|
ميشيل فوكو .. الفوكس الماكر
زيد محمود علي
(Zaid Mahmud)
الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 14:25
المحور:
الادب والفن
توفي فوكو في العام 1985 وعمره لايتجاوز السابعة والخمسين . عرف عن فوكو رفضه للنجومية، مفضلا" أن يبقى متعبدا" في محراب العلم على أن تسلط عليه أضواء الشهرة الزائفة ، ولذا ظل مجهولا" عند معاصريه ، وهو من جهته ، تجاهل محاولات تبسيط فكره ، وكان يستمتع بملاحقة وجوه المعرفة الأخرى ، ويرفض كل الحقائق الجاهزة مفضلا" البحث المضني من أجل الكشف عن الصحيح منتزعا" أياه مما هو خاطىء . وكان في ذلك التلميذ المخلص لأستاذه الفيلسوف ( نيتشة ) في مجالات البحث . وقد تخصص بعلم النفس المرضي من خلال حضوره دروسا" في مستشفى المجانين ، وبناء على ذلك أصدر كتابه عام 1954 بأسم ( المرض العقلي وعلم النفس ) . وكان فوكو متهما" من قبل أصدقاءه مأخوذا" بمسحة جنونية من خلال تخالطه بالمجانين . وقد درس فوكو الفلسفة من خلال دروس التوسر الذي كان معجب به ، فلمع نجمه وبدا واضحا إنه ذو مستقبل واعد حتى أطلق عليه رفاقه لقب فوكس ، أي الثعلب الماكر الذي يحفر أكثر الجحور عمقا" . في كتابه (الكلمات والأشياء ) يختم فوكو بالقول : إن الأنسان سيتلاشى كما يتلاشى على شاطىء البحر وجه من الرمل الواضح انها عبارة نيتشوية ، ويجد أنه لم تعد هنا من عقلانية في فكر الأنسان وسلوكه . وكان أول التزام شغل به فوكو هو التزامه تجاه نفسه ، تماما" كناتا نيل بطل رواية ( الأغذية الأرضية ) كان يرفض كل نزعة امتثالية وكل أنغلاق داخل جدران الفكر الجامد والمقولب أو المبرمج . كان يهدف الى التخلص من نفسه أو الأنفكاك عن نفسه كما عبر عن ذلك في آخر كتاب له هو ( استخدام المتع ) وكانت تلك قاعدته المستمرة . وكان فضوله في حالة استنفار دائمة . وذلك من أجل أن يضع على محك التساؤل والشك يقينياتنا النهائية ومعرفته بالذات . وكان حاذقا" أشد الحذق في عملية اختراق القيم المسيطرة ، وفي جعل الأشياء البديهية تبدو أشكالية وغير أكيدة . كان فوكو يريد أن يضيع في أدخال المعرفة وغاباتها ، ويريد أن يجرنا معه في زحمة هوسه بالحقيقة . وكما قال عنه أحدهم كانت متعة الاكتشاف المرتبطة عنده بزعزعة الذات أن فلسفة الأختراق والزحزحة التي تجري داخل لعبة متحركة حيث ترتبط المتعة بهم كشف الحقيقة . كان يقول : أريد أن يجد الناس متعة في قراءتي . وأن عمل المثقف بالنسبة لميشيل فوكو ينبغي أن يتركز على الحاضر ، كما أن فلسفته تستمد جوهرها من التساؤلات المتركزة على عالمنا المعاصر ، وذلك من أجل تشكيل أنطولوجيا لذواتنا ، أو أنطلوجيا الأحداث الجارية والراهنة ، يرى فوكو ان على المثقف الحديث ألا يستهدف بعد اليوم المعرفة الكلية أو الكونية ، او اختراع نظرية شمولية ، وأنما ينبغي أن يختص بمجال ضيق ومحدد ، وأن يجري بعض الزحزحات والتغييرات الجزئية على تقسيماتنا ومقولاتنا الثقافية . عليه أن يفعل كل ذلك بهدف تحقيق شيء أساسي واحد هو : التساؤل المستمر حول يديهياتنا وقناعاتنا التي لا تمس . أن عبارة بودلير التي تقول ( أني أكره الحركة التي تزحزح الخطوط عن مكانها تنطبق تماما" على ميشيل فوكو . المسألة الأساسية هنا أن كل أعمال فوكو تبدو بمثابة جواب على تساؤلات نيتشه التي عبر عنها في كتابه المشهور ( المعرفة الفرحه ) يقول نيتشه هل لدينا من تاريخ للحب أو للجشع ؟ أو للوعي ؟ أو للشفقة ؟ أو للقسوة ؟ أي بأختصار هل لدينا من تاريخ لمقلوب العقل الغربي ونقد الكوجيتو اليكارتي ؟ سوف يفعل فوكو كما فعل نيتشه عندما استبدل بالزمانية وايقاعاتها المتغايرة دراسة حقل المناقشات الفكرية في عصر ما بمختلف تعرجات المقال الخاص بها الواضح على السطح وفي العالم المرئي . أن الشيء الاساسي الذي قدمه لنا يتمثل في زحزحة وخلخلة مجموعة من القيم كنا نعتقد انها أزلية خالدة . لقد نجح في زعزعتها عن طريق جعلها أشكالية ، أي غير يقينية . لم نعد نستطيع أن نفهم العالكم أو ننظر اليه بعد ميشيل فوكو كما كنا ننظر اليه ونفهمه قبل مجيئه . لقد واجه ميشيل فوكو فيلسوف اليقينيات الأكثر رسوخا للعقل الغربي ، ووقف على حافة الجد والهزل وحتى كلمة اركيولوجيا التش تشكل العنوان العريض لمنهجيته ، وأن نقده لقيمنا ناتج عن لعبة سفسطائي الأزمان الحديثة. لقد علمنا فوكو ان كل شيء هو رهان للعبة السلطة ، وأن اللغة والجسد هما جزء لايتجزأ من جهاز تبرير السلطة .
#زيد_محمود_علي (هاشتاغ)
Zaid_Mahmud#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أن قياسات الارادة والمعرفة لايحكمه الا العقل
-
المستشارين في أقليم كوردستان
-
ايها الكناري المسافر
-
سأذهب الى بيتي الصغير
-
من فطاحل الزمن الماضي
-
الحصيري تبقى معاصرا-
-
نادي دهوك يحرز المركز الأول لبطولة الشباب بالملاكمة
-
طفولتي التي تبقى في الذاكرة دوما-
-
وجهات نظر أجنبية في القضية الكردية ....
-
الكتابة
-
المسألة الكوردية .. وقضايا في الذاكرة
-
الثورات وعصر التغيير
-
لمواجهة الدكتاتوريات المستقبلية
-
أزمة الدينار العراقي من المسؤول ؟
-
سيرة ابراهيم تونسي في امسية اتحاد الكتّاب فرع اربيل
...
-
تروتسكي ... مفكر الثورة المغدورة
-
المانشيت في الصحافة الحديثة
-
حكاية قديمة
-
الحمار الواقف امام المرآة
-
غرامشي وادوارد وقضايا المثقف
المزيد.....
-
“اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش
...
-
كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
-
التهافت على الضلال
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في
...
-
جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا
...
-
مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين
...
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ
...
-
عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|