أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حاتم تنحيرت - الحداثة كفصل للعوالم















المزيد.....


الحداثة كفصل للعوالم


حاتم تنحيرت

الحوار المتمدن-العدد: 3825 - 2012 / 8 / 20 - 09:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ان الحداثة كثيرا ما تبدو كلفظ مشتت يرخي بسدوله على قارات اجتماعية متفرقة فنتكلم عن الحداثة السياسية ، بما يستدعيه ذلك من التداول السلمي للسلطة و الديمقراطية تحت ظل كيان قانوني مجرد و فصل السلط .. كذلك قد تسمى حداثة تلك الاختيارات في أساليب الحياة و العلاقات الاجتماعية مقابل انماط العيش السائدة و التقليدية . و ايضا قد نقول فن حديث او حداثي للاشكال الابداعية المعاصرة التي تحيد عن نماذج الماضي .
الا ان الحداثة تستدعي في أدهان الكثيرين من الجمهور كل ما هو مشوش و غامض ، ان لم نقل "متحرر" بالمعنى السلبي للكلمة ، اي ذلك الرافض للقيم الموروثة شأنها شأن الليبرالية و الاشتراكية و الشيوعية ، وربما كانت هذه الاخيرة مرادفة للالحاد و الانكار العنيف للدين في نظر الغاليبية ، فقد نلاحظ ان هذه التمثلات تتعلق اساسا بوقعها و ما تخلفه حول كل ما يرتبط بالحياة الاجتماعية و اساليب الحياة و ليس ما تناقشه و تقترحه سياسيا ، كالتوزيع العادل للثورة أو حرية التعبير.. الا اذا حصل تماس عند الاقتراب من مساحة التدين الاجتماعي من طرف كل خطاب يعلن انتمائه للحداثة او يتبنى اساليبها .
فتارة تظهر لنا الحداثة كتجربة وافدة و طورا نجدها في ساحة جدل مع التراث و التقليد .
فما هي جدور تلك التوترات ؟ و هل " الشحناء" التي ترافق الحداثة نابعة من كونها خطاب الفصل و الاستقلال بالضرورة فيما يكمن جوهر التقليد في الدمج و ادغام المجالات بعضها البعض ؟
ان زمن الحداثة يمتد من القرن السادس عشر الى ان عرف تبلوره الكامل في القرن التاسع عصر ـ اما مكانها فهو القارة الاوربية .(1)
فمنذ ان جعلت النزعة الانسانية مكانه الانسانية في مركز ثقل الكون و التاريخ تجسد معها الايمان بالانسان و قدرته على بلوغ قدر من الكمال . (2)
وعندما نتكلم عن الحداثة فلابد ان يخطر ببالنا مقابها ممثلا في التقاليد أو الثقافات السابقة المتعددة على مستوى المكان وعلى مستوى الرموز ، فيما تطرح الحداثة نفسها كشيء متجانس و له مكان واحد هو الغرب (3)
ان مجتمعات ما عرف بالعالم الثالث لم تتعرف على الحداثة الا في اطار التساؤل حول الذات اثر تجربة الاستعمار وما فرضته من اسئلة مريرة حاولت استيعاب ما سيسمى بالتخلف ازاء الاخر، تكنولوجيا على الاقل . و اذا كان الانسان الاوربي لم يعد امامه نمودج للاجداد يقوم بمحاكاته ان صح التعبير ، بل يعيش حالة" انتصار" لقيم الحداثة ، فان مجتماعاتنا اليوم كما كثير من المجتمعات تعيش اشكالا من التهجين بين النموذجين دون ان يدفع احدهما الاخر الى التلاشي أو الاضمحلال .
اما تصدر الاحزاب الدينية للمشهد السياسي في دول المنطقة فلم يكن في احد تجلياته سوى انعكاس لتصور الجماهير للفساد السياسي الذي كثيرا ما يربط بالتراجع عن التقليد الديني الذي بدوره يصبح في علاقة سببية من التدهور الاخلاقي و اتنشار الذاتية و النتهازية ، و هذا التصور العامي لم يفعل الاسلاميون غير تطويره و محاكاته ، وربما عززه تصور سائد و ان كان ضبابيا عن الماضي التاريخي الاسلامي باعتباره مثال الخير الذي سادته مركزية الدين في الحياة السياسية و العامة ، ومع ذلك ظهرت فيه ابداعات في مجالات متعددة .
لما كان زمن القرون الوسطى الاسلامية عصرا عرف ازدهار، عانت اوربا من عصور وسطى مظلمة و متدهورة خرجت الحداثة من ثوبها ، حيث عملت عبر سيرورة متدرجة الى فصل العوالم و استقلالها ، غير ان القرون الوسطى لم تكن ترى فواصلا بين الديني و الدنيوي ، اذ تساس الدنيا بالدين و تهتدي الحياة بمبادىء العقيدة و لا تحيد عنها ، اما الحداثة فقد قامت باحداث فصل "قاطع " او لنقل متفاوت في صرامته وان كان يحث على الفصل بشكل عام ، بين الديني و الدنيوي .وان كان الخروج من زمن القرون الوسطى ثم تديجيا و على عدة مستويات .
يمكن ان نلحظ على مستوى اللغة ان الكنيسة امتلكت لغتها اللاتينية الممتدة على حساب اللهجات المحلية االشبه مدنسة ، لتنتصر الحداثة للغات الدنيوية ، ها هنا فصل تم فيه تقليص حيز لغة الكنيسة و افساح المجال امام لغة " الدنيا" .
ودينيا فان سيرورة الحداثة جعلت المسيحية الاوربية تعمل على التجدد و مراجعة اسسها ، متفاعلة مع اصلاحات لوثر و كالفن ، وحتى مجالات نظن عادة انها ولدت متفردة لم تكن سوى امتداد لما هو ديني ، فالفن في العصور الوسطى و حتى ما قبلها لم يكن الا في خدمة الدين ، فحسب الدراسات الاجتماعية للوحدات الكبرى عند سبنسر و دوكهايم فان تطور الحداثة يطور معه انظمة فرعية اكثر تخصصا ، اذ لم تكن هناك كؤسسة مستقلة تسمى "الفن" وانما ظلت مجالات مندمجة و منصهرة ضمن المجال الديني ، فالقطع الفنية لم تكن الا لاغراض دينية. (4)
الحداثة اذن بهذا المعنى المشار اليه تراهن على القطع و الفصل بين العوالم التي يفترض عادة انها مستقلة ، وبقدر ما قد نجد الحداثة متاخمة لمعاني العقلانية او التفكير القصدي في ما يخص المجتمع فان ذلك يقابله الاحتفاظ بنماذج التقليد دونما المرور بفكرة مراجعة ما هو موروث .
لعل هذا الفصل هو ما اشار ليه الفيلسوف الفرنسي هينري بريغسون من طرف خفي عندما اعتبر ان العقل لا يطابق الحياة فعلا في تدفقها و اتصالها ، لانه يعمل بطريقة هندسية تفصل ذلك اللاستمرار و تشوهه فلا يطابق الحياة الا ما سماه الحدس الذي يلتقط المذاق المتدفق للحياة . و ربما ساعدنا هذا في فهم جدور الحداثة باعتبارها قائمة على فكرة الفصل و القطع بخطوط حادة ، فمبضع الحداثة متاخم للعقلانية ، وقد يكون من طبيعة العقل ان يقوم بذلك الفصل الذي ينتج عنه فصل للمجالات .
اليست الدولة الحديثة كيان مؤسس على الدستور كوثيقة مجردة ، مما يشكل اهم سمات البنية السياسية للحداثة .
كما تعوض الدولة الحديثة مقياس التدين بفكرة المواطنة بوصفها منظار محايد و مجرد ازاء المواطنين دون ان يصبح نوعا من العداء للدين أو تفضيلا لاخر ، اي الفصل بين الديني و الدنيوي الذي تطور في الدول الصناعية التي عرفت تناميا للحريات الفردية و تفسيم العمل ، حيث يعمل هذا الاخير ايضا على تعزيز الفروق بين الافراد و استقلاليتهم ، بخلاف المجتمعات التقليدية التي يعرف فيها الشعور الاجتماعي تماسكا قويا بما يكفي لاضعاف الفروق بين الافراد الى الحد الاقصى ، فيصبح الشعورالاجتماعي شديد الحساسية و الارهاف ليقوم برد فعل عنيف ضد اتفه المخالفات. (5)
قد يكون هذا التفسير معقولا فيما يتعلق بردود الافعال الاجتماعية في وجه ما تعتبر حريات شخصية حينما يجد الكثير من فئات المجتمع انهم بطريقة أو بأخرى " مسؤولين" عن جعل غيرهم يمتثلون للروابط الاجتماعية المشتركة ، ولو بالعنف و الارغام احيانا . كما يفسر ربما ذلك الحماس في معارضة خطابات الحداثة نفسها ، ثم اليست الفئات الاكثر تشربا للحداثة من الناحية الاجتماعية هي نفسها الاكثر "ثراء" نسبيا مقارنة من الفئات الشعبية الأغلب ؟
يلح علينا في هذه النقطة النقاش الذي برز في المغرب حول مسألة الحريات الفردية و الحرية الجنسية بالاضافة الى دعوات الاحتجاج على القوانين التي تعاقب على الافطار في نهار رمضان ، فبغض النظر على ما يطرحه البعض من كون كل ذلك النقاشات مفتعلة لالهاء الرأي العام ، الملاحظ ان الفئات المنخرطة في طرح تلك المسائل غالبا ما ترتبط بمستويات لا يمكن ان تحيل على الفقر و الحاجة بل تشغل مراكزاجتماعية مريحة مقارنة مع باقي فئات المجتمع ، والملاحظ انها الاكثر انفتاحا مقارنة برفض فكرة الحريات السخصية السائدة على نطاق واسع .
ربما خطر في بالنا التساؤل حول مكانه المثقف الذي يعلن دفاعة عن مشروع الحداثة ، بخاصة و ان مفعول الانسحاب و الصمت الذي يشبه التشاؤم من امكان الاصلاح هو ما يلحق بكثير من المثقفين ، ناهيك عن ان" مثقف الحداثة" صنف أحيانا ضمن ملعب الاستبداد او لنقل احتمى وفر بجلده الى ذلك المعسكر استشعارا ل"شراسة" بعض التيارات الدينية المتشددة المستعد بعضها للممارسة العنف تجاه المختلف معهم في التوجه ، ان رهان بعض المثقفين يكاد يكون فوقيا فيما لا يمكن تصور تاثير اجتماعي الا من خلال الواقع الذي وحده يملك سلطة التاثير على السلوك و الفكر بقوة و فاعلية.
الا ان العمل النتويري تبقى له اهميته و ان كان متعثرا ، فتعزيز التفكير و الشعور بالفروق بين الافراد و استقلاليتهم يفتح الطريق الى الحداثة واسعا
وان كانت الحداثة تفصل المجالات فان ذلك يتجلى ايضا على المستوى العملي داخل بنية الاحزاب السياسية باعتبارها احد روافد العقلانية في تدبير المجال السياسي ، فالحزب تنظيم لا لون له سوى اللون الاديولوجي الذي يجمع منتسبيه و ان اختلفت اديانهم . لنقارن ذلك مع الاحزاب الدينية وسنجد انها اقرب الى الاخوية المسيحية ، أو حسب تشبية الباحث السوسيولوجي المغربي نور الدين الزاهي للحزب بالزاوية الصوفية ؛ فيما يخص الدراسات التي اتخدت المغرب موضوعا على الاقل ؛ ان ما يجمع منتسبي الحزب السياسي الديني ليس افكار مجردة و لوائح كل من يتبناها و يقتنع بها يستطيع الانتساب للحزب ، بل انهم يدمجون و يمزجون الديني بالدنيوي فيضيفون معنى عاطفي على تنظيماتهم السياسية ، هذا الاتصال بين المجالين هو ما يذكر بعالم القرون الوسطى المسيحية و الاسلامية على حد سواء ، مع التركيز على فكرة ان الماضي القرسطوي الاسلامي كان ماضي انجاز حضاري عكس الماضي الاوربي الذي انتقل من التدهور الى الحداثة و مراكمة الانجازات ، مما قد يشجع فكرة تقول ان "الحداثة" في العالم الاسلامي هي وراء ظهرة في زمن المعتزلة و ابن رشد ؛ مع التحفظ على كل ذلك بالنظر لمصير تلك النماذج الفكرية النيرة ؛ و ان كان ما يجمع بينهما هو الاصرار على الاتصال و الاندماج بين المجالات حيث يصبح الدنيوي ليس فقط متداخلا مع الديني بل تابعا له و لأسسه ، وهنا نقطة ستشكل بداية السجال مع الحداثة في ثقافتنا .
يرى علال الفاسي ان نماذج الماضي لم تكن تعبيرات عن التخلف بل تحمل مُثلاً عُليا طالما كافح من اجلها الانسان مثل ما فعله عمر ابن الخطاب في مسألة المساواة بين الطبقات و تطبيق مبادىء الحرية الفردية و الاجتماعية دون اللجوء الى اساليب الطغيان.
ان كل ما هو معاصر حسب تصوره لا يعني انه عصري ، ليقدم نماذج الاستبداد النازي و الفاشية . وحتى ما سماه الاستغلال الرأسمالي و الطغيان الروسي (الاتحاد السوفيتي).(6)
يمكن ان نستنتج من ما سبق ان الذي يستخدم منظار الحداثة لا بد ان يرى الماضي و التقاليد كتحدي تجاوزة شرط لقيام كل حداثة " و ليس للحديث عن الحداثة اي معنى عندما يتعلق الامر ببلد دون تقاليد و تراث ، و بدون عصور وسطى كالولايات المتحدة الامريكية ، وعلى العكس من ذلك فان للحديث عن الحداثة تأثيرا قويا على بلدان العالم الثالث ، التي هي بلدان ذات ثقافة تقليدية " (7)
اما من سيتعمل مقاييس التراث فلا بد ان يلحظ تناقضات الحداثة و انتكاساتها في تطورها التاريخي .
اذا كانت الحداثة الاوربية مفعمة بالتفائل على الاقل عندما تنظر الى ماضي القرون الوسطى ، فالعالم الاسلامي بالعكس من ذلك ينظر الى الماضي باعتزار و ربما بحنين ، اذ يمثل الحاضر تدهورا مقارنة بالماضي ، فيما يغفل منتقدوا الحداثة عن معالم اساسية ، واهمها اننا لا يمكننا استرجاع الماضي بخاصة ان كان مجرد تمثل خيالي في خضم انجازات الحاضر وتطور الفكر البشري المملوك للانسانية جميعها و الغير قابلة للتجاوز بالسهولة التي يرجحونها عادة ، وربما كانت هنا مناسبة ذكر انه عادة ما يعمل المحافظون على قراءة خطابات حقوق الانسان و القيم الكونية بمنظور التقاليد حتى تصبح على هامشية فيعاد تدويرها ضمن جوهر تفكيرهم الذي يرجع المحلي والديني وفق فهمهم الخاص
فمنذ الثورة الايرانية و السباق محموم لاستعادة التاريخ و مثال الخير ممثلا في الماضي الاسلامي و المتحضر و المتفوق ، لكن و كما كان متوقعا لا شيء من ذلك حدث باستثناء استعادة نفس المزج القديم بين الديني و الدنيوي و دمجهما في يد شخص واحد او تقاسم الادوار بين المستبد و فئة رجال الدين .
ربما وافقت الجماهير على كل ذلك و حصل انقسام اجتماعى بين داعين للحداثة السياسية على الاقل و فئات اخرى لا تريد غير استعادة الماضي ، ممثلا في "تطبيق الشريعة" ، وان كانت الحداثة لم تجد طريقها الى البنيات الاجتماعية العريضة فهي تبدو كأنها لا تنطبق على المجتمع بل تتكسر عليه لتتفكك و "يعاد تدويرها" من جديد داخل عالمه التقليدي ، اي يتم تكيفها مع واقعه بدل العكس كما تفترض الحداثة .
ان الدكتاتوريات المنهارة و ان كانت تتبنى بعض نماذج الحداثة فان الصفة البرجماتية ازاء كل من التراث و الحداثة هي ميزتها الاساسية عموما قبيل انهيارها على الاقل ، لتخلف ورائها واقعا اقتصاديا و تعليميا و صحيا ملقى على عاتق من تسلم الدفة بعدهم ، ويذكرنا هذا الختيار ؛ مع القارق طبعا ؛ بتداعيات الازمة الاقتصادية للعام 1929 و اليأس الذي تلاها فتوجت الجماهير "ادولف هتلر" لانها رأت فيه مخلصا من اليؤس الاقتصادي و النفسي معا ، وعموما فهذا انفتاح ممكن على سيكلوجية الجماهيرو الآليات النفسية الموجهة لاختياراتها السياسية بخاصة في مجتمعاتنا التي يشكل فيها الفساد الظاهرة الاقوى .
ومع ان النخب السياسية تحمل اطرا لا تقل نزاهة او رؤية تحيدثية لمجتمعاتها عن غيرها الا ان الجماهير التي وصلت الى ذروة مطالبتها و يأسها رجحت كفة الاسلاميين ، ذلك انهم كاحزاب دينية يجلبون المعنى الوجداني الديني الى المجال الشترك بين الجميع على اختلافهم ، كما هو الحس " العرقي" عند الاحزاب القومية التي بنفس الآلية تدفع بالمشاعر الوطنية و القومية الى المجال العام و كل من الاحزاب الدينية و القومية يمزج و يقوم بوصل المجالات التي تفترض الحداثة انها منفصلة .
ان المعنى العاطفي الشبه خلاصي الذي تحمله الاحزاب الدينية بطريقة ما يناسب هذه المرحلة التاريخية التي يزداد فيها التعبير عن الاحباط الاجتماعي المصحوب بزخم عاطفي لم يجد امامه من محاكي سوى التيارات الدينية ، و ان كان النثقفون الحداثيون وفئة الاحزاب المحسوبة بشكل ما و ان كان مستترا و خجولا على تيار الحداثة ، لم ينجحوا في ان يعكسوا غير مستواهم الاقتصادي و الاجتماعي اضافة الى عملهم النخبوي ، فالحداثة بابعادها المتعددة القائمة على الفصل و النظر الى المجتمع كأنه وحدات مفككة و شبه مستقلة تجمع معا لتركب الكل ، تعمل بذلك على استقلال المجالات ، ان الحداثة عندنا خطاب نقدي على يسار الجتمع الذي لا يزال تقليديا في جوهره رغم بعض مظاهر الحداثة ، وهذه التقليدية التي تسد افق الحداثة تبين ان الفعل الحداثي تراكمي و يراهن على ااتجربة و الخطأ .
ان لم تكن الحداثة تجربة محلية خالصة فهي ؛ و هذا هو الاهم ؛ تجربة انسانية اي ان الفكر البشري بكل تجلياته هو مصدرها و ليس عماء التجارب المشوشة للاجداد اثناء محاولاتهم تلمس طريقهم في هذا العالم منذ الزمنة الغابرة ، فمنظومة التفكير الحداثي تعود في النهاية بمسلماتها الى العقل الانساني و رهانها القيمي يستنبط مفاهيمه من القيم الكونية و ارتداداتها في خطاب حقوق الانسان ، وان لم تكن مجرد "ديانة" اخرى تحاول مزاحمة الاديان السابقة عنها في الظهور او تهميشها كما يفترض معادوها ، فان الحداثة وعاء اكثر منها لاعب جديد ينضاف الى لاعبين اقدم عهدا ، وان لم تكن تعادي الدين فهي تراهن على الحظوظ المتساوية لحق الانسان في اختيار مسارة في الحياة .
لعله ليس من السليم تماما التبشير بنهاية لافق التفكير البشري الذي تكون الحداثة قمته التي تجب ما قبلها، غير انه مهما حملت الحداثة من تناقضات مفترضة او امكانية للخطأ فنصيبها من ذلك لا يتجاوز ما قدر للانسان من "استحالة العصمة من الخطأ"(8) .
قد تكون اهم الانتقادات التي يفضلها مؤيدوا استخدام الدين في المجال السياسي هي حجة "تنافر" الكونية مع الخصوصية ، وربما لهذا لايتم في الغالب نفي احدهما على حساب الاخر يقدر ما يتم تهميش احدهما في ظل الاخر ، فتتم اعادة انتاج التقاليد ضمن اطار الحداثة كشكل دستوري و ربما قانوني و مؤسساتي لكن بنفس قيم و جوهر الاستبداد السياسي و الموروث الثقافي (في توليفة القرابة و الزبونية ..) الا اننا قد نفهم ذلك في اطار مجتمعاتنا الميالة الى التهجين بين مظاهر الحداثة و التقليد ، الشيء الذي يخلق مفارقات واضحة للجميع ، حتى على مستوى البنية النفسية للفرد و تنازعاتها ، وفيما يبشر البعض بنموذج "محلي" لحداثة "خاصة بنا" يضل الطريق الى جوهر الحداثة ، ذلك الذي اذا تجاوزناه لم نعد نتحدث عن اي معنى للحداثة من حيث المبدأ ، سواء كان ذلك سياسيا او ثقافية او اجتماعيا ، مما يشجع ربما على القول انها مشاريع متعددة و ليست مجرد مشروع وحيد مع عدم قابليتها للتقطيع كما يحاول تيار التقليد قولة مستعينا بنماذج جاهزة مثل نموذج اليابان او حتى الصين ، كنماذج فصلت الحدثة السياسية عن الابعاد الاجتماعية (اليابان) او ااتحديث الاقتصادي عن الديمقراطية السياسية (الصين) وربما كان ذلك ممكنا الا انه لا يمكن التكهن بنتيجته على المستويات الاجتماعية فابواب الحداثة المتعددة مملوءة بالنوافذ ولنكتفي هنا بالاشارة لدور الطبقة الوسطى ضمن اي مشورع اجتماعي حداثي ، ولو كانت النخب مترددة وتكاد ترى في الحداثة مشروعا موقوف التنفيذ ، فهي بالاحرى مشروعا لا يزال ينتظر نتيجة صراع اجتماعي و سياسي ..وحضاري .و يمكننا ان تنسائل هنا هل الحداثة نتيجة لمجموعة من التحولات ام سبب فيها ؟ هل الحداثة متنافرة في قيمها و رهاناتها عن جوهر التقاليد وبالتالي فان ارتكاز احدهما لا يكون الا على حساب تحييد الاخر ؟ هل يوجد فعلا طريق ثالث بين النموذجين ؟
اسئلة وغيرها قد لا نجزم بشأنها لكننا يمكن ان تنوقف عند الاختلاف بين منطق الحداثة و آلية تصور التقاليد للمجتمع .
وحتى تؤكد الحداثة للجماهير اننا مستقلين و منفصلين يمكن ان ننجز لحضارتنا و كل ما هو مشترك وعام أهم الانجازات مما لو كنا لا نرى في بعضنا سوى نسخ متشابهة تحاكي نماذج الماضي أو بعضها البعض، الحداثة تفترض ان الاجزاء الصغيرة و المنفصلة اي الافراد خير وسيلة لتركيب صورة متكاملة مندمجة و متصلة اي المجتمع .


المراجع المعتمدة :
1- د .محمد سبيلا د.عبد السلام بعبد العالي ، الفلسفة الحديثة ، نصوص مختارة .افريقيا الشرق . ص : 320-321
2- مصطفى الحنفي ،النزعة الانسانية ، فعالة في العقل و الحرية ، جامعة عبد المالك السعدي كلية الاداب و العلوم الانسانية .الموسم الجامعي 2007/2006 . ص: 12
3- محمد سبيلا : المرجع المذكور ص: 320
4- ديفيد انغليز وجون هغسون ، سوسيولوجيا الفن ، طرق للرؤية ، ، ترجمة : د . ليلى الموسوي مراجعة د . محمد الجوهري ، سلسلة عالم المعرفة عدد341 يوليو 2007 ص: 50).
5- اميل دوركهايم ، قواعد النهج في علم الاجتماع . ص : 124) .
6- علال الفاسي ، النقد الذاتي ، المطبعة العالمية ، ط1 ، 1952 .ص : 82-83
7- محمد سبيلا ، المرجع المذكور . ص :321
8- التعبير للفيلسوف الامريكي "بيرس"







#حاتم_تنحيرت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حاتم تنحيرت - الحداثة كفصل للعوالم