أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مؤيد الحسينيّ العابد - ترنيمة الروح وزاد العروج















المزيد.....

ترنيمة الروح وزاد العروج


مؤيد الحسينيّ العابد

الحوار المتمدن-العدد: 4054 - 2013 / 4 / 6 - 13:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لو تخطّى العقل عتبة الإنجرار وراء الصغائر لإستطاع الوثوب إلى مراتب السموّ الروحيّ بسلاح الترانيم الصادقة والتي تنقل النفس من أعتاب الدنوّ إلى مسالك ومعارج تؤدي في النتيجة إلى بلوغ المرام بسعي بلا سقام لا في الروح ولا في غيرها إلّا ما تقتضيه عمليّة الحركة المثابرة. الترانيم تبيت ترانيم الروح التي تتفاعل مع كلّ فعل منسجم معها وتتدارك لتكون في ذاتها ألقاً للآخر لتنقله من مرتبة إلى مرتبة أعلى.
إنّ الزاد الأمثل والأنقى هو زاد العروج الذي يفتح طريق الروح ويقصّر المسافات لترتقي وتتسامى على كلّ آلامها، وكلّما عرجت برقيّها أصبحت أنقى وأرقّ. وهنا لا تأثير للجاذبيّة الماديّة التي تسحب الأشياء إلى الأسفل، إلى الأرض والأرضيّة المتهالك عليها. إنّما تعمل الجاذبيّة إلى الأعلى، عندما تنجذب الروح بهذا الفعل إلى أعلى عليين، وكلّما إرتفعت أكثر زادت الجاذبيّة أكثر فأكثر. فلا شيء يعيدها إلى الفعل الأول الذي غادرته بمحض إرادتها وذاتها. وتلك الروح الراقية لا يمكن لها أن تبقى في هذا العالم الماديّ المرتبط بالدنوّ والإنكماش إلى أسفل سافلين. يقول ربّ العزّة والخير (ثمّ رددناه أسفل سافلين إلّا الذين آمنوا) فهم لا تقبل نفوسهم وأرواحهم المراتب الدنيا مراتب الإنسحاق في أسفل السافلين. والله يحبّ عباده المصنّفين من هذا النوع لأنّهم يحبّونه ويحبّون الإرتقاء والإقتراب منه جلّ في علاه. فهو يدافع عنهم(إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا) فهو المدافع عنهم. ومن يدافع المحبوب عنه فهو من الرقيّ الذي لا يفهمه الآخر الذي سحق في الأسفل محلّه الذي يستحق. العلوّ والدنوّ نقيضان في الموقع ونقيضان في الهمّة الداخليّة!
لقد بات من الضروريّ الإشارة إلى أنّ الدنوّ يمكن أن يكون سببا للإرتقاء من خلال سلبيّته، حين التخلي عن هذا الإنسحاق بالإبتعاد والترفّع. حيث يكون الدنوّ من الدنيا التي يمكن أن تكون عمارتها سببا لعمارة الآخرة، أي هي سبب لعمارة العلوّ بعد التخلي عن هذا المتراجع. إنّ من المعروف لدى العرفانيين أنّ للجنّة باباَ أو طريقاَ واحدا للوصول إلى الفردوس الأعلى. هذا الطريق هو الإيمان الكامل بالخالق الحقّ وما يصدرعنه تعالى في علاه. والطريق الذي نتكلّم عنه طريق الخلق القويم والفعل الصحيح الراقي الذي يجعل الروح في وضع الإستعداد للسموّ.
إنّ الكثير من الناس سحقوا رغم الممارسات البسيطة التي يمارسونها ويعتقدون أنّها الدين كلّه! والحقّ هو دين ناقص فارغ من مضمونه الذي يراد منه البناء والسمو، لا الهدم، ويراد منه الإبتعاد عن كلّ دَرَن. فالإعتقاد بكلّ هذه المشاكل التي يعاني منها الإنسان هي هذه الممارسات الناقصة والتي تحوّلت إلى رياضات تقليديّة تمارس، فارغة من كلّ إخلاص وليست هي التي تسمو بالروح إلى الأعلى. لذلك تراها على الأرض معذّبة مرتبطة بخيوط من الفولاذ المعنويّ الذي يمسك بها. والمفروض أن تكون خيوطها مرنة إلى الدرجة التي تستطيع أن تتخلّص منها متى ما تشاء.
يقول أحد العرفاء (إجتهد لتصبح ذا عزم وإرادة، فإنّك إذا رحلت عن هذه الدنيا دون أن يتحقّق فيك عزم، فأنت إنسان صوريّ بلا لبّ ولن تحشر في العالم الآخر على هيئة إنسان ؛ لأنّ ذلك العالم هو محل كشف الباطن، وظهور السريرة. إنّ التجرؤ على المعاصي، يفقد الإنسان العزم تدريجيّاً، ويختطف منه هذا الجوهر الشريف إذاً تجنّب المعاصي، وإعزم على الهجرة إلى الحقّ تعالى، وإجعل ظاهرك ظاهراً إنسانياً، وأدخل في سلك أرباب الشرائع، وأطلب من الله في الخلوات أن يكون معك في الطريق إلى هذا الهدف وإستشفع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، حتى يفيض ربّك عليك التوفيق، ويمسك بيدك في المزالق).
ويقول أحد العارفين بالله يوما أنّه وجد أحدهم في أعلى مراتب التضحية بالنفس لله وللدفاع عن الوجود الحقّ، وجد تلك النفس الراقية وكأنّها محلّقة بين السماء والأرض! هكذا هي الطرق المنفتحة على العالم العلويّ.
لقد تحوّل الكثير منّا إلى ألعوبة في ممارساته اليومية، فعباداته وممارساته(وهي حقوق الله تعالى) تمارس على أنّها طريق لكسب المادة الفانية. بينما في الفرض الأخلاقيّ والعباديّ أن لا يفرّق بين تلك والأخرى التي هي حقوق الإنسان المسمّاة بالعبادات المتعدية. فأيّ زيادة في برامج الإدخال لهاتين الحلقتين المتضامنتين هو بداية للعروج الصحيح والإرتقاء الحقّ. فلو مورست هذه العبادات وفق الحلقتين سيأتي الفتح في الإستدلال على الطريق لغرض التوكّل والتوجّه إلى طريق العروج الروحيّ المطلوب(﴿وَالَّذِينَ إهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾(محمد:17). وهنا زيادة التقوى هي الإقتراب من طريق العروج الحقّ بلا أيّ ريب. فقد أعطى المولى الإنسان القدرة العالية على السموّ بالعقل وترويض النفس وتنقية الروح من خلال الممارسات النوعيّة والكميّة وليس الكميّة فقط والتي باتت فارغة من الفعل المطلوب للسموّ. فلا يمكن لنا أن نرسم شكلا نطلق عليه هذا المسمّى إلّا من خلال رسم الخطوط الطوليّة والعرضيّة معاً وليس إحداها! هكذا الربط في تكوين الشكل المطلوب وإلّا فالعملية ناقصة النقص المحض.
من يشاهد العديد من المنحرفين عن جادّة الصواب من فاحشين وقتلة وبائعي الضمير والمرتشين والمحتالين لا يمكن أن يطلق عليهم إلّا أنّهم من الذين (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) وإلّا فالحديث الشريف يقول
"الإيمان بضع وستون (أو وسبعون) شعبة أعلاها: قول لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". أي أنّ من ينحرف في أخلاقه من أؤلئك الذي ذكرنا بعضهم فلا إيمان له ولا رقي لروحه ولا عروج لها لا من قريب ولا من بعيد. ولا فائدة من السير معه او وراءه لانّ الطريق فيه الهلاك لا محالة. وإلّا ماذا تسمّي من يؤدي عباداته الشكليّة وهو مغتصب حقوق الناس وظالم لهم ومحتال بل ومنافق في القول والعمل. حيث يُتّهم الدين إتهامات من خلال هذه الأفعال، بينما يقول الدين ((إنّ كلّ ما يؤدي إلى مفسدة في المعاش أو المعاد، يكون كبيرة من الكبائر يحرم الإقتراب منها)).
يجب أن يكون إيمان الإنسان الحقّ إيمان الوجهتين أو الجانبين ولا يكون غير ذلك. حيث يكون الكون كلّه مسرحاً لفعله القويم والمثابر في قوله وفعله وفي كلّ حركاته وسكناته. والكون في جانبيه العباديّيَن محراب للعبادة الحقّ فهما لا يفترقان عن بعضهما البعض وإلّا أصبحت كما يقول تعالى((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين)). أي يأخذ الأمور بسخرية يتصوّر أنّها لعب على الآخر وفي الحقيقة هي عمليّة سخريّة من النفس لا أكثر.
وقال تعالى:
((ولئن سألتهم ليقولن إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)).
من الأمور المهمّة التي ينبغي أن نشير إليها هي تنقية القلب الذي علقت به أدران الدنوّ ليتخلّص بصورة كاملة بالمشقة والمجاهدة ليطهر ذلك الباطن فيكون كلّ العمل خالصاً وبالتالي ترتقي الروح والقلب شيئاً فشيئاً، (فيتوجه القلب إلى الله فقط، وتنصع الروح، وتزول أدران النفس)
((نظف مرآة قلبك لكي يتجلى فيها نور جمال الحق، فيغنيك عن العالم وكلّ ما فيه، وتتوهّج نار العشق الإلهيّ في قلبك، فتحرق الأنواع الأخرى من الحبّ فلا تستبدل حينذاك لحظة واحدة من الحبّ الإلهيّ، بجميع هذا العالم، وتعتبر جميع اللذات الحيوانيّة لعبا ولهوا، أمام لذة مناجاة الله وإذا لم تكن من أهل هذه العوالم، ورأيت هذه المعاني غريبة عجيبة لديك، فإياك أن تضيع تلك النعم الإلهيّة في العالم الآخر)).

فيزيائيّة العروج
لقد عرفت عن مجالات الفيزياء أنّها علم العلوم. حيث أخذت دراساتها العديدة بتسليط الأضواء على العديد من الظواهر العلميّة التي ترتبط بالحركة الفعلية للأجسام. لكنّها عجزت عن تفسير الحركات المتنوّعة للأشياء التي لا تعدّ من الأجسام أو الكتلويّات. حيث نعرف أنّ لكلّ جرم سماويّ مقداراً من الجاذبية يعتمد هذا المقدار على كتلة الجسم، حيث تكون جاذبيّة الجسم أقوى كلّما كانت كتلته أكبر. والعكس بالعكس. وحركة الأجسام بسبب هذه الجاذبيّة وللتخفيف من تأثيرها يتحرّك الجسم بتغيير المسار ولا يبقى في حركته المستقيمة التي تحرّك على إتّجاه مسارها. فينحني المسار بمقدار جاذبيّة الجسم. ولنا في حركة الصواريخ مثالاً على ذلك. لذلك ستكون أغلب الحركات حركات بخطوط متعرّجة. ولا ننسى ما للضوء من حركة في خط متعرج حول الكتل الكبيرة فهو ككل الأجرام السماوية الأخرى، إذا مرّ بجانب الكتلة الكبيرة سيتأثر بجاذبيتها فيغيّر مساره أي ينحني عن مساره الأساس. وفي الحقيقة العروج والتعرّج والإنعراج سمة كونيّة أي تحصل في الكون كلّه للسبب الفيزيائيّ الذي ذكرنا. حيث أكّد أنشتاين من خلال نظريّاته وتجاربه إنّ النجوم لا تكون في مواقعها الحقيقية بسبب التعرّج أو التحدب للفضاء.
والسؤال الآن:
هل عروج الروح غريب في السلوك الحركيّ بعد كل ذلك؟! بالتأكيد هو ليس غريباً. والحقيقة ليس مطلقاً قولنا كذلك ولكن وجهة نظر متواضعة!
إنّ العروج مرحلة ثانية تسبقها المرحلة الأولى هي مرحلة الإستعداد بالترانيم الخالصة للروح المتفاعلة مع ما إستعدّت له وتفاعلت وأنتجت فتطهّرت فخفّت فعرجت ثم تسامت وإقتربت.
رحم الله الشاعر الكبير محمّد إقبال:
حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عنــــــــــــاء
هتفت به فطار بلا جنــــــــاح وشقّ أنينه صوت الفضــــــــاء
ومعدنه ترابـــــــــــــيّ ولكـن سرت في لحنه لغة السمـــــــاء
لقد فاضت دموع العشق منّي حديثاً كان علويّ النــــــــــــــداء
فحلّق في ربى الأفلاك حتّـى أهاج العالم الأعلى بكائـــــــــــي
تحاورت النجوم وقلن صوت بقرب العرش موصول الدعـاء
وجاوبت المجرّة علّ طيفــــاً سرى بين الكواكب في خفــــاء
وقال البدر هذا صوت شــــاكِ يجاوب شدوه عند المســـــــاء
ولم يعرف سوى رضوان صوتي وما أحراه عندي بالوفـــــاء
د.مؤيد الحسينيّ العابد
Mouaiyad Alabed



#مؤيد_الحسينيّ_العابد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مؤيد الحسينيّ العابد - ترنيمة الروح وزاد العروج