أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف عكروش - موطني موطني.. الغذاء والدواء في رباك















المزيد.....

موطني موطني.. الغذاء والدواء في رباك


يوسف عكروش

الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة يوسف عكروش 29 حزيران1994

كان يجلس على عتبة الدار وبدأ الليل يرخي عباءئت وهو يجول بنظره هنا وهناك حتة استقر على السماء وبدأ ينقّل عيناه بين النجوم. هل يعدّها.. كلا فهي كثير.. فقد قالت له جدته بأن من يعد النجوم سوف تكون له ثآليل بيديه.. طرد الفكرة وعاد ينقل نظره حتى استقر على نجم احتار بجماله.. ما لبث أن تعلّق به.. نجم يشبه رغيف الخبز.. توقف عنده وبدأ يحلم.. تراءى له أنه يريد الوصول اليه.. تساءل بينه وبين نفسه.. ترى هل يمكن الوصول اليه بالباص أم بسيارة أم هذه التي يقولون أنها سفينة فضاء
شرد مرّة أخرى.. كيف يسمونها سفينة.. فهذا اسم مرتبط بالبحر والماء وهل يشبه البحر الفضاء وهل هو جميل كالفضاء.. آه كم تمنى رؤية البحر.. ترى ما هو الفضاء.. السماء.. النجوم
طرد الأفكار من راسه وتأفف وعاد الى نجمه- رفيقه الحبيب.. يهم أحيانا بالوقوف.. يخيل اليه أحيانا بأنه يمكن أن يطاله اذا ما وصل قمة الجبل المجاورالمجاور.. أو حتى اذا انتظر على سطح البيت فقد يسقط ذلك النجم الرغيف فيلتقطه..!
بقي ساعات على هذه الحال.. فهو لا يحمل ساعة ميقات ولا يحسب بالساعات.. يخرج صباحا مع شروق الشمس ليصل الى عمله ويعود مع الغروب وليس له حاجة بالساعة.. وكم مرّة لم تشرق الشمس – تحجبها الغيوم فلم يصل الى عمله فنال الكثير من العنت والعقوبات.. كعادته بقي مدة لا يدري طويلة أم قصيرة واستغرق بالحلم حتى استيقظ على صوت صراخ عنيف لم يعهده .. زوجته تصرخ وتناديه بطريقة هستيرية..
قفز الى داخل البيت .. رأى ولده الوحيد يتلوى ويصرخ.. وقف مشدوها ولم يدري كم من الوقت مضى وهو على هذه الحال.. ويصحو مرّة أخرى على صوت الزوجة تصرخ وتولول وتستحثه
- اذهب احضر الطبيب.. الولد بيموت.. افعل شيئا
- آه .. طيب.. حاضر.. حالا
نظر الى الطفل يتلوى ثم استدار واندفع خارجا يتبعه صراخ الطفل.. أحسّ أن الصراخ يلاحقه .. يحاصره ويصمّ أذنيه .. سار على غير هدى لا يدري الى أين.. يلاحقه الصراخ
- آه طبيب.. دواء.. علاج.. آه حقا طبيب
- لماذا الطبيب؟ الصيدلي يعرف؟
يلاحقه الصراخ.. مرّ أمام عيادة الطبيب ..توقف.. ارتكن الى حائط
- طبيب.. لماذا.. الصيدلي يعرف.. فقط أشرح له الحالة وهو يعطي الدواء.. يعلو الصراخ يلاحقه ويحاصره .. يحاول اغلاق أذنيه وبلا جدوى
- لا .. لا.. الحالة خطرة لا بد من استشارة الطبيب.. ولكن هذا الأمر يحصل دائما والصيادلة يعرفون
تحرّك بشكل مفاجيء ووجد نفسه أمام الصيدليةفي وسط الشارع
- سأشرح للصيدلي.. لقد فعلت هذا كثيرا من قبل
اقترب أكثر.. تحسس جيبه.. تذكر أنه لم يكن يملك ثمن الرغيف في المساء وكان تشاجر مع زوجته.. توقف واستدار وعاد الى الجانب المقابل.. وقف أمام الصيدلية واستند الى الحائط
- لما لا.. الصيدلي صديقي.. سيعطيني الدواء بالدين.. سيقدّر الحالة
- لا ليس هو لقد تبدل.. رحل الرجل الذي يعرفني
- لما لا فهناك أناس طيبون.. لا تقلق يا بني.. أنني قادم ومعي الدواء
يمضي الوقت سريعا.. يمضي الليل.. تتعب القدمان فيقتعد ويمضي بالحلم.. تغلق الصيدلية أبوابها.. تغلق كل المحال وهو يحلم
- نعم سيعطيني الدواء.. سيشفى الطفل.. حصلت كثيرا....!
البرد يزحف اليه.. يحاول التكور.. لا جدوى.. البرد أكبر من احتماله.. ينظر الى الصيدلية والشارع خال
- آه لقد ذهبوا.. ولكن لن يطول غيابهم.. سيعودوا.. سأنتظرهم.. لا بد أن أحصل على الدواء.. لا تقلق يا بني فنا قادم ومعي الدواء
تمضي الساعات والدقائق طويلة مملة .. باردة .. يكاد يتجمّد.. ولكنه يغرق بالحلم.. الدواء والعوددة والطفل
- سيأتي الصباح وسأحضر الدواء وسآتيك به يا ولدي .. فقط احتمل قليلا وانتظرني
يمرّ حارس الليل فيوقظه من حلمه الذي لا يدري كم طال
- ماذا تفعل هنا؟
- ها.. هل أتى الصيدلي
- أقول ماذا تفعل هنا ومن أنت .. أين بيتك؟
- حسنا.. لقد أتيت أعطني الدواء.. أرجوك عجّل!
- ماذا تهذي يا رجل؟ من أنت؟ أعطني بطاقتك.. ماذا تفعل هنا في هذه الساعة؟
- تعطيني الدواء.. ها.. وأعود اليه.. انه ينتظر.. لقد وعدته
يتجمع حرّاس وعسس كثر.. يعلو لغط وهو يشرد ويردد.. الدواء.. ينتظر.. لا تقلق.. انّي قادم.. سأحضره
لا أحد يسمعه.. يمسكون به يرفعونه وتتردد أصوات مختلطة
- أين بطاقتك
- من أنت
- ما أسمك
- لنأخذه الى المركز.. انه لص
- نعم .. انه لص يتربص بالمارة
- كلا يتربص بالمحال التجارية
- لا لا هذا السفاح.. لقد أمسكنا به
- كلا هذا بو شاكوش
- أنت لا تعرف..أنا أعرف هذا الصنف.. انه خطر.. انه يتربص بهذا البنك
- كلا انه مدمن مخدرات ويتربص بالصيدلية يريد سرقتها
- كلا أنه يدرس وضع البنك.. اتراهن.. فهو يريد معرفة كيف تكون مداخل البنوك كي يصل الى الذهب.. هذا هو من سرق احتياطي الذهب وباعه ويريد الآن سرقة الباقي.. انه مجرم خطير
يستغرق بالحلم لا يسمع ولا يعي ما حوله ويردد.. الدواء.. انتظر .. انّي قادم.. سأحضره.. لقد وعدتك
يدفعونه دفعا ويأخذونه الى "المركز" يفتشونه ليجدوا بطاقة كتب عليها
صابر بن جبل
العنوان جادة المواساة رقم 13
يخرج صوت يقول.. أعرف هذا العنوان
- هل تعرفه
- كلا ولكن أعرف المكان فقط
- من أنت
يتمتم صابر.. الدواء.. سأحضره .. انتظر.. لا تقلق.. وعدتك..
يحضر رجل عريض المنكبين يتثاءب فقد أفاق لتوه من النوم.. يفتّل شاربيه.. وبصوته الجهوري يصرخ
- ماذا هناك.. لما هذه الضجة
تخرج أصوات عدّة
- متسول سيّدي
- سيّدي انه لص
- مختل سيدي وجدناه في الشارع
- حسنا.. أحضروه اليّ
يحضروه.. يسير مدفوعا لا يعي ما يدور حوله ولا أين هو..ويردد الدواء.. سأحضره .. انتظر.. لا تقلق.. وعدتك..
يصرخ " السيّد"
- من أنت
- مممممممممممممم لا جواب
يكرر الصوت بحدة
- من أنت
لا جواب
يقترب الرجل الضخم يصفعه صفعة قوية .. ترنح وسقط على الأرض.. أمره المدير بالوقوف فلم يقوى.. أوقفوه أمام المدير وبدا أن الصفعة أعادت اليه رشده.. نظر حوله بدهشة بالغة .. جال بنظره
- أين أنا.. ماذا أفعل هنا.. والدواء.. ماذا حدث للدواء.. الطفل؟
- المدير: ماذا تهذي ومن أنت؟
- سيدي أنا صابر بن جبل خرجت لأحضر الدواء لطفلي الذي يحتضر.. مذا جرى له.. هل أرسلتم له الدواء؟
- اخرس وتوقف عن الهذيان والتمثيل.. ماذا كنت تفعل هناك
- هناك؟.. أين
- في الشارع أمام البنك
- بنطك.. سيدي أنا أبحث عن الدواء
- حسنا لا تريد أن تعترف.. خذوه للحجز
يؤخذ الى الحجز وهو يصرخ .. الدواء.. الدواء.. انه ينتظر
وتمرّ الأيام وهو هناك.. وفجأة يجد نفسه محاطا بجمع من الناس
- حسنا احضروا الطبيب
ويحضر الطبيب ويقرر
- لا شيء.. فقط مختل وتائه يفضل اعادته الى بيته
- يحملونه الى الخارج ويدفعه هذا ويدفشه ذاك.. وبعد فترة لا يدري كم طالت
- - حسنا انك طليق الآن اذهب وخلصنا من هذيانك
ينظر الى الشارع بعيون بلهاء.. كأنه يرى الشارع لأول مرّة .. يسير لا يدري الى أين.. يسير ويسير ويسير....!؟
بعد مسير طويل يجد نفسه أمام بيت .. بعد جهد تعرّف الى بعض ملامحه.. انه يعني له شيء ما.. وقف أمام الباب وتذكر..
آه الدواء.. لقد أحضرته.. تبسّم وتحسس جيبه وصرخ.. لا تخف لقد وضعته في هذا الجيب.. لا لا في الجيب الآخر
دفع الباب ودخل ووقف في الغرفة الفارهة ، الوحيدة – البيت .. نظر حوله فلم يرى شيئا سوى امرأة متكورة في الزاوية وعلى حجرها طفل يبدو أنه في نوم عميق.. سكون رهيب وصمت قاتل .. حدّق في المرأة وتذكر
- آه.. للقد أحضرت الدواء.. الدواء.. ألم أقل لك.. لقد وعدته
تحدق به المرأة ويسود صمت خاله سنين ثم تشيح بوجهها وتقول
- لم تعد حاجة للدواء.. لقد توقف الصراخ
يروح في صمت عميق ويسود المان سكون رهيب .. يسقط على قدميه ويستمر الصمت.. صمت دام دهرا لم يقطعه سوى صوت مذياع من الجوار يغني
موطني موطني.. البهاء والجمال في رباك
تصيبه رعشة لدى سماعه الأغنية فيتوجه الى الطفل يناديه
- أتسمع يا ولدي.. ها قد عدت .. أتسمع الأغنية
يعود الصمت ويستمر صوت المذياع.. فجأة يقف على قدميه ويردد مع المذياع موطني موطني ويتجه صوب الباب ويخرج تاركا صريرا حادا ويردد موطني.. ولا زال يسيير منذ خرج
موطني موطني.................الغذاء والدواء في رباك



#يوسف_عكروش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملكية في الأردن هي ملكية دستورية .. ولكن مطلقة الصلاحيات


المزيد.....




- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف عكروش - موطني موطني.. الغذاء والدواء في رباك