أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديعة الطاهري - قصة قصيرة















المزيد.....

قصة قصيرة


بديعة الطاهري

الحوار المتمدن-العدد: 3727 - 2012 / 5 / 14 - 14:32
المحور: الادب والفن
    




البئر الأخرى

يشق الفأس اديم الأرض المتشققة .تتسارع دقات قلبه تعبا وخوفا من أن تكون المسافة بينه وبين سطح الماء بعيدة جدا .
"قل الماء ونذر ماء الوجه أيضا" .. مسح العرق المتصبب من جبينه بكم قميصه المتسخ،استأنف عمله وهو يفكر في هذا الجفاف الذي ساد منذ مدة، ولا شيء في الأفق ينذر بسقوط ذرات تدغدغ الارض التي تبدو أخاديدها عيون تغازل السماء ،تدعوها إلى وصال حميم . لم ينفع غزلها . كل شيء اصبح قاسيا في هذا الكون .تتكالب عليه لفحات الشمس ،وضيق اليد. يحدق في السماء طويلا باحثا ،وكأنه خبير مجرب ، عن غيمة تعد بإمطار قريب. فكر كيف علمه والده أن الغيوم أنواع. منها ما يكون رماديا يكسو السماء علامة على فصل الخريف فقط .ومنها ما يكون اسودا يكسو جهة واحدة ،بينما تظل الجهة الأخرى من السماء صافية علامة على انها تمطر في مكان آخر. وعندما يكون اتجاهها في اتجاه المكان الذي يوجد به ،معناها أنها قادمة غيثا مدرارا. ولا تكون الغيوم ممطرة إلا إذا صاحبها برد قارص، علامة على الارتواء المرتقب .هكذا ظل طيلة حياته يحلل طبيعة الغيوم .
أ خذ الآن يبحث في الأفق عن ظلال غيمة ،أو اثارها دون جدوى. .يرى غيمة يتيمة مسافرة إلى الغرب دون جواز ودون تأشيرة . ستحل على الأراضي التي حباها الله بكل جمال .يتساءل بعقله البسيط ماذا يريد هؤلاء من ارضنا القاحلة؟ ألا تكفيهم خيراتهم ؟لو لا جناتهم لما عبر الفاتحون إلى هناك ، ولولا خيراتهم لما غرق المركب العربي، واحرق، وتبعه الإسبان ليغتصبوا ذاتي الخدر الحسناوين . إنهم يحرسون جناتهم .يضحك في داخله وهو ما يزال يشق الأرض بصعوبة. تحليل بسيط ولكنه مغر بتزجية الوقت تحت هذه الحرارة اللافحة . تواصل الغيمة جريها نحو الضفة الأخرى. ويمتد صفاء السماء بارزا يؤذي العيون بزرقته .يستغرب كيف للسماء ان تكون صافية والقلوب غارقة في سواد ،والعقل رهين دوامة من الحيرة والمشاعر القاتمة ، مآسي وضغائن توزع بدون سخاء .كل يوم يلتقي بوجه عابس.جار في محنة صحية .قريب في ضائقة مالية .صور التلفاز المليئة بالدم والموت والسجن .كيف للسماء ان تزهو وتمتد زرقاء غير مبالية بما يقع. كيف يسع صدرها هذه الغازات ، وشظايا النار في كل العالم؟كيف تصير هادئة لا تغضب. وتستيقظ الشمس صباحا في أوطاننا "الشمسية" ضاحكة مبتسمة تخبر العالم انها هنا .
واصل الحفر أمتارا، ثم استلقى فيما بعد على الأديم يشم رائحة التراب الجاف يخنق انفاسه .يتذكر كيف تكون الرائحة مختلفة عندما تروي الامطار تربة الحقل. فتمتزج رائحة روث البهائم في التراب برائحة أزهار اشجار الليمون المزهوة بلباسها الأبيض ،وكأنها عروس في ليلتها الأولى .سمع صوتا غريبا .نط فرحا متجها نحو البئر، فإذ ابه يرى التراب يهتز يتسرب منه شيء ما.يحاول افتضاض اديمه .
اخذ يجري في كل الاتجاهات صارخا : الماء ، الماء ......
خرج جاره من بيته وصاح فيه:
-أهو زمزم يا صاحبي ؟
رد :هو زمزم .زم فمك. واخرج لتحفر. فالماء قريب جدا .
سرى الخبر في القرية برمتها. وهرع الجيران فرحين لرؤية الماء .صار ناذرا والسماء غاضبة رغم سرورها المزور، وصلوات الاستسقاء التي لم تجد بعد .هرع الكل إلى البئر فإذا غبار ينبعث من البئر .فعلا الصراخ من غريب ما رأوا .
صرخ أحدهم قائلا : لا علامة للماء .إنه جني منسي في هذه البئر حرره جارنا الطيب وستطالنا عواقبه .
عقب صديقه : هل هو الميراث ......؟
بادر أحدهم: علينا بفقيه القرية .
توجه البعض نحو المسجد. فوجدوا الفقيه يقوم بتعوذة امراة ممدة لا تتحرك. ساحة المسجد مليئة بالراجين بركته .أخبروه بالأمر فاستعجلوه .اخذ عدته وتوجه إلى البئر. رائ شيئا يتحرك في أعماقها ويغلي .قرا التعوذة .انبعثت رائحة كريهة لم يفهم الكل مصدرها .
قال شاب وسيم :هذه رائحة غاز ابتعدوا فقد يصيبنا مكروه .وحمل هاتفه النقال واتصل بالمسؤولين .
قدم الموكب بجلال عظيم. وابتعد الكل فاسحين الطريق أمام القائد ماشيا بنخوته المعتادة ،يتبعه عسكريان حاملان بندقيتيهما ، يعدلان بين الحين والأخر شارتيهما ، كل ما يملكان من أسباب الوجود .يهمهمان بكلمات .بعد. وسع ،بعد ...
ينظر الجميع باستغراب إلى القائد .ينتظرون فك اللغز الذي داهمهم .أحس داخله بعجز قاتل. لم يتمكن من تحديد طبيعة ما يرى .هل هو سحر مدفون في أعماق هذه الأرض سيلقي تبعته على من يقترب منه ؟خاف للحظات ثم انتبه إلى أنه قائد وعليه أن ينقد الموقف. اتصل بالشرطة التي حلت بعد دقائق بمعية خبير، ما إن أخذ عينة من التربة حتى قال منتشيا :
- سيعم الخير على هذه القرية .إنه الغاز. نظر الناس إلى بعضهم البعض وبدأت الأفكار تنسل في الداخل .هذا يلعن حظه البائس الذي جعل حقله جافا. وذاك يفكر في التودد إلى الفلاح المحظوظ ، وآخر يفكر في الزواج من ابنته .كثرت المشاريع التي ستخلق لكل واحد مخرجا من البيات الشتوي .
سرت همهمة بين المتفرجين .تدخل القائد قائلا :
سنغلق البئر في انتظار التحاليل النهائية ولا أحد يقترب منها .
قال الفلاح بين الفرح والخوف :
- وهل يمكنني أن اباشر حفر بئر أخرى عساني أجد ماء.؟
قاطعه أحد العارفين قائلا : لن تجد الماء. أرضك كلها غاز.ا فانتش يا اخي وفكر في مشاريع أخرى أنك محظوظ. قل وداعا للفقر.
نهر القائد المتدخل .وأمر رجاله بفك التجمع لما له من خطورة على سلامة أمن البلاد خصوصا وان المرحلة جد حرجة .
انسحب الكل يجرون خيبتهم .كانت الأسئلة واحدة كيف تنتحر أحلامهم بغاز هو ملكهم.
حدث الشاب المتعلم نفسه .صار الانتحار عادة هذا العالم الرابع فما الذي حققناه ؟جثث متلاشية ؟ايادي مقطوعة؟ وجوه مشوهة ؟، مشاريع مشبوهة؟ ، ورؤوس أموال تضخ في أبناك عالمية ؟.
*****************************
تغرب الشمس كل يوم دون أن يهتم برحيلها أحد .لا ينظر إلى افقها سوى بعض السواح القادمين من المدن الضبابية والقارسة، باحثين عن مواطن التوحش ،وكأنهم بذلك يتأكدون من سجلهم الذي لا يتوانون عن توجيهه سهاما ،كلما مر بهم شعر أسود أشعث .
يصطف هؤلاء يعدون الدقائق التي ترتمي فيها الشمس إلى الضفة الأخرى وسط حمرة يحاولون التذكر متى ،واين، رأوها ؟
الغروب بالنسبة للقرية موعد للصلاة ، ولقاء عابر عند باب الجامع .لم تتفرق الجموع اليوم .وسرت همهمة بين الناس.
قال احدهم :
- لا يمكننا ان نصمت عما يقع .لم يعد العالم كما امس .لقد تغير كل شيء ويجب ان نطالب بحقوقنا. هذه القرية لنا. نحن من عاش فقرها وعزلتها .فعلينا ان نكون يدا واحدة .

تفرق الناس جماعات يحكون سر البئر الأولى .كل تحدثه نفسه بحفر بئر عسى الحظ يسعفه ليخرج من ضائقة طالت
************************

يسألني جاري هامسا ":كم استغرق وقت الحفر حتى وصلت إلى سطح الغاز ؟
أجيب ممتعضا :
تمنيت لو كان ماء .لكنت الان اروي الأرض الجريحة الممتدة أمامي. احسها تنتحب وأنا عاجز .ما شاني وسم داخل ارضي. وقد لا يكون الأمر حقيقة .
أجابني معاتبا:
احمد الله أنك محظوظ .لا بد وأن تستفيد .تخيل كيف ستكون هذه الهكتارات التي اغتالت شبابك ،وانت مصر على أن ترعاها .ستدر عليك الكثير. تمهل وسترى لاحقا .
لما تشتد الظلمة في القرية ليلا ، ويسيطر السكون ، لا تسمع عادة سوى خرير بعض السواقي البعيدة ،أو أصوات حشرات تتوقف بين الحين والأخر تتجسس نبض بعض العابرين . لكن الليلة لم تكن كغيرها من الليالي .

ترددت في كل الآفاق دقات كانت تخفت بين الحين والآخر، كان في الأمر مواربة خوفا ، إخفاء .حل الصباح وفي كل فدان بئر أمامها أشخاص يحرسونها.
يحس بالمرارة تبتلع دواخله وهو يراهم مجتمعين.ملونين ،مختلفين، كلامهم متباين كانهم لا ينتمون إلى الوطن نفسه . دقات الفؤوس الليلة ايقظت في نفسه صوت دقات مازال كل ركن في جسده صدى لها....تبدو بعيدة ولكنها تصر على الرنين. تعاوده في خلوته وفي راوحه.هي الشاهد والفاصل بين زمنيين ..يعرف مآلهم كما يعرفون هم حقيقته . لكن .اللامبالاة في هذا العالم ترسم دروبها بكل اطمئنان . الكل يمضي دون التفات . هي الأخطاء تملأ حياتنا نعيدها كما لو أنها لم تكن . مظهره الأشعث ، لحيته الممتدة ، نظراته التي تغيب في احيان كثيرة هي كل ما يشدهم إليه . يدعونه المهبول . أحيانا يقر بصدق حكمهم . أنا المهبول. كيف اعتقدت بمواجهة أمواج تسونامي العتية. عندما توجهت إلى الشركة لفحص اوراقها الخاصة جدا .أمروني أن أنتظر مديرها .لا يمكنهم إزعاجه أو إخباره بمجيئي . قلت أنني في مهمة عاجلة ،وأن علي فحص الملفات المالية للشركة ، فما الذي يدعو إلى الانتظار؟. العيون سوداء، والوجوه رمادية مشدوهة إلي ، والهامات تهتز في كل اتجاه .حاولت الانصراف،على ان أعود في الغد، بعد ان يكون المدير على علم بمجيئي .احترت كيف لم يتم تبليغه بالأمر.....؟
في حركة غير عادية ، التف حولي حراس الشركة.وطلبوا مني التريث لأن فخامته سيقلق. لا بد من استضافتي . سعادته لا برنامج ولا مواعيد له . الكل ينتظره .لا أذكر من الباقي سوى كلمة مازالت ترن في إذني" كيف تجرؤ على تفتيش أصحاب...؟"كنت .أعرف منهم .وثقت في نسيم الربيع.....وفي الدخان المتعالي من الاجساد المشتعلة..وتجرأت ولكن.....لم أكن يومها وأنا أصرخ من آلام السياط أحلم سوى بالقطيعة بالرحيل بمجرد ما أنجو من ذلك النفق. ....خرجت وأنا تحت وقع مخدرات لم أعرف متى تناولتها ،ولا متى تعاطيتها .تراودني بين الحين والآخر صورأحاول الإمساك بها .مالذي تخفيه الملابس الفاخرة .؟أ ملابسي أنا ؟": ، الشخص الحامل لشاهدة كبرى ؟ هل كنت أنا هو ؟ المكتب الفاخر ؟ تختفي الصورة. أسقط في ظلام دامس لا تبدده سوى ساعات العلاج ...الضرب... التعذيب .....من انا ، أين كنت ؟ ومن أين جئت ؟ لا أذكر سوى كلمة يرددها أهل القرية: المهبول ، الكل يعرف قصتي. يتكالبون.....يتناسون .
أنظر من جديد إلى المتراصين حول كل بئر وهم يهتفون ، يرفعون لافتات تأثثها كلمات أحاول تذكر معناها دون جدوى . لا يهتمون بأصوات الآلات المرتفعة كل صباح في المناطق المجاورة. تعلو البنايات غريبة عن التربة الحمراء . تحاصرها أسيجة حديدية .في كل اتجاه :ممنوع المرور، خطر . يشهق الدخان . تنفثه مدخنات البنيات الجديدة . يسيج المدخل الرئيس لافتة تفارق لافتات الفلاحين ... بلون شهي تعلن في وضوح : خاص جدا . يتفقد الفلاحون آبارهم . لا ماء ولا غاز ولا سحابة سوداء ... ولا شيء ينبئ في الافق بهبوب رياح باردة تحمل معها قطرات غيث ،تغازل الشقوق التي تكبر كل يوم راسمة تجاعيد تفوق رهان الزمان ...



#بديعة_الطاهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديعة الطاهري - قصة قصيرة