|
المقام العراقي .. تراث متحفي ام ابداع متجدد ؟
حميد البصري
الحوار المتمدن-العدد: 3504 - 2011 / 10 / 3 - 00:37
المحور:
الادب والفن
حميد البصري تميز العراق بحضارات يمتد تاريخها الى آلاف السنين ، وكان للجانب الفني نصيب كبير في تلك الحضارات وخاصة الموسيقى والغناء . فقد اثبت الدكتور صبحي انور رشيد في كتبه ( الآلات الموسيقية في العراق القديم ) و ( الآلات الموسيقية في العصور الاسلامية ) بما لا يقبل الشك ، ان الكنارة مثلا قد ظهرت في العراق قبل حوالي الخمسة آلاف سنة ومثلها كان العود ، استنادا الى ما جاءت به الآثار من أدلة وشواهد . وتوالت ابداعات العراقيين عبر العصور ، فكانت مؤلفات الكندي والفارابي وابن سينا ومن جاء بعدهم تراثا مهما في تطور الموسيقى العربية ونظرياتها . والمقامات العراقية واحدة من الصيغ الغنائية التراثية التي وصلت لنا شفاها عبر العصور . اختلف المتخصصون في تاريخها ، فبينما يرجع الباحث الحاج هاشم الرجب المقامات الى 300 او 400 سنة ، يعتقد الاستاذ شعوبي ابراهيم ان تاريخ المقامات العراقية يرجع الى العصر الاول للخلافة العباسية . وبسبب عدم وجود دراسة اكاديمية تحدد تاريخ المقامات العراقية ، لايمكننا اعتماد احد هذين الرأيين السابقين . ومع ذلك ، فإن كل الدلائل تؤكد قدم هذه الصيغة الغنائية التي وصلتنا شفاها عبر السنين بسبب التصاقها بالذائقة الشعبية العراقية من جانب ، ووجود نسبة كبيرة فيها من الحرية في التصرف والابداع الذاتي للمغني مما اكسبها مجالا لإضفاء روح وطابع الحالة الفنية في كل عصر تمرّ به . وقد واجه الجيل الجديد في تعلــّمه للمقام مشكلة عزوف غالبية قراءه عن تعليمه للشباب ، غير أن المرحوم الاستاذ شعوبي ابراهيم كان اكثر خبراء المقام تحمسا في تعليمه للشباب . وفعلا ، بدأ تدريسه في معهد الدراسات الموسيقية بطريقة التلقين والتقليد . كان ذلك متعبا للاستاذ شعوبي ، فسجل كافة المقامات على اشرطة كاسيت لتكون منهاجا لطلبة المعهد ، ثم اكمل البرنامج بكتاب شرح فيه ما سجله في الاشرطة . كانت هذه خطوة مهمة في الحفاظ على هذا التراث الذي يختص به العراق دون غيره من البلدان العربية ، لكنها غير كافية لأنها توفر فقط تسجيلات للمقامات وشرح أدبي سردي لا يساعد كثيرا تعلـــّم الطلبة للمقام بأسلوب علمي ، بل يربكه بسبب الاختلاف بين ما سجّل وما كتب . ان من يطـّلع على تجارب الشعوب المتقدمة في علوم الموسيقى ، يجد ان التحليل المعاصر لعلم الموسيقى المقارن – الاثنوموزيكولوجي – فتح آفاقا واسعة لكتابة الموسيقى ، أية موسيقى ، موزونة كانت ام حرة غير موزونة ، بالنوتة الموسيقية . لكن كتابة المقام العراقي بالنوتة الموسيقية واجهت معارضة من قبل بعض علماء الموسيقى العرب ، مثل الدكتور صالح المهدي والباحث الحاج هاشم الرجب وغيرهم بحجة ان النوتة الموسيقية تقيّد المغني اذي يجب ان يكون حرا في غنائه ، لكن هذا الرأي غير دقيق ، لأن كتابة المقام ستكون باسلوب النوتة الحرة Adlibitone ، وهي اسلوب يعطي المغني حرية اطالة او تقصير زمن الاصوات واضافة الزخارف المناسبة حسب ابداع ذلك المغني . اذا ً ، النوتة لا تقيّد المغني بقدر ما تدله على الخطوات الدقيقة لحركة اللحن او ان صح التعبير الحديث – خارطة طريق للغناء – مع اعطاء حرية للتفاصيل . وقد تطورت كتابة النوتة الموسيقية واستحدثت علامات جديدة توصف شكل الصوت الموسيقي وحركته المتموجة او الساكنة .... الخ . إن النسبة المئوية للارتجال التي تتميز بها المقامات العراقية جعلت من هذا القالب الغنائي نموذجا حيا لن يموت ، بل يتجدد عبر السنين من خلال تطويره وصبغه بملامح العصر الذي يمر فيه ، وإضافة مقاطع غنائية جديدة اليه ، بل ان بعض المبدعين من المغنين قد خلقوا مقامات جديدة بسلالم موسيقية لم تستخدم من قبل ، كما فعل الفنان محمد القبنجي . لذا وجب علينا كتابة المقامات بشكل علمي وتسهيل تعليمه للشباب كي يساهم المبدعون منهم بدورهم في وضع بصمات عصرهم عليها ، كما فعل من سبقهم من الاجيال الماضية . فهل نجعل المقامات العراقية تراثا متحفيا ام ابداعا متجددا ؟ هذا هو السؤال .
#حميد_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث عن الموسيقى : 1 من 15
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|