أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لؤي خزعل جبر - الاحتجاج العراقي والذاكرة العراقيّة الجمعيّة















المزيد.....

الاحتجاج العراقي والذاكرة العراقيّة الجمعيّة


لؤي خزعل جبر

الحوار المتمدن-العدد: 3610 - 2012 / 1 / 17 - 23:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ترتبط ظاهرة الاحتجاج الجمعي Collective Protest ارتباطاً حميمياً بمحتوى الذاكرة الجمعيّة Collective Memory ، وخصوصاً في المجتمعات ذات العمق التاريخي ، كالعراق ، إذ تشكّل الذاكرة الجمعيّة الواسعة والمتنوّعة والديناميّة فيها مصدراً أساسياً لتشكيل أنماط التصوّرات والتوقّعات والمعتقدات الحاكمة على الاتجاه والسلوك الجمعيين في تلك المجتمعات .
وما يحدث في العراق والمنطقة هذه الأيام من التنامي المتواصل والمفتوح على مختلف الاحتمالات يؤكّد ذلك ، ويتحدّى فرضيّة "الإطار الثقافي-الاجتماعي المحدد لإدراك الظلم وكيفيّة تقويضه على نحو مبرمج" ، ويكشف عن الطبيعة الغنيّة والمتفرّدة للذاكرة العراقيّة الجمعيّة ، التي تستدعي التأمّل طويلاً لاستيعاب المشهد .
ولكن قبل الحديث عن هذه الطبيعة ينبغي النظر في ظواهر الاحتجاج الحاليّة التي تنساب بقوّة وعمق في المحيط العربي لكونها تشكّل السياق التاريخي الاجتماعي النفسي لاشتغال الذاكرة العراقيّة الجمعيّة . ونقصد بالتاريخي في قولنا (السياق التاريخي) ليس البعد الكمّي الزمني بل البعد النوعي للحدث ، بمعنى أن ما تمّ ويتمّ من تغيير في المجتمعات العربيّة يمثّل لحظة تاريخيّة فريدة ، وبشكل خاص في (مصر) ، تنبثق فرادتها من الطابع (الجماهيري / العفوي / السريع / الحضاري / المنتِج) للتحرّك . فالتحرّك الاحتجاجي لم تحفّزه النخب (سياسيّة كانت أم فكريّة أم دينيّة ...) بل حفّزه وقاده وأدامه الجمهور بإنسانه البسيط الذي طالما سخرت منه النخب ، وأخذت تحاول وهي مصدومة اللحاق به والافتخار بالاشتراك معه دون أن تجرؤ على التحدّث باسمه أو تطويقه أو احتوائه في مفاهيمها وتنظيراتها ، كما لم ينتج عن تخطيط وتهيئة مسبقة بل امتاز بعفويّته وانسيابه الطبيعي ، ولم يشتغل وفق منطق التغيير والتشكّل التدريجي بل وفق منطق الانبثاق السريع والمدهش والمفاجئ ، كما أثبت تحضّر وعمق وحرارة وإنسانيّة وجماليّة وأخلاقيّة وعي الجماهير التي دأبت النخب على وصفها بالهمجيّة والبربريّة والفوضويّة والقطيعيّة ، كما مثّل نجاحه في إسقاط أنظمة وحكومات بدا من المستحيل زحزحتها من كراسيها الراسخة عبر عقود ظاهرة استثنائيّة ، إذ كشف وهم القوّة المطلقة والسرمديّة الكليّة الذي كان يلفّ الأنظمة التوتاليتاريّة المتحجّرة ، وهشّم صنم البطل الصانع للتاريخ بالمعنى الكارلايلي ، وبيّن أن صيغة الفرد المبدع العائد بعد الانفصال الذي نظّر له توينبي ليست هي الصيغة الوحيدة المحرّكة للحدث ، فجاء (بو عزيزي) ليطرح الإنسان المسحوق الهامشي المجهول المسكوت عنه ليعلّم النُخب أن الطبيعة البشريّة مكتظّة بقيم العدالة والحريّة والكرامة والاحتجاج على نحوٍ درامي مبدع ، ويدعم فرضيّة "ايجابيّة وإبداعيّة الطبيعة البشريّة" لفلاسفة وعلماء النفس الإنسانيون ، وليؤكّد المنطق المتنوّع والمراوغ وغير المتوقّع للحراك المجتمعي .
ولعلّ الذاكرة العراقيّة الإستثنائيّة بمكوّناتها وديناميّاتها كانت بحاجة لوقوع حدث استثنائي ليحفّز ظهور بعض جوانبها المخفيّة . فالذاكرة العراقيّة معبّأة بآلالاف الانكسارات والإخفاقات والمآسي عبر التاريخ العراقي الطويل ، مما يعطيها طابعها الخاص المتسم بالتناقض : (توقّعات فشل) التحرّكات الجمعيّة المتولّدة من التجارب العديدة المؤلمة التي سحقت الإنسان العراقي بشكل متكرر ، و (غليان انفعالي) عميق بعمق الإحباط والكبت وفقدان الأمن تحت نير التهديد المستمر بالتصفية الجسديّة أو الفكريّة أو الاعتباريّة . وهذا الطابع المتناقض للذاكرة العراقيّة يمكن أن يفسّر العديد من الظواهر المحيّرة في المجتمع العراقي ، من قبيل : الطابع الحادّ للشخصيّة العراقيّة على المستوى الفردي / قوّة التحرّك وسرعة تلاشيه على المستوى الاجتماعي ، إذ تأتي الأولى نتاج الغليان الذي تجد له تفريغاً على المستوى الفردي بسبب تركّز توقّعات الفشل على المستوى الجمعي ، كما قد يؤدي الغليان إلى اشتعال التحرّك الذي سرعان ما يخبو بسبب التوقّعات .
كما أن ارتباط مخطط السلطة في الذاكرة العراقيّة بشكل وثيق (حدّ التماهي) مع مخططات القهر والقمع والفقر والإذلال من ناحية ، وفوقانيّة السلطة وفرضها بعامل خارجي في الغالب (ولا أقل منذ تشكيل الدولة العراقية 1921) وعدم انبثاقها من رحم الحراك المجتمعي الداخلي من جهة ثانيّة ، أوجد تناقضاً ثانياً في الذاكرة تفاعل مع الأوّل لينتج انفصالاً أو اغتراباً في الذات العراقيّة (المجتمع / الدولة) يتمركز حول إشكالية "التغيير الكلّي / الجزئي" ، فالتغيير الجزئي لا ينهي الاغتراب بل يعززه ، إذ يوحي بشرعيّة السلطة ، كما لا يتناسب مع شموليّة البؤس والقهر الاجتماعي والسياسي ، والتغيير الكلّي المزيل للاغتراب تبعد احتماليّة نجاحه التوقّعات السلبيّة بالفشل ، مما يترك الذات العراقيّة في دوّامة القلق والتوتّر وثنائيّة العنف/المهادنة بشكل مركّز.
ولكن لمّا كانت الشخصيّة العراقيّة تختزن قيم الخلود والتمرّد والعدالة والحريّة والكرامة والحضارة المتبلورة عبر قرون من الإبداع السلوكي والفكري والجمالي ، ورهافة الحس الثقافي المتكوّن من التفاعل (الايجابي والسلبي) مع مختلف الأعراق والأقوام والثقافات ، فإن فعلها التاريخي بقي مفتوحاً للاحتمالات المتنوّعة .
وجاء الحدث الاستثنائي (ظواهر الاحتجاج العربيّة) – إلى حدّ ما - بايحاءات هزّت توقّعات الفشل ، وغازلت القيم الإنسانيّة الثوريّة ، إذ شاهدت الجماهير العراقيّة تساقط الأنظمة الراسخة تحت ضربات الشعوب المقاربة في التاريخ والمكان والزمان ، فكان ذلك نوعاً من تعزيز الشعور بفاعليّة الذات الجمعيّة من خلال ملاحظة الجمع الآخر المشابه وهو ينجح في أداء المهمّة . وإن بقيت مسارات الفعل وآليّاته مختلفة عن الآخر تبعاً لاختلاف البنية السيكولوجيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والتاريخيّة .
فالمواطن العراقي خرج مطالباً بالحاجات الأساسيّة (كهرباء / بطاقة تموينيّة / خدمات / تعيينات ...) لكونه لا زال يعاني الشدّ في ذاكرته بين إمكانيّة التغيير الكلّي ومرجّحات التغيير الجزئي ، فالغليان الانفعالي يحثّ على التغيير الكلّي ولكن توقعات الفشل تمنعه وتدفع باتجاه التغيير الجزئي ولكن الغليان الانفعالي يمنعه ، كما مارس هذا الشدّ تأثيره على وضوح الهدف والاتفاق على طريقة تحقيقه . ولكن : هل سيتم تبنّي نظريّة التغيير الكلّي أم ستظلّ المطالبات في إطار التغيير الجزئي ؟ وهل سيتخذ التحرّك طابعاً عنفياً أم سلمياً ؟ وهل ستصرّ الجماهير إلى مدى بعيد على مطلبها أم سرعان ما تهدأ بعد جولة احتجاجيّة أو جولتين ؟ ، كل الاحتمالات ممكنة في سياق : الطبيعة المعقّدة للذاكرة العراقيّة ومدى تنامي صيغة "الوعي المعارض الشمولي الجمعي" .
فالوعي المعارض المؤسَس على الإدراك الشعبي العفوي الدقيق لسلبيّة السلطة الكاملة تجاه الحقوق الأوليّة للشعب ، والمموّن بزخم انفعالي شديد ، لن يستطيع - في هذه اللحظة التاريخيّة بالتحديد – أن يوجّه حركة الجماهير نحو إعادة بناء الذات العراقيّة وتحقيق العدالة ما لم يعزز في بنيته سمتي : الشموليّة والجمعيّة ، بمعنى التشخيص العميق لجذر المعضلة التاريخيّة العراقيّة التي تتجاوز الرؤية الاختزاليّة التجزيئيّة إلى الرؤية الفلسفيّة ، والانتقال من مستوى (الميكرو) إلى (الماكرو) في فلسفة الوجود المجتمعي العراقي ، وهو المقصود بالشموليّة ، والتي ستضلّ قاصرة عن استلال (الفعل) من (القوّة) أو (التحقق) من (الإمكان) إن لم تستكمل بتجاوز الوعي الفردي إلى الوعي الجمعي ، والانتقال من (الاهتمام الفردي) إلى (الاهتمام الاجتماعي) ، والاعتقاد بفاعليّة الذات الجمعيّة والفعل الجمعي ، وهو المقصود بالجمعيّة . فهل نحن نسير باتجاه وعي كهذا ؟ أعتقد ذلك إلى حدّ كبير بناءً على ما يشير إليه السياق التاريخي والقرائن والوقائع الحاليّة ، وإن كان ليس على نحو حتمي ، بل على نحو مرجّح .
فنحن اليوم نقف على أعتاب تحوّل جذري في طبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة (عربياً وعراقياً) ، يستدعي من النُخَب الحقيقيّة المتماهية بالجماهير (وليس المزيّفة المتماهية بالسلطة) التأمّل العميق في البنية السيكوسوسيولوجيّة للحدث ، والانفتاح على احتمالاته المتعددة ، وممارسة دورها التنويري النقدي الايجابي في مراقبة وترشيد مساره ، وبخلافه ستتخطاهم ذاكرة المجتمع الجمعيّة وستمارس فعلها الايجابي بعيداً عنهم ، وتتركهم على هامش التاريخ والوجود الإنساني .



#لؤي_خزعل_جبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجَدَل المَذهَبي : قضيّة علميّة أم قضيّة نفسيّة اجتماعيّة ؟


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لؤي خزعل جبر - الاحتجاج العراقي والذاكرة العراقيّة الجمعيّة