أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جلو - مصلاوية....من الحلّة، إلى مانجستر / الجزء الثاني















المزيد.....


مصلاوية....من الحلّة، إلى مانجستر / الجزء الثاني


محمد جلو

الحوار المتمدن-العدد: 3832 - 2012 / 8 / 27 - 04:52
المحور: الادب والفن
    


ملخص ما سبق، في الجزء الأوّل

ولدت واجدة عام ١٩٣٠ في الموصل، حينما كانت تجارة أبيها حاج مجيد تتدهور و مدخرات أمها أمينة تنبض. و حينما توظفت أختها شكرية، في الحلة، لإعالة عائلتها، رافقتها العائلة بِرِمّتِها

IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


الجزء الثاني
_ _

حينما كانت واجدة منصرفة إلى دراستها الثانوية في الحلّة
فتح أبوها، حاج مجيد، دكّانا صغيرا هناك
و تيسرت الأمور نوعا ما، لكون أولاده صابر و مظفر، و إبنته شكرية، يساهمون بإسناد العائلة أيضا، و لو بوظائف بسيطة
_ _

و لكن، كانت هناك مشكلة عويصة
جميعهم كان يطمح، إلى ترك وظائفهم تلك، و إكمال الدراسة
و هذا شيء مستحيل
فمورد حاج مجيد، لوحده، لن يكفِ، لتلك الدراسة، أو حتى لإعالة العائلة
_ _

الحل الوحيد، هو أن يستمر أحد أولادهم بالإعالة، ليتاح للآخرين بإكمال الدراسة
فإضطرت شكريّة، أن تكون هي الشخص الذي سيضحي، و أقلعت عن حلمها، بإكمال دراستها الجامعيّة
فإستمرّت، على عملها كمعلِمة في إبتدائية الفيحاء للبنات، و دأبت على إسناد العائلة، ليتمكن أخويها، و واجدة، من إكمال تعليمهم العالي
و بفضل إيثار شكريّة، تمكن صابر، و الذي يكبر واجدة بخمس سنين، ترك عمله في بريد الحلّة، و دخل دار المعلّمين العالية، في جامعة بغداد
_ _

و كذلك، مظفّر، الأخ الذي يكبر واجدة، بثلاث سنوات
ترك عملَه، كمعلِم إبتدائية، في قرية الدّولاب، بعد سنةٍ واحدة
و باع حصانَه الحديدي، إلى أحد شباب القرية
_ _

فضَّل مظفرٌ، الكليةَ العسكرية، على الطِب، رغم معدّلِه العالي
فسنين الطب طويلة، و مكلفة
و لن يستطع حاج مجيد، أو شكريّة، دعمَه الماليّ
و لا يوجد في الكليّة الطبية، قسماً داخلياً
و لن يقبض راتبا، أثناءَ الدراسة
كما سيفعل، إن دخلَ الكلية العسكرية
_ _

لم يتردد مظفر، بعد التخرج، من إختيار صنف المدفعيّة
فالمدفعية، و علم الرياضيّات، متلازمان
و إن كان هناك علما، يجري في عروقه
لَكان
الرِياضِيّات
_ _

كلّنا نعرف، أنك لن تستطِع، توجيه القذيفة نحو هدف بنجاح، دونَ حسابِ مسارِها
بالرياضيات، طبعاً
الآن، في القرن الحادي و العشرين، سيحسب لك الكومبيوتر، كل تلك المعادلات، ثم يطلق لك، القذيفة
وقتها، بالطبع، لم يكُن هناك كومبيوترات
و لكن، كان لكتيبة مظفّر المدفعيّة البديل، الذي يغنيهم عن الكومبيوتر
مظفر الأطرقجي...
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


تخرّجت واجدة، من الثانوية عام ١٩٤٨، و بتفوُّق
و كذلك فَعَلَت صديقتها الحلّاوية، بدريّة إسكندر
كل من يعرفهما، من أهل الحلّة، توقّع ذلك، و لم يبدِ أي إستغراب، أو تعجب
و لكن، الذي أثار الدهشة و الجدل عند البعض، هو خبر رغبتهما، بالإستمرار بالدراسة الجامعية
فَلَم يَستَسِغ بعضهم، أن فتاتين حلاّويّتين، سيسكنا في بغداد، لوحدهما
ثم يختلطا برجال غرباء، بدون مَحْرَم، يحميهما من الأذى
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


و عندما إستعرضَت واجدة، خيارات الدراسَةِ الجامعيّة، لم تتردّد لحظةً، عن الإعلانِ للجميع، عن ولعِها بالأدب العربيّ، و رغبتِها بدراستِه
_ _

لا شكّ أنّ لصابرٍ، ضلعا مهما، في ذلك القرار
وقتها، كان صابر، في الصف الثالث، من دار المعلمين العالية
دار المعلّمين العالية، تسمى إختصارا، بالعالية
و ككل طلّاب العالية، كان يحصُلُ، على سكنٍ، في قسمها الداخليّ، مجّانا
و غسيل ملابسه، أيضا، مجانا
و أجور السّفر إلى أهله، في الحلة، شهريّا، مجّانا
و أربع قوالب صابون، شهريّا، مجّانا
_ _

و لا أعتقد، أنّ لتلك قوالبِ الصابونِ الأربعة، أثرا جوهريّا، في قرار واجدة، بإتباع مسيرة صابر، و إلتحاقها بالعالية
_ _

خلال السّنين السّابقة، كانت واجدة، تترقّب قدومَ صابر، لزيارتِهم في الحلّة، أثناء العطل، بفارغ الصبر
كان يأتي، محمّلاً بكنوزٍ من الحديثِ المشوّق، عما يشهده في العالية، و ما يدور مع بعض زملاء صفه حينها، أمثال لميعة عباس عمارة، و شاذل طاقة
و آخرين، كالشاعر بدر شاكر السياب، و الذي يسبق صابرا، بسنة واحدة
والهيئة التدريسية، أمثال الشاعرة نازك الملائكة، و العلامة مصطفى جواد

عندما كان صابر يأتي لزيارة أهله الشهريّة في الحلّة، تلاحقه واجدة كظلِه، في كل مكان
و لن يتخَلّصُ المسكين منها، حتى تستجوبه، و يفصح عن كل ما لديه
تحاصره واجدة، حتّى تستخلص منه، كلّ ما قد يتذكر، من أشعار جديدة، لبدر شاكر السياب، أو لميعة عباس عمارة، أو ما شهد من بلاغة، و سرعة بديهة، شاذل طاقة
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


إبتدأت واجدة دراستَها الجامعية، و قد تبدو لك، كأي بنت عراقيةَ، نحيفة، خجولة، لا حول لها و لا قوة
و بعد قضاء السنوات الدراسيّة الأربعة، في قسم اللّغة العربية، تخرجت واجدة، من دار المعلمين العالية، إمرأةً يانعةً بلا تكبّر، بشخصيةٍ قويةٍ بلا خشونة، و نفسٍ واثقة بلا غرور
كان أغلبُ طالباتِ دار المعلّمين العالية، و منهُم واجدة و بدرية، يأتون مرتديات، للعبائة
و لكن، ما إن يدخلوا الحرمَ الجامعيّ، حتّى ينزعوا عبائتهم
_ _

كم كان حاج مجيد، و زوجتُه أمينة، مطمئنّين على واجدة، ما دامت برِفقة بدريّة
و كذلك، كان أهلُ بدريّة، مطمئنّين على إبنتِهِم، ما دامت مع واجدة
و هكذا، لم ترافِق بدريّةٌ واجدةً خلال سنينِ المتوسطة و الإعداديّة حَسْب، بل رافقتْها، خلالَ الدراسةِ الجامعية أيضاً
رافقتها، خلالَ سكنِهم، في القسمِ الداخليّ
رافقتها، خلالَ ساعاتِ المذاكرة، و مراجعتهم للإمتحانات
و رافَقَتْها، خلالَ رحلاتِهم الشهرية، بين بغداد و الحلّة
_ _

بدرية إسكندر، تلكَ البنت الخجولة، الدافئة، دائمة الإبتسام
قد يخدَعُك مظهرُ وداعتِها، و تحسب ذلك خنوعاً
لكنها كانت كاللبوة، إن ظَلَمْتَها، أو ظَلمتَ واجدة
كانت كالصخرة، التي تستند عليها واجدة، وقت الصعاب
لن يرهبُ، تلك البنت، الناعمةَ المقام، أمراً
عدا، شيء واحد
الرجال
_ _

عندما يقف زملاءُ واجدة وبدرية، للتكلُّمِ معهُم، في فناء الكلية
تحلُّ المُصيبة
حينها، ستقبضُ بدريّة، على يدِ واجدة، بقوة
و تستمر بعصرها، آبية التخلي عنها، مهما كلف الأمر
كأن حياتَها مرتهنةٌ بهذه اليد
تستمِدُّ العونَ مِنها
و لن تفُكّ بدريّة عن يدِ واجدة، حتّى يصبحا، على بعد آمن
عن هؤلاء الرجال، المخيفين
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


كان يوما رتيباً، و إعتيادياً، في ربيع ١٩٥٢
كان يوماً، كأيِ يومٍ آخر
كانت واجدة، و بدرية، و جميع الزّملاء و الزّميلات، يتهيؤون للإمتحانات النهائية
ها هم سيُنهون دراسَتِهِم، في دار المعلمين العالية، في أيار
كانت واجدة و بدرية واقفتان في ساحة الكلية
و الإبتسامة، تعلو وجهَ واجدة، و هي منهمِكة بالتنصت بإهتمام، إلى خبر آخر، من أخبار بدرية المُسَلِيَة
_ _

خرج أبو قاسم، من بنايةِ إدارة قسمِ اللغة العربية، و توجه حثيثا، صوبَ واجدة و بدرية
أبو قاسم، هو فراش (بواب) مدير القسم، الأستاذ الدكتور سليم النعيمي
لمِحَتْه بدرية يأتي نحوهم، بطرف عينها
لوهلَة، حسِبَتْ أنّه، لا يقصُدَهم
و بعد أن إقترب، أصبحَ من الواضحِ أَنّهُم، هم المقصودون
_ _

توقّفت بدريّة عن الكلام، و إلتفتَتْ تجاهَ أبي قاسم، وهو يمشي خطواتِه الأخيرة، نحوَهم
و هنا، إلتَفَتَتْ واجدة، لترى الخطبَ العظيم، الذي أوقفَ بدرية عن الكلام
فتوقّفَ أبو قاسم، عند واجدة، ثم قال: واجدة
أجابَتْ، و الإبتسامةُ لا تزال مرتسمةً، على الوجه
نعم، عمو أبو قاسم
قال: دكتور سليم، يريد التكلم معك، في مكتبه
فورا
و هنا، تكسّرَت الإبتسامة على وجهِها
إبتدأت واجدة بالتفكيرِ حثيثا، علها خالفَت نظاما، أو إرتكبَتْ إثماً، قد يُلامُ عليه
_ _

أدخلَها أبو قاسم، إلى غرفة مدير القسم، الذي شرعَ بتوبيخها، على الفور، قائلا
ما تلك الضوضاء الصادرة من الطلاب؟ هل كنتِ أحدهم؟
أجابته واجدةٌ بذهول، مخلوطٍ بشيءٍ من الخوف
أية ضوضاء؟ كلا دكتور، لم أشارك بأيةِ ضوضاء
فقال الأستاذ سليم النعيمي
حسنا إبنتي، هذا كلُّ ما في الأمر، إحرِصي على نفسِك، يمكنُكِ الذهاب الآن
_ _

كانت هذه المقابلةُ لغزا محيرا، و تصرُّفُ دكتور سليم النعيمي غريب، و صعبَ التفسير
_ _

أثناء خروجِ واجدة من الغرفة، لاحظت رجلا، جالسا في مكتبِ المدير، يراقِب ما يحدُث
لم يَنطُق ذلك الرجل، بأيةِ كلِمَة
الرجل هذا، هو خليل جلّو
أبي
_ _


وقتُها، كان خليل، مديرا للشؤونِ الفنية، في وزارةِ المعارف
و بحكمِ عملِه، يعرف الدّكتورَ سليمَ النعيمي، شخصيّاٍ
عندما سمع سليمُ النعيمي، أن خليلا، يعتزِم الزواج، و يبحثُ عن بنتِ الحلال
خطِرت واجدةٌ على بالِه، في الحال
تلك التلميذة النجيبة، الجميلة، المهذّبة
و هكذا، تَمَّ رسْمُ خُطّةِ المكيدة، بينه و بين خليل، كي يريه واجدةً
حتى عندما سافر المشّاية، من بغداد، ليخطبوا واجدة من حاج مجيد، كان الدّكتور سليم النعيمي، أحدَهم
و هكذا، تمت خطوبة، ثم قطع مهر واجدة، على خليل
_ _

و لِكونِ واجدة و خليل يعتزمان السكنَ في الأعظمية، بعد الزواج، كان من الطبيعيّ، أنها ستروم التعيين، في مدرسةٍ قريبة
و بالفعل، كان أول تعيينٍ لها، هو مُدَرِسَة للّغَة العربيّة، في ثانويّة الحريري للبنات، في الأعظمية
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


و هكذا، و بعد ٤ أشهر من تخرُّجِها، في ٢٢ أيلول ١٩٥٢، تزوجَت واجدة
وهِي، كأغلبِ نساءِ بغداد، ترتدي العبائة
وقتُها، بدأت بعضُ نساءِ العراق، وخصوصاً بغداد و البصرة، بالتخليّ عن العبائة، و بالتدريج
كان يقالُ عن المرأةِ التي تتخلي عن العبائة، أنها، ذَبَّتْ العباية، أي رمتها، فأصبحت سافِرَة
_ _

صباح أول يوم، كإمرأةٍ متزوِجة، همَت واجدة بالخروج من بيتها
و لكنها، لم تستطِع العثورَ على عبائتِها
و حينما سألَت زوجَها، إن كان قد رآى عبائتها في مكان ما، رد بالإيجاب، و أضاف
أنه قد أخفاها، بنفسه
ثم قال خليل لواجدة
أنتِ لستِ في بيتِ أهلك الآن
الآن، أنتِ في بيتِ الزوجيّة
منذ اليوم، إن بغَيتِ الخروج، عليكِ فِعلُ ذلك، بدون عبائة
و إن عاتَبَكِ كائن، يمكنُكِ إرسالَهُ، للنقاشِ معي
_ _

أزاح ذلك، عبئاً كبيرا، عن كاهلِ واجدة
فهي تَعرِفُ، أنها يوماً، عاجلاً أم آجلاً، سوف تتركُ العبائة
خليل، أيّدها في ذلك، حين ناقشاه، قبل الزواج
و لكنهما، لم يحددا، متى ستفعل واجدة، ذلك
كانت واجدة، و بالطبع، ترْتَهِبُ مِن مُجَرّد التفكير، في المشي في الشارع، بدون عبائة
و كان خليل يعرف عن خشيتها تلك
_ _

وقتها، كان لخليل ٣ أخوات، و أم، يلبسن العبائة، جميعا
و لكن، لم ترغب أيّة واحدة منهم، برميِ العبائة، في ذلك الحين
لذا، لم يشعر خليلٌ، أن له الحقّْ، بأن يلِحّ على أخواتِه، بنزع العباية
و إن بارَك ذلك، حينما نزعوها أخيراً، بعد ١٥ سنة، عام ١٩٦٧
_ _

خرجت واجدة بدون عبائة، و لأول مرة
فإن إحتاجَت واجدة، إلى ذلك الإسنادِ المعنويّ، و الجرأة، و بعض العزم، فها هو زوجها يمد لها يدَ العون، بالكثيرِ من ذلك
و هكذا، إنتهت أيام العبائة، و الحجاب، في حياة واجدة، إلى الأبد
و لن تَعُد إليها، أبدا
_ _

و خلال السنين التالية، و بالتدريج، تصاعدت سرعة، ذب العباية، في بغداد، بإطراد
و بلغت ذروتُها، مُنتصف الستينات، في بغداد، و بداية السبعينات، في الألوية، و المحافظات، خارج بغداد
_ _

في الستينات من القرن الماضي، و في أحيان عديدة، كانت واجدة، تأتي بعدَ العمل، لتخبر زوجَها بالأخبار المفرحة
فُلانَةً، ذبّت العباية
تقولُها، كبشارة
يُسعِد واجدةً سردُها، و يَسْتحسِن خليلٌ سماعَها
أما العكس، فلم يحصل، قَطّْ
لم يسمع أحد، أن إمرأةً، كانت قد تركت العبائة يوماً، فتعود إليها بعد ذلك
و إن حصل ذلك، قد تجد فيه بعض الإضطرار، أو الإكراه
و فعلا، في نهايةِ الستينات، إختفت العبائة عند المثقفات في بغداد، تقريباً، عدا القليل
_ _

ثم
جاءت الثمانينات
و بدأ الجزر بالإنعكاس، وحصل المد
قد يعتبِر البعضُ، و حسب وُجهَة نظرِ الشّخص، أنّه في الحقيقة، العكسُ هو الذي حدث
فيعتبر، أن المدَّ توقَّف، و جاء الجزرُ
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


لم تُرَبِ واجدةٌ أولادَها الثلاثة، و بنتَها الوحيدةُ فقط، بل ربت الألوف، من أولادِ و بناتِ العراق، و ليبيا، خلال عامينِ في جامعة درنة، وحتى المغرب، خلال السبعِ سنوات، في مدينةِ فاس العريقة
مدينة فاس الجميلة، حيث تجِدُ، جامعَةَ القُرَوِيِّين
_ _

جامعَةَ القُرَوِيّين، أوّلُ جامعة في العالم
نعم، جامعة القرويين في فاس، و التي أسستها دولة المرابطين، في المغرب
أُسِست أول جامعة في العالم، قبل جامعات السوربون، و أُكسفورد، أو هارْفَرْد، بمئات السنين
أُسِسَت أول جامعة في العالم، عندما كان العربُ المسلمون، منبرا لطلب العلمِ و المعرفة
أسِست أول جامعة في العالم، حينما كان الأوروبيون غارقين في أعمقِ غياهيب الخرافات، و الجدل، و الشعوذة، و هم يمرون بمئاتِ السنين من التخلّف
تخلف الأوروبيين الفظيع، و الذي دام ٥٠٠ عاما
أطلقوا على تلك القرون الضائعة، بالعصور المظلمة
لم يصلنا من تلك الفترة شيئا كثيرا، غير الأيقونات الدينية و الرموز الدينية
و أغلب العمران و البنيان فيها، كان لكنائس و كاتدرائيات
بنايات هائلة التكاليف، لسكن الكهنة و القساوسة، بينما الإنسان الوروبي الفقير البسيط، الذي إقتطع من لقمته، ليعطي للكهنة
الإنسان الأوروبي الفقير البسيط، يعيش في كوخ من قش، أو مغارة، و القساوسة تعيش في قلاع و قصور صخرية
و حينما نفذت أساليب الإحتيال، إخترعت الكنيسة تجارة صكوك الغفران، يبيعونها للسذج، لتملك أرض، في الجنة
و بثوا الإرهاب و الرعب بين الناس، في محاكم التفتيش، حيث أحرقوا و قطعوا أوصال مئات الألوف من شعبهم، بتهمة، إهانة الدين
وقتها، كان المسلمون فى حضارة و تطور، و كانوا يتندرون و يضحكون على سذاجة مسيحيي أوروبا
مسيحيو أوروبا، كانوا يستندون على الإنجيل، كمرجع لكل القوانين، و كل شيء، و حتى للقوانين العلمية، و كأنه كتاب فيزياء، أو كيمياء، أو فلك، أو طب
_ _

لم يتوقف التخلُّف و الإنحدار في العالم المسيحي آنذاك، إلا بحلول عصر النهضة في أوروبا
جاء عصر النهضة، حينما أقفل الأوروبيون أبوابَ كنائسهم، على قساوستهم، و رجال دينهم، المشعوذين
و منعوا رجال الدين من حشر أنوفهم، في الحكم و التحكيم
_ _

دارت الأيّام دورتِها، و ها هي المغرب تتحرر من الإستعمار الفرنسي
عام ١٩٥٦، تحررت المغرب، الدولة الفتية، للتو، من عقود عديدة، تحت نير الإستعمار الفرنسي الإستيطاني
أرادت المغرب، تثقيف أجيالها القادمة، بثقافة عربية
لكنّها وجدت نفسها مفتقرة، إلى العدد الكافي من المعلِمين، المُدَرَبين بثقافةٍ عربيّة
مدينة فاس، ذات أول جامعة في العالم، تفتقر إلى معلمين لأطفالها
فاس، تلك المدينة التي كانت تصدر العلوم و العلماء إلى أوروبا و العالم
أصبحت الآن، تستوردهم
فالفقير الذي يتسول في باب جوامعها، قد يتسول باللغة الفرنسية، و لكنه لا يحسن كتابة إسمه، بالعربيّة، لأنه أمّي
فتتبرع المملكة العراقية، بنفقات هيئة تدريسية عراقيّة كاملة، لإعداد معلمين مغاربة، في معهد لإعداد المعلمين، في فاس
و تخلى ملك المغرب محمّد الخامس، عن قصره التراثي الجميل في فاس، لتفتح فيه، دار المعلمين العراقيّة
فتذهب واجدة و عائلتها، إلى فاس، عام ١٩٥٧، لإعداد معلّمين مغاربة، لتربية الأجيال المغربية القادمة
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII



كانت واجدة ٧٨ عاما
حينما صادفت، إمرأة عراقية، محجبة، في مانجستر
تعيش، على نفقة الدولة البريطانية، بلا عمل، من سنين
سألتها بجدية: لماذا أنتِ غير محجبة
عليكِ التحجب، دينك يفرض عليك التحجب
فأجابتها: أنها لم تتحجب في شبابها، و عز جمالها، فما نفع التغطية في المشيب
و كذلك، إن إرتديتُ الحجابَ على رأسي يا إبنتي، أحسُّ كأن ضغطي سيرتفع
_ _


فها هي الأيام تدور دورتها
عندما كانت النساء تنزع الحجاب قبل ٤٠ و ٥٠ عاما، لم تقبل واجدة على نفسها أو على أي شخص، أن يعطوا محاضرةً للمحجبات لنزع الحجاب
فهذا قرار شخصي، و لن يزد، أو يقل، من شأن المرأة، إن تحجبت، أم لا
الآن، كلنا نعرف، أن الحجاب، ينتشر، و بإطراد
و لكن، ما دام في ذلك خيار و قناعة النساء، و بلا إكراه، فلا ضر من ذلك
و لكن، المصيبة، عندما نسمع أن بعض المسيحيات، في العراق، إضطررن للتحجب، خوفا من العواقب
هل هذا إختيار، أم إكراه
_ _


هناك، حاضَرَت في قسم اللغة العربية في جامعة مانجستر، بمحاضرات في إختصاصها، و هو أدب العصر العباسي
و إستمرت على حبِها للأدب، و الذي لن ينافسه إلا حبُها لأحفادها العديدين، و أولادِها، طبعاً
فألّفت و إرتجلت قصائد شعر طريفة، و بليغة
قصائد تريك آن البلاغة هي ليس بالتعقيد، بل بالبساطة، و القوة في التركيب
السهل الممتنع
و في المستقبل، إن وافَقت واجدة، سأنشر لكم، إن شاء الله، قصيدة رائعة، ألّفتها عني، حينما كان جسمي، و صوتي يُمسَخُ وقتها، من طفلٍ إلى رجل
قالت في، قصيدة حنينة و مؤثرة، تتغزل بشعيرات شارب إبنها الجديدة، و صوته الأجش، و لا يزال أحيانا، يخلط بصرير طفولي
إعتبرتُ القصيدة يومها أنها بضعة كلمات طريفة، لا أكثر
لم أُدرك بلاغة و قوة تلك القصيدة
حينها، كنت مشغولا، بأمور، أحسبها أهم بكثير
مثلا، ما هو لون الدراجة الهوائية، التي أريد شرائها
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


مظفر، ٨٥ عاما حاليا، و مفعم بالحيوية، مستقر حاليا في الموصل، مع زوجة صالحة، و أولاد مشغفين بأبيهم، و أحفاد مولعين بجدهم
توفي صابر في بغداد، عن ٨٣ عاما
توفت شكرية في بغداد، عن ٧٨ عاما
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII


ترى، ماذا لو منع حاج مجيد، إبنتيه شكرية و واجدة، من الذهاب الى المدارس
هل سيكونا بذلك أقدر، على إنشاء و تربية أولادهما؟
هل كان لإنشغال هتين الإمرأتين بوظيفتيهما، تأثيرا سيئا على أولادهما؟
لا أعتقد
فشكرية، أنجبت، دكتورين، و مهندس
و واجدة كذلك، أنجبت دكتورين، و مهندس

محمد
إبن واجدة
IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII

ملاحظات مهمة
١ ~ الوقائع و جميع الحوادث المسرودة حقيقية
٢~ المقالة عن أم الكاتب
٣~ يحاول الكاتب جهد إمكانه، تجنب فرض رأيه أو إرشاد القاريء إلى أية إستنتاجات
فللقاريء الكريم، القدرة على الوصول إلى الإستنتاجات التي تناسبه، و بمطلق حريته، بلا حاجة إلى معونة أي من الأشخاص الذين يحلوا لهم الإستنتاج نيابة عن الآخرين، و الوعظ بما يجب و ما لا يجب فعله
٤~ يمكنك الإطلاع على العديد من الصور، و المعلومات الإضافيّة، عن واجدة الأطرقجي، في صفحتها على فيسبوك، و التي أعددتها و أديمها و أضيف إليها بإستمرار
الصفحة عامة للجميع، و يمكنك الإشتراك بها إن أحببت
إن لم يفتح الرابط أدناه صفحة فيسبوك، يرجى بحث إسم ~ واجدة الأطرقجي ~ في فيسبوك
http://www.facebook.com/wajidaalatrakchi



#محمد_جلو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصلاوية....من الحلة، إلى مانجستر / الجزء الأول


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جلو - مصلاوية....من الحلّة، إلى مانجستر / الجزء الثاني