فرض نفسه على هذه المحاولة الاستقرائية لواقع الأحزاب السياسية المغربية على ضوء مرحلة ما بعد التناوب التي انطلقت في مارس من سنة 1998. إذ أن التحول المباغث الذي حدث، على إثر المنحة السياسية السخية والممأزقة في نفس الآن، شأنه في ذلك شأن المحطات الكبرى في تاريخ العمل الحزبي بالمغرب، لم يكن ليمر دون إحداث رجات، إن على مستوى نظام البيت الداخلي لكل حزب، أو على مستوى شكل ومضمون العلاقات والتحالفات الجديدة وما طال طبيعة الخطط التكتيكية والحسابات السياسية، ناهيك عما شهدته الخطابات السياسية الملتبسة أصلا من تبريرية وإغراق في الغموض ومن انحراف في المقولات السياسية الأساسية، وتضخم في النفس الشعاراتي الدعائي.
هذه مجمل المواضيع التي سنحاول الإمساك بها وتتبع خيوطها من خلال عملية تحديق هادئة في مآل السلوك السياسي العام للحزب ولأطره في ظل مستجدات الراهن المغربي وتفاعلاته، بعيدا عن أي تخصيص لحزب أو كتلة أو اتجاه سياسي بعينه.

ما يبدأ بضلال فكري وإيديولوجي لا بد أن ينتهي إلى تيه سياسي.

لم يتعود العقل السياسي الحزبي المغربي ولا حتى العربي عموما، على صوغ إيديولوجياته الخاصة أو منظومة مقولاته السياسية المتماسكة، ولا على بلورة أفكار ورؤى أصيلة بالاعتماد على مرجعياته الذاتية. واكتفت معظم الأحزاب المغربية طيلة التاريخ الحزبي باستيراد حاجاتها في هذا الصدد جاهزة مكتملة قابلة للاستعمال والترويج مع محاولات بسيطة ومحتشمة من بعضها لتبيئة هذه الإيديولوجيات واستنباتها في في التربة المغربية. ولعل المثال الذي يتبادر إلى الذهن دائما في هذا الموضوع هو تلك النقاشات التي كانت تطفو بين الفينة والأخرى عن الاشتراكية ومفهوم الحزب اليساري والموقف من الخصوصية الدينية والثقافية..، وكيف كانت تؤول ـ هذه النقاشات ـ في معظم الحالات إلى الباب المسدود أو إلى "كاموفلاج" سياسي بمحاورات ومداورات لغوية أو خطابية هروبية تنفي عن نفسها تهمة الاستنساخ.
إن المخاطب السياسي المغربي، في هذه النقطة بالذات، وبمختلف فئاته سواء من العامة أو من النخب غير المؤدلجة، وإن كان لا يشمئز كثيرا وهو يرى حجم الواردات المرتفع يشمل أحيانا أبخس السلع وأبسط المنتوجات، فإنه على النقيض من ذلك، ربما بوحي من نزعته المحافظة، يستهجن جدا أن يلجأ حزب ما أو جهة معينة كيفما كانت هويتها إلى استيراد قيم أو عقائد مذهبية أو إيديولوجية تحمل علامة ثقافة أخرى وبصماتها المختلفة في الزمان والمكان والشروط التاريخية، ويحاول أن يفرضها على الواقع المغربي وعلى الإنسان بحرفيتها بلا تنقيح أو نقد أو محاولة جدية للتعديل والمراجعة.
ومع ذلك، فإن هذا الواقع الحزبي على علاته التي ظهر بها إلى الوجود والتي ظل يؤتث بها حضوره المعطوب أجيالا متتالية، طاله التراجع، وبدل أن يتحسن ويتقدم إلى الأمام، بحكم طبيعة الأمور الممثلة في الطول النسبي للتجربة الحزبية وتراكماتها، وبحكم الدربة والمراس، تقهقر إلى الخلف وانضافت إلى معطياته معطيات أخرى أهمها كساد البضاعة الإيديولوجية القديمة وبوار سوقها عالميا منذ أن انهار الاتحاد السوفييتي وانفرط عقد المنظومة الشرقية في أوربا. وخاصية التلف السريع الذي صارت تعاني منه معظم الأفكار السياسية والفلسفية الوافدة من الاتجاه المعاكس، أي من المنظومة الغربية الرأسمالية ومن أمريكا بالتحديد.
لقد أصبحت الوتيرة المتسارعة، التي يتحرك بها الزمن السياسي، منافية لأي ثبات أو استقرار. ولم يعد الزمن، كما كان بالأمس القريب، زمن العقائد الكبرى ولا المسلمات والقناعات الفكرية الراسخة التي تطمح إلى تفسير الواقع وتدبير آليات وأدوات ومناهج لفهمه وتحريكه، بقدر ما صار زمن "فذلكات" براغماتية مبتسرة، محدودة القيمة ومؤقتة الصلاحية تستمد قوتها من قوة الدعاية والنشر الإعلاميين، متأثرة بتدفق النظريات الاستراتيجية والعسكرية التي تجري صياغتها وفق فلسفات يتحكم في حبكها خبراء ومستشارون مقيمون في سراديب البانتاغون، يمكنهم أن ينتجوا النظرية ونقيضها وبدائلها في الآن ذاته تمشيا مع ما يرتبونه لأنفسهم وللعالم من حولهم، لأن طموحهم وأطماعهم أوسع من أن تقف عند حدود كونهم عرابين لفكر يبحث عن شرعية من خلال مريدين هنا أو هناك.
وإذا كان من المعروف لدينا أن الأحزاب المغربية، خصوصا تلك التي بررت كينونتها بمشروعيات عقدية مذهبية قد عاشت على واقع الاقتراض والاستعارة مدة من الزمن قبل أن يؤول الوضع إلى ما آل إليه بعد نهاية الحرب الباردة، وتربت لديها في هذا الشأن ملكات تتراوح بين مهارة الاقتباس والتمويه وحرفيته وبين بؤس القرصنة والسطو الفكري و"الكولاج".. فإن شروط المناخ الجديد ومتغيراته أصبحت تفرض على الأحزاب المغربية خيارين مربكين هما:
ـ إما الاعتماد على الإمكانيات الذاتية في صوغ خط إيديولوجي بديل نابع من صميم النسق الفكري والثقافي الخاص. وفي هذه الحالة ستكون مطالبة بتأليف ما لا يؤلف، وقد تنزلق إلى نوع من الافتعال النظري والتصورات التجميعية التلفيقية وتسقط بالتالي في المطب الذي ظلت تتحاشاه منذ الوهلة الأولى لنشأتها.
ـ وإما أن تتخلى نهائيا عن الإحالة إلى أي مرجعية إيديولوجية في انتظار أن تتضح الرؤية من جديد. ولهذا الخيار ثمنه أيضا إذ سيصبح الحزب كعربة بدون عجلة قيادة، يمكنها أن تسير لكن لا يمكنها أن تحدد الاتجاه أو الهدف.
إن مسألة الوضوح الإيديولوجي كانت مطروحة منذ البداية، لكنها لم تكن دائما همََّا حقيقيا يتم التوقف عنده كثيرا. فالتقارير الإيديولوجية الحزبية لم تحظ إلا باهتمام بسيط واستثنائي من قبل بعض الأحزاب التي نشات من رحم الحركة الوطنية، وتعومل معها بنوع من التجاوز وكأن الأمر مجرد سد لفراغ أو رد للوم. لدرجة أن الموضوع صار شبه منته أو محسوم، وتحولت نصوص التقارير في الأغلب الأعم إلى نصوص جامدة لا يشكل تحيينها أو مراجعتها هاجسا أو مطلبا يمكن أن يكون نقطة على جدول أعمال المؤتمرات الحزبية، بل بالعكس تماما ظلت الأحزاب تتجاهل الموضوع وتؤجله من باب "كم حاجة قضيناها بتركها" تلافيا لأي تصدع قد يجلبه الإقدام على مثل هذا الأمر الخطير.
وهكذا صار لبعض الأحزاب، بحكم هذا الواقع، ما يمكن أن نسميه أنوية إيديولوجية موجودة لكنها ميته أو مهملة أو مجمدة. وعلى هامش هذه الأنوية تنبض الحياة في حواشي من اجتهادات آنية عرفية وتخريجات مرحلية فرضتها ضرورة الإجابة على أسئلة مفاجئة والتعاطي مع خيارات ومستجدات ونوازل وإكراهات سياسية بحيث أن الرجوع إلى الحاشية المرنة والقياس عليها صار أيسر من تحكيم المراجع الإيديولوجية المتصلبة، ناهيك عن علاقة هذا الموضوع المباشرة بمسألة الزعامة وسلطة القرار وهيمنة الشفهي الارتجالي على تداول الرأي والاستفتاء والتوثيق...

الانشقاق، مورث جيني أصيل.. وما بدأ بانشقاق ينتهي إلى انشقاق.

ظلت الدولة، طوال الفترة الممتدة من الاستقلال إلى الآن، تحاول جر الأحزاب السياسية إلى فلكها بقصد توظيفها لصالحها أولا، وبغية مراقبتها عن كثب والتحكم في مسارها ثانيا. وكرد فعل عفوي على هذا الجذب القوي المسلط عليها كانت الأحزاب السياسية تضطر في كل مرة أن تجتاز امتحان الذوبان والتبعية عبر التسليم على مضض بالانشقاق وتعتبره الحد الأدنى من الضرر والخسارة التي يمكن أن تتحملها في هذا الصراع غير المتكافئ.
إلا أن الدولة لم تكن هي العامل الموضوعي الوحيد الفعال الذي ظل ينتج التصدعات في حياة الأحزاب المغربية ويدفع باتجاه حسم وتسريع شروخها، بل هناك عوامل أخرى ذاتية بالخصوص أبرزها غياب تقاليد وممارسات ديمقراطية سليمة داخليا، بشروط مبنية على دينامية الاصطفاف وحركة الأطر والمواقع والأدوار. وغياب مناخ الاحرية والاختلاف، فمطلب الإجماع بذريعة الحفاظ على وحدة الصف وعلى الانسجام الحزبي من أغرب المطالب المغالطة التي ركزت عليها الأحزاب داخليا وتعطلت بموجبها حركة الرأي والحوار وشلت جدلية الأغلبية والأقلية.
كما أن المؤتمرات الحزبية المنعقدة، ( إن عقدت أصلا )، لا تؤول إلا لتثبيت ما هو ثابت وتخليد من هو "مخلد" ومحنط. ولا تكاد معظم الأحزاب تشذ عن هذه القاعدة الستالينية الصارمة إلا عندما تنتهي ولاية الزعيم بيولوجيا. بل إنه أحيانا حتى في هذه اللحظة القدرية نجد أن دواليب الحزب وتروسه الزاخرة بالمنتظرين، ممن يرون في أنفسهم زعماء حقيقيون لم ينصف التاريخ ولا الحزب عبقرياتهم، سرعان ما تدور دورتها العنيفة المفاجئة بعد ردح من الصدإ والجمود مما يؤدي إلى تفكك حتمي وانفراط مأساوي ينتهي إلى الانشقاق أيضا، إن لم يخلص إلى أكثر من ذلك.. أي إلى التفتت والاضمحلال.
ويلاحظ أن هذا العامل بدأ يتجه مع الوقت إلى الانحسار لأن مرتكزات الزعامة بدأت تختلف شيئا فشيئا مع رحيل الرعيل الأول من جيل المؤسسين ممن كانوا يبسطون هيمنتهم الكاريزمية الطاغية ذات الطابع القداسي الطرقي المتكئ على مشروعية تاريخية لا تقبل التجريح يعززها الانتماء للحركة الوطنية ورصيدها الرمزي المعروف، لصالح أشخاص من الصف الثاني يمكن أن نطلق عليهم هذا التعبير المفارق" التقنوقراط الحزبيين" باعتبارهم تكونوا سياسيا داخل دواليب الحزب وهيآته العليا. وتتميز صورة هؤلاء عند القواعد بكونها تقع داخل إطار الحزب ولا تتعالى عليه كما كان الحال مع الزعماء التاريخيين.
إلا أن هذا التحول الشكلي، في موضوع الزعامة داخل الأحزاب، لا يحصنها من أسباب الانشقاق ما دامت المركزية المفرطة هي الأسلوب التنظيمي الذي يتحرك في إطاره القرار والفعل الحزبيين، وما دام التواصل بين الحزب وقواعده مستمر بشكله التقليدي القديم أي: قرارات فوقية نازلة باتجاه القواعد في مقابل رجع صدى خافت أو مكتوم صاعد من تحت وفق نمط علائقي رعوي بين راع وأتباع، حتى لا نقول بين رأع ورعاع.
ومعلوم أن اشتداد المركزية الحزبية، وضيق دائرة النخب المستفيدة فيها، هو في المحصلة العامة إقصاء للقواعد وتهميش للفروع وتجميد لحركة النخب في الجهات وكبح لطموحاتها. وهو بالتالي مبرر منطقي جدا للانشقاق يظل كامنا باستمرار لكن عند أول لحظة من لحظات الأزمة والحرج يصبح محركا من محركات القطيعة.

أحزاب الأنابيب.. ولادات قيصرية ومشاريع اندماج "منغولية".

كان نظام التعددية الحزبية من إملاءات الواقع المعيش إبان الحماية قبل أن يصبح من اختيارات الدولة المتتقلة التي شجعته وفرضته ثم نصت عليه دستوريا، لكنها تركته نظاما مفتوحا غير مراقب أو مقنن، الشيء الذي أدى به إلى أن يتحول إلى مناخ تكاثري عشوائي تتناسل فيه الأحزاب بعضها من بعض في سلالات انتهت إلى ولادة كائنات حزبية غير مكتملة وعاجزة.
ولفترة من الزمن، غير قصيرة، كانت هذه الكائنات تجد في المحافظة على استمرار حبلها السُّري مرتبطا بعناية الدولة وأحضانها تشبثا بحد أدنى من الحياة ولو كان اصطناعيا، إلى أن تغير هذا الوضع بعد مرحلة التناوب وعودة "الأبناء الضالين" ( أحزاب المعارضة )، إلى نفس الحضن ليأخذ منحى آخر، فكانت الحاجة ماسة ومستعجلة من قبل هذه الأجنة الحزبية إلى تدبير سبل أخرى تسعفها وتمنعها من الاختناق والسكتة القلبية المحتومة. وهنا طفا إلى السطح سلوك غير مسبوف في حياة الأحزاب تمثل في بداية البحث عن إمكانات تتجاوز التكثل المرحلي والتحالف الانتخابي إلى الاندماج والانصهار في مشروع كيان واحد على خلفية المشترك السياسي والقرابات التاريخية والانتماء إلى نفس الشجرة الإيديولوجية، أي أن الدائرة استكملت حلقاتها وعادت الأحزاب إلى النقطة التي بدأت منها تبحث عن حلول لمشكلاتها الوجودية.
لذلك فحينما نصف هذه المشاريع الاندماجية المتسرعة بكونها "منغولية" فلنقصد بالتحديد التعبير مجازيا عن حالة سياسية شبيهة إلى حد كبير بهذا النوع من الإعاقة الموجودة عند البشر في تمظهراتها البرانية والجوانية معا. فالشخص "المنغولي" المعاق يكبر في السن وينمو من الناحية الجسمانية، لكنه عقليا وسلوكيا ومن حيث الملامح والقسمات يظل أقرب إلى الطفولة بما يعنيه هذا الوصف من مظاهر القصور والعجز وقلة الخبرة ومن ميل غريزي للتعاطي مع كل المواقف باستجابة لعبية غير حذرة ولا مسؤولة.

التناوب.. لحظة وعي قصيرة تلاها سبات سياسي عميق.

في الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون فيه أن يكون التناوب مرحلة انتقال وتغيير في الأشخاص والأساليب والعلاقات، ويتوقعون أن تضطلع الأحزاب السياسية التي عهد إليها بتشكيل الحكومة، بدور أساسي في هذا الواقع الجديد، بصرف النظر عن كونه واقعا ممنوحا، استفاقوا على حقيقة استسلام هذه الأخيرة بسهولة وبشكل غير مفهوم لإكراهات السلطة ولنمط من المقاربات السياسية عاشت عقودا من الزمن تشجبه وتبئر خطابها السياسي حول سلبياته، وتبين تورطها الفادح في الشواطئ الضحلة قبل حتى أن تغوص في مستنقع المعضلات الاجتماعية والاقتصادية التي لم تكن، على ما يبدو، تقدر حجمها الكارثي من قبل. وكاد أن يبتلعها الفشل الذريع على مرآى ومسمع من الجميع لولا أن جاءها الخلاص من حيث لا تنتظر. إذ عرف المغرب انتقالا كبيرا آخر على مستوى الملكية غطت أحداثه بضلالها على انتظارات المغاربة الذين تمهلوا لاستيعاب السياق التاريخي الجديد وإمكاناته. وتماما كالقابض على الجمر سلمت الحكومة زمام المبادرة كاملة إلى الملك في لحظة ترتيب أولوياته وتوطيد دعائمه وركنت هي إلى الظل توثت كينونتها بأوراش جانبية كالمهرجانات والمواسم ودبلوماسية المكوك الطائر والعلاقات العامة..
كما استفاقوا من جهة أخرى على حقيقة ثانية أشد مرارة تتعلق بالارتباك الكبير الذي كاد أن يصل إلى درجة "الدوخة السياسية" بالنسبة للأحزاب التي وجدت نفسها فجأة وبشكل آلي في موقع المعارضة، وهي المفتقدة لكل المؤهلات والأدوات والتجربة اللازمة لشغل هذا الدور.
وخلافا لما يحدث في التجارب الديمقراطية حيث التناوب السياسي، ( التداول )، يعني انتقال الأحزاب بسلاسة من دور إلى دور ومن موقع إلى موقع، وتدافعها المدروس من أجل ذلك، اكتشفت الأحزاب المغربية، سواء منها التي دفعت إلى دفة التدبير الحكومي أو التي تراجعت كرها إلى مقعد المعارضة والمراقبة، أنها لم تكن مستعدة لموقعها الجديد وأنها ستضطر إلى خوض غمار التجربة من خلال قفزة غير مضمونة في الهواء. وما حدث بعد ذلك كان تماما كمن جاء إلى الامتحان فطلب وقتا ليتسنى له تعلم حروف الهجاء.
أما بقية الأحزاب الأخرى التي اختارت أو أريد لها أن تبقى خارج ترتيب التناوب ومسلسله، وهي في أغلبها معارضات راديكالية صغيرة يغلب على مواقفها التجذر، فوعيها الأكيد بضيق انتشارها قاعديا، وإدراكها لحجم تغلغلها الضعيف في المجتمع المغربي وفئاته، حال ولا شك دون اضطلاعها بدور قيادة الجماهير وتوجيهها، كما كان ينتظر منها، وألزمها بالالتحاق بكل الفعاليات الأخرى التي لا تزال تطالب بمزيد من الوقت لترتيب أوراقها وملء الموقع بشكل صحيح.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخلف جهل.. وحضارة جهالة


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الإله بوحمالة - الأحزاب السياسية في المغرب