أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فادي سعد - مجلة شعر الأمريكية: ماذا سنفعل بالمال؟















المزيد.....

مجلة شعر الأمريكية: ماذا سنفعل بالمال؟


فادي سعد

الحوار المتمدن-العدد: 1125 - 2005 / 3 / 2 - 10:44
المحور: الادب والفن
    


احتلّت مجلة شعر الأمريكية الشهرية الصادرة في مدينة شيكاغو مكانة ريادية في العالم الأدبي الأمريكي، والشعري بشكل خاص، لما قدّمتهُ عبر قرن تقريبًا من الصدور من كتابات وسجالات وأسماء شعرية كان لها الأثر الأكبر في تشكيل المشهد الشعري الأمريكي والعالمي المعاصر .
تأسّست هذه المجلة الشعرية عام 1912 على يد الشاعرة والناقدة الأمريكية اللامعة " هنرييب مونرو- Harriet Monroe " تحت شعار " الباب المفتوحOpen door " ، حيث أخذت على عاتقها في بيانها التأسيسي " نشر أفضل شعر مكتوب ، مهما كان نوع ، أسلوب ، أو طريقة كتابة هذا الشعر ." ونتيجة لهذه السياسة المُنفتحة كان لهذه المجلة الفضل في اكتشاف العديد من أقطاب الحركة الشعرية الأمريكية ، تلك الأسماء التي شكلّت وبلورت مايمكن أن يُسمّى الآن بإلإرث الأمريكي الشعري ، والمُعترف به ضمن النتاج الشعري العالمي. فعلى صفحات هذه المجلة ، تعرّف العالم على القصائد الأولى الهامة لأبرز الأسماء الشعرية الأمريكية الحداثية أمثال : " ت.س. إليوتT.S. Eliot "، "ماريان مور Marianne Moore" ، "إزرا باوندEzra Pound " ، "وليام كارلوس وليامز William C. Williams" ،"والاس ستيفان Wallace Stevens" ، "كارل ساندبرغ Carl Sandberg" وغيرهم الكثير، كما كان في عددها الصادر في شهر آذار من عام 1913 حيث نشر" إزرا باوند " ما يشبه بيانه الصوري ، مُبشرًا وشارحًا رؤيته للمذهب الصوري في الكتابة الشعرية.
حافظت المجلة على حضورها عبر عقود من الزمن رغم كل المصاعب التقنية ، واستمرت في نشر النتاج الشعري لمختلف المذاهب الشعرية ، جامعة بين أسماء شعرية معروفة وغيرها من الأسماء المُبتدئة . تتلقّى المجلة في وقتنا الحاضر مايزيد عن 90000 مخطوطة شعرية في العام ، وتتراوح فيها نسبة القصائد المنشورة للمرة الأولى والمُرسلة من شعراء مبتدئين لحوالي الثلث.
تشكـَل تحت غطاء مجلة شعر في شيكاغو عام 1941 ماسُمّي ب " جمعية الشعر الحديث – Modern Poetry Association " ، والتي تبنّت بالإضافة لدعم وإصدار المجلة عددًا من المشاريع والبرامج الثقافية الشعرية المختلفة ، كما بدأت هذه الجمعية بتنظيم ومنح الجوائز الشعرية وصل عددها الآن إلى سبع جوائز مختلفة ، كان أهمها على الإطلاق جائزة " روث ليلي Ruth Lilly " السنوية للإنجاز الشعري المُمّيز بمقدار (100000$)، والتي بُدئ منحها عام 1986 بمبادرة من مُحسنة ثريّة تُدعى"روث ليلي."
" روث ليلي" هي الوريثة الوحيدة المتبقيّة على قيد الحياة من سلالة " إلي ليلي Eli Lilly" مؤسس الشركة الدوائية العملاقة "ليلي Lilly"، وقد بدأت علاقتها مع مجلة شعر الأمريكية في السبعينات عندما أرسلت عدة قصائد للمجلة ، وكوفئت عندها بالرفض المُرفق مع بعض الملاحظات المكتوبة بخط اليد من رئيس التحرير آنذاك " جوزيف باريسي Joseph Parisi ." لم يعكّر هذا الرفض على مايبدو العلاقة بين السيّدة " ليلي" والمجلة ، حيث قامت بعدها بائتمان المجلة وجمعية الشعر الحديث على عدد من العطاءات والمنح الدراسية والمسابقات المالية للوسط الثقافي والشعري وتبرعت لاحقًا بجائزة ليلي الشعرية السنوية الآنفة الذكر، ويبدو أن طريقة إدارة المجلة والجمعية لتبرعات السيّدة "ليلي" قد نالت رضاها واستحسانها.
لم يكن مُفاجئًا إذا عندما أعلنتْ جريدة " نيويورك تايمز New York Times "في عددها الصادر في نوفمبر 18- 2002 عن تخصيص السيدة "ليلي" مبلغًا من المال لمجلة شعر والجمعية في وصيّتها الأخيرة. ماكان منافيًا للعقل وصعبًا على التصديق هو ضخامة المبلغ الذي تبرعت به وفاجأت به مُتلقي هذه الهدية الثمينة أنفسهم، بالإضافة للصدمة التي أحدثتها في الوسط الأدبي والإعلامي. قـُدّرت قيمة التبرع بأكثر من مئة مليون دولار، حيث حولّت هذه الهدية الغير العادية مجلة فنيّة فقيرة نسبيّا، يتألف طاقم تحريرها من أربعة محررين يعملون في طابق متواضع في إحدى المكتبات الخاصة في شيكاغو،و بحساب مصرفي وصل أحيانا إلى مئة دولار فقط !! حوّلت هذه الهدية مجلة كهذه إلى عملاق مالي طباعي وفني لم يحصل له مثيل في العالم الأدبي، وأدّت إلى ولادة أضخم مؤسسة فنية شعرية في العالم، كما وضعت المجلة وقرائها والوسط الأدبي الأمريكي بشكل عام، والشعري بشكل خاص، أمام العديد من الأسئلة والخيارات الصعبة والمُحيّرة بخصوص كيفية التعامل مع هذه الهبة ، حاول رئيس التحرير والمُتلقي للتبرع آنذاك السيّد جوزيف باريسي نفسه الإجابة ولو المُستعجلة على بعض هذه التساؤلات في حفل العشاء الذي خُصص لتسلم التبرع، واعدًا باستخدام المال لتنفيذ برامج تزيد من جمهور الشعر، وإنشاء مناهج تدريبية على مختلف المستويات لتدريس الشعر ، الخ.....
طبعًا هذه الإجابات المُستعجلة لم توقف سيل التساؤلات والإفتراضات عمّا يجب أن تفعله مجلة شعرية هي ضمن الأعرق في العالم ، بمبلغ بهذه الضخامة ، وبقي الجميع ينتظر إجابة مُرضية.
نستطيع الملاحظة ربّما أنّه من بين الثنائيات القليلة الشيوع في العالم الأدبي ( قسرًا أو اختيارًا ) ثنائية المال والإبداع الفني ، وكان غياب هذه الثنائية مبرًّا ( عن حق أو غير حق) لكثيرٍ من الإخفاقات الشخصية والمؤسساتية على المستوى الأدبي بكل أنواعه ، فكيف الحال بالجنس الأدبي الشعري مع كل مآزقه الحاضرة ،والتساؤلات التي تدور عن مستقبله في عالم اليوم ؟ وكأن السيّدة "ليلي" أرادت أن تضع بسخائها هذا كل المُبدعين والمُهتمين بهذا الجنس الأدبي المُتصارع مع قَدَره أمام هوة لاهروب منها في وقفة حقيقية مع الذات، فارضة خيارات لم تخطر لأحد من قبل،خيارات بعيدة عن أي تأثيرات خارجة عن إرادة الشعر نفسه . تساؤلات كهذه كان على مجلة شعر أن تحاول الإجابة عليها: - هل يستطيع الفن أن يُفرز نتاجًا مختلفًا عندما يتوقف عن الخضوع لبديهية الفقر المادي ؟ - هل ينبع نجاح الفن كرسالة وكوظيفة على قوة عوامله الداخليّة أو على عوامل خارجية مُرتبطة بمنطق خارج عن طبيعة الفن نفسه؟ - هل تَراجُع الشعر في مساحة امتداده الجماهيرية شئ يُمكن تداركه بقوى لم يألفها الشعر من قبل ، ويحكمها عالم المال والإعلام التسويقي ؟ - ماهي حاجات الشعر الحقيقية في الوقت الراهن من تاريخه إذا توافرت كل الإمكانيات لتحقيق هذه الإحتياجات ؟ وأسئلة كثيرة غيرها طُرحت على بساط البحث ، وظل الجمهور الأدبي والوسط الأدبي الأكاديمي يترقّب - بنوع من القلق- ماذا ستفعل مجلة شعرعلى المدى البعيد بعد أن قامتْ على المدى القصير باستئجار مكاتب حديثة وزيادة طاقمها التحريري والإداري، كما قامت بتغيير اسم وهيكل جمعية الشعر الحديث إلى مايُسمّىب " مؤسسة الشعر Poetry Foundation" وتعيين رئيس جديد لها ينتمي إلى عالم المال ووول ستريت بالإضافة إلى مواهبه و إصداراته الشعرية المُختلفة : السيّد " جون بار John Barr ".
وصَلني منذ فترة قصيرة عدد سبتمبر من مجلة شعر مع رسالة مُوقعة باسم السيّد بار يُجيب فيها لقرَاء المجلة بشكل مطوّل على التساؤل الذي انتظرالجميع إجابته : " ماذا سنفعل بالمال..؟ "
وللاختصار سأحاول تلخيص إجاباته في رسالته الطويلة قدر الإمكان ، وأترك للقارئ الحُكم على حكمة وفعالية السياسة التي اختارتها المجلة ومايُمكن أن تُقدمه للشعر الأمريكي والعالمي من فوائد فنيّة أو جماهيرية:
- إدراكًا للنقص الحاد في شعبية الشعر على مستوى القرّاء ( مع الازدياد المُناقض على مستوى الكُتّاب ) ، ومع الوعي أن أي جنس فنيّ يتغذى وينشط من جمهوره ، قرّر مجلس الإدارة الالتزام بتثبيت وترسيخ وجود الفن الشعري في الثقافة الأمريكية عن طريق البحث واكتشاف أفضل النصوص الشعرية وتقديمها لأكبر عدد من الجمهور.
- ستعمل المؤسسة من خلال برامجها ومشاريعها المُختلفة على إعلاء شأن وتأثير الشعر في الثقافة الأمريكية عن طريق تشجيع أنواع وأساليب جديدة في الشعر وزيادة أعداد القراء. وكنقطة بداية لهذا الهدف ستبدأ المؤسسة بدراسة بحثية شاملة عن حالة الشعر في الولايات ، وتحديد أنواع الشعر الأكثر قراءة واستماعًا بين الجمهور، وسيتّم نشر النتائج التفصيلية عند انتهاء البحث.
- ستكمِل مجلة شعر مسيرتها بتقديم الشعر الأفضل والجديد مع زيادة المساحة المُخصصة للنقد الأدبي والدراسات المُتعلقة بالشعر بشكل لايتواجد في أيّ مؤسسة أخرى، مع رفد الإصدار الطباعي بإصدار إلكتروني يكون قاعدة معلوماتية لأفضل النصوص الشعرية الحديثة.
- خطة تعليمية متشعبة لوضع الشعر الجيد أمام مُتناول الأطفال والشباب ، عن طريق برامج سردية في المدارس ، والتعاون مع مؤسسات ثقافية مختلفة لتشجيع مسابقات تنافسيّة . أيضا دراسة حاجات المكتبات المدرسيّة والطاقم التعليمي من أجل توسيع وزيادة تدريس الشعر في المناهج , وبعد معرفة هذه الحاجات ، ستقوم المؤسسة بتأمين الموارد الماديّة لتحقيقها عن طريق الموقع الإلكتروني.
- إحدى الطرق لزيادة وجود الشعر الجيّد في الثقافة هو الدعم الإعلامي. ستقوم المؤسسة بإنشاء برنامج داخلي لتشجيع الشعر في الإعلام ، عن طريق علاقات مُتبادلة مع مؤسسات النشر والتحرير، ووسائط النشر الإلكتروني، لجعل الشعر أكثر انتشارًا وعرضة للنقاش في المجلات ووسائل الإعلام.
- خلق عدد من الجوائز الشعرية لأنواع مختلفة من الشعر .
إذًا، هل ستستطيع هذه الاستراتيجية المدعومة بعطاءات السيّدة" ليلي" أن تُساعد الشعر في الخروج من مأزقه الحالي ؟ هذا مايأمله واضعوها بكل إخلاص ، ولو أنّ هناك اعترافًا ضمنيّا بصعوبة عودة العصر الذهبي للشعر ، على الأقل في الوقت القريب ، ولكن هناك ربّما أمل بتخليص الشعر من بعض من ركوده الحالي ، ولو على أنقاض بعض الأشكال القديمة للكتابة الشعرية.
سننتظر ونرى ، فقد وعدَتْ المؤسسة والمجلة بمراجعة نتائج هذه الاستراتيجية على العلن بعد ثلاث أو خمس سنوات من الآن . قد يستطيع الشعر أن يجد نفسه على تخوم عصره الذهبي ثانية؛ هذه كانت العبارة الأخيرة في رسالة السيّد بار.



شاعر وكاتب سوري مقيم في الولايات المتحدة



#فادي_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فادي سعد - مجلة شعر الأمريكية: ماذا سنفعل بالمال؟