أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي المحملجي - نقد الماركوزية















المزيد.....

نقد الماركوزية


صبحي المحملجي

الحوار المتمدن-العدد: 3921 - 2012 / 11 / 24 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بداية سأقدم بعض الملاحظات حول الدراسة التي قام بها "روجيه غارودي" بصدد التأويل الجديد للنظرية الماركسية، النظرية النقدية الكبرى، الذي قدمه "هيربرت ماركوز" في العديد من مؤلفاته، فعلى عكس "روجيه غارودي"، أرى أن تقييم ماركوز من وجهة نظر ماركسية لا يقتضي فقط البحث عن الكيفية التي حل بها "ماركوز" الاشكاليات التي كان بصدد الاجابة عنها في اطار الشروط التاريخية لعصرنا، مع التأكيد على هذا الأمر طبعا، بل اننا أعتقد ان القضية اكثر تعقيدا، كيف ذلك؟
قبل الخوض في نقاش المنهج الذي وظفه "هيربرت ماركوز" وتتبع المنطق الداخلي لفكره، ينبغي علينا اولا ألا نستسلم لأي مقدمات أو إشكالات قبل إخضاعها للنقد والتمحيص الحازمين، ثم بعد ذلك الانتقال الى دراسة المنهج الذي استعمله "ماركوز" لحل المعضلات النظرية والسياسية التي كان ينطلق منها. لكن ينبغي علينا ان ندرك ان كل ممارسة ما لكيفية ما، ستؤدي الى نتائج ومواقف نظرية وسياسية متعددة تنسجم والمنهج الذي ادى اليها، فاذا كانت الكيفية التي استعملها "ماركوز" كيفية مادية جدلية فستؤدي حتما الى نتائج ومواقف ماركسية وسيكون الحديث عن تجاوز ماركس أو لينين او عن تجاوز الماركسية كلاما لا معنى له وهذا ما غاب عن مقالة "روجيه غارودي".
كنت قد قرأت مؤلف العقل والثورة لماركوز في الشهر الأخير من الموسم الدراسي الماضي، وفي الأيام القليلة الماضية قرأت له ايضا مؤلفان هما: "الانسان ذو البعد الواحد" و "نحو ثورة جديدة"، ومما لا شك فيه ان الاسئلة التي يحاول ماركوز الاجابة عنها متعددة ولكنها جميعا تنضوي، أو لنقل تتفرع من اشكاليتين عامتين، اشكالية العلاقة بين النظرية والممارسة الثورية، واشكالية الثورة الاشتراكية في البلدان الرأسمالية المتقدمة.
كتب مؤلف العقل والثورة بعدما طردته المانيا النازية، فبين في هذا الكتاب ان فلسفة هيجل - بما تأخذه وتتأثر به من افكار وشعارات للثورة الفرنسية - تتناقض مع النازية، محددا بذلك الجذور الايديولوجية للطبيعة الفاشية في الفلسفة الوضعية، فهذه الأخيرة عندما تحصر التفكير البشري في مفاهيم من قبيل "المعطى" و "التجربة" .. تكون على الطرف النقيض من فلسفة هيجل، حيث ان التفكير بالنسبة إلى هذا الأخير " هو في اساسه سلب ما هو ماثل امامنا على نحو مباشر" إنه ينفي المعطى والمتحقق ويسلبه، ليفكر في ما ينبغي ان يكون انطلاقا من الكائن، فالمعطى يحتوي على الممكن في كل ما صنعته الانسانية ومهمة الفكر السلبي هي التمييز في المعطى المباشر على جميع الممكنات ليمنعها من الكينونة والتحقق، لذلك ينبغي تغيير العالم ليصبح على غير ما هو عليه . ولقد وفق ماركوز في مهمته سواء في نقده الحازم للفلسفة الوضعية أو في عرضه للجدل الهيجلي وللدور العقلاني والتقدمي الذي لعبته المثالية الألمانية قياسا مع التجريبية الفرنسية والإنجليزية.
ثم بعد ذلك هاجر "ماركوز" الى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك كتب كتابه "الانسان ذو البعد الواحد" الذي يفضح فيه العقلانية الظاهرية للتكنولوجيا الجديدة، التي هي في عمقها لاعقلانية، بحيث تمارس ديكتاتورية جديدة تسلب الإنسان إنسانيته وتجعله يتوهم الحرية في مجتمع الاستغلال.
أما فيما يتعلق بموقف ماركوز من الستالينية وأحزابها فيمكن لنا ان نراه في بحثه "الماركسية السوفييتية"، فهو لا يرى أدنى اختلاف بين الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي كانت فيما قبل الحرب العالمية الاولى في الأممية الثانية، وبين الأحزاب "الشيوعية" التي أعطتها الستالينية طابعا علميا جديدا، ويضيف أيضا أن الأحزاب الشيوعية الستالينية هي الوريثة التاريخية للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية.
من كل هذا يستنتج ماركوز ما يلي: "إن سيطرة الانسان على الانسان تتسع في عالم الحضارة الصناعية بمجموعه، تحتد فعاليتها".
• مشكل العلاقات بين الفكر النظري والممارسة الثورية، ماركوز والعودة الى ما قبل ماركس:
لقد سبق ان ذكرنا انفا أن "ماركوز" قد أعلن حربا ذات معنى سياسي بالأساس ضد المذاهب الوضعية والسلوكية والعاملية، لكون هذه الأخيرة تبقي الانسان سجين الوضع القائم، انطلاقا من نفيها للممكن في تعريفها للواقع، فلم يكن الغرض من كتابة "العقل والثورة" إحياء هيجل، بل في إحياء ملكة عقلية نقيضة وهدامة للمنطق التقليدي وللأفكار الوضعية كان يخشى "ماركوز" عليها من الضياع وهي القدرة على التفكير السلبي.
لقد كانت الفلسفة قاب قوسين أو أدنى من أن تجاوز ذاتها مع هيجل، ومع ماركس تبنتها الطبقة العاملة التي هي النقيض الجذري للنظام الرأسمالي القائم والملقى على عاتقها انجاز تحويل ثوري. ولعل انتقاد استلاب السلعة التي تجعل من العامل كذات موضوعا في دائرة الانتاج الرأسمالي هو المجاوزة النظرية والعملية للفلسفة الوضعية، باعتباره وعيا بممارسة تسعى الى تغيير العالم. وبهذا نقول، إن ماركس قد حقق وحدة النظرية بالممارسة، ولقد كانت أول مرة في تاريخ الفكر تلتحم فيها النظرية بحركة الثورة، فلم تعد الثورة تفتقد فكرها ولم يعد الفكر سجين السماء.
يرى "ماركوز" أن هذه الوحدة قد انفصمت عراها بعد ماركس، ففي بلدان المعسكر البيروقراطي صارت البروليتاريا موضوعا لقرارات الحزب، اما في البلدان الرأسمالية فلقد ساهم انتشار الأحزاب الستالينية بالإضافة الى المفهوم الستاليني للحزب، والانتصارات النسبية التي حققها النظام الرأسمالي، الذي ابان لنفسه عقب ازمة 1929 قدرته على مجاوزة الازمات عن طريق تدخل الدولة، وبالتالي قدرته على دمج الطبقة العاملة بضمها الى الأهداف العامة للنمو ورفع مستوى العيش.
ثم يتساؤل "ماركوز"، عما إذا لم تكن النظرية الماركسية خاصة بمرحلة لنمو قوى الإنتاج أصبحت متجاوزة، بعد ان خلط بين الماركسية والأشكال المحرفة التي اتخذتها في التاريخ من : إصلاحية، انتهازية وستالينية. وفي مؤلفه "نهاية الطوباوية" يستنتج النتيجة التالية: قلب حركة التحول من الطوباوية الى العلم التي قام بها كل من ماركس وانجلس، بحيث يجب أن نتصور أن طريق الاشتراكية متجها من العلم نحو الطوباوية أيضا.
فما هي القوى التي يجب أن تعتمد عليها الثورة مادام الاندماج مع النظام الرأسمالي قد اوقف الجدل الداخلي لهذا النظام؟
يحدد ماركوز أربع إمكانيات مدمجة دمجا توفيقيا وهي:
 التمرد الأخلاقي الجنسي.
 التمرد الجمالي.
 التحرر عن طريق الصناعة من خلال تنمية قوى الانتاج، وهنا نلمس تأثرا واضحا بطوباوية سان سيمون.
ولئن عدنا الى مؤلفه "الايروس والحضارة"، سنجد "ماركوز" ينطلق من موضوعة "فرويد" التالية: مع ظهور الحضارة استبدل مبدأ اللذة بمبدأ الواقع، هذا الأخير هو في المجتمعات الرأسمالية "مبدأ الإنتاج"، بمعنى أنه مبدأ مجتمع متجه نحو الربح والمزاحمة والتوسع المستمر، ومنه فإن هذه الحضارة هي حضارة إضطهاد وقهر في مبدئها ذاته. ويرى "ماركوز" أنه ينبغي استرجاع مبدأ اللذة ضد مبدأ الواقع، فتحرير الايروس من شانه أن يعمل كقوة هدامة وكنفي مطلق للمبدأ الذي يهيمن على الواقع. ولكن كيف يمكن لنا أن نفسر كون الحياة الجنسية صارت الموضوع الأول، بل والسائد، لأكثر الكتب المساهمة في تكريس الفكر البرجوازي؟
وما يمكننا قوله عن التمرد الأخلاقي الجنسي ينطبق على التمرد الجمالي، فهل يمكننا القول بأن الفن قد تحالف مع الثورة دون الربط الصميمي بين الإبداع الفني وكفاح الطبقة العاملة؟.
إننا نصل هنا إلى تأكيد ما سبق ذكره عن الماركوزية من طرف روجيه غارودي، فمن خلال ما مضى نلحظ خلطا بين النفي الجدلي، وهو نفي حي وواقعي، وبين النفي المجرد، وهو ما عابه سارتر عن كامو، الذي يفترض وجود قدرة نبوية عند بعض المثقفين لتحرير وعي الكادحين وتجاوز الإستلاب، وهذا الطرح الأخير يمثل عودة الى ما قبل ماركس، وبالضبط إلى ادعاءات اليسار الهيجلي الجديد.
• مشكل الثورة الاشتراكية في البلدان المتقدمة، نقد نظرية الاندماج:
يمكننا أن نؤصل لهذه القضية هنا بالعودة الى السجال الذي دار بين كل من الجناح الثوري والجناح الاصلاحي في الحركة العمالية العالمية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، وبالضبط في مرحلة الأممية الثانية، ولكي ندقق في مثالنا بشكل أكثر وضوحا يمكننا أن نعود الى الصراع السياسي الذي دار بين كل من البلاشفة والمناشفة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي. لقد سبق لماركس، من خلال العديد من مؤلفاته التي اختصت بنقد الاقتصاد السياسي، أن توقع إمكانية انطلاق الثورة الاشتراكية الاممية في كل من ألمانيا وانجلترا بحكم التطور الصناعي السريع الذي كان يسير في كلا البلدين، والذي يقوي في نفس الان نقيض النظام الرأسمالي، أي الطبقة العاملة، وعيا وتنظيما. ولكن ما الذي حصل بعدها؟ ما حصل هو أن الثورة الاشتراكية انطلقت في بلد هو من حيث التطور الرأسمالي متخلف، فبقايا النظام الإقطاعي القديم لم تتم تصفيتها، كما أن المسألتان القومية والزراعية لم تحلا بعد، ناهيكم أن الطبقة العاملة تمركزت فقط في مدينتين رئيسيتين هما موسكو وبتروغراد. هل يمكننا القول بأن ماركس قد أخطأ في توقعه ذاك، وأن تحليلاته في هذا الصدد كانت خاطئة؟ أقول، إن ماركس لم يخطئ في تحليلاته البتة، بل إن ما افتقرته الثورتان الانجليزية والألمانية هو ما كان حاضرا، ومحرضا، ومنظما في ثورة 1917 الروسية، أي حزب الكوادر الماركسية الثورية، والحديث هنا عن الحزب البلشفي.
إن نظرية الإندماج الماركوزية المستنتجة من خلال تحليلات تاريخية تعمم بنوع من التعسف الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تنفي إمكانية قيام الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتقدمة بأي دور ثوري، قدمت نفسها كإجابة للإشكالية التالية: لماذا باتت الثورة مستبعدة وطرحا لا عقلانيا في مجتمع يتوفر على طبقة عاملة قوية، ولماذا لم تقم الثورة الاشتراكية في البلدان التي افترضت النظرية الماركسية أن تكون رائدة أقطار العالم نحو الاشتراكية؟ إن القشرة الانتهازية التي تكونت على سطح الطبقة العاملة، والتي اعتبرها لينين ظاهرة مؤقتة وستضمحل بفعل تطور الطليعة الثورية، باتت ثابتة ودائمة، كما أنها لم تبقى قشرة، بل تحولت الى نواة البنية البروليتارية من وجهة نظر فيلسوف الثورة الجديدة. وسنعتمد في نقدنا للماركوزية وموقفها من الثورة الإشتراكية في بلدان الديمقراطية البرجوازية على مؤلف، الإنسان ذو البعد الواحد (ترجمة جورج طرابيشي، منشورات دار الآداب، الطبعة الثالثة 1988، بيروت).
لقد قدم هربرت ماركوز أفكاره لا كرافضة أو مشككة في صحة النظرية الماركسية، فهو لا ينفك يؤكد على أن اللاعقلانية هي أساس المجتمع الرأسمالي القائم، وأن الانتاجية تتقلص بفعل التبذير، وأن الصراع يزداد بروزا، وأن شبح الحرب يزداد استفحالا، وأن الاضطهاد والاستبداد يتفاقمان، وبكلمة، أن الإنسانية تفقد إنسانيتها.
" ومع ذلك فإن هذا المجتمع في مجموعه لا عقلاني، فإنتاجيته تقضي على التطور الحر للحاجات والملكات الانسانية، وسلمه غير متحقق إلا بفضل شبح الحرب البارز أبدا للعيان، ونموه مرهون بقمع الامكانيات التي يمكن عن طريقها وحدها تحويل النضال في سبيل البقاء- الفردي والقومي والأممي- الى نضال سلمي" (نفس المرجع المذكور سابقا، الصفحة 26)، كما أنه يؤكد أن المخرج الوحيد لهذا المأزق هو: الانقلاب التاريخي العاجل، "...ولكن تحرير الإنسان هذا لا يمكن أن يتم نتيجة للتقدم التقني في حد ذاته نظرا الى ان الاضطهاد هو مبدأ تطور التكنولوجيا. إن مثل هذا التحرر يستوجب أولا انقلابا سياسيا" (الصفحة 245). ولكن من هو العامل الملقى على عاتقه إنجاز الانقلاب السياسي؟ إن ماركوز هنا يعلن بأن الطبقة العاملة لم تعد عامل التحويل الثوري للمجتمع. وبهذا تفقد النظرية الماركسية قدرتها على التجاوز وتغيير الواقع، دون أن تكف في نفس الان من أن تكون صحيحة.
إذن فما هي عوامل تحول الطبقة العاملة من طبقة ثورية، نافية، ورافضة للنظام الرأسمالي إلى طبقة مندمجة به؟
إن المكننة، من وجهة نظر هربرت ماركوز "تقلص تدريجيا كما وشدة الطاقة الفيزيائية المعروفة في العمل. ولهذا التطور انعكاس هام على المفهوم الماركسي عن الشغيل (البروليتاري). فالبروليتاري في نظر ماركس هو قبل كل شيء شغيل يدوي ينفق ويستهلك قوته الفيزيائية أثناء العمل حتى ولو كان يعمل على الآلات. وكان الرأسماليون، الطامعون في امتلاك فضل القيمة، يشترون ويستخدمون القوة الانسانية في شروط تحت انسانية، وهذا ما كان يضفي على الاستغلال مظاهره اللاإنسانية الباعثة على الاشمئزاز. ولقد فضح ماركس التعب الجسدي، بؤس العمل الفيزيائي. ذلك هو العنصر المادي الملموس في عبودية الأجراء واستلابهم، ذاك هو البعد الفيزيولوجي والبيولوجي للرأسمالية الكلاسيكية" (الصفحة 60). ثم يضيف ماركوز قائلا، "وإذا كان البروليتاري في المراحل السابقة من الرأسمالية المطية التي توفر بكد جسمها ضرورات الحياة ورغدها بينما تعيش هي في الفقر والقذارة، إلا أنه كان بالمقابل رفضا حيا لمجتمعه. وعلى العكس من ذلك فان العامل المنظم في القطاعات المتقدمة من المجتمع التكنولوجي يعيش هذا الرفض بصورة أقل بروزا." (الصفحة 62).
إن ماركوز يرى أن التحول التكنولوجي يميل إلى تصفية دور الالة باعتبارها أداة إنتاج فردية، بمعنى وحدة مطلقة، وهذا على حد تعبيره "يزعزع أسس التصور الماركسي عن التركيب العضوي للرأسمال، وبالتالي نظرية تكوين فضل القيمة. فلقد كان ماركس يرى أن الالة لا تخلق قيمة ولكنها تنقل فقط قيمتها الى المنتوج، في حين أن فضل القيمة هو دوما نتيجة استغلال العمل الحي. فالآلة تدمج بها قوة العمل البشري، وبفضلها يتم الحفاظ على العمل الماضي (العمل الميت) الذي يحدد العمل الحي. ولكن العلاقات بين العمل الميت والعمل الحي تبدوا في أيامنا، ومع انتشار التأليل، وكأنها تغيرت تغيرا نوعيا. فلقد ادركنا المرحلة التي تحدد فيها الانتاجية بالآلات لا بالمردود الفردي. بل لقد بات من المستحيل قياس المردود الفردي" (الصفحة 64). ثم يستنتج ماركوز مما سبق ذكره أن " هذه التغيرات الطارئة على مظهر العمل وأدوات الإنتاج تبدل موقف الشغيلة ووعيهم." (الصفحة 65).
بعدما رسمنا، بكل ما أمكننا من موضوعية، الخطوط العريضة لنظرية الاندماج، لا نستطيع أن نلاحظ إلا بعض نقاط الضعف الاتية:
دمج تلفيقي وميكانيكي بين مفهوم الاستغلال ومفهوم الإفقار عند ماركس، فليست كل شريحة، أو فئة، أو طبقة مفقرة هي بالضرورة ثورية من وجهة نظر ماركسية، ثم إن ثورية الطبقة العاملة عند ماركس، ـ بالرغم من كونه قد فضح في العديد من مؤلفاته، خصوصا المختصة بنقد الاقتصاد السياسي البرجوازي، ظروف عمل الأطفال والنساء والشباب ...إلخ، إلا أن ذلك كان تأكيدا منه على ضرورة النضال من أجل تحسين ظروف العمل والرفع من الأجور والنضال في سبيل نهار عمل طبيعي ...إلخ ـ ليست مرتبطة بدرجة التفقير الذي تعانيه، فلو كانت كذلك، لكان النضال من أجل الإصلاحات نضالا لا معنى له البتة، بل لكان من الأصح النضال من أجل إفقار الطبقة العاملة لتعيش الرفض بشكل أكثر بروزا.
إن القول بكون النظرية الماركسية صحيحة، لكنها فاقدة القدرة على تجاوز الواقع، يحول النظرية الماركسية إلى فلسفة متشائمة وإلى تمرد مجرد عاجز. ولعل السبب الرئيسي الذي ساهم في توصل هربرت ماركوز إلى هذه الخلاصة، هو خلطه الميكانيكي ـ الذي أشرنا إليه انفا ـ بين كل من النفي المجرد والنفي الجدلي.
إن ماركوز يناقض نفسه بشكل واضح: ففي الوقت الذي يرى فيه استحالة الثورة على النظام الرأسمالي إلا على أساس حاجيات جديدة، نجده يعلن ويؤكد بأن "أكبر قوة معارضة قادرة على زعزعة النظام الرأسمالي هي الطبقة العاملة للبلدان المتخلفة" بحيث يكون المرمى البعيد هو أن "الجماهير التي تعتمد عليها معارضة المثقفين هي جبهات التحرير الوطني".
لقد حاولنا في مقالنا هذا أن نخضع النظرية الماركوزية للنقد من وجهة نظر ماركسية، أي من وجهة نظر نظرية وفلسفة الطبقة العاملة. فالماركوزية وطدت صلاتها بالواقع العربي عندما بدأت الهزائم والإحباطات تعصف به، خصوصا بعد هزيمة حزيران. وهذا راجع لما يتحكم في النظرية الماركوزية من موضوعات تصب في مجملها بالأساس نحو انسداد الافاق والاحتمالات المستقبلية. إن أزمة الرأسمالية اليوم والتي لا يتفاءل بها خيرا حتى المنظرون الاقتصاديون البرجوازيون، بالإضافة الى الاحتجاجات والثورات التي تجتاح العالم، كل هذا يؤكد انفتاح الافاق والاحتمالات لإمكانية ولادة مجتمع جديد ذو خطة إنتاج عقلانية وديمقراطية يمكن بواسطتها الرجال والنساء أن يختاروا ويتحكموا في مصائرهم كيفما أحبوا وأرادوا.



#صبحي_المحملجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي المحملجي - نقد الماركوزية