أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مستور صابر - اشكالات العلاقة بين الفلسفة والأدب















المزيد.....

اشكالات العلاقة بين الفلسفة والأدب


مستور صابر

الحوار المتمدن-العدد: 3745 - 2012 / 6 / 1 - 00:52
المحور: الادب والفن
    



إن إشكالية العلاقة بين الفلسفة والادب إشكالية قديمة ,فالفلسفة باعتبارها علما أو بحثا عن الحقيقة تتوسل باللغة التي تعتبر جوهر اشتغال الأدب ونواته ,فالأدب يبني كل تمفصلاته على اللغة فهي إذا القاسم المشترك بينهما , وهذا يدفعنا مباشرة الى التساؤل عن العلاقة الرابطة بين هاذين التخصصين وحدودها ومحاولة تتبع ,على أي أسس استندت الأقاويل التي ذهبت مذهب وجود خصومة بين الفلسفة والأدب وسنقتصر في ورقتنا هاته على مكون الشعر باعتباره من حظي باهتمام عديد المفكرين والفلاسفة .
تعود البدايات الأولى للخصومة بين الأدب والفلسفة الى عهد الاغريق خصوصا مع أفلاطون الذي يأخذ موقفه النقدي ضد الفن بشكل عام، و للشعر بشكل خاص على أساس مفهوم المحاكاة Mimétisme، حيث اتخذت كلمة ((المحاكاة)) عنده معنى رديئاً ,من خلالها أبدى حنقا شديدا له ,فهو يربط المعرفة بالفلسفة فيما وسم الشعر بالانفصال والعاطفة فجعله بذلك نقيضا للفلسفة وعدوها اللدود .حيث يذهب أفلاطون إلى ان الفن عموما والشعر خصوصا يبتعد عن" عالم الأيدوس" درجتين لأنه يحاكي العالم الحسي الذي هو محاكاة أولى لعالم المثل ومحاكاة المحاكى في نظره تشويه للفكرة الأولى أو النموذج المحاكى, فالتقليد الذي يقوم به الفنان أو الشاعر في نظره إنما هو تصوير حسي لظاهر الطبيعة على نحو يشبه الرسام الذي يحاكي المعنى أو المثل ,وبالتالي يصبح هذا النوع من المحاكاة تقليدا قبيحا مشوها لعدم احتوائه على الفائدة. فالمثال النموذج الذي يسعى الشاعر او الفنان إلى تمثيله أو تقليده أرفع من أي يقبل ذلك فلا احد يستطيع محاكاته فيصبح عمل الفنان أو الشاعر الراغب في المحاكاة عملا يحط من قيمة النموذج ,وتأسيسا على ذلك فالشاعر أو الفنان لا يستند في (عمله) على أي حقيقة ظاهرة . ولعل هذا ما دفع بأفلاطون إلى طرد الفنانين والشعراء من جمهوريته الفاضلة "فالشاعر يحاكي عالم المحسوسات وهي نفسها إذا ليست سوى محاكيات للعالم العلوي(عالم الأيدوس)" 1. وتتويجا لذلك وضع أفلاطون حدا فاصلا بين الفلسفة(العلم)والفن (الشعر) فربط الفلسفة (العلم) بالقدرة على الكشف عن الحقيقة(حقيقة المثل) وربط الفن(الشعر) بمهمة الابعاد عن الحقيقة وايهامنا أنه عين الحقيقة.
والشعر عند أفلاطون ايهام وكذب وثورة على الأخلاق فكان بذلك أفلاطون إن صح التعبير أول من وظف النقد الاخلاقي ,فهو يرى في القصائد التي يكتبها الشعراء أنها تختوي على معرفة وهمية ,لا تتطابق مع الأيدوس ويستشهد في ذلك بقصائد "هوميروس ,وهيزيود" حيث يشير إلى ان هذه القصائد تصف الالهة بصفات غير لائقة وأنها ترسمان الالهة باعتبارها ساخرة وساحرة لاهية وعابثة, بل وخليعة أيضا لا تهتم أبدا بما يقع في العالم المحسوس .يقول أفلاطون في محاورة من إحدى محاوراته " ...أعني تلك التي رواها هوميروس و هزيود و غيرهما من الشعراء وهم أعظم رواة القصص الكاذب الذي لا يزال شائعا بين الناس.
-و لكن أي قصص تعني ، و ما الذي تعيبه عليه ؟
-إن أول ما أعيبه عليه هو كذبه، بل كذبه الآثم الشرير.
-و أين يظهر ذلك الكذب.
-في تمثيل الآلهة و الأبطال بطريقة باطلة ، و كأن مصورا يرسم صورا مشبوهة لا يوجد بينها
وبين موضوعها ظل من الشبه" 2
ونستنتج من ذلك ان أفلاطون شن حملة هوجاء على الأدب من زاوية الشعر ليعطي الانطلاقة بذلك لمسلسل من الانتقادات التي أعطيت للأدب ,فداك الفيلسوف الفرنسي ديكارت في القرن السابع عشر يذهب مذهب أفلاطون وذاك توماس لف بيكوك يهاجم في كتابه (( عصور الشعر الاربعة)) الادب وعده "نشاطاً متخلفاً لا ينتمي الى روح العصر الذي تهيمن عليه المعرفة والعقل والتنوير وحاكى وجهة نظره هذه الفلاسفة النفعيون مثل جون ستيوارت مل." 3
وفي القرن التاسع عشر ومع انبهار الانسان بالإنجازات العظيمة للثورة الصناعية وظنه انها البلسم لأدواء البشريـة ومعضلاتهـا .. فقد القـى العالم الانكليزي توماس هكسلي (1825-1895) خطبة نعى فيها على الأدب .. وعد من الحمق والشعوذة وجوده في عصر العلم والتنوير والعقلانية .
أما في القرن العشرين.. فقد استمرت النظرة المضادة للأدب رافضة أي تطابق فلسفي مع الأدب.. وقد طرح جورج بواس في محاضرة له بعنوان (( الفلسفة والشعر)) هذه النظرة بصورتها الفظة : (( تكون الافكار في الشعر عادة ممتهنة وغالباً زائفة )) .. فيما كان يرى ت.س. إليوت أنه : (( لا شكسبير ولا دانتي قاما باي تفكير حقيقي ) !
في غمرة هذا الاستخفاف الخطير بالأدب و الرغبة الجامحة في تأكيد عدم وجود أي علاقة بين الفلسفة والادب لا يسعنا إلا ان نقف موقف المعارض لذلك ناحين بدورنا نحو من سبقونا لتأكيد هذه العلاقة ,فلا يمكن الجزم بانتفاء العلاقة فنيتش وهو الفيلسوف العظيم دافع عن الأدب وعد هيمنة الفكر على العاطفة ,أمرا خطيرا في كتابه (( ولادة التراجيديا)).. ودعا نتشه إلى إنه من الضروري ألا نوغل في الفكر وننسى الوجدان الذي يمثله جانب الأدب ودعا إلى حل هذه المعضلة من خلال "العودة إلى ما يعتمل في أنفسنا من عناصر بدائية للارتشاف من نبع العاطفة.. حتى ولو أدى ذلك الى تحطيم الفكر التحليلي ."
إن هذه الموجة المتطرفة في رفض الفكر والفلسفة .. قد وجدت لها صدى عند الروائي الانكليزي د. هـ . لورنس الذي اعتبر : " هيمنة العقل وتغلبه على العاطفة مسؤولاً عن مصائب القرن العشرين "
ويبدو ان من ساروا على نهج أفلاطون أغفلوا ان أفلاطون نفسه عاد ليمجد الشعر ويوظفه في العديد من كتاباته تماماً مثلما فعل هيدغر الذي وجد بالرغم من نقده للميتافيزيقا والشعر فيهما وفي النهاية الترياق المضاد للتقنية و لنزعتها اللاإنسانية .فما الميتافيزيقا والشعر إلا "صورتان إنسانيتان للتعبير عن الوجود، كما أن منطلقهما هو الإنية المتفاعلة روحياً وعقلياً مع ذلك الوجود." 4 فهايدغر يحاول ربط أواصر التلاقح بين الفلسفة والشعر عن طريق إحداث الروابط بينها والوقوف عند القواسم المشتركة بين الفلسفة والادب ووجد ضالته في اللغة التي تعتبر قاسم مشترك فهيدغر يعتبر الشعر تأسيساً للوجود بواسطة اللغة . يقول هيدغر في محاضرته"هيلدرلن وماهية الشعر: «إذا كان (الشعر) في جوهره تأسيساً، فهذا معناه وضع أساس ثابت وراسخ[...] الشعر تأسيس للوجود بواسطة الكلمة La Parole.[...] و الوجود (Sein) لا يكون أبداً هو الموجود (Seiendes). و لكن و نظراً لكون الوجود و ماهية الأشياء لا يمكن أبداً أن ينتجا عن حساب و لا أن يشتقا من الموجود المعطى سلفاً، فإنه من الواجب أن يخلقا و يوضعا و يعطيا بحرية. و هذا العطاء الحر هو التأسيس(Fondement 5 ."
والعلماء المسلمون أدلوا بدلوهم في هذا المجال إذ نجد ان بن سينا يجعل الشعر يتغيى غايتين أساسيتين هما الإفادة والمتعة، تكمن هاتين الغايتين في "الحث على فعل أو الكف عن فعل، ولما كانت الأفعال الإنسانية التي تحاكي إما جميلة أو قبيحة، أي إما فضائل وإما رذائل، فمن البديهي أن يكون الحث مرتبطا بالفضائل، والكف أو الردع مرتبطا بالرذائل." 6
ويذهب الفارابي بدوره إلى أن للشعر نافع و لذيذ معا و لهذا تتحدد قيمته عنده في كونه مفيد
و ممتع، و يتجلى ذلك بوضوح عندما يذكر صراحة أن الشعر يستخدم في أمور الجد و أمور
اللعب، و قد شرح ذلك بقوله :" و الأقاويل الشعرية منها ما يستعمل في الأمور التي هي جد،
و منها ما شاء أن تستعمل في أصناف اللعب، و أمور الجد التي هي جميع الأشياء النافعة في
الوصول إلى أكمل المقصودات الإنسانية، و ذلك هو السعادة القصوى." 7 .والملاحظ إذا ان الفلاسفة المسلمين فطنوا إلى دور الشعر باعتباره فنا من فنون الادب وعلى هذا الأساس لم يبخسوا الأدب حقه ,بل وظفوه لإبلاغ رسائلهم والذي يقرأ تاريخ الفكر الفلسفي في شيء من التوسع فإنه يستطيع في سهولة أن يلمس كيف ان بعض الفلاسفة صاغو أفكارهم وأراءهم الفلسفية الخالصة بحيث تبدو في زي أدبي .فالجاحظ مثلا كان يعرض أفكار المعتزلين في قالب شعري ,ولقب أبو حيان التوحيدي بأديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء ,وقد سئل أبو العلاء عن المتنبي وأبو تمام والبحتري من من الثلاثة شاعر؟فقال:حكيمان وشاعر ويقصد بالحكيمين المتنبي وأبو تمام بينما الشاعر البحت البحتري .
من هنا يظهر ان الفلسفة والـأدب مرتبطان ارتباطا وثيقا والعلاقة بينهما علاقة عشق أبدي، علاقة حب حارق، يجعل كلا منهما عاجزا عن العيش بعيدا عن الآخر.
الاحالات :
العربي الذهبي : شعريات المتخيل اقتراب ظاهراتي، شركة النثر و التوزيع، ط1، 2000. ص، 85 1
أفلاطون: الجمهورية: دراسة و ترجمة: فؤاد زكريا ،الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985.ص: 534 2
ضمد كاظم وسمي , التكامل بين الفلسفة والادب 1 الحوار المتمدن - العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 04:44 ,المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع 3
كرد محمد , الميتافيزيقا والشعر بين أفلاطون وهيدغر – 4
.ميشيل هار: هيدغر و الشعر –الشاعر لا يأتي بالخلاص- مجلة ((فكر و فن)) العدد: 47 العام 1988 ، ص: 11 5
علي العلوي, “مفهوم الشعر عند ابن سينا لمجلة العربية" السعودية” العدد 133 6
نظر "نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين من الكندي حتى ابن رشد " - د. ألفت محمد كمال عبد العزيز-ص144 7




#مستور_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مستور صابر - اشكالات العلاقة بين الفلسفة والأدب