أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رامي مدنية - أعيدوا لنا ثورتنا المسروقة















المزيد.....

أعيدوا لنا ثورتنا المسروقة


رامي مدنية

الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 06:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الذاكرة تسنتقذ الواقع وتسعفه بالتجارب المريرة التي مرت بها هذه الذاكرة المنهكة بالأخطاء التي تحاول أن تقوم من سُباتها من جديد. هكذا فعلت الأمم والدول الراقية، فاليابان، على سبيل المثال، خرجت من الحرب العالمية الثانية خاسرة وخالية الوفاض، تجاوزت الأزمات ونافست لاحقا من جعلها يوما ترفع راية الاستسلام أي الولايات المتحدة، وكذلك فعلت ألمانيا الغربية، بعد أن لم تُبقي الحرب العالمية الثانية حجرا على حجر فيها، حيث استفاقت من كبوتها وبنت اقتصادا عملاقا بين الاقتصادات العملاقة.

لن أكون مثاليا وأرجع بسوريا إلى عصر " الازدهار الديمقراطي" في الأربعينات والخمسينات، لأنها، على شخصياتها وشخوصها الفذة، تجربة أُجهضت في مهدها لأسباب عديدة يعرفها الكثير من السوريين لا مجال للتطرق إليها الآن. لن أتحدث عن " فارس الخوري" رئيس الوزراء السابق (14 أكتوبر 1944 – 1 أكتوبر 1945)، ولا عن شكري القوتلي الذي لقّب بـ " المواطن العربي الأول" والذي ترك الرئاسة ليحقق حلم الوحدة بين سوريا ومصر، وللعلم فإن القوتلي كان قد استقال في المرة الأولى في العام 1949 بعد أن أطاح به حسني الزعيم، ولن أتحدث حتى عن أديب الشيشكلي، الذي كان يوصف بالديكتاتور، حيث ترك السلطة في عام 1954 تحت الضغط الشعبي، وها هي الأيام تثبت أن الشيشكلي لا يقارن بمن أوصل سوريا إلى هذه الحال المؤلمة!.

سأبدأ من تجربة أحداث الثمانينات، التي حاولت منها على مرّ السنوات أن أحيي الذاكرة فيها من خلال من عايشوها. حدثني أحدهم أنه كان يجلس على المائدة الواحدة آنذاك الماركسي والناصري والإخواني وهم أخوة من أب واحد..الخ. هذا التنوع السياسي قضى عليه حافظ الأسد في مهده. ليس صحيحا أن انتفاضة الثمانينات ضد حافظ الأسد كانت انتفاضة إخوانية ولكن النظام شوّه الذاكرة السورية وألبسها لبوس " الإخوان المسلمين " ليصبغها بدهائه صبغة التشدد الديني. لقد شاركت فيها كل الأطياف السياسية واعتقل منهم من اعتقل وقتل منهم قتل، ولكن الذي حدث أن فصيلا إخوانيا، "الطليعة المقاتلة"، كان لديه القابلية لمواجهة النظام الديكتاتوري بالسلاح فكانت الكوارث الإنسانية التي ما زالت تستفز الذاكرة السورية بالمآسي القاسية.

اليوم النظام يعود لنفس السيناريو الأول من أحداث الثمانينات. في بداية الثورة السورية (15-3-2011) كان الإخوان المسلمين أحرص الأطياف السياسية على تلافي حمل السلاح لأنهم استقُوا المرّ ولا يريدون عودة التاريخ لأنه لن يأتي بجديد! فحسب المعلومات التي لديّ أنهم كانوا مع الكفاح السلمي في سوريا رغم أن السلاح كان منتشرا على المستوى الأهلي ولم يكن له شرعية وتغطية سياسية ودولية وإقليمية، ولكن الرياح لم تأتي بما تشتهي سفن الإخوان!

بدأ النظام بعنفه المدروس من درعا للاذقية لحمص لإدلب لحماة لدير الزور لدمشق لحلب على التوالي. ولأن الثورة بدأت سلمية بشهورها الأولى بطابعها العام كان لا بد للنظام أن يدفعها للعنف وحمل السلاح، ففتح الحدود للسلاح، ورافق ذلك فتح السجون للسلفيين الجهاديين الذين شنّ النظام عليهم حملة أمنية عنيفة خلال عام 2006- 2008 بعد اتفاقات أمنية سرية بين النظام السوري والولايات المتحدة في إطار ما يسمى بالحرب على الأرهاب، وكان الثمن معروفا فكّ العزلة الدولية عن النظام، بعد أن كان النظام هو من يرسل الجهاديين أو على الأقل هو من فتح لهم الحدود إبّان الحرب على العراق ليورط الولايات المتحدة في مستقنع العنف كضربة استباقية لها حتى لا تحاول إعادة التجربة في سوريا.
الشعارات المدنية التي رفعت في بداية الثورة - سلمية.. سلمية، واحد واحد واحد .. الشعب السوري الواحد وغيرها من الشعارات المدنية- لم يعد بريقها كما كان!. حتى الشعارات التي هي ذات طابع سياسي مثل " ارحل يا بشار" و "الشعب يريد إسقاط النظام" لم يعد يتم تداولها كثيرا ليحل محلها الشعارات الدينية التي تطبع الحراك الثوري بلون واحد "لبيك يا الله" "قائدنا الى الابد سيدنا محمد" و "تكبييييير الله أكبر". بل إنه بات من يحمل الشعارات المدنية الجميلة مجالا للنقد والتندر.

هناك مجموعة من شباب الحراك الثوري ما زالوا يعضون بالنواجذ على مسلّمات الثورة: الحرية.. الكرامة.. اللاطائفية.. الدولة المدنية.. ولكن، للأسف، هؤلاء باتوا اليوم ثوار " الفيسبوك " ولم يعد لهم من أرض الواقع الثوري شيء.

من سرق الثورة الجماعات الإسلامية المتشددة المدعومة من الدول الإقليمية بالإضافة لرجال أعمال سوريين ولبانيين وخليجيين وغيرهم، وباتت أسماء الكتائب أسماء جهادية والتي تطبع الحراك الثوري بطابع واحد، فضلا عن اختراق القاعدة لتنظيمات الجيش الحر، مثل أحرار الشام، وهي جماعة أصولية تنادي بفرض الجزية على الأديان الأخرى وتعتبر الأقليات مارقة حسب صحيفة الشرق الاردنية في العدد 208 بتاريخ 29 يونيو 2012، وجبهة النصرة لبلاد الشام الأصولية وغيرها. بعض هؤلاء باتوا اليوم هم من يمثّلون الميلشيات المتشددة على الأرض. هذه القوى السلفية الجهادية المتشددة هم من يملكون الدعم المادي والسلاح النوعي إلى حد ما، أما قيادات ما يسمى بالجيش الحر مثل الضباط المنشقين، فبحكم تربيتهم العسكرية، فهم لا يحملون أيديولجيات متشددة ومدركون لأبعاد الإسلام السياسي، شكّلوا كتائب تحمل أسماء مدنية أو أسماء مرتبطة بشهداء الثورة السورية، إلا أن هؤلاء يعانون من نقص المال والسلاح لأنهم ليس الأداة المرغوبة لدى بعض الأطراف الإقليمية لتغيير النظام في سوريا. لقد باتت سوريا ساحة لأصحاب المشاريع المختلفة: من دولة جهادية تعيد أمجاد القاعدة إلى دولة سنّية كخاصرة لينة وربما صلبة تضعف إيران إلى دولة خلفية لتركيا، فضلا عن المشروع الغربي في إعادة ترتيب المنطقة من جديد، وأخيرا وليس آخرا دولة سورية كأداة إقليمية للنفوذ الروسي والصيني وبشكل مباشر للنفوذ الإيراني. الجهة التي ليست محسوبة على جهات دولية هي الجهة الخاسرة في سوريا اليوم، هذه الجهة هي الشعب السوري بمعظمه بمن فيهم من يحمل السلاح من أجل أن يدافع عن عرضه وأرضه أمام الغزاة أي قوات الأمن والشبيحة.

لقد وفى "الأسد" بوعده في مقابلته مع صحيفة صنداي تلغراف يوم 30/10/2011 قال " سوريا اليوم هي مركز المنطقة. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال.. هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟ ". وحسب، جاسم محمد ، وهو كاتب في قضايا الارهاب والاستخبارات، في مقال له بعنوان: "طوفان المواجهة السنية الشيعية بعد سوريا"، فإن تنظيم القاعدة والمجموعات السلفية/ الحركية الجهادية.. تهدف الى إيجاد قاعدة جديدة ، في إطار استراتيجية جديدة للتنظيم بديلاً عن العراق وباكستان التي باتت وفق مسؤولي “القاعدة” من أكثر الساحات خطورةً واختراقاً خصوصاً بعد مقتل أسامة بن لادن وأنور العولقي وقياديين آخرين، وتتجه أنظار قيادة القاعدة نحو سوريا ولبنان. القاعدة والمجموعات السلفية/ الحركية الجهادية مجموعات انتهازية تنتشر في البلدان التي تشهد ضعف النظام المركزي وعدم سيطرتها على كافة اراضيها وممكن اعتبارها أمنيا بأنها المناطق الرخوة . وتستغل هذه التنظيمات والمجموعات الجغرافية التمدد بين الدول لترسم خارطتها وحدودها بعيدا عن الجغرافية السياسية ، مستغلة ما يسمى ” بالربيع العربي ” لتحوله الى ” الجحيم العربي”. إن النظام السوري لا يتقبل التراجع أو تقديم أي مساومة على بقائه ، لكن ممكن أن يقدم تنازلات على أساس إصلاح النظام لذا فإن سوريا من المتوقع أن تخوض معركتها حتى النهاية .

لقد نجح النظام في رسم السيناريوهات المطلوبة لشرعنة القتل الذي يقوم به اليوم أمام عجز دولي ( أمريكي- أوربي- تركي)، وهو – أي النظام- ما زال يعتقد أن تدخلا دوليا لن يحدث في سوريا وأن في قدرته أن يقضي على الثورة المسلحة، وبالتالي ما زالت ذاكرة الثمانينات، حية لدى النظام، ولكن بطريقته: القضاء على الثورة المسلحة، حتى لو كان هناك ضحايا، حتى لو لم يُبقي حجر على حجر، فبالإمكان إعادة إعمار سوريا من جديد لا ضير في ذلك! هكذا هي عقلية النظام التي تعتمل في داخله والتي تقود سوريا للمجهول المخيف الذي ربما سيغير المنطقة بأسرها.

الآن الأقليات- باستثناء الطائفة العلوية المسلحة بميلشيات تحت تغطية النظام والتي تدخل بمعركة مصيرية مع الثورة المسلحة- باتت أكثر تراجعا من قبل للإنضمام للثورة. بل إن القول الصحيح إن إمكانية انضمام الأقليات للثورة سقطت منذ إعلان حمل السلاح. لأن هذه الأقليات تعتقد أن معركة النظام هي معركة ضد طيف طائفي معين وأن انضمامهم للثورة المسلحة يعني دخولهم لعبة شرسة ربما ستغير من قواعدهم الثابتة الى حد ما. يشجع ما سبق الممارسات السلبية التي يقوم بها الثوار من إعدامات ميدانية وكسر لمحلات الخمور التي تتبع للمسيحيين. قرأت رسالة على "الفيسبوك" أرسلتها إمرأة مسيحية تستنجد ناشطا ثوريا " اذا فيك تساعدني .. لأنه الجيش الحر هدد زوجي بالذبح وهدر دمه وهو ليس مع الثورة بس ما أذى حدا أبدا ابدا"!

ربما لم يعد ما كنا نأمله سيحدث! نعم بكل أسى الخطاب الثوري ذو اللون الواحد هو بات السائد اليوم! وكثر الحديث عن أن الشعب السوري شعب مسلم ( وهم يقصدون بالطبع شعب مسلم سنّي) وهم الأغلبية وبالتالي هناك شرعية للحديث عن دولة إسلامية وربما عن دولة طائفية سنية!. المشكلة ليست مشكلة هل هناك في سوريا طائفة هي الأكثرية أو الأغلبية، المشكلة أن سوريا ذات تنوع طائفي معقد – أكثر من عشرين طائفة دينية وعرقية، ليس المهم كم الحجم النسبي لكل طائفة، ولن أدخل في لعبة النسب طالما أننا ندرك أن الكثير من السوريين ومن كل الأطياف والطوائف ليسوا مع دولة دينية، وبعضهم ليس مع دولة ذات طابع قومي، هم مع دولة المواطنة وسيادة القانون وهم موجودون بزخم لكن مشكلتهم يعوزهم التنظيم السياسي الموحد وربما الفكري، على خلاف الإسلاميين الذين رغم الخلاف الأيديولوجي بينهم لشكل الدولة إلا أنهم يمتازون بقوة التنظيم ولديهم أولوية الولاء للتنظيمات الإسلامية المشابهة لهم بالتفكير كما يحدث في مصر، لكن سوريا ليست مصر! مصر تمتاز بوحدة لغوية وتنوع طائفي ضئيل غير طاف على السطح، ومع ذلك هناك دعوات متشددة بين الفينة والأخرى من الجهتين من الدعوة لدولة قبطية إلى ضرورة دفع الأقباط للجزية وغيرها من التصريحات الشاذة. أعود فأقول ليس المشكلة مشكلة حجم نسب الأقليات في سوريا ولكن المشكلة أن هذه الطوائف ذات تاريخ عريق في سوريا يمتد لآلاف السنين كالآشوريين، على سبيل المثال وليس الحصر، وبالتالي ليس من السهل أن تمحو ذاكرة هؤلاء وارتباطهم بالأرض السورية باعتبارهم هم أجداد هذا الوطن.

المسألة معقدة في سوريا لن يختزلها مقال ولا تباريح متألم.. الثورة ذات العناوين المدنية .. الوطنية.. الإنسانية هي ثورتنا التي أردناها وما زلنا نريدها. جنود الثورة الأولون غيّبوا في سجن الجماعات المتشددة أو في سجون النظام، وإذا لم يحدث تدخل دولي فإننا ذاهبون ليس إلى المجهول فقط وإنما إلى الجحيم!



#رامي_مدنية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعيدوا لنا ثورتنا المسروقة


المزيد.....




- منها مدينة عربية.. أي المدن يقصدها المزيد من أصحاب الملايين؟ ...
- طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي.. شا ...
- حصريًا لـCNN.. الصفدي: نتنياهو يتجاهل حتى داعمه الأول.. وموا ...
- إسرائيل تعلن إعادة فتح معبر كرم أبو سالم لدخول المساعدات الإ ...
- ملف المعارين يؤرق برشلونة.. فكيف سيديره؟
- الخارجية الروسية تحذر: القوات الفرنسية في حال تواجدها في أوك ...
- عبداللهيان: يمكن التوصل لاتفاق هدنة لكن نتنياهو يسعى لإطالة ...
- الأسد يهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا
- وفاة -سيد العمليات الدعائية- في كوريا الشمالية
- سفير الاتحاد الأوروبي في مولدوفا: شعرت وكأنني -سارق العيد-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رامي مدنية - أعيدوا لنا ثورتنا المسروقة