أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق مصطفى - طريق الدفلى إلى جمهورية البرتقال














المزيد.....

طريق الدفلى إلى جمهورية البرتقال


فاروق مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 3789 - 2012 / 7 / 15 - 11:38
المحور: الادب والفن
    


لأصل إلى (بعقوبة)، امضي في طريق الدفلى، وأنا مثقل بأحلامي الصغيرات، الأزهار المدفلة في الجزرة الوسطية تصهل بحثا عن منادمات مؤجلة، وفي محطة كركوك القديمة اصعد القطار لأصل إلى (بعقوبة) المضمخة بضوعات بساتينها الحبلى ببرتقالها وليمونها ورمانها ونهرها الحالم المستسلم لدغدغات أصابع شعرائها وعشاقها.
هذه المدينة التي تواءمت مع كركوك واستوطنت ذاكراتنا ونحن يافعون نمر منها صوب بغداد وحزنها السرمدي الشفيف الذي يواجهنا ويهب علينا لفحات شائقة مجهولة المصادر، ولكن نحس دبيبه المضطرب يخطو في الشوارع والطرقات، منبثقا من خلل بيوتاتها الآمنة، ومن حفيف أشجارها المتعرشة في بساتينها الخوالد.
وفي بعقوبة استحلي الدخول إلى جمهورية البرتقال والتقي بشاعرها الجوّاب (إبراهيم الخياط) الذي يعيدنا إلى تلك التوأمة، ويجدد لنا ذلك التواطن، ويموسق ذياك التساكن بين بعقوبة بضفائرها الذهبية مع كركوك المعنقدة بزيتونها وتوتها، وفوق ذلك تتوحدان بأعناب ناسِهما والقلوب التي نتعلم منها كيف يكون حب الإنسان، وكيف يكون حبه لأخيه الإنسان، وفي حديقته الشعرية تمد موائد الفتنة، وتنساب ألفة مدينته وهو يدعونا إلى ذواق قصائده المغمسة بعشق مدينته والمعجونة بخبز مودته.
يقول في نصه المعنون (الضجة الصديقة):
"ترى أمن الضجة كل ما بي
فعند التقاء المدارات
شاعرا أطلقت قلبي
وسميت عشقي برتقالا
أسكنت حرفي
حيث اختلاف الدروب"
وأتذكر الان نصا يروى لـ (جان دمو)، وهو نص قصير مكثف يتميز بمعلميْ المجانية والاقتحام، ومفاد ذلك النص "لقد طردني صاحب الفندق لأنني سطوت على البرتقال"، ليس في مكنة أي صاحب فندق أو خان ـ يا جان ـ أن يطردك، لأنك مدعو مثلي إلى دخول عوالم جمهورية البرتقال، لتفيء ظلال أشجارها، والذواق من فواكهها النادرة، والاستطعام من حبات شهدها، فالشاعر إبراهيم مدّ موائده، وملأ فوقها الأكواب، فأسكرنا بقهوة كلماته، وروّانا بتدفاقها السيال، فغدونا ننطلق في جمهوريته، نستظل أشجارها، ونقتعد مصاطبها، ونتقمص أحلامها، فمن جمهورية أفلاطون إلى ممالك مؤيد الراوي إلى جمهورية البرتقال يطيب التجوال، ويحلو التطواف.
ومع كل تلك الشموع المتوهجة المتقدمة والمتأخرة وهي تضيء ذلك النفق الذي نمشي فيه ولا نعرف إلى أين سيكون المآل؟ ومع ذلك نمشي، وفي هذا المشي بعض العزاء وبعض السلوان، ونعرف إننا لن نصل إلى مدينة (أين)، ومع ذلك، في مكان ما نشعل النار ونسخن الشاي ونحن بانتظار صحبتنا الشعراء الذين نتسول بوحهم، ونتوسل حماماتهم الزاجلة البيضاء، وما حملت لنا من أخبار البحار، ورسائل الجزر البعيدة.

ادخل جمهوريته أو حديقته الشعرية لألوذ إلى ظل شجرة برتقال، واقتعد مصطبة تحتها، وأتسكع مع أقوال صحبي الشعراء، فهؤلاء الشعراء الحالمون مشرعو حدائق الجمال ومؤسسو مدن العشق، وها هو قول لـ (صلاح عبد الصبور) يتسكعني ووجيزه انه قبل أن يشرع بكتابة نص يكون قد قرأ عشرات النصوص، استمرأها وهضمها وبعد هذا الاستغوار داخل هذه النصوص ينبري لكتابة نصه، وهذا الرائع (محمود درويش) يقول إنني لست صاحب هذه النصوص التي خطتها يدي وإنما يشاركني في هذا عشرات الشعراء الذين سبقوني.
وها أنني أجول في جمهورية البرتقال لأقع على أجمل التناصات التي أخذت مواقعها، فأية إزاحة لها ذات اليمين أو ذات اليسار لأختل النسق الشعري وتعثر البناء، وتأمل هذه الصورة المتناصة مع المصحف الكريم:
"تحلم بهل آتى على الشعراء حين؟
وها انتذا بخذلانك تياه"
وتعمقْ هذه الصورة التي تتناص مع الغناء العراقي التراثي:
"قلبي أو هذا الجلمد الذي ما حنّ
للنوافل المشرئبة لاحتواء الحزن"
فالصورة تمتاز بحركيتها الهارمونية مما تضفي عليها هذا الاستحلاء الشائق.
وفي نصه الموسوم (واحدة لا تكفي)، يبحر الشاعر في تناصاته، فهذه المرة يمتح من دنان الموشحات الأندلسية (جادك الغيث إذا الغيث همى)، يقول في نصه:
"عيناك خردلتان
والحرائق طائرات
فهل جادك الغيث
عندما الموت همى
هل راعك وأنت تحت نار
يا غصة الغريب على دار"
فهذا دليل على غنى معجمه الشعري وخصوبة مرجعياته فيه، فهو يستقي من آيات القران الكريم ثم يعرج إلى التراث الشعري العربي ويميل إلى تراثنا الغنائي، فهو في كل هذا يتفنن في تناصاته لتأخذ مفرداتها وتتشكل قوية في بنائه الشعري في منتهى الاقتدار والاحتكام.
ويشوق الحديث عن جمهورية البرتقال، ويحلو التجواب في هذه الحديقة الشعرية، ويطيب للناظر في شعرية نصوصها أن يقع على لغتها الناصعة القوية التي تذكرك بجزالة اللغة في شعرنا التراثي إبان عصوره المشرقة، ومدينة بعقوبة هي مدينة بساتين البرتقال، وهي التي تسيل بأعناقها الأحاديث ليمتح الشاعر من انساغ أشجارها وجداولها وطرقاتها حبر كلماته ويسطر به بوحه الشائق النبيل.



#فاروق_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق مصطفى - طريق الدفلى إلى جمهورية البرتقال