أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد صقر - خلفاء بلا خلافة















المزيد.....


خلفاء بلا خلافة


سعيد صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 09:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



بغض النظر عن كون الاسلامويين يستأثرون بفهم معين للدين و نظرة معينة للسياسة ، فان الدين و السياسة هما المجالين الأكثر إغراء لإبداء الرأي بصددهما من طرف أي فرد ، بحيث لا يشترط المرء في نفسه إلا أن اسمه محمدا أو عبد الله حتى يجاهر بتفسيرات و فتاوى في الدين، و بخصوص السياسة فان الكل يجادلك في أمورها بدءا بالنجار و الخضار وانتهاء بالصحفي كل يحلل الأمور كما يبدو له. إلا أن الاسلاموي الجميل ذو اللحية الطويلة و القبعة الموضوعة بعناية و القميص و السروال القصيرين أو ذلك الذي زاوج بين هذه الأمور جميعها و الزي العصري ، كلاهما يبشرك بفهم أعمق و إطلاع أكبر ، ينتقد كل مظاهر الحياة المجتمعية حاملا لكل البشر سعادة الدنيا و الآخرة إن هم اتبعوا قوله الرشيد في الدين و السياسة.
و قبل البدء في أي حديث ينبغي الإشارة إلى أن كل الاسلامويين و باختلاف مشاربهم و تشكيلاتهم فإنهم ينضوون تحت فئتين : المعتدلون منهم و الذين يرون في كل من دونهم ضالين يجب هدايتهم إلى سواء السبيل ، و هذا لن يتأتى إلا بإتباع الهداة المهديين. و الفئة الثانية هم المتطرفون الذين يرون في من دونهم و أحيانا حتى الاسلامويين الآخرين كفارا يستتابون و إن لم يتوبوا يجب قتلهم و لهذا شرع الله الجهاد و التوبة التي لن تكون إلا بإتباع هؤلاء الدعاة معنى و مبنى.
و لأننا كما أعلنا في البداية لا يمكن أن نحاكم أي خطاب الا بفهم مرجعيته و مفرداته و حجر الزاوية في كل افكاره . يجب أن نقف على مرجعية الاسلامويين قليلا، نسائلها و نبحث عن حسم فلسفي لقضاياها لنصل إلى المنظار الذي يرى به الاسلامويون الأمور أو يفترض فيهم الوفاء له.
فالله الذي يعبده المسلمون المحمديون و كما يتحدث عنه القرآن المصدر الرئيسي لإسلام هو الاه واحد لا يمكن للبشر رؤيته حقيقة في العالم المرئي و المحسوس ، و هو مجهول البداية بما أنه لم يولد ، كما أنه لم يلد أولادا و لا يمكن الحديث عن نهاية له و هو من وضع النواميس و السنن كلها بدون أن يشرك معه في أمر تدبيرها أحد. و هو من جانب اخر مطلق الصفات و يفعل ما يشاء و يتدخل في كل كبيرة و صغيرة في حياة البشر، بل أنه يريد لهم أن يسلكوا مسلكا هو يريده. و من أوصافه أنه يقدر على فعل أي شيء يريده لكنه لا يريد أن يفعل أشياء كثيرة لحكمة يعلمها وحده. مثلا بإمكانه أن يزيل الشر من الأرض لكنه لا يريد ذلك. و هو يتصف بكل الفضائل كالعدل و الرحمة إضافة إلى بعض الرذائل كالانتقام. و نحن مطالبون بأن لا نحاكمه أو نسائله في شيء سيما و أن البشر قاصرون عن فهم الكثير من الأمور التي لم يرد لهم فهمها. و إنما يجب عليهم التسليم بكلامه و مشيئته. خلاصة القول أن الله لم يخلق الكون و البشر و ينساهما و إنما له حاكميته عليهما و يتدخل عبر آليات القضاء و القدر و التسيير و التخيير من أجل إبراز قدرته و عظمته للبشر و تذكيرهم بأفضاله التي توجب الشكر و الثناء الجزيل ، و نحن اذ نعرض لهكذا تصور لا نستبعد ان هناك تصورات شعبوية اخرى تفوق مافي النص من تناقضات ، و تذهب الى حد الناقضمع المرجعية النصية للمسلمين نفسها ، كما هو الشأن بالنسبة للاسلام الثقافي الذي يمزج بين ما تحدثنا عنه سلفا و بين اشياء اخرى كالاعتقاد في الجن و السحرة و التمسح بالاضرحة و الاولياء . في حين ان الاسلامويين هم من يوجهون سهام نقدهم لاسلام الثقافي من بين ما ينتقدونه طبعا في مظاهر الوجود الاجتماعي.
في حقيقة الأمر من يمتلك تصورا كهذا و ينطلق منه في فهم قوانين الطبيعة و البشر فانه يحق لنا أن نحاسبه على الاحتكام إليه من عدمه عند تناول أي موضوع. وبغض النظر عن التناقضات التي يستعصى على أي اسلاموي أن يحلها على الصعيد الفلسفي و التي سنفرد لها مقالا خاصا في مضمار آخر و بالرغم من أن هده التناقضات و عدم الانسجام في المنهج و ادواته نظرا لمثالية النظرة برمتها . لكل هذا ينقسم الاسلامويون عادة إلى تيارين أحدهما غير وفي لهذه المرجعية بالبث و المطلق و يجعل منها اديولوجية دعوية تعبوية فقط. والآخر يحاول قدر الإمكان أن يفي لها على صعيد البناء البرنماجياتي، لكنه يجد نفسه في خندق اديولوجيات أخرى و على رأسها اللبرالية و الإقطاع لكن هده المرة بصيغة أكثر هجانه بين القيم المادية التي صنعت اللبرالية و الأفكار المثالية المستنبطة من الدين. ولهذا يظل العقم النظري* هو المميز لهذه التجارب برمتها بحيث يكتفي أصحابها بالشعارات من قبيل "الإسلام هو الحل" و يعجزون عن بناء برامج تفصيلية لبناء الدولة التي ينشدونها فقد عودنا الاسلامويون أن يحملوا إما مشاريع منسجمة مع ذاتها و غير منسجمة مع الواقع كما الشأن في المثاليات الرياضية ، أو يحملوا مشاريع في كنهها إما لبرالية أو إقطاعية أو هجينة غير منسجمة لا مع ذاتها و لا مع الواقع . و على العموم يجدر بنا أن لا نذهب بعيدا في هذه النقاشات التي قد تجعلنا نسائل المرجعية الدينية فلسفيا لينتهي بنا الأمر إلى إنكارها من مبدئها الى منتهاها كما أعلنا سابقا، لأن الغاية عندنا ليست هي الحض على أن يترك البشر أديانهم و معتقداتهم‏3، و لكن أن يعرفوا حدودها فلا يستسلموا لمن يدعي أنها يمكن أن تسفر عن حل للمشكلات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية بل إن الفهم الفلسفي و العلمي للدين يدعو إلى الحفاظ عليه لأنه متى أزلنا هذه الخصيصة من بشر إلا و عاد إليها بعد فترة معينة. و حتى أكثر الناس إلحادا يجدون أنفسهم في فترات عصيبة من حياتهم يتمنون قيام سبب لا مادي و غرائبي يحل تناقض معين يعجزون عن مواجهته رغم أنهم يعلمون بأنه لا توجد قوة مطلقة غرائبية تستطيع ذلك. لكنه أمل يجد أصله في طبيعة البشر الضعيفة أمام قوى الطبيعة و يعود إلى تجربتي الألم و اللذة اللتين لا يوجد بشر لم يمر منهما في يوم من الأيام و مند أن خطت قدماه الكوكب .
عموما يصير النقاش الضروري لمشروع الاسلامويين هو ذلك المتصل بالمجال السياسي حتى تظهر عيوبه و استعصائه على التطبيق . لننطلق ادن من طبيعة هذه التجارب بعد أن عرجنا على مرجعيتها ، فمن هم الاسلامويون ؟.
هم أولئك الدين ينعتون أنفسهم بالجماعات الإسلامية ، و بقادة الصحو ة الإسلامية ، و يؤسسون تنظيمات تدعو إلى إقامة مجتمع إسلامي شعاره " من لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " و بالتالي وجب إقامة نظام حكم إسلامي أساسه العدل و الشورى . و هم مختلفون فيما بينهم في الكثير من التفاصيل و الأفكار لكن هذا هو مسعى كل منهم ، و منهم من يذهب إلى حد نعت الاسلامويين الاخرين بالضالين و المبتدعين و هكذا... في حين يدعي بأنه هو يتبع خطى السالف الصالح و أنه خالص تماما و لا يوجد في فكره عناصر غريبة عن مرجعيته نفسها.
وحتى نفهم سياق ظهور هذه التنظيمات الاسلاموية يجب أن نقف على بعض العوامل التي تعد محددات موضوعية بشكل أو بآخر لبروز فكر من هذه الطينة . فالجذور توجد إن شئنا التنقيب في اللاوعي الجمعي منذ أن تشرذم المسلمون إلى فرق و مذاهب تتصارع حول السلطة و الفهم السياسي للمرحلة المنبثق من العقيدة . لكن العوامل القريبة بدأت مع عصر النهضة في شخص التيارات السلفية التي رأت في الاستعمار واقعا فرضه تخلي الأمة الإسلامية عن أصول الدين النقية وهذا يمكن اعتباره أساسا فكريا للاسلامويين ، ومن الناحية الموضوعية شكلت الضغوط الاستعمارية واندحار الإمبراطورية العثمانية اطارا تاريخيا لنشوء تلك الافكار، في حين انبرى العامل الحركي مع ظهور تنظيم الإخوان المسلمين في مصر 1928. لكن الاسلامويين لن يحسوا بضرورة قيام دعواتهم و توسعها إلا بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران وهذا في نظرهم هو النموذج التمكيني بقطع النظر عن الانتقادات التي يكيلها بعض الاسلامويين للخطاب الشيعي.
فما هو جوهر معاطب الخطاب الاسلاموي؟
أولها يتجلى في طبيعة الدين نفسه ، فالدين مقدس و المقدس لا يقبل النقاش و المسائلة بل يدعي أنه لا تاريخي و يصلح لجميع الأزمنة ، دونما حديث عن كون سدنة الاسلام هم الاكثر اعتناء بهذه السمة ، بالرغم من اللبس الواضح الذي يطرحه واقع نزول القران منجما حسب الوقائع مما يوحي بتاريخية هذا النص ، وهذه الطبيعة تجعله قابلا لأن يستغل من أجل تبرير أوضاع معينة عبر استخدام مقولات ارثوذوكسية كما هو الشأن بالنسبة لمقولة " و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم " ، ناهيك عن تأثير الدين في السلوك الاقتصادي للشعوب و هكذا يصير من السهل تطويع الدين على نحو إيديولوجي لتبرير سلطة القلة التي تملك كل شيء. كما أن هناك مقولات في القرآن مثل : "و في السماء رزقكم و ما توعدون" و مقولة " و ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " و غيرها - لا يهم كنهها و سبب نزولها و الاحتمالات البعيدة للمعنى الذي يذهب إليه مفسرو القرآن بقدر ما يهمنا المعنى الذي استقرت عليه في اذهان المسلمين - هذه المقولات أصبحت جوكر يبرر به الفقراء فقرهم و الأغنياء غناهم. فالله هو الرزاق ذو القوة المتين ، و مهما يعمل الإنسان جهده فانه لن ينال أكثر مما يريد الله له و ذلك لمصلحته طبعا !
وعلى مستوى آخر يعجز الخطاب الإسلامي و الاسلاموي معا عن حل التناقضات الكبرى من خلال التشريعات المنصوص عليها في القرآن ، فلنتأمل هذه المقولة : "و أحل الله البيع و حرم الربا " هذه دعوة إلى ترك الإقراض بفائدة و التعامل بالبيوع فقط إلا اذا كان القرض لوجه الله بدون فائدة . لكن التطور التاريخي لأنماط الإنتاج حتم وجود من يملك و من لا يملك و هما يتصارعان . ولابد أن يحتاج من لا يملك الى من يملك ، و من بين أوجه التعامل بينهما عمليتي الاقتراض و الإقراض. و كل الفلسفات الأخلاقية و الدعوات الدينية كانت تستهجن الفائدة لكنها جميعا بما فيها الإسلام لم تسعى إلى حل التناقض في جوهره بل تسعى إلى ترميم جوانبه و التغطية على وحشيته. واليوم يريد أصحابنا أن يحاولوا إدخال إصلاحات "اسلاموية " على مؤسسة البنك التي أفرزها تطور الرأسمال لتصبح "بنكا إسلاميا " عوض أن يقرضك نقودا و تعيد إليه فائدة ، أصبح من الواجب على المقرض أن يشتري لك المنفعة و يبيعك إياها ( لأن المعاملات الاقتصادية في الإسلام تقوم علي مبدأ اهمية العين و بيع الملك. لكن بتقسيط المبلغ المحصل جراء عملية البيع لأن المشتري في الأصل لا يملك و هو مجبر على أن يأخذ عن ذلك فائدتين، أولاهما عن عملية البيع و ثانيهما خدمات الدين و منافعه ، لدلك فشلت الأبناك الإسلامية في كل التجارب و فشلت معها طموحات الاسلامويين و أصبح من الواضح أن النظام الرأسمالي أكثر تقدمية من طروحاتهم الرجعية. لأن الرأسمال نفسه سيصنع بيديه حفار قبره و لن يعود أٍربعة عشر قرنا إلى الوراء ليبحث عنه ! بطبيعة اهمية حديثنا عن هذا المثال تحديدا تكمن في اهمية الابناك في الرأسمال المالي ، دون ان نغفل ان الاصلاحات التي جاء بها الاسلام كانت متقدمة جدا بالنسبة للاوضاع الاجتماعية في شبه الجزية العربية في القرن السادس للميلاد .
لقد تبين الآن أن الاسلامويين يحتكمون إلى مرجعية بالية. و لا يعلمون شيئا عن وظيفة الدين بالنسبة للبشر ، أو الوظيفة التي أن تكون له في هذه المرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية. و هذه الضبابية في الرؤية و الجهل بأبسط آليات التحليل العلمي للظاهرات الاجتماعية جعلت الاسلامويين مند ظهورهم تنظيمات سهلة الاختراق و أداة طيعة تستخدمها القوى الرجعية سواء منها الأنظمة الرأسمالية العالمية أو حلفائها في الأنظمة التبعية الغير شعبية و الغير ديمقراطية فكيف ذلك؟
الكل يتذكر طبعا كيف كانت الولايات المتحدة تتزعم العالم الرأسمالي إبان الحرب الباردة ، وتحاول كبح جماح المارد السوفياتي. وقد بذلت هذه القوى الجهد الجهيد من أجل ذلك باستخدام جميع الوسائل سيما الأيديولوجي منها لضرب خطط الاتحاد السوفياتي القائمة على تثوير الشعوب ضد الرأسمال. وانضاف إلى خططها الاستراتيجية الكامنة في جر الاتحاد السوفياتي إلى التسلح حتى يصير بإمكانه امتلاك قوة عسكرية عملاقة في حين لا يمكنه شراء كسرة خبز ضربا لاديولوجيته في عمقها الاجتماعي . اتجهت مع التواجد السوفياتي في كل من أفغانستان و إيران إلى أسلحة أخرى تصارع اديولوجية الاتحاد و فلسفته المادية. فقامت الولايات المتحدة بإنشاء تنظيم القاعدة في أفغانستان و قامت بتدعيم الثورة الإيرانية التي بمجرد نجاحها شرعت في سحق الشيوعيين الذين أساؤوا هم أيضا فهم طبيعة الصراع و العدو و أقاموا تحالفا مع الاسلامويين، وتاريخ العالم يحفل بالنماذج الاسلاموية التي سخرتها القوى الرأسمالية أو القوى اللاوطنية في الأقطار الحليفة لها من أجل ضرب المشاريع السياسية التي تهدد مصالح الرأسمال العالمي. فمثلا تم استغلال تنظيم الإخوان المسلمون من أجل ضرب الخط الناصري بدعوى ابتعاده عن الدين. وفي المغرب قام النظام القائم بتجنيد اسلامويي الشبيبة من أجل ضرب اليسار الراديكالي المغربي مجسدا في الحركة الماركسية اللنينية المغربية. وقائمة القتلى من المناضلين اليساريين تشهد على ذلك . لكن كيف يكون نجاح استغلال هذه التوجهات مضمونا؟.
إن الذي يجعل من الاسلامويين عدوا وظيفيا بالنسبة للنظام القائم هو جهلهم من الناحية العلمية بطبيعة النظام القائم- رغم معارضاتهم الفعلية له - وقدرته على امتصاص الأعداء وتحويلهم إلى خدام، فمن منا مثلا في المغرب لا يتذكر كيف كانت حركة الشبيبة الإسلامية تحاول زعزعة النظام وأسسه ليتحول معظم أعضائها إلى موظفين لديه من أجل كبح القوى الحية. و الاسلامويون يجهلون من ناحية ثانية أن النظام القائم من مصلحته وجود أطراف معارضة على مستوى الخطاب حتى يجعل منها البدائل الوحيدة الممكنة في نظر الرأي العام الجماهيري سيما و أن هذه الأطراف تتبنى خطابا دينيا يسهل عملية اختراق الأذهان و التأثير في اللاوعي الجماعي. و ماهذا الجهل إلا نظرا لكون الاسلامويين يحتكمون إلى مرجعية لا علمية و لا يتجرأ أي منهم على حسمها منهجيا من الناحية الفلسفية.
و في مقام ثان يهاجم الاسلامويون القوى الحية على المستوى الإيديولوجي مبينين عن جهل عميق بالمرجعية التي يحاكمونها. فمند ظهورهم بالمغرب و هم يهاجمون اليسار و الحركة الماركسية اللنينية المغربية ثم الماركسيون اللينيون في الجامعة الدين يسمون قاعديين، بدعوى أنهم ملاحدة ماديون وحقيقة الأمر أن خلاف هؤلاء التقدميين مع الاسلامويين ليس منبعه أنهم مسلمون و لكن لأنهم ينطلقون في فهم الواقع من الدين، و الماركسية لا تنطلق منه بل من المنطق الذي يحكم تطور الطبيعة و المجتمعات البشرية و الدين لا يخرج من سياق هذا التطور. فالماركسية لا تحارب الدين بل تحارب توظيف أية قناة سواء كانت دينا او فنا او قانونا من شأن عدم فهمها أن يكرس الاستغلال الطبقي و في هذا الصدد يقرر انجلز : "ادا كان عدونا في الأرض فلماذا نوجه بنادقنا إلى السماء"
إن الاسلامويين باحتكامهم إلى هذه المرجعية يضعون أنفسهم في مهب الاستخدام المستمر من طرف الرأسمال العالمي و الأنظمة الموالية له من أجل ضرب نضالات الشعوب و إمكانات قيام أداة تغير في الجماهير المسحوقة، و اد نحاكمهم على هذا المنوال فنحن نحاكم التصورات لا النوايا و المبادئ .
منذ أحداث 11 شتنبر أصبح لزاما على كل الاسلامويين إن أرادوا أن يجدوا لهم مكانا على الأرض أن يخدموا الأجندات السياسية للامبريالية، و إلا نعتوا بالإرهاب و أصبح من السهل القضاء عليهم. وهكذا بدأت دائرة تبنيهم للعنف تضيق إلى أن بقيت محصورة على العنف ضد المناضلين التقدميين انى وجدوا سيما الدين تنسجم مواقفهم من هذه القوى مع المادية الجدلية. وتاليا ينهجون معها القطع و الفضح و لا يجمعهم معها اطار معين قصد بناء الاداة الثورية اللهم اذا تعلق الامر بالتصدي و القطع و الفضح ، في المغرب نجح النظام في تدجين هذه القوى باختلاق أحداث 16 ماي 2003 اذ لا يعقل ان تقوم جماعة إسلامية تتلقى الدعم من تنظيمات دولية بالقيام بتفجيرات في وسط الدار البيضاء دون أن تعلم أجهزة النظام بذلك، سيما و أن التنظيمات التي تتهم بذلك هي صنيعة الغرب الرأسمالي و يفهم كيف تتحرك أكثر مما تعرف هي نفسها. لكن وجودها كما سلف ضروري لأنه يصير بمثابة مسمار جحا و فزاعة تقهر خصوم الرأسمال و مناصري العمال و حلفائهم.
و قبل الختام أود أن أشير إلى أن قيادات هده التنظيمات تعلم جيدا أنها تخدم مصالح النظام القائم و تخدم مصالح الرأسمال في حقل السياسة. في حين لا تعلم الأغلبية العظمى من القواعد شيئا عن ما يحاك في الكواليس. و سبيل القيادات إلى تدجين القواعد هو الدين المقدس الذي لا يقبل النقاش و المجادلة. فما هي أدلتنا على ذلك؟ لنتأمل هذه التجربة وبذلك أختم هذا المحور.
سنعطي مثالا بتجربة جماعة العدل و الإحسان الشهيرة بالمغرب، هي تنظيم اسلاموي يعتقد بضرورة تحقق وعد النبي بعودة الخلافة الثانية على منهاج النبوة. هذه الجماعة خرجت من رحم الحركة الإسلامية المغربية و بطانة التصوف بإبداع من مرشدها عبد السلام ياسين، حيث حاول هذا الاخير المزج بين تربيته الصوفية و تكوينه الأكاديمي و شغفه بتجربة الاخوان المسلمين ثم إعجابه بالثورة الإيرانية و أخيرا مرجعيته الاسلاموية النصية ممثلة في الوعد النبوي "بعودة الخلافة الثانية" في الحديث الشهير المروي في مسند الامام احمد .
و هكذا اتخد من القمع الذي انتهجه الحسن الثاني بعد المحاولتين الانقلابيتين في أوائل السبعينات من القرن الماضي سببا مباشرا لكتابة رسالته "الإسلام أو الطوفان" موجها إياها إلى الملك يدعوه إلى التوبة واستحضار الله في واقع الحكم. هذه الواقعة ألهمت الكثيرين و حولتهم الى أتباع لهذا الشيخ لتتكون الجمعية الخيرية وشعارها العدل و الإحسان قبل أن تتحول إلى جماعة العدل و الإحسان.
في بدء الأمر شن النظام حملات متتالية من القمع و المنع لأنشطة الجماعة متغافلا الدور المتعاظم لها في كبح جماح اليسار بقوتيه البرنامجية و السياسية. لكن ماذا سيحدث فيما بعد؟
سيظل زعماء الجماعة و مفكروها يتفننون في سرد ما عانوه من القمع مبينين عن وحشية» المخزن« . وهم بهذا يقومون بعمل دعائي من النوع الممتاز يناقشون كل شيء في اسفارهم ، وفي ذلك التأكيد على الخلافة التي كانت و لا تزال مثار جدل و نفي حتى عند مفكرين من حجم عابد الجابري و علي عتيد الرازق و غيرهم كثير . بل إنهم يسوقون لمشاريعهم في الأحلام والرؤى، لكن المتأمل يلاحظ أن النظام مند ما بعد التسعينيات لم يعد يعبأ بالجماعة وأنشطتها، بل أنه يسمح لمسيراتها الضخمة بالمرور في الشوارع ، في حين أن حفنة من الطلبة الماركسيين في الجامعة يثيرون أجهزة القمع بأكملها !.
فالنظام اكتشف في هده الجماعة إطارا تصفويا ممتازا يرضخ بسهولة للشروط التي تفرضها الامبريالية العالمية على الاسلامويين، بل يحاورها في الشعارات و تهرع الى تنفيد املاءاته مقابل السماخ لها بالوجود. كما أنه تنظيم يمتاز بجعل خطابه مرنا بحيث لا تظهر التناقضات بينه و بين الممارسات كما هو الشأن بالنسبة لاسلامويي التوحيد و الاصلاح، وعلاوة على العقم النظري و التفكير الخرافي لهذه الجماعة فأنها تمتاز بالاستبداد الداخلي. و لعل تهرب أي عضو من العدل والإحسان من مناقشة قضية البشيري و نزاعه مع الشيخ ياسين ، يوضح مكامن الحرج الكثيرة على المستوى السياسي التي تحفل بها هذه الجماعة.
و أخيرا تجدر الإشارة إلى بعض الممارسات التي قامت بها هذه الجماعة من أجل نسف حركة 20 فبراير كإطار كان من الممكن أن يحقق (شيئا) على درب النضال الشعبي التقدمي السليم من الإصلاحية الانتهازية والظلام والفاشية. لم تدخل الجماعة إلى الحركة إلا بعد أن اتضحت خريطة مكوناتها و بدأت (تجرها) إلى النضال المفرغ من محتواه وشعارات تعكس أنها المسيطر الوحيد على الحركة ليطمئن النظام، وهذا الأخير يرسل الاشارات تلو الأخرى ليؤكد على أنه قادر على منع أي كان من نزول الشارع. بل ان الجماعة أصبحت تنزل إلى الشارع باسم 20 فبراير لكن اذا أراد النظام ذلك فقط، و نهجت ضد القوى الواهمة أنها تقدمية أسلوب الخبث بحيث تنعتها بالإلحاد تارة وبموالاة المخزن تارة أخرى ، و ذلك كلما عجزت الجماعة كعادة جميع الاسلامويين عن نقاش البرامج و المواقف السياسية، ناهيك عن تخليها عن شعاراتها القديمة من قبيل الخلافة و القومة و التربية الاحسانية لترفع شعارات اخرى مثل الحرية و المواطنة و الملكية البرلمانية و اسقاط الفساد . لكن أهم ما قدمته هذه الجماعة بشكل عكسي هو أنها ابانت لكل من كان يعتقد أن الوحدة بين القوى يمكن أن تحقق شيئا، بل تأكد أن الوحدة يلزمها حد أدنى من التقارب في المواقف. بل يجب أن تكون المواقف التقدمية هي الأرضية المؤسسة للوحدة و ليس وحدة القوى مع المحافظة على مواقفها، وتاريخيا كلا القوتين سواء الرجعية أو التقدمية لا تحقق النصر إلا ادا كانت التقدمية أو الرجعية هي أرضية التحالف. ولعل نسف حركة 20 فبراير و انتهاءها تماما يؤكد هذا الطرح ، بحيث اقنعت الجماعة الجميع انها اقوى مكونات الحركة و هكذا اعتقد ايضا اليسراويون في الحركة ، ثم بعد انسحاب الجماعة تهاوت الحركة باكملها، فالمشكل في تصور اليسراويين لقضية الوحدة ، و في عدم فهمهم للدور الحقيقي المنوط بالقوى الاسلاموية تاليا .




#سعيد_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد صقر - خلفاء بلا خلافة