أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عُقبة فالح طه - العولمة: إشكالية المفهوم ومداخل التحليل















المزيد.....



العولمة: إشكالية المفهوم ومداخل التحليل


عُقبة فالح طه

الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 20:24
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


العولمة: إشكالية المفهوم ومداخل التحليل
( قراءة في آراء عدد من المفكرين)


يرى بعض المفكرين المهتمين بقضايا العولمة أن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقة نظرا إلى تعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساسا بانحيازات الباحثين الأيديولوجية، واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضا وقبولا. حيث يرى السيد ياسين - مثلاً- أنه يجب أن يوضع في الاعتبار ثلاث عمليات يمكن أن تكشف عن جوهر صياغة تعريف شامل للعولمة: الأولى انتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس والثانية، تتعلق بتذويب الحدود بين الدول، والثالثة هي زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات، وهذه قد تكون نتائجها سلبية على بعض المجتمعات وإيجابية على مجتمعات أخرى كما يرى أن العولمة على صراع مع المحلية في مسألة توسيع الحدود أو تضييقها،كما أن هناك اختلاف واضح بين الدول وموقفها من العولمة، حيث أن دولا تقبل ببعض جوانب العولمة وقد ترفض جوانب أخرى .
فيما تبدو العولمة لدى (صادق جلال العظم) هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القرن تقريبا إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها، أي إن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية .
للعولمة تجليات متعددة، اقتصادية وسياسية وثقافية واتصالية، فمن التجليات الاقتصادية للعولمة مشكلة أزمة الدولة القومية وتأثير العولمة في تطبيق مفهوم" فكرة السيادة الوطنية" كصلاحية نظام حرية السوق والسيطرة على الأسواق، كما أن للعولمة تجليات سياسية أبرزها سقوط الشمولية والسلطوية والنزوع إلى الديمقراطية والتعددية، لكن للديمقراطية نظرية وحيدة وغربية ما يثير التساؤلات ، كما أن للعولمة تجليات ثقافية كمشكلة صياغة ثقافة عالمية لضبط سلوك الدول والشعوب، لكن هذه الثقافة العالمية قد تهدد الخصوصيات الثقافية، أما العولمة الاتصالية فتتجلى في الإنترنت والتلفزيون والأقمار الصناعية والتي تؤدي بالتالي إلى ثورة معرفية
لكن السيد ياسين يرى ختاما أن هناك معركة كبرى أيديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية تدور حول العولمة، ولدت ثلاثة اتجاهات:أولا: اتجاهات رافضة للعولمة بالكامل وتقف ضد مسار التاريخ ولن تنجح، ثانيا: اتجاهات تقبل العولمة من دون تحفظات باعتبارها لغة العصر القادم، وتتجاهل بعض النواحي السلبية للعولمة، ثالثا: اتجاهات نقدية تحاول فهم القوانين الحاكمة للعولمة وتدرك سلفا أن العولمة عملية تاريخية حقا ولكم مع عدم التسليم بحتمية القيم التي تقوم عليها في الوقت الراهن والتي تميل إلى إعادة إنتاج نظام الهيمنة القديم..
أما (سمير أمين) فيرى أنه وحتى القرن التاسع عشر، كانت الفجوة بين إمكانية التنمية التي تسمح بها المعارف، وبين مستوى التنمية المتحقق لا تذكر، ولا يعني هذا أي حنين للماضي، فالرأسمالية كانت مرحلة سابقة وضرورية لتحقيق إمكانية التنمية التي تحققت اليوم، ولكن أوانها قد فات اليوم، بمعنى أنها لم تعد تنتج سوى التبذير واللامساواة، وفي هذا الصدد يتأكد "قانون الإفقار" الذي ينتجه التراكم الرأسمالي. كما يرى سمير أمين أن الرأسمالية لا تعدو أن تكون مرحلة عابرة من التاريخ وليست نهايته كما يرى فرانسيس فوكوياما.
يرى سمير أمين - أيضاً - أنه أصبح هناك فائض من البشر على اعتبار أن ما ينتج الآن يكفي حاجة البشر ولكن هناك سوء توزيع في الغذاء العالمي، وهناك المليارات من المنتجين غير القادرين على المنافسة،
وفي شأن الديمقراطية يرى سمير أمين أن المنتفعين من الديمقراطية في الغالب هم الطبقات المتوسطة وليست بالتأكيد الطبقات الشعبية الفقيرة ولها تأثير على الديمقراطية التي تتأثر مصداقيتها وبالتالي شرعيتها، بعجزها عن منع التدهور في أوضاع الطبقات الشعبية، كما ينتقد أمين الديمقراطية المرهونة بالتمويل الأجنبي وهذا يفضح الأولوية الحقيقية التي تحرك أساليب التلاعب المفضوحة.
إن مدخل أمين للتحليل (اقتصادي) فالليبرالية تفرغ الديمقراطية من مضمونها الضار المهدد للسوق - بحسب الرأسمالية- فتتحول ممارستها إلى " ديمقراطية منخفضة الدرجة" فيمكنكم أن تنتخبوا من تشاءون.. لكن هذا لن يكون له أي تأثير، فمصيركم يتحدد في مكان آخر، في السوق، خارج البرلمان فالديمقراطية تخضع للسوق ، لا أن تلتقي معه.
فالحداثة برأي سمير أمين تتأكد بحقوق الفرد، حتى لو كان ذلك ضد المجتمع، وهذا الانقلاب هو الشرط المسبق لعملية تحرير، أو لبدايتها، لأنها تحرر إمكانية العدوانية الدائمة في العلاقات بين الأفراد .
ويؤكد سمير أن بناء مجتمع من المواطنين، أو سياسة مواطنية قادرة على منح الديمقراطية معنى حقيقيا، دون الانفصال عن عقيدة الليبرالية، فالتخلص من الفايروس الليبرالي هو الشرط الحتمي وألا تصبح الديمقراطية مهزلة، الأمر الذي تتمناه دكتاتورية رأس المال.
تركي الحمد:
يرى تركي الحمد أن مفهوم العولمة غامض لدى الكثيرين، رغم بساطته المتناهية من جانب، وتعقده المحير من جانب آخر، فهو بسيط الفهم حين محاولة تجاوز المظاهر إلى جوهر المفهوم، أو ما هو مشترك بين المظاهر، أو المعنى المباشر، وهو معقد نتيجة تشابك تلك المظاهر، أو تجليات العولمة المختلفة، من تقنية واقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية، ولأجل ذلك، ربما كان المفهوم غير واضح في أذهان المتحدثين عنه، وبالتالي فهم ينقلون غموضهم للمتلقين. وربما تكون تلك الضبابية في تعريفهم لمفهوم العولمة راجعة إلى كل محاولة للتعريف تنطلق من جانب دون جانب، كما العميان في قصة فيل أفلاطون، حين لمس البعض منهم رجل الفيل وظنها كل الفيل.
يتعرض الحمد لآراء بعض الباحثين الذين يرون أن العولمة كثورة تقنية أنتجت تآكل الحدود بين الدول، وتعميم التبادلات بين البشر على المستوى الكوني، قد ولدت في المجتمعات الغربية ومنها انطلقت وتوسعت، فالغرب الذي يقود مسيرة البشرية، هو السباق إلى خلق الظاهرة وإدارة عملياتها، الأمر الذي قد يولد مزيدا من التفاوت في الثروة والمعرفة والقوة، بين المجتمعات الغربية وبقية المجتمعات ومن السذاجة إنكار ذلك ولكن لا يمكن مجابهته برفض العولمة ولا بالتصفيق لها بل بابتكار المعادلات الوجودية والصيغ الحضارية.
ويجمل الحمد تعريفه الخاص للعولمة باعتبارها ذلك التداخل والتفاعل والتشابك السريع والمتسارع في العلاقات بين المجتمعات والدول والمؤسسات العالمية، وعلى مختلف المستويات، وهذا التداخل السريع والمتسارعيأخذ أبعادا وأشكالا مختلفة يبدأ من التشابك الاقتصادي البحت، مرورا بالانتشار الإعلامي، ولا ينتهي بالتفاعل الثقافي، أو المثاقفة المتسارعة كما يمكن القول، وقد يكون الاقتصاد والإعلام هما الوجه الأبرز حتى الآن لظاهرة العولمةالمعاصرة، ولكن العولمة ليست قاصرة على الاقتصاد والاعلام فحسب فلا يمكن اليوم الحديث عن اقتصاد منعزل، حتى لو كان ذلك في مجاهل أفريقيا كما لا يمكن الحديث عن حدود سياسية قادرة بالكامل على منع اختراق الدولة .

العولمة في فكر صادق جلال العظم:

يستعرض العظم في مستهل مقالته " ما العولمة؟" أراء مجموعة من الكتّاب والباحثين في تعريف موضوع العولمة منهم محمد عابد الجابري وإسماعيل صبري عبد الله وخلدون حسن النقيب وعلي حرب وعبد الرزاق عيد، وسيد ياسين وجلال أمين ورمزي زكي ويستنتج من ذلك أن الآراء حول العولمة انقسمت بين التغني بجمالياتها أو التحذير من قبائحها نتيجة اختزالها في ( البلطجة) و(العمولة) و (الارتزاق) بينما هو يدعو إلى تشخيص الظاهرة، وفهمها جديا دون اختزالها بـ (الفضاء السبراني) أو الاقتصاد الناعم) وبعيدا عن محض التغني بها من ناحية، ومحض التفجع منها من ناحية ثانية، ومحض الاكتفاء بوصفها ظواهريا من ناحية ثالثة
لذا يرى العظم أن ما قيل في العولمة اليوم كان قد قيل مع بداية الثورة الصناعية
علي حرب: يختزل العولمة جماليا في التكنولوجيا المرهفة والمرفهة والغزليات المطولة، فيما هناك اتجاه عربي اختزالي هجائي معاكس لا محتوى له سوى النزق والعصبية والاستخفاف والاستهجان والاستنكار بالنسبة لكل ما يمت للعولمة بصلة .
عبد الرزاق عيد: يحل اختزال العولمة إلى مجموعة من القبائح والكبائر المنكرة والمستنكرة بانفعال عظيم، محل التحليل العقلاني للظاهرة، ومحل المحاولات الجادة لتفسيرها عبر تحقيق فهم أفضل لأشياء مثل خصائصها العامة والأساسية، أسبابها ومحركاتها، وآليات عملها، القوى الفاعلة فيها ونتائجها المتوقعة.
إسماعيل صبري عبد الله: يرى أن هناك تراجع في دور الدولة في البلدان الصناعية المتقدمة، وضعفها أمام الشركات متعدية الجنسيات، والاتجاه الغالب نحو تفيض الإنفاق العام، ولاسيما في مجال الضمان الاجتماعي ، وتصغير حجم الدولة، وتسريح الآلاف من موظفيها، وأصبح رؤساء الدول في زياراتهم الرسمية يحملون عقودا تجارية خدمة للشركات الكوكبية، ولكن العظم يشك في هذا القول لأنه وببساطة فإن هذه الشركات غير قادرة على الاستغناء عن الدولة ووظائفها وقوتها وحمايتها حتى في ميدان تجاري عادي مثل تحقيق المزيد من المبيعات، كما أن الطبقات الحاكمة في المجتمعات المعاصرة لا تحكم مباشرة هي بنفسها، فإن الشركات المتعدية للجنسيات لا تحل هي أيضا بذاتها محل الدولة، بل تتعامل معها وتستخدمها وتستقوي بها وتطلب توسطها.
جلال أمين: إن الشركات متعددة الجنسيات قد حلّت بالفعل محل الدولة، حيث يرى أنه مثلما حلت الدولة محل الإقطاعية فإن الشركة متعددة الجنسيات تحل محل الدولة اليوم والسبب التقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاجية .
محمد عابد الجابري: إن العولمة تتضمن معنى إلغاء حدود الدولة القومية في المجال الاقتصادي(المالي والتجاري)وترك الأمور تتحرك في هذا المجال عبر العالم وداخل فضاء يشمل الكرة الأرضية جميعها لكن العظم يعتبر هذا الرأي للجابري سطحي ومتسرع كما يرى أنه لا شيء في المعطيات الحالية والوقائع الراهنة والدراسات الجارية يسوّغ أو يبرر اصطناع مثل هذا التناقض المسطح وغير الجدلي بين العولمة وصيرورتها، من جهة، وبين الدولة واستمراريتها، من جهة ثانية، إن كان ذلك في المركز أو في الأطراف أو أشباه الأطراف، كما أن الجابري يعتقد أن الحديث عن ذوبان الحدود السياسية بين الدول الإقليمية، أو حلول الشركات المتعديّة الجنسية محل الحكومات والسلطات الحاكمة، فهذا كلام سابق لأوانه في كل الأحوال، وكلام منخدع بسطح الظاهرة ومظاهرها الخارجية، ويستشهد برأي العالم الروسي (بوريس كاراليتسكي) حيث يقول أن من يحاول تحدّي النظام (العولمي) القائم سيكتشف أن الدولة ما زالت قوية تماما وبما فيه الكفاية للقتال دفاعا عن هذا النظام وليس صحيحا زعم الجابري أن " العولمة عالم بلا دولة"
في خضم التدقيق في علاقة الدولة بالعولمة وضرورتها يلفت العظم إلى ثلاث صيرورات كبرى وأساسية وحاسمة أفرزها تطور الرأسمالية التاريخية المركزية منذ الحرب العالمية الثانية وهي:
أولا: الصياغة التدريجية والمتجددة والمتسارعة لنظام رأسمالي عولمي سوبر- إمبريالي عبر آليات الاستثمار المباشر الأجنبي في الإنتاج استنادا إلى إرث الإمبريالية الكلاسيكية وتجربتها وخبرتها، وبريادة الدولة الأعظم في العالم اليوم وقيادتها وإشرافها ومرجعيتها الأخيرة
ثانيا: الصيرورة المرافقة والملازمة في استكمال نشر الدولة الإقليمية الوطنية أو القومية الحديثة ذات المنشأ والطراز الأوروبي أصلا في القارات التي كانت خاضعة بصورة أو بأخرى للإمبريالية الكلاسيكية واستعمارها المباشر
ثالثا: الصيرورة المرافقة والملازمة أيضا والمتمثلة في إنشاء المركز لمجموعة من المؤسسات والمنظمات والأجهزة والهيئات والروابط السوبر- دولتية، والفوق- دولية، وتطويرها كلها باتجاه المزيد من القوة والفاعلية في كل ما يتعلق بتوجيه الطور العولمي السوبر- إمبريالي الجديد للاقتصاد الرأسمالي العالمي وإدارته حيث نضجت هذه المؤسسات وانفلتت من عقالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وأخذت دورها في العالم .

مالك حسن" العولمة بين البعد التقني والبعد الأيديولوجي":
يرى مالك حسن أن فكرة العالمية انبثقت بمعناها الحديث، منذ أواخر القرن السادس عشر، القرن الذي كان بمثابة عتبة تشكل الرأسمالية العالمية، وإذا كان ثمة فرق بين العالمية والعولمة فهو الفرق الناتج عن تراكم الظواهر الاقتصادية، وتطور إنتاجية العمل نوعيا، وتنامي عملية الهيمنة على مساحة شبه كاملة من الكرة الأرضية، فيما يعتبر العولمة عملية مبنية على نفوذ وحاكمية ومنطق الهيمنة والامبريالية في طورها المشبع، وهو الطور الممتد منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن بعد انتفاء وتحييد ظاهرتين : ظاهرة القطبية السوفييتية، وظاهرة أسلحة التدمير الشاملة، وبالتالي انفراط وتسرب الاحتقانات القطبية السابقة لتتوزع على جبهات وجيوب وقنوات أخرى، لكنها تكتسي جملة وتفصيلا نفس الخطورة واحتمالات التفجير والاشتعال من حيث النتائج، لذا فإن هذا التطور الامبريالي المشبع هو بالمقابل القابل للتفجر في الوقت ذاته.

مالك حسن والعظم :
يرى مالك حسن أن العظم يتناقض مع نفسه حينما يقول أن العولمة هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف القرن إلى نقطة انتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج.. فحسن يرى أن العظم يستند في تصنيفه المذكور إلى تقسيم كلاسيكي في علم الاقتصاد السياسي ومنه الماركسي على وجه الخصوص حيث يقيم هذا العلم التمييز بين دائرة الإنتاج ودائرة التبادل داخل نمط الإنتاج الرأسمالي، فيرى مالك حسن أن الجديد في الأمر هو أن هذا التقسيم تحول من أداة مفهومية طارئة بعد أن اقتلعه العظم من ميدانه الخاص.
ويرجع مالك حسن تناقض المواقف وازدواجية المعنى عند العظم إلى السير على خطين، وتناول ظاهرة العولمة من منظورين، فعند القول" حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية" لا بد أن يستدعي القانون الذي من أهم صفاته أنه ينسجم مع نفسه، لا تكبحه جغرافيا ولا تبتسره بيئة اجتماعية أو بنى تاريخية، هذا هو منطق القوانين أما لماذا لم يكن لمفعول عالمية دائرة الإنتاج في جغرافيا وبنى الأطراف ما لجغرافيا وبنى المراكز طالما أن القانون – التعريف هو هو ، أي لماذا لم ترتق اقتصاديات الأطراف لتستوي على قاعدة واحدة مع اقتصاديات المراكز، ومع ما يترتب على ذلك من انعكاسات على طبيعة الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي والقضاء والقوانين، والحريات هل لأنه في ظل هيمنة؟ وما معنى ذلك؟ وما الذي أوقع الدكتور العظم في هذا الشرك أهو جمع الشتاء والصيف على سطح واحد؟ أم هي أغلفة السلع المعولمة والاعتقاد بغياب الدولة الرأسمالية القومية وتلاشيها أمام سلطة اقتصادية ذات ظلال سياسية عالمية الحول والطول لا تأخذ بالنظر إلى الجغرافيا ولا إلى التاريخ ولا إلى السيكولوجيات والهويات، ويتساءل مالك حسن " وطالما كان مفهوم السيطرة سيفسد على الدكتور العظم تعريفه فلماذا لا يتحدد مفهوم العولمة كما هو في أحدى جوانبه في عملية اضطراد وتعميم خط الهيمنة بالمختصر .
لكن مالك حسن يقوّل العظم أشياء لم يقلها أو هو فهم ما لا يعنيه العظم تماما.

برهان غليون: العولمة وأوهام المجتمع المعلوماتي: تجديد الفكر الاشتراكي
يتناول الانقسام الحاصل في الفكر العربي المعاصر حول ثورة المعلوماتية وطفرة الاتصال وما تبعثه من حركة توحيد للفضاءات العالمية الاقتصادية والسياسية والثقافية، فانقسم الفكر بين من يرى العولمة دواء ناجعا لجميع الأمراض التي لا تزال تحملها الإنسانية من العصر البدائي الأول حتى عصر الصناعة ، وبين رأي يرى العولمة خدعة لفظية تهدف إلى التغطية على الهجمة الإمبريالية الجديدة والتشريع السحري لها.
يستشهد غليون برأي السياسي الإسباني (فيليبي غونزالس) الذي دعا إلى ضرورة تعميق فكرة التعددية الثقافية في المجتمعات الحديثةواحترام أكبر لثقافات الأقليات المهاجرةلكن هذا يحتاج إلى تأسيس نظري وسياسيإذ لا يحدث من تلقاء نفسه.
يميل اليسار الاشتراكي إلى التشديد على المؤسسات فوق القومية في مواجهة تراجع الدولة – الأمة التي تهزها العولمة، ويثير قضايا الحفاظ على وجود المواطنية واشتغال الديمقراطية في عالم تفقد الدولة الوطنية بريقها، ويفكر في الطريقة التي يمكن بها تعبئة الموارد المالية ومقاومة الهيمنة المطلقة للشركات الكبرى، وبالعكس يميل اليمين الليبرالي إلى تجريد الخريطة العالمية من الحدود السياسية حتى تتحول إلى سوق اقتصادية ومالية حرة وخالصة.
يتطرق غليون إلى مجموعة من المفارقات التي يتمتع بها مجتمع المعلوماتية الذي يفترض أن ندخله كعرب كي لا نظل مهمشين نعيش خارج الدورة الحية والمنتجة للحضارة، وهذه المفارقات تجعل العقل يستحضر أربع كلمات مفتاحية هي : المفارقات التاريخية، والثورة التقنية، وسيطرة القوى الليبرالية، وعجز الفكر الاشتراكي عن مواكبة الثورة المعلوماتية.
يرى غليون أن الدول الصناعية لم تكتف بإخضاع الأسواق لها ، وأنها سعت أيضا إلى السيطرة على موارد الدول الضعيفة فقامت باستعمارها وتهجير سكانها أو إبادتهم أو اضطهادهم ، كما ينطبق الأمر على الاتصالات والمعلومات حيث تسعى الدول الصناعية إلى تأكيد سيطرتها على المجموعات البشرية الأخرى من خلالالتحكم بالعناصر الرئيسية لثورة التصالات المعرفية والتقنية والرساميل والأسواق والموارد البشرية.
تهدف الإدارة الليبرالية الراهنة لثورة الاتصال والمعلوماتية إلى تحقيق مجموعة أهداف منها : أولا تأكيد ضمان الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، الموطن الرئيسي والأول لهذه الثورة وذلك في مواجهة جميع المواطن الجديدةالنامية في أوروبا وآسيا، وهذا يعني وضع الطاقات الجبارة التي تفجرها هذه الثورة الاقتصادية والثقافية والعسكرية في خدمة بناء استراتيجية (معمورية) أو كوكبية تسمح للولايات المتحدة بتوجيه السياسات العالمية جميعا وجهة تخدم مصالحها.ثانيا: تأكيد وضمان سيطرة الدول الصناعية الكبرى على التفوق التقني والعلمي الكامن وراي الثورة المعلوماتية
ثالثا: خلق بيئة عالمية اقتصادية وسياسية تساعد على نمو الشركات متعددة الجنسيات وتوسيع نطاق نشاطها وفعاليتها، سعيا وراء خلق استقرار عالمي والضرب بيد من حديد على يد كل قوة صاعدة تحاول زعزعة استقرار الدول الصناعية
إن التعاون العلمي الذي بدأ يتحقق في البلاد الصناعية والذي أطلق عليه البعض اسم " عولمة العلم" يقدم فرصل للاستثمار في البحث العلمي ويترك جميع البلاد الصغيرة النامية وغير النامية، خارج دائرة التنافس الفعليفي ميدان العلم والتقنية، لكن عواقب هذه الإدارة الليبرالية كانت مذهلة أيضا حتى الآن : تهميش متسارع لقطاعات واسعة من المجتمع البشري، وهدر للطاقات والموارد الإنسانية، وطلاق كامل بين النخب المعولمة والشعوب المستعبدة الباحثة عن نفسها في الماضي والتراث والخصوصية وتراجع قدرة الدولة في كل مكان عن المساهمة في عقلنة الفضاء العام وتنظيمه، وبالتالي تزايد مصادر التوتر والخراب والفوضى وتضاؤل الشعور بالمواطنية وزيادة عزلة الفرد وغربته في عالم الاتصالات والمعلومات ، ما يؤدي إلى أزمة عالمية حضارية أكثر منها اقتصادية أواجتماعية أو سياسية. وهذا هو الثمن الحقيقي لنمو ثورة المعلومات ومجتمع المعلومات في إطار إدارة يقودها منطق الليبرالية، أي الإيمان بأن بأن تنظيم المصالح البشرية يتحقق بشكل أفضل لو ترك الأمر لتنافس الأفراد والشركات والمصالح بدل إخضاع هذا التنافس لقواعد وقيم وقوانين خارجة عن منطق ونطاق الاقتصاد ، والإيمان كذلك بأن كل اقتصاد هو بالضرورة اقتصاد ربح مادي يقاس بمقاييس كمية .
الحل لدى غليون بعولمة اشتراكية وإنسانية بديلة
إن العودة إلى النمط الوطني التقليدي لإدارة الاقتصاد العالمي لم تعد مجدية، فالدولة الوطنية لم تعد تتحكم كثيرا بعوامل النمو الاقتصادي وبالقوى المحركة للثورة التقنية الجديدة والرد على الأزمة الراهنة والتهميش المتزايد للجماعات والتشريد الروحي والتصحير الثقافي والإنساني لقطاعات كبرى من البشرية لا يكون برفض الثورة التقنية ولا العولمة المؤدية إليها ولا السوق العالمية، ولكن بالتفكير في نمط جديد للإدارة والتسيير يكون بالفعل عالميا أي بعولمة اشتراكية وإنسانية. أي بمعنى تسيير الثورة المعلوماتية واستمرار تقدمها مع إخضاع نشاط الشركات الكبرى التي تحركها لمعايير أخرى إضافية تتعلق باحترام منظومة من القيم الإنسانية لا يمكن التضحية بها من دون أن يعني ذلك إلغاء السوق أو إلغاء أسبقية الربح في عمل الشركات الكبرى ولكن ليس على حساب الدولة، وذلك بضرورة الاعتراف بضرورة وأهمية وجود قوة أو قوى فوق الشركات، كنا نسميها الدولة ومنظمات المجتمع المدني وقوى عالمية والاعتراف باستقلالية هذه القوىز
إن الرؤية الاشتراكية تعني أن نظم المجتمع لا ينبغي أن تكون انعكاسا لقوى السوق أو ثمرة التكيف معها بل العكس، ينبغي أن تكون لنوعية الحياة والأهداف التي يرسمها الميراث الأخلاقي الإنساني والتوازنات السياسية التي نشأت في سياق الصراع المرير من أجل الحرية والمساواة والأخوة .

بول سالم : الولايات المتحدة والعولمة: معالم الهيمنة في مطلع القرن الحادي والعشرين
يحاول بول سالم الحديث عن موقع الولايات المتحدة في عالم اليوم، متحدثا عما يمكن تسميته "بقانون العلاقات الدولية" الذي يتمحور حول أنه كلما قامت دولة عظمى وحاولت فرض سلطتها من طرف واحد تألبت القوى الأخرى سريعا ضدها لتخلق توازنا مع القوى ولحماية قوتها وحرية تحركها في وجه تلك الدولة العظمى الصاعدة كتحالف المدن الإغريقية في وجه أثينا، والتحالف الأوروبي ضد نابليون، كما يذكر سالم أن الولايات المتحدة عمدت إلى ربط مصالح العالم بواشنطن، من خلال جعل نفسها مركز العالم لتوفير عناء الحروب على نفسها، ولا يوجد دولة في حالة تحدي لأمريكا حتى كتابة مقالته هذه سوى العراق وإيران وليبيا وإلى حد ما السودان وسوريا ولكنه تحد له خطره لسببين: أولهما: لأنه قائم في منطقة توجد فيه أضخم احتياطيات النفط في العالم للقرن الحادي والعشرين، وثانيهما: الأيديولوجي الديني المتماسك والذي له أصداؤه في العالم العربي والإسلامي ورغم أنه يوجد في العالم قطب سياسي واحد إلا أنه يوجد هناك تعدد أقطاب اقتصادية فمنعة الاقتصاد الأمريكي ليس بمستوى منعتها العسكرية ، إلا أن الولايات المتحدة ستبقى قادرة على الاستمرار في تأدية دور مركزي في الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين، فالاقتصاد الرأسمالي العالمي الذي صممته وروجت له يبدو أنه سيظل مسيطرا، فرغم أن منافسيها أقوياء إلا أنها الأقوى بينهم وتناول سالم أسباب شيوع الثقافة الأمريكية بجانبيها الثقافة الشعبية والثقافة الراقية وسلطة الإعلام الأمريكي في شيوع نمط الثقافة الأمريكية.

مها ذياب. تهديدات العولمة للوطن العربي
ترى مها ذياب أن العولمة ما هي إلا نمط جديد من الهيمنة استغلته الولايات المتحدة لصالحها في عقد التسعينيات من القرن الماضي، مشروع أيديولوجي سياسي شمولي أخرج بمظهر المشروع التقني العلمي والمؤسساتي الناجم عن التفاعلات الإيجابية بين الشعوب، أي أن صور نتاج حضاري لمرحلة نهاية القرن العشرين إلا أنه في الحقيقة غير ذلك، إنه مشروع يؤطر السياسة الأمريكية لإحكام الهيمنة على العالم اقتصاديا، وسياسيا وثقافيا مستثمرة فرصتها التاريخية بغياب الاتحاد السوفياتي
تتناول وجهة نظر البعض في العولمة حيث أن البعض لا يعترف بوجود مشكلة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية تسببها العولمة، انطلاقا من نظرة تفاؤلية لا ترى في العولمة شرا بل أملا وعلاجا لأمراض الأمة، متناولة تأثير العولمة من جوانبها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وتتناول الكاتبة آراء عدد من الباحثين
دراسة الجابري يدعو إلى رسم إطار عام بين العولمة والهوية الوطنية
دراسة السيد ياسين يعتبر إصدار أحكام حول العولمة أمر متعجل فيه إذ يفضل التريث قليلا معتبرا أنه رغم منشئها الرأسمالي إلا أنها ستتجاوز شروط نشأتها التاريخية، وسيثبت التاريخ أنه لن يتاح لدولة كالولايات المتحدة التفرد بالهيمنة على العالم سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وعلميا إلا إذا حكمنا على شعوب الأرض بالعقم وعدم الفعالية
دراسة النعيمي والشندي تذكر أن العولمة تتسبب في زيادة نسبة الفقر والتبعية والتهيمن في دول الجنوب ومنها الدول العربية
دراسة القحطاني تطرح موضوع العولمة البديلة في الوطن العربي من خلال الضرورات والإمكانات والخطوات، مقدرا وجود عقبات يمكن تذليلها.
لا تتفق مها ذياب مع الأطروحات التي تربط العولمة دائما بالجانب الاقتصادي والتجارة والمال، معتبرة أن العولمة مصطلح إشكالي فالعظم يعتبرها حقيقة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ، فيما يعرفها محمد الأطرش بأنها اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال القوى العاملة والأموال والثقافات والتقانة ضمن إطار رأسمالية حرية الأسواق والتركيز على الجانب الاقتصادي.
ترى مها ذياب أن العولمة الثقافية تشكل آثارا أكثر خطورة لأنها تقفز على الدولة والوطن والأمة، وفي مقابل ذلك فإن إضعاف الدولة والتخفيف من حضورها يعود إلى استيقاظ الانتماءات السابقة على الدولة كالقبيلة والتعصب المذهبي بهدف تفتيت المجتمع وتشتيت شمله، معتبرة أن الدفاع عن هويتنا العربية لا يتحقق من خلال الحفاظ عليها كما هي، أي عن هوية الماضي، ولكن من خلال إعادة بنائها في أفق المستقبل، وفي إطار العولمة أو الثورة العلمية في شتى العلوم والمعرفة أي بناء العالمية فيها

بين صادق العظم وجلال أمين
يرى جلال أمين وعلى خلاف العظم أنه ومثلما حلت الدولة اليوم محل الإقطاعية تدريجيا منذ خمسة قرون،فإن الشركة متعددة الجنسية تحل اليوم تدريجيا محل الدولة والسبب يراه جلال أمين كامن في التقدم التقاني والزيادة الإنتاجية والحاجة إلى أسواق ، حيث فباتت الشركة تتهرب ما تفرضه الدول من من سياسات مالية ونقدية، أو بقدرتها على فرض ما تشاء من سياسات على الدولة نفسها، عن طريق ما يسمى ببرامج التثبيت الاقتصادي والتصحيح الهيكليوتخطي حدود الدول السياسية، لكن الشركات برأي أمين لا تقوم بذلك بمفردها بل تستعين بجهود مؤسسات وهيئات مالية ودولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة، إذن فأمين يعتبر أن هناك تراجعا في دور الدولة القومية وانحسار نفوذها، وتخليها عن مكانتها لصالح الشركات متعدية الجنسيات، ولكن أمين يرى أن هناك تراجعا في بعض الجوانب وليس كلها من وظائف الدولة..ويتساءل إن كانت كل الدول تراجعت وظيفتها ، كما يرى أمين أن هناك تغيرا في وظيفة الدولة على مر العصور حيث يوجد تراجع عام وانحسار لدور الدولة الآن في قوتها، كما يستشهد برأي ماركس من أن الدولة أداة الطبقات المسيطرة لقهر الطبقات الأخرى، فالدولة الاستعمارية جيشت الجيوش لغزو البلاد الفقيرة وصورت مصالح الطبقة التنفذة على أنها مصالح الأمة. ويرى أمين أن الدولة لم تختف تماما بل تغير دورها، كما يرى العالم أن الدول الصناعية لن تسمح للدول الأقل تقدما أن تفعل ما تشاء، وهذا يدلل أن الدولة ما زالت تقرر، إضافة غلى أن " إسرائيل " تتدخل في كل شيء وهي على عكس الدول الرخوة ومنها الدول العربية التي لا تستطيع الصمود أمام تيار العولمة.. إسرائيل تبحث عن عولمة مصغرة "شرق أوسطية" شرط أن تكون هي محورها.
ويرى أمين أن العولمة هي في الحقيقة عولمة نمط معين من الحياة، ولا يشعر أمين بضرورة التزام هذا النمط من طرفه، إذ إن تصوير العولمة كوسيلة تحرر محض خرافة، فهل التحرر من الدولة الوطنية، وهل العولمة انتصار للتعددية ؟ لإغن كانت كذلك هل ينطبق هذا على كل الأماكن في العالم؟
أما عن حتمية العولمة فلا يراها كذلك، فالعولمة ليست محايدة مادامت تعولم حضارة معينة أو ثقافة بعينها، فلا يمكننا القبول بالحضارة الغربية كظاهرة حتمية أما الاعتراف بحتمية العولمة كإطار للحضارة الغربية اعتراف بعجز عن مواجهتها ، لقد أصبحت الدولة في المنطقة العربية أكثر أدوات العولمة فعالية ونشاطا في الوقت الذي اعتقد فيه البعض أن الدولة محايدة تجنبا لأعباء المواجهة مع العولمة .

محمد الأطرش. العرب والعولمة: ما العمل؟
يقترح الأطرش بداية إيجاد توازن عربي مع العولمة وعدم الاعتراف بأنها قدر كاسح، ثم يذهب إلى تعريفها على أنها بشكل عام تمثل اندماجا لأسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة ، والثقافات والتقانة، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية وانحسار كبير في سيادة الدولة، وأن العنصر الأساسي هو الشركات متعدية الجنسيات، وهذا يختلف عن مفهوم الاقتصاد الدوليز

محمد إبراهيم منصور. العولمة ومستقبل الدولة القطرية في الوطن العربي.
يرى منصور أن العولمة مفهوم ملتبس حمّال أوجه عديدة، لا تكاد تجد لها تعريفا واحدا متفقا عليه، لأن تعريفات العولمة تتأثر بانحيازات الباحثين الأيديولوجية وموقفهم من العولمة رفضا أو قبولا، وقد تباينت تعريفات العولمة بين تيار يتحيّز لها ويعتبرها قدرا محتوما وتيار يرفضها باعتبارها إعادة إنتاج لنظام الهيمنة الرأسمالي القديم .
يؤيد منصور أراء (جيمس روزناو) في اعتقاده أن هناك ثلاث عمليات تكشف عن جوهر العولمة وهي: انتشار المعلومات، وزيادة معدلات التشابه بين المجتمعات والمؤسسات، واختفاء الحدود بين الدول، علما أن اختفاء الحدود بين الدول هي القاسم المشترك بين الذين أعلنوا تحيزهم للعولمة والذي جاهروا بالتحيز ضدها، والعولمة بهذا المعنى تعني اختفاء الدولة القومية بمعناها القانوني الراهن، وهي برأي الجابري تنازل الدولة الوطنية عن سيادتها أو حملها على ذلك يرى منصور أن البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية فرضا على الدولة القومية سياسات مالية ونقدية عن طريق برامج الخصخصة والتكيف الهيكلي حتى صارت الحدود السياسية بين الدول أسوارا وهمية، ما دفع بعض الدول إلى إعادة النظر في تشريعاتها وقوانينها لكي لا تتعارض مع ما يصدر عن المنظمات الدولية، كما أن هناك قوانين للمنظمات الدولية تبرر التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول كقانون حقوق الأقليات"، كما إن إضعاف سيادة الدولة ولا سيما في الدول النامية وتعرضها للضغوطات الدولية يؤثر على قرارها الوطني والسيادي ويوقظ فيها لصراعات العرقية والمذهبية ويمزق هويتها الوطنية وخصوصيتها الثقافية ( كما في العراق والسودان وغيرها) .

الحل لدى منصور في كيفية مواجهة تهديد العولمة لسيادة الدولة الوطنية

أولا: تهدئة الصراعات الإثنية والقبلية والدينية التي تهدد الوحدة الوطنية للدولة وذلك من خلال صهر التكوينات الاجتماعية المختلفة ذات المنبت الاجتماعي والعشائري والقبلي في بنية اجتماعية أرحب هي الانتماء الوطني .
ثانيا: على الدولة القطرية العربية أن تنخرط في سياق تجمع إقليمي عربي يشحذ قدرتها منفردة ومجتمعة في كسب رهانات المنافسة التي أطلقتها العولمة من عقالها ويؤدي إلى تعظيم مصالحها الاقتصادية
أما النظام الشرق أوسطي فهو صيغة تستبدل الرابطة القومية الحضارية برابطة جغرافية اقتصادية والتي تسعى إسرائيل إلى اعتباره بديلا للعولمة مع سيطرتها على هذه المنظومة التي تعتبرها عولمة مصغرة.

السيد أحمد مصطفى عمر. إعلام العولمة وتأثيره في المستهلك.
يرى عمر أن هناك شبه إجماع بين معظم الباحثين على صعوبة إيجاد تعريف جامع مانع للعولمة إضافة إلى صعوبة وضعه في إطار منهجي جديد، ولا يمكن التحقق من منتهاها، ولذا ينظر إليها في إطارها العام على أنها اتجاه متنامٍ يصبح معه العالم دائرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية واحدة تتلاشى في داخلها الحدود بين الدول.
كما يرى عمر أن علماء التاريخ يتفقون على أن العولمة ليست ظاهرة جديدة بل إن بداياتها الأولى ترجع إلى نهاية القرن السادس عشر مع بدء عملية الاستعمار الغربي لآسيا وأفريقيا والأمريكيتين، ثم اقترنت بتطور النظام التجاري الحديث في أوروبا، الأمر الذي أدى إلى ولادة نظام عالمي متشابك ومعقد عرف بالعالمية .
يرى عمر أن تسارع تكنولوجيا الاتصال أدى إلى تطور واتساع مفهوم العولمة التي أصبحت الآن السمة المميزة للتاريخ المعاصر، وهذا لا يعني أن العولمة مصطلح مرادف للأمركة أو أنها ظهرت تحت تأثير أمة معينة أو فرضت وفق مشيئة زعيم سياسي معين.
ويستشهد عمر برأي الجابري أن العولمة تقفز على الدولة والأمة وتفتت الانتماء الوطني إلى انتماءات قبلية وطائفية وجهوية بعد أن تضعف إرادة الدولة وهوية الوطن، كمايورد عمر رأي الباحثين الذين يؤكدون على دور الشركات متعدية الجنسية ودورها في العولمة الاقتصادية .
كما يعتبر أن إعلام العولمة يمثل سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول وإنما تطرح حدودا فضائية غري مرئية حيث استطاع الإعلام في عصر العولمة بوسائله الحديثة تخطي كل الحدود وتحويل المجتمعات والبيئات الداخلية للدول إلى مجتمعات وبيئات عالمية،فقد استطاع إعلام العولمة بقدراته التكنولوجية الهائلة أن يضعف نظم الإعلام الوطنية ويزيد من تبعيتها له لتنقل منه ما يجود به عليها من فتات الصور والمعلومات والإعلانات.
إن الثقافة من وجهة نظر دعاة العولمة هي السبب الرئيسي للانقسام بين الشعوب وأن الحل هو اندماج القافات في ثقافة واحدة أو على الأقل رأب الصدع بين الثقافات. ورغم أن الأهداف التي يرمي إليها إعلام العولمة تبدو في ظاهرها أهداف سياسية واقتصادية، إلا أنها في جوهرها ترمي إلى نشر ثقافة جديدة تجعل مسألة قبول الأفكار السياسية والاقتصادية للعولمة مسألة مقبولة وممكنة.

صادق جلال العظم. ثقافة وعولمة
يتناول العظم العولمة من الناحية الثقافية وكيف أنها ظاهرة جديدة تمثلت بوضوح في المساجلات وردود الأفعال العالمية التي أثارتها مجموعة من الكتب التي مثلت برأي العظم نتاجا لثقافة عالمية تمتع بها مؤلفوها وهذه الكتب هي: كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد، وكتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لفرانسيس فوكوياما، وكتاب "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، وكتاب " صدام الحضارات" لصموئيل هانتنغتون، حيث أثارت هذه الكتب ردود فعل عالمية سلبا وإيجابا ما أكد للعظم حسب ما يقول أنه أمام ظاهرة ثقافية جديدة عالميا تتجاوز الثقافات المحلية والوطنية والقومية، وهي أولا و أخيرا تأتي كنتاجات لثقافية عولمية، وتدلل على أن العالم بدأ يشهد تكون نخبة ثقافية عولمية عابرة للقارات
ويرى العظم أن عالمية كتابي فوكوياما وهانتنغتون تأتيان من كونهما يعالجان وحدات الأرض الثقافية والحضارية والدينية والاجتماعية والسياسية كلها، ولكن ليس على أساس تجاوزها وتزامنها وتعايشها وتبادلها، كما أن في هذين الكتابين تحديدا إعادة إنتاج على مستوى النص الفكري والتحليلي والأيديولوجي لحال العولمة المنتصرة ولديالكتيك صيرورتها المنفلتة من عقالها على أنقاض الحرب الباردة، وحطام المنظومة الاشتراكية، وعلى أشلاء حركات التحرر المحلي والاستقلال الوطني، إضافة إلى أن أصحاب الكتب المذكورة كلهم من أصحاب الأطروحات الكلية والشاملة والعالمية في مداها وإحاطتها، أطروحات موضوعها البشرية المعاصرة بأسرها وتاريخها ومستقبلها ولغاتها وقومياتها وعلاقات شمالها بجنوبها وبالعكس، لهذا يعتبر العظم أن هذه الكتب هي طليعة كتب العولمة بامتياز.

جلال أمين. العولمة والهوية الثقافية والمجتمع التكنولوجي الحديث

يرى جلال أمين أن العولمة تتضمن إلى جانب الاستغلال الاقتصادي من جانب الشركات العملاقة للمستضعفين في الأرض، تتضمن قهرا لمعتقدات بعض الأمم، وتهديد أنماط حياتهم الخاصة من خلال سطوة نمط ثقافي معين من الحياة على الأنماط الأخرى
ظهور العولمة: يرى أمين أن العولمة ظاهرة قديمة منذ وطأت قدما الإنسان الأوروبي القارة الأمريكية قبل خمسة قرون وعندما أبحرت أول سفينة بخارية ، وغزو الفضاء قبل 40 عاما وبيان ماركس وإنجلز الشيوعي قبل حوالي 150 عاما عن أن الأسوار لن تقف أمام سلع الشركات الكبرى شرقا وغربا، وقف الإنسان مندهشا قبل ظهور الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ، فالعولمة بنت التطور التكنولوجي من اختراع العجلة والبوصلة إلى الطائرة والكمبيوتر، فالعولمة قديمة والغزو الثقافي كذلك
يرى أمين أن التطور التكنولوجي هو المسؤول عن التسارع العولمي كما يرى أن العولمة تقترن بالقهر الثقافي لأن التقدم التكنولوجي يدفع الإنسان إلى المزيد من العولمة، وبطبيعة الحال ينطوي هذا على تهديد للهوية الثقافية، فالتقدم التكنولوجي الذي يظنه البعض محايدا تماما إزاء الهوية الثقافية يحمل خطرا يهدد الهوية فالتكنولوجيا أداة للقهر أنها تنطوي على نمطية إنتاج ونمطية استهلاك معين، وفي النمطية يكمن النقيض للفردية. كما أن الغزو الثقافي الناشئ عن التكنولوجيا ينفي الخصوصية والتفرد لكن النظام الاشتراكي عجز عن حل مشكلة التفرد والهوية الثقافية بما أنه بلا مساءلة مقتضيات التطور الحديث.

عبد الإله بلقزيز. العولمة والهوية الثقافية: عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة.

يرى عبد الإله بلقزيز أن مفهوم العولمة ينطوي على بعدين زماني ومكاني، زماني أي حقبة ما بعد الدولة القومية، ومكاني أي جغرافي ( الفضاء العالمي برمته ) ، ويتساءل بلقزيز عن تداعي الدول القومية المستوردة للعولمة في منظومة الجنوب مثلا، وعدم تأثر الدول المصدرة للعولمة (الشمال) بزعزعة قومياتها نتيجة العولمة، ويجيب بنفسه بأن دول الجنوب ومنها العربية لا يمكن وصفها بالدول الوطنية لأنها في ركاب الغرب والاستعمار منذ استقلالها ، فثقافتها انهارت أمام أول ضربات لمعول العولمة، إذن فإن عصر الدولة القومية لم يأفل بعد، كما هو دارج برأي بلقزيز بل إن العولمة من ثمار تمدد الدول القومية القوية إياها.

بين العولمة الثقافية والاغتصاب الثقافي
يرى بلقزيز أنه ليس صحيحا أن العولمة الثقافية هي الانتقال من الثقافة الوطنية والقومية إلى ثقافة كونية عالمية، وإنما هي اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات، وإهدار لثقافات الآخرين، ومن يواجه هذا الغزو يتهم بالانغلاق الثقافي أمام تيارات العصر، فالغزو الثقافي يقوم على الاستعلاء والمركزية الذاتية، فالعولمة ليست سوى سيطرة الثقافة الغربية على سائر الثقافات بواسطة العلوم والاتصال والتكنولوجيا، إن هذه السيطرة تنطوي على خطر السيطرة السياسية والاقتصادية اللاحقين للسيطرة الثقافية

الحل لدى بلقزيز
يرى بلقزيز أن موقفه من العولمة الثقافية لا ينطوي على دعوة رجعية لقطع آصرة التفاعل الثقافي والانغلاق على الذات، وعدم التفاعل مع العالم الخارجي، بل هناك طريقة للقول إن الثقافة العالمية الحقيقية هي محصلة ثقافات سائر المجتمعات، من دون استثناء فالكونية هي التميز في مجال الرموز، وكل نزعة توحيدية في هذا الباب مدماك جديد لبناء صرح التوتاليتارية .

المراجع:
.

* السيد ياسين، في مفهوم العولمة.
 سمير أمين، مختارات من "الفيروس الليبرالي وأمركة العالم".

* تركي الحمد، "بحثاً عن تعريف العولمة".
 صادق جلال العظم "ما العولمة".

 مالك حسن، "العولمة بين البعد التقني والبعد الأديولوجي".
 برهان غليون، "العولمة وأوهام المجتمع المعلوماتي".

 بول سالم، "الولايات المتحدة والعولمة".
 مها دياب، "تهديدات العولمة للوطن العربي".
 جلال أمين، "العولمة والدولة".
 محمد الأطرش، "العرب والعولمة: ما العمل؟".

 حمدي عبد الرحمن حسن، "العولمة وآثارها السياسية في النظام الإقليمي العربي: رؤية عربية".
 عبد الخالق عبد الله، "عولمة السياسة والعولمة السياسية".
 محمد إبراهيم منصور، "العولمة ومستقبل الدولة القطرية في الوطن العربي".
 السيد أحمد مصطفى عمر، "إعلام العولمة وتأثيره في المستهلك".

 حسن حنفي، "مخاطر العولمة على الهوية الثقافية".
 صادق جلال العظم، "ثقافة وعولمة".
 جلال أمين، "العولمة والهوية الثقافية والمجتمع التكنولوجي الحديث".
 عبد الله بلقزيز، "العولمة والهوية الثقافية".
 برهان غليون وسمير أمين، "ثقافة العولمة وعولمة الثقافة".
 "بيان حركات مناهضة العولمة".



#عُقبة_فالح_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحولات اتجاه المعرفة العربية
- التراث: هل هو نتاج فكر الحداثة؟
- العلمانية: ما بين الدين والمبادئ التي تقوم عليها السيطرة
- جينيالوجيا المثقف العربي وعلاقته بالسلطة
- وحدة وحدة وطنية ..إسلام ومسيحيّة: -شعار مشبوه-


المزيد.....




- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عُقبة فالح طه - العولمة: إشكالية المفهوم ومداخل التحليل