أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد العليمى - النظرية الماركسية حول الدولة والقانون















المزيد.....



النظرية الماركسية حول الدولة والقانون


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 3665 - 2012 / 3 / 12 - 15:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


النظرية الماركسية حول الدولة والقانون*
يفجينى. ب. باشوكانيس
الفصل الأول
التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية، والدولة، والقانون
1ـ مذهب التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية
كأساس للنظرية الماركسية فى الدولة والقانون
إن مذهب الدولة والقانون هو جزء من كل أكبر، أى، من جملة العلوم التى تدرس المجتمع البشرى. وتطور هذه العلوم محدد بدوره بواسطة تاريخ المجتمع نفسه، أى بتاريخ الصراع الطبقى.
لقد لوحظ منذ وقت طويل أن أشد الحوافز قوة وإثماراً هى تلك التى ترعى وتعزز دراسة الظواهر الاجتماعية التى ترتبط بالثورات. لقد ولَّدت الثورة الإنجليزية فى القرن السابع عشر الاتجاهات الأساسية للفكر الاجتماعى البورجوازى، ودفعت قدماً الفهم العلمى، المادى، للظواهر الاجتماعية.
ويكفى أن نذكر مؤلفاً مثل مؤلف أوشيانا oceana الذى كتبه الكاتب الإنجليزى هارينجتون Harrignton، والذى ظهر فى أعقاب الثورة الإنجليزية فى القرن السابع عشر الذى ترتبط فيه التغيرات فى البنية السياسية بالتوزيع المتغير للملكية العقارية. ويكفى أن نذكر مؤلف بارناف Barnave ـ أحد مهندسى الثورة الفرنسية الكبرى ـ الذى سعى بنفس الطريقة لتفسير الصراع السياسى والنظام السياسى بعلاقات الملكية. وقد استنتج مؤرخى عهد عودة الملكية الفرنسيين عند دراسة الثورات البورجوازية ـ جيزو Guizot، مينو Minaux وتيرى Thierry ـ أن الحدث المتكرر فى هذه الثورات كان الصراع الطبقى بين الطبقة الثالثة (أى البورجوازية) والطبقات صاحبة الامتياز فى النظام الإقطاعى ومَلِكُهم. لذلك يشير ماركس فى خطابه المعروف جيداً إلى فيدماير Wedemeyer إلى أن نظرية الصراع الطبقى كانت معروفة قبله. وقد كتب "فيما يتعلق بى، فلا يعود لى فضل اكتشاف وجود الطبقات فى المجتمع الحديث أو الصراع فيما بينها. إن مؤرخين بورجوازيين قد عرضوا قبلى بوقت طويل التطور التاريخى لهذا الصراع الطبقى. ووصف اقتصاديون بورجوازيون التشريح الاقتصادى لهذه الطبقات. إن ما قدمته من جديد هو البرهان على أن: 1ـ وجود الطبقات لا يرتبط إلا بأطوار تاريخية معينة من تطور الإنتاج؛ 2ـ الصراع الطبقى يقود بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا؛ 3ـ هذه الدكتاتورية نفسها لا تمثل سوى مرحلة انتقالية نحو إلغاء جميع الطبقات ونحو مجتمع لا طبقى.

2ـ *( حذف القسم الثانى -- المحررون )

3ـ النموذج الطبقى للدولة وشكل الحكومة
إن مذهب التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية هام بصفة خاصة بالنسبة لنظرية ماركس فى الدولة والقانون، لأنه يقدم الأساس لوصف علمى دقيق لنماذج الدولة المختلفة ولنظم القانون المتباينة.
يحاول النظريون السياسيون والقانونيون البورجوازيون تأسيس تصنيف للأشكال السياسية والقانونية دون أى معايير علمية، أى ليس من الجوهر الطبقى لهذه الأشكال، وإنما من سمات خارجية بهذه الدرجة أو تلك. ويتفادى النظريون البورجوازيون للدولة بشكل دائم مسألة الطبيعة الطبقية للدولة، ويقترحون كل أنماط التعريفات والتمييزات المفهومية، المدرسية الاصطناعية. فعلى سبيل المثال، قسمت الكتب المدرسية فى الماضى الدولة إلى ثلاثة عناصر: الإقليم، السكان والسلطة.
يذهب بعض الدارسين أبعد من ذلك. يميز كيلين Kellen ـ وهو واحد من أحدث النظريين السويديين المعنيين بالدولة خمسة عناصر أو ظواهر تختص بالدولة: الإقليم، والسكان، والاقتصاد، والمجتمع، وأخيراً، الدولة بوصفها ذات السلطة القانونية الشكلية. كل هذه التعريفات والتمييزات بين العناصر، أو مظاهر الدولة، ليست شيئاً أكثر من لعبة مدرسية لمفاهيم فارغة ما دامت المسألة الأساسية غائبة: انقسام المجتمع إلى طبقات، والسيطرة الطبقية. لا يمكن للدولة بالطبع أن توجد بدون السكان، أو الإقليم، أو الاقتصاد، أو المجتمع. هذه حقيقة لا جدال فيها. ولكن فى نفس الوقت، فمن الحقيقى أن كل هذه العناصر قد وجدت فى مرحلة من التطور لم تكن فيها دولة. وبالمثل، سوف يوجد المجتمع الشيوعى اللاطبقى الذى سيكون له إقليم، وسكان، واقتصاد بدون الدولة مادامت ضرورة القمع الطبقى سوف تزول.
كذلك فإن ملمح السلطة، أو السلطة الإكراهية لا يقول لنا شيئاً على الإطلاق. لقد أكد لينين فى جداله مع ستروفه فى 1890 أنه: "يرى بأشد الطرق خطأ الملمح المميز للدولة فى سلطتها الإكراهية. والحال أن السلطة الإكراهية توجد فى كل مجتمع إنسانى ـ فى كل من البنية القبلية، وفى العائلة، مع ذلك لم تكن هناك دولة". ثم يستخلص لينين: "إن الملح المميز للدولة هو وجود فئة منفصلة من الناس تتركز فى يدها السلطة". ومن الواضح أنه لا يمكن لأحد أن يستخدم مصطلح "الدولة" بالإشارة إلى مجتمع يدار فيه تنظيم الوضع بالمقابل من كل الأعضاء.(2)
إن موقف ستروفه الذى يرى أن الملمح المميز للدولة هو السلطة الإكراهية لم يكن وصفه بالأستاذى/ الأكاديمى من قبل لينين بغير سبب: فكل علم بورجوازى عن الدولة ملئ بالاستخلاصات حول جوهر السلطة الإكراهية. إذ يحجبون الطابع الطبقى للدولة، يفسر الباحثون البورجوازيون هذا الإكراه بمعنى سيكولوجى محض. كتب أحد الفقهاء البورجوازيين الروس (لازاريفسكى)، "لأن للسلطة والخضوع عنصران ضروريان: شعور هؤلاء الذين يمارسون السلطة أن لهم الحق فى الطاعة، وشعور الخاضعين لهم بأنهم يجب أن يطيعوا".
انتهى لازاريفسكى وفقهاء بورجوازيين آخرين من هذا، إلى الاستنتاج التالى: إن سلطة الدولة مؤسسة على الاعتقاد العام للمواطنين بأن دولة معينة لها الحق فى إصدار مراسيمها/ أوامرها وقوانينها. وهكذا، فإن الحقيقة الواقعية ـ وهى تركيز وسائل القوة والإكراه فى يد طبقة بعينها ـ أخفتها وحجبتها أيديولوجية البورجوازية. فبينما أضفت الدولة الإقطاعية مالكة الأرض الشرعية على سلطتها بواسطة قوة الدين، وظفت البورجوازية أصنام التشريع والقانون. ارتباطاً بهذا، نجد أيضاً نظرية الفقهاء البورجوازيين التى تبناها فى مجملها الاشتراكيين الديموقراطيين ومفادها اعتبار الدولة نائبة تتصرف* فى صالح كل المجتمع. كتب أحد الفقهاء البورجوازيين الآخرين (ماجازينر Magaziner) "إذا كان مصدر سلطة الدولة يشتق من الطبقة، فيتعين حتى تنجز مهامها أن تقف فوق الصراع الطبقى. من الناحية الشكلية، هى محكم الصراع الطبقى، وحتى أكثر من ذلك: فهى تطور قواعد هذا الصراع".
إن هذه النظرية الزائفة حول الطبيعة فوق الطبقية للدولة هى التى وظفت تحديداً لتبرير السياسة الخيانية التى انتهجها الاشتراكيون الديموقراطيون. فباسم "الصالح العام" يحرم الاشتراكيون الديموقراطيون العاطلين من رواتب الرعاية، ويساعدون فى تخفيض الأجور، ويشجعون إطلاق النار على تظاهرات العمال. إذ لا يرغبون فى الاعتراف بالحقيقة الأساسية، وهى أن الدول تختلف وفقاً لأساسها الطبقى، يركز الفقهاء البورجوازيون المعنيون بالدولة كل انتباههم على أشكال الحكم المتباينة. ولكن هذا الاختلاف فى حد ذاته لا قيمة له. وهكذا على سبيل المثال، ففى اليونان القديمة وروما القديمة نجد أكثر أشكال الحكومات اختلافاً. ولكن كل التحولات من الملكية إلى الجمهورية التى نلاحظها هناك، لا تقضى على الحقيقة الأساسية وهى أن هذه الدول بغض النظر عن أشكالها المختلفة، كانت دولاً عبودية. إن جهاز الإكراه، أياً كانت كيفية تنظيمه استأثر به ملاك العبيد وأكد سيطرتهم على العبيد بمساعدة القوة المسلحة، وأكد حق ملاك العبيد فى التصرف فى عمل وشخصية العبيد، لاستغلالهم، ولارتكاب أى فعل عنيف رغبوه ضدهم.
إن التمييز بين شكل الحكم والجوهر الطبقى للدولة هام بصفة خاصة من أجل إرساء استراتيجية صائبة للطبقة العاملة فى صراعها ضد الرأسمالية. إذ ننطلق من هذا التمييز، فإننا نؤسس القول بأنه إلى المدى الذى تبقى فيه الملكية الخاصة وسلطة رأس المال كما هى لم تمس ، لهذا المدى لا يغير الشكل الديموقراطى للحكومة جوهر الأمر. فالديموقراطية مع استبقاء الاستغلال الرأسمالى سوف تكون دائماً ديموقراطية من أجل الأقلية، ديموقراطية من أجل المالكين، وسوف تعنى دائماً الاستغلال وإخضاع الجمهرة العظمى من الشعب العامل. وعلى ذلك فإن نظرييى الأممية الثانية مثل كاوتسكى الذى يعارض "الديموقراطية" بشكل عام "بالديكتاتورية" يرفض تماماً أن يقدر طبيعتها الطبقية. إنهم يستبدلون الماركسية بعقائدية قانونية مبتذلة، ويتصرفون مثل أبطال مدرسيين وخدام للرأسمالية.
إن أشكال الحكم المختلفة قد ظهرت بالفعل فى مجتمع ملاك العبيد. وهى تتألف من الناحية الأساسية من النماذج التالية: الدولة الملكية برئيس وراثى، والجمهورية، حيث السلطة اختيارية وحيث لا تنتقل المناصب بالتوريث. إضافة لذلك، الارستقراطية، أو سلطة الأقلية (أى، دولة يكون الاشتراك فى إدارتها مقصور قانوناً على دائرة محدودة وبالأحرى ضيقة من الأشخاص المتميزين) التى تتميز عن الديموقراطية (أو، حرفياً، حكم الشعب)، وهى دولة يسهم الكل فيها استناداً للقانون فى تقرير الشئون العامة إما مباشرة أو من خلال ممثلين منتخبين. وهذا التمييز بين الملكية، والارستقراطية والديموقراطية قد وضعه قبلاً الفيلسوف اليونانى أرسطو فى القرن الرابع. ولا تضيف النظريات البورجوازية الحديثة عن الدولة سوى القليل لهذا التصنيف.
وفى الواقع فإننا يمكن أن ندرك مغزى شكل أو آخر حين نأخذ فى اعتبارنا فقط الأوضاع التاريخية العينية التى ظهر فيها ووجد، وفقط فى سياق الطبيعة الطبقية لدولة معينة. إن محاولات تأسيس أى قوانين عامة مجردة عن حركة أشكال الدولة التى غالباً ما انشغل بها النظريون البورجوازيون لا علاقة لها بالعلم. يعتمد تغير شكل الحكم على الأوضاع التاريخية العينية بصفة خاصة، على أوضاع الصراع الطبقى، وعلى كيفية تشكل العلاقات بين الطبقة المالكة والطبقة المسودة، وأيضاً داخل الطبقة الحاكمة نفسها. قد تتغير أشكال الحكم بالرغم من أن الطبيعة الطبقية للدولة تبقى هى ذاتها. إن فرنسا، فى مجرى القرن التاسع عشر، وعقب ثورة 1830 وحتى الوقت الحاضر، عرفت الملكية الدستورية، والإمبراطورية، والجمهورية، وقد بقى حكم الدولة البورجوازية الرأسمالية فى هذه الأشكال الثلاثة جميعها. وبالعكس، فإن نفس شكل الحكم (على سبيل المثال الجمهورية الديموقراطية) الذى صادفناه فى العالم القديم بوصفه تنويعة من الدولة مالكة العبيد، هو فى زمننا أحد أشكال السيطرة الرأسمالية.
وعلى ذلك، فعند دراسة أى دولة، فإنه لفى غاية الأهمية من الناحية الأولية أن نفحص ليس شكلها الخارجى وإنما مضمونها الطبقى الداخلى واضعين الشروط التاريخية العينية للصراع الطبقى فى أس هذا التفحص.
إن مسألة العلاقة بين الطابع الطبقى للدولة وشكل الحكم لازالت ضئيلة التطور. وفى النظرية البورجوازية عن الدولة لم يكن من الممكن لهذه المسألة أن تتطور فقط وإنما لم يكن ممكناً حتى أن تطرح بشكل صحيح، لأن العلم البورجوازى يحاول دائماً أن يُقنِّع الطبيعة الطبقية لكل الدول، وبصفة خاصة الطبيعة الطبقية للدولة الرأسمالية. وعلى ذلك،غالباً ما يدمج النظريون البورجوازيون عن الدولة، بدون تحليل، ملامح تتعلق بشكل الحكم ، وملامح تتعلق بالطبيعة الطبقية للدولة.
يمكن لنا أن نقدم مثالاً على ذلك وهو التصنيف الذى اقترحته إحدى الموسوعات الألمانية للعلوم القانونية.
يميز المؤلف (كيلرريتر Kellreiter) (أ) الدولة المطلقة أو الديكتاتورية، وهو يعتبر أن السمة الأساسية لهذه الأشكال هى أن سلطات الدولة مركزة فى يد شخص واحد. وكمثل على ذلك يذكر الملكية المطلقة فى عهد لويس الرابع عشر فى فرنسا، والأوتوقراطية القيصرية فى روسيا، والسلطة الديكتاتورية التى خولت بإيلاء صلاحيات استثنائية لشخص واحد، على سبيل المثال، رئيس الجمهورية الألمانية وفقاً للمادة 48 من دستور فايمار؛ (ب) الدولة الدستورية ويميزها الفصل بين السلطات، واستقلالها والرقابة المتبادلة والتوازن بينها، ومن ثم يضعف الضغط الذى تمارسه سلطة الدولة على الفرد (والأمثلة على ذلك: الدستور الألمانى قبل ثورة 1918، والولايات المتحدة الأمريكية حيث يتمتع الرئيس والكونجرس بسلطات مستقلة). (ج) الدولة الديموقراطية ومقدمتها الأساسية أحادية السلطة وإنكاراً مبدئياً للاختلاف بين السلطة وموضوع السلطة (السيادة الشعبية، وتمثلها الجمهورية الألمانية). (د) الدولة الطائفية الطبقية Class Corporative State والنظام السوفيتى بوصفهما نقيضين للديموقراطية الشكلية، حيث لا يظهر الشعب ككتلة متذررة من المواطنين المعزولين وإنما ككتلة من الجماعيات المنظمة والمتفردة.
وهذا التصنيف مثال نموذجى للغاية عن التشوش الذى يدخله الباحثون البورجوازيون بشكل واع على مسألة الدولة. بدءاً بحقيقة أن مفهوم الديكتاتورية يُفسر بالمعنى القانونى الشكلى، مفتقراً لأى مضمون طبقى، كما يتجنب الفقيه البورجوازى بشكل عمدى مسألة: دكتاتورية أى طبقة وموجهة ضد من؟ وهو يعتم التمييز بين دكتاتورية حفنة من المستغلين ودكتاتورية الأغلبية الساحقة للشعب العامل؛ إنه يعتم مفهوم الدكتاتورية، لأنه لا يستطيع تفادى تعريفها بدون قانون أو فقرة لها صلة به، بينما "المفهوم العلمى للديكتاتورية لا يعنى أقل من سلطة ترتكز مباشرة على القوة/ العنف، لا تحدها قوانين ولا تقيدها قواعد مطلقة". (4) أضافة إلى ذلك يكفى أن نشير، على سبيل المثال، إلى أن المؤلف يدرج تحت العنوان الأخير (أ) نموذج جديد للدولة، لم نواجهه قبلاً فى التاريخ حيث السلطة تخص البروليتاريا (ب) الأحلام الرجعية لبعض الأساتذة وما يسمى باشتراكيى الطائفة الحرفية، حول العودة إلى مؤسسات ومحلات العصور الوسطى، وأخيراً (جـ) ديكتاتورية رأس المال الفاشية التى يمارسها موسولينى فى إيطاليا. إن هذا الباحث المحترم يُدخل التشوش بوعى، كما أنه يتجاهل بوعى الشروط التاريخية العينية التى يمكن للطبقة العاملة فى ظلها بالفعل أن تمارس إدارة الدولة، متصرفة كجماعيات منظمة. غير أن هذه الشروط تتمثل فقط فى الثورة البروليتارية وتأسيس دكتاتورية البروليتاريا.

4ـ الطبيعة الطبقية للقانون
يشوش العلم البورجوازى مسألة جوهر القانون بشكل لا يقل عن تشويشه مسألة الدولة. هنا تعارض الماركسية اللينينية الأغلبية المتباينة من النظريات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة والتحريفية إذ تنطلق من تفسير الطبيعة الطبقية والتاريخية للقانون، تعتبر الدولة ظاهرة أساسية بالنسبة لكل مجتمع إنسانى. وهكذا تحول القانون إلى مقولة فوق تاريخية.
ليس من المدهش، من ثم، أن تخدم الفلسفة البورجوازية للقانون بوصفها المصدر الرئيس لإدخال التشوش فى مفهوم القانون، ومفهوم الدولة، والمجتمع.
تمثل النظرية البورجوازية عن الدولة 90% من النظرية القانونية عن الدولة. ويخفى الجوهر الطبقى غير الجذاب للدولة، فى غالب الأحيان وبغاية الشغف، بواسطة تركيبات ذكية من الشكلية القانونية، أو يُغطى من ناحية أخرى بسحب التجريدات القانونية الفلسفية.
ليس عرض الجوهر الطبقى التاريخى للقانون، من ثم، جزءاً غير مهم من النظرية الماركسية اللينينية عن المجتمع، وعن الدولة وعن القانون.
تكمن المقاربة الأوسع انتشاراً فى العلم البورجوازى لحل مسألة جوهر القانون فى حقيقة أنها تجاهد لتحيط ، بوجود أى علاقات إنسانية منظمة بشكل واع، أو أى قواعد اجتماعية، أو أى ظاهرة للسلطة الاجتماعية أو قوة اجتماعية من خلال مفهوم القانون . وهكذا، ينقل الباحثون البورجوازيون بسهولة القانون إلى المجتمع ما قبل الطبقى، ويجدونه فى حياة ما قبل الدولة عند القبائل البدائية، ويستنتجون أن الشيوعية لا يمكن التفكير فيها بغير القانون. إنهم يحولون القانون بوصفه تجريداً فارغاً إلى مفهوم عام خالٍ من أى مضمون تاريخى. يغدو القانون عند السوسيولوجيين البورجوازيين شكلاً فارغاً لا يرتبط بالواقع العينى، أو بعلاقات الإنتاج، وبالطابع العدائى لهذه العلاقات فى مجتمع طبقى، ]و[بوجود الدولة كجهاز خاص للسلطة فى يد الطبقة الحاكمة.
إن ممثلى الفلسفة المثالية فى حقل القانون لايزالون يذهبون أبعد. فهم يبدأون بـ"فكرة القانون" التى تقف فوق التاريخ الاجتماعى كشىء أبدى، ثابت، ومستقل عن الزمان والمكان.
ها هى، على سبيل المثال، استنتاجات أحد أهم ممثلى أيديولوجية فلسفة القانون الكانطية الجديدة ـ ستاملر Stammler:
تمتد عبر كل مصائر وأفعال الإنسان فكرة واحدة بذاتها، فكرة القانون. فكل اللغات تملك وصفاً لهذا المفهوم، واتجاه التعريفات والأحكام التى يعبر عنها بواسطته، ترقى بعد الدراسة الدقيقة، إلى أن تكون نفس وذات المعنى.
بعد أن قام بهذا الاكتشاف، لايكلف ستاملر شيئاً "أن يثبت"، أنه بغض النظر عن الاختلافات بين حياة وأنشطة الأمم و"الموضوعات ذات الاعتبار القانونى"، فإننا نلاحظ وحدة الفكرة القانونية وظهورها المتساوى وتدخلها.
يُقدم هذا الهراء الأستاذى بدون أقل محاولة لطرح برهان حقيقى. وفى الواقع سوف يكون من الصعب بالأحرى شرح كيف أن وحدة الفكرة القانونية وظهورها المتساوى قد ولدت قانون الألواح الاثنى عشر فى روما مالكة العبيد، وأعراف القنانة فى القرون الوسطى، وإعلانات حقوق الديموقراطيات الرأسمالية، ودستورنا السوفييتى.
ولكن ستاملر ليس محرجاً لنقص الدليل الواقعى. وهو يتعامل بنفس البساطة مع دليل أبدية القانون. إنه يبدأ مع السيكلوبات Cyclopes الخرافية التى وصفت فى الأوديسه، وحتى هذه العجائب الأسطورية كانت آباء العائلات، ووفقاً لستاملر لم يكن فى مقدورها أن توجد بغير قانون. من ناحية أخرى، على أية حال، بينما ستاملر مستعد للاعتراف بأن قبائل الأقزام فى أفريقيا والإسكيمو لم يعرفوا الدولة، إلا أنه ينكر ببساطة كل التقارير حول الشعوب التى لا تعرف القانون بوصفها تقارير مخادعة. أضف إلى ذلك، يستبدل ستاملر على الفور التقدير العينى التاريخى للمسألة بمشى على الحبل بهلوانى مدرسى منطقى شكلى، الذى يُقدم وسط الأساتذة البورجوازيين بوصفه دقة منهجية.
إننا نقدم هذه الاستنتاجات، لأنها تعرض نموذجاً لكامل الاتجاه أضف إلى ذلك فهى شديدة العصرية فى الغرب.
يقترح ستاملر أن الدراسة العينية للظواهر القانونية غير قادرة بتاتاً على تقديم أى شىء يعين فى فهم جوهر القانون. لأننا لو نسبنا أية ظاهرة لقائمة الظواهر القانونية فهذا يعنى أننا نعرف سلفاً أن هذا قانون وما هى سماته. يفترض تعريف القانون الذى يسبق الوقائع معرفة ما هو القانون وما ليس بقانون بشكل مسبق. طبقاً لذلك ففى رأى ستاملر، أنه عند النظر في مفهوم القانون، فمن الضرورى استبعاد كل ما هو عينى وما صادفناه فى التجربة وأن نفهم أن "الفكرة القانونية هى وسيلة منهجية محضة لتنظيم الحياة الروحية".
هذا الاستنتاج، الذى يواجهنا بمدرسيته، ليس شيئاً سوى أطروحة أيديولوجية كانطية متضمنة فى سياق غباوة ستاملر القانونية. إنها تبين أن ما يسمى بأشكال المعرفة لا تعبر عن السمات الموضوعية للمادة، فهى محددة قبلياً a priori وتسبق كل تجربة إنسانية وشروطها الضرورية.
يحاول ستاملر بعد أن حول القانون إلى فكرة منهجية، أن يموضعه ليس فى العالم المادى حيث يخضع كل شىء لقانون السبب والنتيجة، وإنما فى نطاق الأهداف. القانون وفقاً لستاملر، هو تعريف لا ينطلق من الماضى (من السبب إلى النتيجة) وإنما من المستقبل (من الهدف إلى الوسائل). وأخيراً يضيف أن القانون لا يتعامل مع الإجراء الداخلى للأفكار بوصفها كذلك، وإنما مع التفاعل الإنسانى، ويقدم ستاملر هذا التعريف المدرسى الشمولى المؤلم:
إن مفهوم القانون هو شكل محض للفكر. إنه يقسم منهجياً إلى ما لانهاية المادة المتغايرة للرغبات الإنسانية المدركة من قبل الحواس، ويعرفها كإرادة متصلة مستقلة لا تنتهك.
هذه النزعة المدرسية الأستاذية لها ملمح جذاب عند البورجوازية فالوسائل اللفظية والشكلية يمكن أن تخفى الواقع القبيح لمجتمع ]هم[ المستغل وقانونهم المستغل.
إذا كان القانون هو "شكل محض للفكر"، فمن الممكن إذن أن نتجنب الحقيقة القبيحة وهى أن القانون الرأسمالى للملكية الخاصة يعنى بؤس البطالة، والفقر والجوع للبروليتارى وعائلته؛ ودفاعاً عن هذا القانون تقف شرطة مسلحة حتى الأسنان، وعصابات فاشية، وجلادون وحراس سجن ويدلل هذا القانون على نظام كامل من الإكراه، والإذلال والقمع فى المستعمرات.
تتيح مثل هذه النظريات تقنيع حقيقة أن المصلحة الطبقية للبورجوازية تكمن فى أساس القانون البورجوازى. بدلاً من القانون الطبقى، يحلم فلاسفة مثل ستاملر بالتجريدات، و"الأشكال المحضة"، و"الأفكار البشرية العامة"، و"روابط كلية دائمة للإرادة" وأشياء أخرى لا حياء فيها كلية.
وفلسفة القانون هذه مقصود بها تبليد الوعى الطبقى الثورى للبروليتاريا، وتكييفها مع المجتمع البورجوازى والاستغلال الرأسمالى.
وليس من غير سبب أن الاشتراكيين الفاشيين يظهرون بوصفهم مدافعين غيورين عن الكانطية الجديدة، وليس من غير سبب أن النظريين الاشتراكيين الديموقراطيين فى القانون يؤيدون لحد بعيد الفلسفة الكانطية ويعيدون صياغة ستاملر ذاته بطرق مختلفة.
تحقق فى أدبنا القانونى السوفييتى انتشار واسع المدى بالأحرى للنظريات القانونية البورجوازية. وقد كانت هناك محاولات لنشر التعاليم المثالية لستاملر فى مؤلفات بورتوفيش وبونوف ـ لاديجنسكى بصفة خاصة. إن نقد وإزاحة القناع عن هذا الغثاء ضرورى بهدف اجتثاث هذا التلوث الأيديولوجى البورجوازى.
وهكذا، نحن نعرف أن الدولة هى ظاهرة تاريخية مقصورة على حدود المجتمع الطبقى. فالدولة هى جهاز للحفاظ على سيطرة طبقة على أخرى. وهى تنظيم للطبقة الحاكمة، تملك تحت تصرفها أشد وسائل القمع والإكراه قوة. والثابت أنه لم يكن للدولة وجود قبل ظهور الطبقات. ولن تكون هناك دولة فى الشيوعية المتطورة.
مثله فى ذلك مثل الدولة، يرتبط القانون بشكل لا ينفصم بانقسام المجتمع إلى طبقات. فكل قانون هو قانون الطبقة الحاكمة. وأساس القانون هو صياغة وتعزيز العلاقة بوسائل الإنتاج، التى يمكن بسببها لجزء من الناس، فى المجتمع الاستغلالى، أن يستولى لنفسه على العمل غير المدفوع الأجر للآخر.
يحدد شكل الاستغلال الملامح النموذجية للنظام القانونى. وبالتوافق مع التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية الثلاث الأساسية للمجتمع الطبقى لدينا ثلاث نماذج أساسية للبنية الفوقية القانونية وهى قانون النظام العبودى، والقانون الإقطاعى والقانون البورجوازى. ولا يستبعد هذا بالطبع الاختلافات القومية التاريخية العينية بين كل من هذه الأنظمة. يتميز القانون الإنجليزى، على سبيل المثال، بخصوصيات كثيرة مقارنة بالقانون البورجوازى الذى يتضمنه تقنين نابليون. وبالمثل، فإننا لا نستبعد وجود بقايا من الأشكال الانتقالية أو المختلطة التى مضت والتى تُعقَد الصورة العينية.
كيفما كان الأمر، فإن الجوهرى والأساسى الذى يقدم فكرة مرشدة لدراسة مختلف المؤسسات القانونية ـ هو الاختلاف بين وضع العبد، ووضع القن، ووضع العامل المأجور. فعلاقة الاستغلال هى المحور الأساسى الذى تنتظم حوله كل العلاقات القانونية والمؤسسات القانونية الأخرى. يترتب على ذلك أن طبيعة الملكية لها مغزى حاسم فى كل نظام قانونى. ووفقاً لما قاله لينجه Lenge الرجعى اللامع والساخر من القرن الثامن عشر فإن الملكية هى روح القوانين.
5ـ القانون كظاهرة تاريخية: تعريف القانون
إن ظهور واضمحلال القانون، يماثل ظهور واضمحلال الدولة، فهو مرتبط بحدين تاريخيين غاية فى الأهمية. يظهر (القانون) والدولة مع انقسام المجتمع إلى طبقات. بعد المرور فى طريق من التطور الطويل، الحافل بالقفزات الثورية والتغيرات الكيفية، سوف يضمحل القانون والدولة فى ظل الشيوعية كنتيجة لاختفاء الطبقات وكل بقايا المجتمع الطبقى.
مع ذلك فإن مؤلفين معينين، ممن يعتبرون أنفسهم ماركسيين، يتبنون وجهة النظر القائلة بأن القانون يوجد فى المجتمع اللاطبقى، حتى أننا نلقى فى الشيوعية البدائية أشكالاً قانونية وعلاقات قانونية. يتبنى وجهة النظر هذه ريزنر Reisner على سبيل المثال. ويطلق ريزنر مصطلح "القانون" على سلسلة كاملة من مؤسسات وأعراف المجتمع القبلى: محرمات الزواج والثأر، العادات التى تنظم العلاقات بين القبائل، والعادات التى تتعلق باستخدام وسائل الإنتاج التى تخص القبيلة. يتحول القانون بهذه الطريقة إلى مؤسسة أبدية كامنة فى كل أشكال المجتمع الإنسانى. من هنا توجد خطوة واحدة فقط باتجاه فهم القانون كفكرة أبدية؛ ويميل ريزنر من الناحية الجوهرية لمثل هذا الفهم.
بالطبع، تناقض وجهة النظر هذه بشكل جوهرى الماركسية. إن أعراف مجتمع لا يعرف التقسيمات الطبقية، وعدم المساواة فى الملكية والاستغلال، تختلف كيفياً عن القانون والأوضاع القانونية Statute فى المجتمع الطبقى. أن نصنفهما معاً يعنى إدخال تشوش غير مرغوب فيه. وتقود أى محاولة لتجنب هذا الاختلاف الكيفى بشكل حتمى إلى النزعة المدرسية، إلى التركيب الخارجى المحض لظواهر ذات أنماط مختلفة أو إلى مفترضات مثالية مجردة بروح ستاملر.
ولا ينبغى أن تشوشنا حقيقة أن إنجلز فى كتابه أصل العائلة والدولة والملكية الخاصة يستخدم تعبير "القانون الأبدى" أو أنه يقتبس دون تصويب خصوصى وصف مورجان لعضو الجماعة القبلية باعتباره يتمتع بـ"المساواة فى الحقوق"، والشخص الذى ينتهك الأعراف القبلية بأنه قد وضع نفسه خارج القانون.
من الواضح أن مصطلحى حق وقانون قد استُخدما هنا ليس بمعناهما المباشر، وإنما عن طريق القياس. وهذا لا يعنى على أية حال، أننا فى المجتمع اللاطبقى سوف نتعامل فقط مع قواعد فنية محضة. حجة كهذه طرحها ستوشكا فى جداله مع ريزنر. أن نرجع أعراف وعادات المجتمع ما قبل الطبقى لنطاق التقنية سوف يعنى إعطاء مفهوم التقنية (التكنولوجيا) معنى غاية فى التوسع وغير محدد. موانع الزواج، الأعراف التى تتعلق بتنظيم القبيلة، سلطة الشيوخ، الثأر، إلى آخره ـ كل هذا بالطبع ليس تكنولوجيا وليس طرائق فنية، وإنما أعراف وعادات نظام اجتماعى. إن مضمون وطابع هذه الأعراف يتوافق بالطبع مع مستوى تطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج التى تقوم فوقها. لابد وأن تعتبر هذه الأشكال الاجتماعية البنية الفوقية التى تقوم على القاعدة الاقتصادية. ولكن الاختلاف الكيفى الأساسى بين البنية الفوقية هذه والبنية السياسية والقانونية للمجتمع الطبقى يكمن فى غياب عدم المساواة، والاستغلال، والإكراه الطبقى المنظم.
بينما تجاهد الماركسية لتعطى معنى تاريخياً عينياً للقانون، فإن الملمح المميز لفلاسفة القانون البورجوازيين هو، على النقيض من ذلك، استنتاج أن القانون بصفة عامة لا علاقة له بالطبقات، ولا بأى تشكيلة اقتصادية اجتماعية نوعية. بدلاً من اشتقاق مفهوم القانون من دراسة الوقائع التاريخية، ينشغل الباحثون البورجوازيون بتلفيق النظريات والتعريفات من المفاهيم الفارغة أو حتى من الكلمة قانون.
لقد رأينا سلفاً كيف يحاول ستاملر، بمعونة الحيل المدرسية أن يظهر أن الوقائع العينية لا مغزى لها فى تعريف القانون. ونحن نقول العكس على أية حال. فمن المستحيل إعطاء تعريف عام للقانون دون معرفة القانون فى المجتمعات العبودية، والإقطاعية والرأسمالية. يمكن لنا بدراسة قانون كل من هذه التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية فقط أن نُعين تلك السمات التى تكون فى الواقع أشد عمومية وأشد نمطية. وحين نفعل ذلك علينا ألا ننسى تحذير إنجلز لهؤلاء الذين يميلون للمبالغة فى مغزى هذه التعريفات العامة. على سبيل المثال، يتحدث إنجلز فى الفصل السادس من القسم الأول من كتاب ضد دوهرنج، بعد أن أعطى تعريفاً للحياة عن عدم ملائمة كل التعريفات لأنها كلها محدودة بالضرورة فى النطاقات الأشد عمومية وبساطة. وفى مقدمته لكتاب ضد دوهرنج صاغ إنجلز هذه الفكرة بشكل لا يزال أشد وضوحاً مشيراً إلى أن "التعريف الوحيد الواقعى هو تطور جوهر المادة"، وهذا ليس تعريفاً. كيفما كان الأمر، يطرح إنجلز على الفور بأنه بالنسبة للاستعمالات العملية العادية فإن التعريفات التى تشير إلى أشد الملامح عمومية بالنسبة لفئة/ مقولة ما هى فى غاية الفائدة. فنحن لا يمكن أن نستغنى عنها. ولكن من الخطأ أيضاً أن نطلب من تعريف ما أكثر مما يمكن أن يعطيه، ومن الخطأ نسيان حتمية عدم كفايته.
يتعين تذكر تصريحات إنجلز عند تناول أى تعريف عام، بما فى ذلك تعريف القانون. ومن الضرورى أن نتذكر أنه لا يحل ولا يمكن أن يحل محل دراسة كل أشكال ومظاهر القانون بوصفه ظاهرة قانونية عينية. عند تعيين الملامح المميزة الأشد عمومية يمكن أن نُعَرف القانون بأنه شكل لتنظيم وتعزيز علاقات الإنتاج وكذلك العلاقات الاجتماعية الأخرى القائمة فى المجتمع الطبقي؛ ويعتمد القانون على جهاز سلطة الدولة للطبقة الحاكمة، ويعكس مصالح الأخيرة.
يصف هذا التعريف دور ومغزى القانون فى المجتمع الطبقى. لكنه مع ذلك ليس كاملاً. إذ نميزه بالتضاد مع كل النظريات المعيارية المقصورة على الجانب الشكلى الخارجى للقانون (القواعد، القانون النظامى Statute، الأوضاع القضائية إلخ) تعتبر النظرية الماركسية اللينينية القانون وحدة بين الشكل والمضمون. لا تتضمن البنية الفوقية القانونية جملة قواعد وأفعال الوسائط agencies فقط، وإنما وحدة هذا الجانب الشكلى ومضمونه أى العلاقات الاجتماعية التى يعكسها القانون ويصادق عليها فى نفس الوقت، ويضفى عليها الطابع الشكلى، ويعدلها. لا يعتمد طابع إضفاء الشكلية على "الإرادة الحرة للمشرع" إنما يحدده الاقتصاد، ولكن من ناحية أخرى، ما إن تظهر البنية الفوقية، حتى تمارس أثراً انعكاسيا/ مرتداً على الاقتصاد.
يؤكد هذا التعريف على ثلاث جوانب للمسألة. الأول هو الطبيعة الطبقية للقانون؛ فكل قانون هو قانون الطبقة الحاكمة. فالمحاولات التى تعتبر القانون علاقة اجتماعية تعلو على المجتمع الطبقى، تؤدى إما إلى تصنيف زائف للظواهر المختلفة أو إلى مفترضات مثالية تأملية بروح فلسفة القانون البورجوازية. الثانى المغزى الأساسى والمحدد لعلاقات الإنتاج فى المضمون الذى يطبقه القانون. تعكس المصالح الطبقية علاقتها بوسائل الإنتاج مباشرة. بينما تحتل علاقات الملكية مكاناً بارزاً فى توصيف نظام قانونى معين. فى المجتمع الشيوعى، حيث تختفى الطبقات، حيث يصبح العمل هو الحاجة الأولية، حيث سيكون المبدأ النافذ هو من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته: لن يكون بحاجة للقانون. يتألف الجانب الثالث من حقيقة أن اشتغال البنية الفوقية القانونية يتطلب جهازاً قمعياً. حينما نقول إن العلاقات الاجتماعية قد اتخذت تعبيراً قانونياً، هذا يعنى من ضمن أشياء أخرى inter alia أنها قد أعطيت طبيعة إكراهية من قبل سلطة دولة الطبقة الحاكمة. يمكن لاضمحلال القانون أن يجرى فقط فى آن واحد مع اضمحلال الدولة.
إن العلاقات التى أضفى عليها تعبيراً قانونياً تختلف كيفياً عن تلك العلاقات التى لم يضف عليها هذا التعبير. قد يختلف شكل هذا التعبير كما أشار إلى ذلك إنجلز(5)، قد يكون أحياناً جيداً وأحياناً رديئاً. وقد يدعم التطور التقدمى لهذه العلاقات أو، على العكس قد يعوقها. يعتمد كل شىء على ما إذا كانت السلطة فى يد الطبقة الثورية أم الرجعية. هنا يظهر المغزى الواقعى للبنية الفوقية القانونية. على أية حال، فإن درجة هذا الواقع هى مسألة فعلية يمكن أن تحدد فقط بالدراسة العينية وليس بناء على حسابات قبلية a priori. يركز الفقهاء البورجوازيون انتباههم على نحو مميز على الشكل، ويتجاهلون المضمون بكل ما فى الكلمة من معنى. وهم يديرون ظهورهم للحياة والتاريخ الفعلى. وكما بين ذلك إنجلز فهم يعتبرون القانون العام والقانون الخاص نطاقين مستقلين، لهما تطورهما المستقل الخاص حيث يلزم ويتعين أن يخضعا لتطور منهجى مستقل من خلال الاستبعاد الدائم لكل تناقضاتهما الداخلية(6).
يعرف الفقهاء البورجوازيون القانون عادة بوصفه جملة من القواعد التى أضفت عليها الدولة سلطة إلزامية. وهذه النظرة للقانون تصف بشكل نموذجى ما يسمى بالوضعية القانونية. وأكثر ممثلى هذا الاتجاه تماسكاً هم الفقهاء الإنجليز من أوائل آل بلاكستون Blackstons (القرن الثامن عشر) وبعد ذلك أوستن Austin. أحرزت الوضعية القانونية فى بلدان أوروبية أخرى مكانة مهيمنة فى القرن التاسع عشر، لأن البورجوازية إما حازت سلطة الدولة، أو أنها حققت فى كل مكان نفوذاً كافياً فى الدولة إلى الحد الذى لم تعد تخاف فيه من مطابقة القانون بالمراكز/ المكانة Statute (الإقطاعية ـ المترجم). فى نفس الوقت لم يكن هناك شىء أفضل للمهنيين القانونيين وللقضاة ]و[ لمستشارى الدفاع ما دام هذا التعريف قد لبى حاجاتهم العملية تماماً. إذا كان القانون فى كليته مركباً من الأوامر التى تصدر عن الدولة، وتعززه العقوبات حال عدم الانصياع له، عندئذ تكون مهمة الفقيه قد حددت بأقصى درجة من الوضوح. لم يتقوم عمل الفقيه، وفقاً للوضعيين فى تبرير القانون من إحدى وجهات النظر الخارجية ـ فقد كان هذا ما انشغل به الفلاسفة؛ ولم يكن عمل الفقيه يشمل تفسير من أين انبثقت القاعدة، وما الذى حدد مضمونها ـ كانت هذه هى مهمة الفلاسفة السياسيين والسوسيولوجيين. ظل دور الفقيه هو القيام بالتفسير المنطقى لمواد قانونية معينة، وتأسيس رابطة منطقية داخلية بينها، وتركيبها معاً فى وحدات منهجية أكبر فى المؤسسات القانونية، وأخيراً بهذه الطريقة خلق نظام للقانون.
إن تعريف القانون بوصفه مجموعة من القواعد هو نقطة انطلاق لدعم ما يسمى بالمنهج الدوجماتى. يتضمن هذا استخدام النتائج المنطقية الشكلية لكى يجرى الانطلاق من قواعد معينة إلى مفاهيم أشد عمومية ثم يعود إليها مرة أخرى، والانطلاق من مواقع عامة لاقتراح حل القضايا أو الخلافات القانونية العينية. من الواضح أن الجانب العملى لهذا الدور، الذى يتطور بشدة خصوصاً فى ظروف الميل للخصومة فى المجتمع البورجوازى، لا علاقة له بالنظرية العلمية للقانون. إن تطبيقات ما يسمى بالمنطق القانونى ليست فقط عقيمة من الناحية النظرية، كما أنها ليست فقط غير قادرة على كشف جوهر القانون ومن ثم إظهار ارتباطه مع الظواهر الأخرى ـ مع الاقتصاد، مع السياسة، مع الصراع الطبقى ـ ولكنها أيضاً ضارة وغير مسموح بها فى الممارسة فى محاكمنا السوفييتية ومؤسسات الدولة الأخرى. نحن نحتاج لقرارات فى القضايا، ليس شكلياً، وإنما جوهرياً، لا تخفى دولة الشعب الكادح، بوصفها مميزة عن الدولة البورجوازية، لا طبيعتها الطبقية ولا غايتها ـ بناء الاشتراكية. ومن ثم، فإن تطبيق قواعد القانون السوفييتى لا ينبغى أن يتأسس على اعتبارات منطقية شكلية معينة، وإنما على اعتبارات تقوم على كل الملامح العينية التى تخص حالة بعينها، على الجوهر الطبقى لهذه العلاقات التى يغدو من الضرورى تطبيق قاعدة عامة عليها، والاتجاه العام لسياسة السلطة السوفييتية فى لحظة معينة. إذا ما جرى عكس ذلك سوف تتحقق نتيجة حددها لينين بوصفها: "صائبة فى الشكل، ومسخرة فى الجوهر".
لا يعنى إنكار المنطق الشكلى القانونى الذى زرعته البورجوازية إنكاراً للشرعية الثورية، ولا يعنى أن القضايا القانونية وأمور الإدارة ينبغى أن يجرى التقرير فيها بشكل مشوش فى الدولة السوفييتية، وبشكل منهجى على أساس النزوات الاعتباطية للأفراد، أو على أساس التأثيرات المحلية. إن النضال من أجل الشرعية الثورية هو نضال على جبهتين: ضد النزعة الشكلية القانونية ونقل الخداع البورجوازى للتربة السوفييتية، وضد هؤلاء الذين لا يفهمون المغزى التنظيمى للقرارات السوفييتية كواحدة من طرائق السلوك الموحد لسياسات دكتاتورية البروليتاريا.
وهكذا فإن القانون هو أحد وسائل صياغة وتعزيز علاقات إنتاج المجتمع الطبقى والعلاقات الاجتماعية المرتبطة بها. تظهر هذه العلاقات فى البنية الفوقية بوصفها علاقات ملكية وكعلاقات سيطرة وإخضاع. إنها تظهر، بصفة خاصة، كعلاقات ذات طبيعة أيديولوجية أى كعلاقات تشكلت فى ارتباط بوجهة نظر معينة وتدعمت بالإرادة الواعية للناس.
إننا لن نتناول مسألة الدرجة التى يمكن لأيديولوجية الطبقات المستغلة أن تعكس بها الواقع بصواب، وبأى معيار تشوهه حتماً (مصورة مصالح الطبقة المستغلة بوصفها المصلحة الاجتماعية المضبوطة، الشرعية، الحرية، إلخ). هنا نؤكد فحسب حقيقة أنه بدون عمل المشرعين، والقضاة، والشرطة، وحراس السجن (بكلمة، وكل جهاز الدولة الطبقية) سوف يغدو القانون بمثابة حكاية (خيالية ـ المترجم). "ليس القانون شيئاً بدون جهاز قادر على أن يفرض بالقوة مراعاة قواعد القانون". (لينين).
إن الإرادة الواعية التى تتجه نحو صياغة وتعزيز علاقات الإنتاج والعلاقات الأخرى ـ هى إرادة الطبقة الحاكمة التى تجد تعبيرها فى العرف، وفى القانون، وفى نشاط المحاكم والإدارة. توجد البنية الفوقية وتشتغل لأن وراءها يقف تنظيم للطبقة الحاكمة، أى جهاز للإكراه والقوة فى شكل الجيش، والشرطة، وحجاب المحاكم، وحراس السجن، والجلادون. هذا لا يعنى أن على الطبقة الحاكمة أن تستخدم القوة المادية فى كل حالة. حيث يتحقق الكثير من خلال التهديد البسيط، إدراك العجز وعدم جدوى الصراع، وبالضغط الاقتصادى، وأخيراً بحقيقة أن الطبقات العاملة واقعة فى الأسر الأيديولوجى للمستغلين. ويكفى أن نذكر مخدر الأيديولوجية الدينية للذل والخنوع، أو الانحناء أمام صنم الشرعية البورجوازية الذى يدعوا له الإصلاحيون. ولكن البرهان النهائى للنظام القانونى، وأساسه، هو دائماً وسائل القوة المادية. فبالاعتماد عليها وحدها يمكن لمالك العبيد فى العالم القديم أو الرأسمالى الحديث أن يتمتع بحقه.
إن محاولات بعض الفقهاء البورجوازيين لفصل القانون عن الدولة، أو معارضة "القانون" بـ "القوة" تمليها محاولات إخفاء وطمس الجوهر الطبقى للقانون.
فى الحقيقة غالباً ما تحمل هذه الأدلة القائلة بأن القانون مستقل عن الدولة طابعاً فكاهياً. وهكذا على سبيل المثال، يدعى ستاملر أنه قد أثبت هذه الأطروحة معتمداً على حقيقة أن شيئاً ما قابل للتوجيه يطير فوق القطب الشمالى، أى، خارج مجال فعل أى سلطة دولة، يجعل ظهور العلاقات القانونية ممكنة.
بمثل هذه المغالطة الدوجماتية الفارغة تُحل المسألة العلمية حول علاقة الدولة والقانون. ولا يمكن لنا أن نندهش من رد فعل لينين الحاد على ستاملر حينما يقول: "من البراهين الغبية، يستنتج ستاملر بالمثل استنتاجات غبية".
لا يعنى اعتماد القانون على الدولة، على أية حال، أن الدولة تخلق البنية الفوقية بإرادتها التحكمية. لأن الدولة نفسها، كما يقول إنجلز، هى بدرجة أكبر أو أقل انعكاس معقد للحاجات الاقتصادية للطبقة السائدة فى الإنتاج.
بعد أن أطاحت البروليتاريا بالبورجوازية وعززت دكتاتوريتها، كان عليها أن تخلق القانون السوفييتى اتساقاً مع الاقتصاد، وبصفة خاصة مع وجود ملايين كثيرة من مزارع الفلاحين الصغيرة وشديدة الصغر. وبعد انتصار الثورة البروليتارية فإن تحقيق الاشتراكية ليس فعلاً فورياً وإنما عملية بناء طويلة فى ظروف صراع طبقى حاد.
وقد انتقلنا من سياسة الحد من ميولها الاستغلالية والقضاء على مراتبها الأمامية، إلى سياسة تصفية الكولاك كطبقة من خلال نشر الزراعة الجماعية. وإنجاز ناجح للخطة الخمسية الأولى، وخلق قاعدتنا الخاصة لإعادة البناء التكنولوجى لكامل الاقتصاد القومي؛ وتحويل الكتلة الأساسية من جمهور الفلاحين إلى الزراعة الجماعية؛ ومكنت هذه الأحداث المهمة الأساسية للخطة الخمسية الثانية من أن تحقق:
التصفية النهائية للعناصر الرأسمالية والطبقات بصفة عامة، القضاء التام على أسباب التمايزات الطبقية والاستغلال، تجاوز بقايا الرأسمالية فى الاقتصاد وفى وعى الناس، تحويل كل السكان العاملين فى البلاد إلى بناة واعين ونشطين للمجتمع اللاطبقي(7).
نظم القانون السوفييتى فى كل مرحلة من هذه المراحل وصاغ علاقات الإنتاج بشكل مختلف.
كان من الطبيعى أن يكون القانون السوفييتى فى كل مرحلة من هذه المراحل مختلفاً عن قانون الدولة الرأسمالية. لأن القانون فى ظل الدكتاتورية البروليتارية استهدف دائماً حماية مصالح الأغلبية العاملة، وقمع العناصر الطبقية المعادية للبروليتاريا، والدفاع عن البناء الاشتراكى. هؤلاء الفقهاء السوفييت الأفراد الذين اعتبروا القانون مجموعة من القواعد (أى خارجياً وشكلياً) ليسوا فى موقع ليفهموا هذا. إذ وجدوا صياغة للقواعد العامة، فى القانونين البورجوازى والسوفييتى. بدأ هؤلاء الفقهاء فى الحديث عن تشابه القانونين البورجوازى والسوفييتى، "باحثين" عن المؤسسات "العامة"، متتبعين قواعد "عامة" معينة للقانونين البورجوازى والسوفييتى. وقد كان هذا الاتجاه غاية فى القوة فى السنوات الأولى من السياسة الاقتصادية الجديدة NEP. إن مطابقة القانون السوفييتى بالقانون البورجوازى قد اُستخلِص من فهم للسياسة الاقتصادية الجديدة NEP بوصفها عودة للرأسمالية، وقد وجدت ذلك تعبيراً لدى الكوادر الماركسية.
إذا كانت السياسة الاقتصادية الجديدة NEP كما أكدت المعارضة الزينوفييفية فى المؤتمر الرابع عشر للحزب هى "الرأسمالية التى تغل عنق الدولة البروليتارية" فلابد عندئذ من أن يعرض القانون السوفييتى بوصفه قانوناً بورجوازياً، تدرج فيه بعض الحدود، بالقدر الذى تقوم فيه الدولة الرأسمالية فى فترة الإمبريالية بتنظيم والحد من حرية التصرف فى الملكية، وحرية التعاقد.
قاد مثل هذا التشوه فى فهم السياسة الاقتصادية الجديدة NEP مباشرة إلى التحالف مع البورجوازيين الإصلاحيين فى فهم القانون السوفييتى.
إن السياسة الاقتصادية الجديدة فى الواقع هى سياسة خاضعة للدولة البروليتارية قصد بها السماح بالرأسمالية، بينما المواقع العليا القيادية تسيطر عليها الدولة البروليتارية، كما قصد بها الصراع بين العناصر الرأسمالية والعناصر الاشتراكية، وقصد بها نمو دور العناصر الاشتراكية على حساب العناصر الرأسمالية، وقصد بها القضاء على الطبقات وبناء أساس الاقتصاد الاشتراكي(8).
إن القانون السوفييتى بوصفه شكلاً خاصاً من السياسة تتبعه الدولة البروليتارية والبروليتاريا، قصد به تحديداً انتصار الاشتراكية. وهو يختلف جذرياً بوصفه كذلك عن القانون البورجوازى رغم التماثل الشكلى بين الأوضاع القانونية الفردية.
إن النزعة الشكلية القانونية التى لا ترى شيئاً غير القاعدة القانونية norm وتختزل القانون إلى الاشتغال المنطقى لهذه القواعد القانونية، تظهر كتنويعة على النزعة الإصلاحية، بوصفها "اشتراكية قانونية"، سوفييتية. أن يقتصروا فقط على القاعدة وما هو قانونى محض (أى المفاهيم والأفكار الشكلية) يعنى تجاهل جوهر المسألة الاقتصادى الاجتماعى والسياسى. وكنتيجة لذلك، يصل هؤلاء الفقهاء إلى الاستنتاج القائل بأن تحويل الملكية من حق تحكمى غير مقيد إلى "وظيفة اجتماعية"، (أى ميل "يخص قانون البلدان المتقدمة" أى، البلدان الرأسمالية)، يجد تعبيره الأتم فى التشريع السوفييتى. بإجراء مثل هذا الجدال "نسى" الفقهاء شيئاً تافهاً مثل ثورة أكتوبر ودكتاتورية البروليتاريا.
ليس من المهم أن "نقرأ" القاعدة فقط، وإنما أن نعرف أيضاً، أى دولة، أى جهاز دولة يطبق هذه القاعدة.
6- القانون وعلاقات الإنتاج
تشكل علاقات الإنتاج أس المجتمع. ومن الضرورى أن نبدأ بهذه العلاقات حتى نفهم الصورة المعقدة التى يقدمها تاريخ البشرية.
أن نبحث عن السمات المميزة للمجتمع والعلاقات الاجتماعية فى نطاق غير علاقات الإنتاج يعنى أن نجرد أنفسنا من إمكانية فهم علمى لقوانين تطور التشكيلات الاجتماعية. على أية حال، لا يترتب على ذلك مطلقاً أن علاقات الإنتاج والتبادل طبقاً لماركس هى فقط العلاقات الاجتماعية. حيث يمثل هذا المفهوم كاريكاتيراً للماركسية. إن التسوية بين العلاقات الاجتماعية وعلاقات الإنتاج يفهم فى هذه الحالة بشكل ميكانيكى محض. كيفما كان الأمر، فقد لاحظ لينين عدة مرات أن خدمة ماركس الجليلة تتقوم فى أنه لم يقتصر على وصف "الهيكل" الاقتصادى للمجتمع الرأسمالى، وإنما قيامه مع ذلك دائماً عند تفسير بناء وتطور تشكيلة اجتماعية معينة بعلاقات الإنتاج، على "نحو حصرى"، بدراسة شمولية للبنية الفوقية التى تتوافق مع علاقات الإنتاج هذه، التى كست هذا الهيكل باللحم والدم. وسبب أن رأس المال DAS KAPITAL قد حقق هذاالنجاح الضخم كان أن هذا الكتاب ("الذى كتبه اقتصادى ألمانى") قد أظهر التشكلية الاجتماعية الرأسمالية بوصفها شيئاً حياً ـ بمظاهر حياتها اليومية بالظواهر الاجتماعية الفعلية الأساسية بالنسبة لعلاقات الإنتاج بين الطبقات المتعادية، وبالبنية الفوقية السياسية البورجوازية التى تحمى سيطرة الطبقة الرأسمالية، مع الأفكار البورجوازية عن الحرية والمساواة، إلخ، مع العلاقات العائلية البورجوازية(9).
ينظر ستوشكا Stuchka بشكل مختلف لهذه المسألة. ففى رأيه، فإن ماركس قد اعتد فقط بعلاقات الإنتاج والتبادل بوصفها هى العلاقات الاجتماعية. ولكن سوف يعنى هذا تأكيد أن ماركس قصر نفسه على الهيكل فقط، كما لو أنه إذ أشار إلى الأساسى والمحدد فى نهاية المطاف فى الحياة الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية فقد أغفل بعد ذلك ما هو مشتق ويتطلب التفسير. على أية حال، فقد أشار ماركس مباشرة وأكثر من مرة لوجود العلاقات الاجتماعية التى ليست علاقات إنتاج ولكن التى تشتق منها فحسب وتتوافق معها. كتب ماركس وهو يصف الاشتراكية البروليتارية فى فرنسا عام 1848:
هذه الاشتراكية هى إعلان استمرارية الثورة، إعلان دكتاتورية البروليتاريا الطبقية بوصفها انتقالاً ضرورياً نحو القضاء على كل الاختلافات الطبقية كلها، نحو القضاء على كل علاقات الإنتاج التى تقوم عليها مثل هذه الاختلافات، نحو القضاء على كل العلاقات الاجتماعية التى تتوافق مع علاقات الإنتاج هذه، نحو ثورة فى كامل عالم الأفكار الناشئة من هذه العلاقات(10)،
مع ذلك، يدافع الرفيق ستوشكا بحزم عن فهمه لمصطلح "العلاقات الاجتماعية":
نحن ننطلق من العلاقات الاجتماعية؛ وإننى أؤكد على كلمة "اجتماعى" فهنا يبدو نقادى مشوشون إلى حد اليأس. وهكذا فإننى اختار الكلمة "اجتماعى" وقد خصصت فصلاً كاملاً من كتابى الأول لها بمعنى علاقات الإنتاج والتبادل فقط (كما يفهمها ماركس وكل ماركسى). (11)
عرَّف ستوشكا القانون منطلقاً من التسوية بين الإنتاج والعلاقات الاجتماعية، بوصفه "نسقاً (أو نظاماً) من العلاقات الاجتماعية التى تتوافق مع مصالح الطبقة الحاكمة التى تحميها بعنفها المنظم". فى هذا التعريف، كما أشار هو نفسه، هناك مكان فقط لقانون الملكية وقانون الالتزامات.
فى السابق، وهكذا حتى الآن،
كتب:
إننى أعتبر القانون الأساسى، القانون بصفة عامة، هو القانون المدنى، فاهما من ثم شكل تنظيم العلاقات الاجتماعية بالمعنى الخصوصى والضيق للكلمة (أى علاقات الإنتاج والتبادل). إننى أعتبر كل النطاقات المتبقية للقانون إما ذات طابع خاضع أو مشتق، وأن القانون البورجوازى فقط (مخضعاً لنفوذه كل النطاقات المتبقية للقانون) خلق دولة قانونية، أو قانون دولة وقانون جنائى، كقاعدة مكافئة للجريمة والعقوبة، دون ذكر حتى للإدارى، والمالى إلخ وأخيراً القانون الدولى أو حتى قانون الحرب(12).
تتضمن المواقف التى أوجزناها فى هذا المقتطف سلسلة من الأخطاء. لاشك أن تشكل واتساق العلاقات الاجتماعية بالنسبة لعلاقات الإنتاج لهو أمر أساسى بالنسبة للقانون. انطلاقاً من الأساس الاقتصادى، ومن أشكال استغلال مختلفة، نمايز بين نظم القانون العبودية والإقطاعية والرأسمالية. ولكن، فى المحل الأول، فإنه من الخطأ أن نصنف علاقات الملكية فى المجتمعين العبودى والإقطاعى تحت مفهوم المدنى أى البورجوازى، القانون بوصفه "القانون بصفة عامة". فى المحل الثانى، لا يتعين أن نساوى قانون الدولة مع ما يسمى بدولة الحق/ القانون Rechtsstaat البورجوازية. إذا ما تبنينا وجهة النظر هذه فعلينا إما أن ننكر وجود قانون دولة إقطاعى مميز، أو أن نبين أنه بالرغم من وجود دولة سوفييتية فليس لدينا بالفعل قانون دولة سوفييتية. ينطلق ستوشكا فى نفس الوقت، فى مواضع أخرى من كتابه، من وجود نظم طبقية مختلفة فى القانون: الإقطاعى، والبورجوازى، والسوفييتى. وهو يجادل هنا من أجل "قانون عام" يُساوى القانون المدنى للمجتمع البورجوازى. فى نفس الوقت الذى يساوى فيه قانون الدولة مع نظرية الفقهاء البورجوازيين المسماة دولة الحق/ القانون Rechtsstaat والقانون الجنائى (القمع الطبقى الذى أضفى عليه طابع رسمى) مع أيديولوجية الجزاء المقابل.
لقد جرى تجنب السؤال الأساسى من قبل ستوشكا وهو هل توجد علاقات تدخل مضمون القانون، وليست مع ذلك، علاقات الإنتاج والتبادل؟ وهو يقتبس الطابع الثانوى، الاشتقاقى، إلخ للدولة. والجنائى إلخ.. القانون. على أية حال، فمن الواضح أن بنية العلاقات العائلية، إضفاء الطابع الرسمى على السيادة الطبقية فى تنظيم الدولة، إضفاء الطابع الرسمى على القمع الطبقى، كل هذا قد اشتملت عليه مختلف فروع القانون (العائلة، الدولة، الجنائى).
إن مضمون هذا الوسيط القانونى هو العلاقات السياسية والاجتماعية التى تقبل الاختزال، فى التحليل الأخير، إلى نفس علاقات الإنتاج ولكن لا تتطابق معها بأى حال.
يعانى تعريف ستوشكا اللاحق للقانون من نواقص لأنه يقصر نطاق القانون على علاقات الإنتاج فحسب. يدخل هذا التعريف تشوشاً أيضاً لأنه يخلط القانون بالاقتصاد. انطلاقاً من الموقع الذى لا جدال فيه بأنه ليس كل ما جرى التصريح به فى قاعدة قانونية (فى قانون نظامى) يتحقق فى الواقع، استخلص ستوشكا النتيجة الخاطئة بأن القانون هو بالفعل عين علاقات الإنتاج والتبادل.وهكذا فقد أعلن ستوشكا أن تعاليم ماركس القائلة بأن القانون هو أيديولوجية البنية الفوقية بأنها ضريبة قدمها لـ "النظرية الإرادية" التى تبناها الفقهاء القدامى.
إن من استوعب شكل تنظير ماركس وإنجلز بأن رأس المال، والنقود إلخ، هى علاقات اجتماعية، سوف يفهم على الفور وجهة نظرى حول نظام العلاقات الاجتماعية. سوف يكون هذا أصعب شىء على فقيه يمثل القانون بالنسبة له بنية فوقية اصطناعية وفنية محضة تتأرجح holding sway وياللغرابة، فوق قاعدتها. حتى كارل ماركس أولى قيمة ضئيلة لهذا المفهوم عندما تحدث عن القانون بوصفه بنية فوقية. ولكن ماركس كان قد تربى على القانون الرومانى وبصفة عامة على المفاهيم القانونية لثلاثينيات القرن التاسع عشر 1830 معتبراً إياه تعبيرا عن الإرادة العامة (Volkswillen) وقد كان ]من ثم[ معتاداً على تلك المصطلحات(13).
عند خوض النضال مع المفهوم القانونى الشكلى الضيق للقانون بوصفه جملة من القواعد، لا يمكن لنا أن ننكر الوجود الفعلى للبنية الفوقية القانونية، أى لعلاقات تشكلت وتعززت بالإرادة الواعية للطبقة الحاكمة. فقط إلى المدى الذى تنطلق فيه عملية التشكل والتعزيز هذه يمكن لنا أن نتحدث عن القانون. تعنى دراسة القانون كمجموعة من القواعد فقط اتباع طريق الشكلية والدوجماتية. ولكن دراسة القانون بوصفه علاقات إنتاج وتبادل فقط يعنى خلط القانون بالاقتصاد، أن نعيق فهم الفعل المتبادل للبنية الفوقية ودورها الفعال. فى نفس الوقت الذى تكون فيه علاقات الإنتاج مفروضة على الناس بغض النظر عن إرادتهم، فإن العلاقات القانونية مستحيلة دون إسهام الإرادة الواعية للطبقة الحاكمة. إن تعاليم ماركس وإنجلز ولينين حول القانون بوصفه بنية فوقية أيديولوجية لا تحتاج إلى تصويب. لا يمكن لنا أن نفهم القانون إذا لم نعتبره الشكل الأساسى لسياسة الطبقة الحاكمة. فى الطبعات الأخيرة من كتاب الدور الثورى للدولة والقانون، أكمل ستوشكا تعريفه للقانون، مطوراً النظرية التى تدعى الأشكال الثلاثة للقانون. الأول، أو بكلمات ستوشكا، الشكل العينى للقانون، هو علاقة قانونية تتوافق مع علاقات الإنتاج، ومعها تحتوى القاعدة (أو) الواقع. على النقيض فإن الشكلين "المجردين" للقانون والأيديولوجيا القانونية مثلما يعبر عنهما ستوشكا ـ هما جوهر "البنية الفوقية الظاهرة"(14).
هذا التناول غير صحيح أيضاً وغير جدلى. إن علاقة قانونية ما هى شكل لعلاقة إنتاج لأن التأثير الفاعل للتنظيم الطبقى للطبقة الحاكمة يحول العلاقة الواقعية إلى علاقة قانونية، ويمنحها كيفية جديدة، وهكذا يضمنها فى بناء البنية الفوقية. لا تتحقق هذه النتيجة آلياً وفقاً لمبدأ دعه يعمل laissez faire، بنفس الطريقة التى تتحدد بها الأسعار فى ظل المنافسة الحرة. حتى فى حالة ما يسمى بالقانون العرفى customary law فإن الطبقة الحاكمة من خلال هيئاتها الخاصة، ومن خلال المحاكم تؤمن توافق تلك العلاقات مع القواعد الإلزامية. ويصدق هذا أكثر بصدد السن التشريعى للقواعد القانونية.
إن الدور الثورى للبنية الفوقية القانونية هائل بصفة خاصة فى الفترة الانتقالية حين يتخذ تأثيره الفاعل والواعى على الإنتاج والعلاقات الاجتماعية الأخرى دلالة خاصة. والقانون السوفييتى، مثله فى ذلك مثل أى قانون، سوف يتوقف عن الوجود إن لم يطبق. ولكن تطبيق القانون هو عملية فعالة واعية يلعب بواسطته جهاز الدولة الدور الحاسم كسلاح قوى فى الصراع الطبقى. هل سيكون من الممكن، على سبيل المثال، أن نتحدث عن القانون السوفييتى الذى لم يعترف بطريقة ما بالدولة السوفييتية، وهيئات السلطة السوفييتية، والمحاكم السوفييتية إلخ؟ من الواضح أنه بينما يمكن أن يلغى الوضع القانونى الفردى من النظام القانونى الفعلى ويبقى رغبة تقية، فإن العلاقات القانونية العينية قد لا تزول من وعى وإرادة الطبقة الحاكمة، وقد لا تتحول أبداً من البنية الفوقية إلى الأساس base دون ترك قلب المادية التاريخية.
من كل ما قيل آنفاً من الواضح أن تعريف القانون كوسيط شكلى للاقتصاد يعتبر غير كافٍ وخاطئ، حيث ترتبط فروع القانون المختلفة بشكل متباين بالاقتصاد، ولا ينبغى أن ينسى هذا أبداً، ولم يرد هذا فى التعريف السابق. على العكس فهو قد يؤدى إلى فكرة أن مجال القانون مقصور على علاقات الملكية وحدها. وعندئذ يتعين الإعلان عن أن كل أشكال القانون الأخرى غير موجودة. لقد كان على ستوشكا، فى الواقع، أن ينتهى إلى تلك النتيجة. ولكنه يتحدث عن القانون الجنائى وقانون الدولة، ولا يتسق ذلك تماماً مع موقفه الآخر، لأنه بالإشارة لهما يعترف بوجودهما.
لاشك فى أن الاقتصاد هو قاعدة السياسى، والعائلى والظواهر الاجتماعية الأخرى. ولكن قانون الانتخاب فى أى بلد رأسمالى ييسرالاقتصاد بشكل مختلف عن القانون المدنى أو التقنين الجنائى. إن محاولة إدخال فروع القانون المختلفة بالإكراه فى صيغة واحدة يعنى إيلاء الأفضلية للتجريدات الفارغة.
يتعين أنْ يدرس القانون بوصفه تيسيرا شكلياً للعلاقات الاجتماعية (وبصفة أولية) الإنتاجية بشكل عينى. على أن لا تستبدل هذه الدراسة بمقتبسات جاهزة من هيجل بصدد "تحويل الشكل إلى جوهر والجوهر إلى شكل". إن المنهج الجدلى الذى يعلم أن كل حقيقة عينية، يغدو فى هذه الحالة نقيضه المدرسى الميت، وخلافات وجدالات عقيمة حول فكرة أن الشكل ليس بلا مضمون وأن المضمون ليس بغير شكل. على أية حال، يتقوم الأمر فعلاً فى إظهار دور وطابع القانون كشكل فى فروع القانون العينية والنوعية وفى الشروط التاريخية النوعية فى علاقتها بالمضمون العينى. يمكن بهذه الطريقة وحدها للعلاقة الفعلية بين الشكل والمضمون أن تؤسس ويمكن لنا أن نقتنع أنها أبعد ما تكون عن التطابق فى الحالات المختلفة. غالباً ما يخفى الشكل القانونى المضمون الاقتصادى المناقض له مباشرة (وهكذا ففى الفترة التى انتهجنا فيها سياسة الحد من الكولاك، غالباً ما أخفى تأجير حصان أو أدوات من قبل فلاح فقير لفلاح غنى بيع قوة عمل الأول إلى الثانى). وكذلك يمكن لمعاملة من بيع وشراء أن تخفى أشد المضامين الاقتصادية اختلافاً. نفس الشىء يمكن أن يقال عن أى علاقات أخرى ضمن ما يسمى بقانون الالتزامات Law of obligation. هنا نلتقى بظاهرة شكلها لا أهمية له نسبياً فى العلاقة بمضمونها، ولكن من غير الدقيق أن نستنتج من هذا أننا نجد فى القانون المدنى أدواتية لا وجه لها ينبغى أن تستخدم باستقلال عن المضمون الطبقى الاقتصادى للعلاقات التى تطبقها. على النقيض من ذلك، فإن مغزى الشكل يدرك فقط من خلال المضمون، من خلال الاقتصاد، من خلال السياسة والعلاقة بين الطبقات.
ومن ثم، فإنه لمن الخطأ الفظيع أن نساوى بين القانون بوصفه ظاهرة تاريخية ـ يشمل الأنظمة الطبقية المختلفة ـ مع جملة تلك الملامح التى يتسم بها القانون البورجوازى والتى تشتق من تبادل السلع ذات القيمة المتساوية(16). يقلل مثل هذا المفهوم عن القانون من قيمة الإكراه الطبقى الأساسى بالنسبة للقانون البورجوازى، والأساسى بالنسبة للقانون الإقطاعى ولكل قانون. ولا يخدم القانون فى المجتمع البورجوازى فى تسهيل التبادل فقط، وإنما يخدم فى ذات الوقت ويدعم بصفة أساسية ويعزز التوزيع غير المتساوى للملكية واحتكار الرأسمالى فى الإنتاج. ليست الملكية البورجوازية مستنفدة فى العلاقة بين ملاك السلع. فهؤلاء (الملاك ـ المحررون) مربوطين بالتبادل والعلاقة التعاقدية هى شكل هذا التبادل. تتضمن الملكية البورجوازية فى شكل مُقنَّع نفس علاقة السيطرة والإخضاع التى تظهر، فى الملكية الإقطاعية بصفة أساسية بوصفها خضوعاً شخصياً.
يتعلق هذا الخطأ المنهجى باستبعاد دور القانون الطبقى القمعى، والطرح غير الصائب للعلاقة بين الدولة والقانون (الدولة كضامن للتبادل) وبأخطاء فى مسألة الأخلاق (إنكار مسألة الأخلاق البروليتارية) وفى أمور القانون الجنائى.
إن محاولات التمييز بين السمات الشكلية والمفاهيم القانونية المجردة التى تعبر عن العلاقة بين ملاك السلع، وإعلان أن هذا "الشكل للقانون" هو موضوع النظرية الماركسية فى القانون يجب أن نعترف بأنه مخطئ بشكل فادح. يمهد هذا الطريق لفصل الشكل عن المضمون، ويحول النظرية من مهمة البناء الاشتراكى إلى النزعة المدرسية.
لقد استبدلت فى هذه الحالة العلاقة المباشرة، فى الممارسة، بين البروليتاريا (بوصفها الطبقة الحاكمة) والقانون (بوصفه سلاحاً تحسم بمساعدته مهام الصراع الطبقى فى أية مرحلة بعينها) بالإنكار النظرى المجرد لـ "الأفق الضيق للقانون البورجوازى"، باسم الشيوعية المتطورة.
وبنظرة للقانون السوفييتى من هذا المنظور بشكل حصرى يراه بوصفه ميراث المجتمع الطبقى المفروض على البروليتاريا والذى يخيم عليها حتى المرحلة الثانية من الشيوعية. ويخفى العرض النظرى المجرد للقانون "البورجوازى" مهمة التحليل العينى للقانون السوفييتى فى مراحل مخلتفة من الثورة. وعلى ذلك، فهو يعطى علامة عينية غير كافية عن النضال العملى ضد التأثيرات البورجوازية وضد التشويهات الانتهازية للخط الحزبى العام حول القانون السوفييتى.
إن الخطأ النظرى المتعلق بالمبالغة فى أهمية علاقات السوق يمكن أن يكون أساس استنتاجات انتهازية يمينية حول استمرارية إبقاء أشكال القانون البورجوازية التى تتوافق مع التبادل الخاص. وبالعكس، فإن تجاهل التبادل عند النظر فى مشاكل القانون السوفييتى يؤدى إلى مواقع يسارية حول اضمحلال القانون الذى هو الآن فى طريقه لتشريك وسائل الإنتاج، واضمحلال الحساب الاقتصادى ومبدأ الدفع مقابل العمل، أى الدفاع عن استبعاد المسئولية الفردية والمساواة فى الأجور.

*************************************************

* هذه الدراسة مترجمة عن يفجينى باشوكانيس , كتابات مختارة حول الماركسية والقانون , اعداد بيرن بيرس , شارلت روبرت , المطبعة الاكاديمية , لندن , 1980 .

الهوامش
(1) كارل ماركس، رسالة إلى فيديماير (5 مارس، 1852) مختارات ماركس، إنجلز م1، ص528.
(2) ف. إ. لينين، المحتوى الاقتصادى للنارودنية (1895)، الأعمال الكاملة، م 1، ص 419.
(3) انظر مقالة كيلريتر "الدولة" عند د. إلستر وآخرين (تحرير)
Handwörterbuch der Rechtswissenschaft (1923). Fischer, Jena, p599.
(4) ف. إ. لينين، إسهام فى تاريخ مسألة الديكتاتورية (1920)، الأعمال الكاملة، م 31، ص 353.
(5) ف، إنجلز، لودفيج فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية (1888)، مختارات ماركس وإنجلز، م 3، ص 371.
(6) نفس المصدر، ص371.
(7) من قرار لمؤتمر الحزب السابع عشر (1932).
(8) ج. ستالين المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعى للاتحاد السوفييتى (1925)، ستالين، المؤلفات، دار نشر الكتب باللغات الأجنبية، موسكو (1954)، م7، ص374.
(9) ف. إ. لينين، من هم أصدقاء الشعب (1894)، الأعمال الكاملة، م 1، ص 141-42.
(10) كارل ماركس، الصراعات الطبقية فى فرنسا (1850) مختارات ماركس وإنجلز، م1، ص282.
(11) ب. أى. ستوشكا، مقرر حول القانون المدنى السوفييتى (1927)، الأكاديمية الشيوعية، م1، ص13.
(12) نفس المصدر، ص ص 78-79.
(13) الدور الثورى للقانون والدولة (1921) موسكو، ص15.
(14) نفس المصدر، (الطبعة الثالثة)، ومقالة ب. أى. ستوشكا القانون، فى موسوعة القانون والدولة (1925-1927) م 3، ص ص 415-430.
(15) يتحدد القانون والدولة بالعلاقات الاقتصادية. وبالطبع، يجب أن يقال نفس الشىء عن القانون المدنى الذى يتقوم دوره بصفة جوهرية فى الإيضاح التشريعى للعلاقات الاقتصادية القائمة بين الأفراد والعادية فى الظروف المعنية. ف. إنجلز، لودفيج فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية (1888)، نفس المرجع، ص370.
(16) تطور هذا المفهوم الخاطئ عند ى. ب. باشوكانيس، النظرية العامة فى القانون والماركسية (1927)، الطبعة الثالثة. انظر أيضاً ى. ب. باشوكانيس، الوضع على جبهة النظرية القانونية، الدولة السوفيتيية وثورة القانون (1930) رقم 11-12، ومن أجل نظرية ماركسية عن الدولة والقانون (1931) موسكو، حيث قدم نقداً لهذا المفهوم الخاطئ.



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظريات الماركسية المعاصرة حول القانون والدولة والايديولوجي ...
- سيمياء الخطاب القانونى السلطوى
- جذور الراديكالية الدينية المعاصرة فى الفليبين
- الرؤية الفكرية فى مأساة الحلاج بين الصوفية والثورة
- العرق اليهودى بين الاسطورة التاريخية والمنهج العلمى


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد العليمى - النظرية الماركسية حول الدولة والقانون