أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رفيقة بنت علي منتصري - اِلْمَايِدْرِي يقول سْبُولْ 















المزيد.....

اِلْمَايِدْرِي يقول سْبُولْ 


رفيقة بنت علي منتصري

الحوار المتمدن-العدد: 3466 - 2011 / 8 / 24 - 23:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"اِلْمَــايـــِـدْرِي يقـول سْــبُـولْ" هكذا قال التونسيون قديما، والمثل في نسخته المشرقية "اِلْمَــايـــِـدْرِي يقـول عَــدْسْ"، ولمن لا يعرف المثلين: قيل أنّ مزارعا قد فاجئ عاملا لديه يطارح ابنته الغرام في حقله، وحين رآه العامل هرب لكنه تناول بيده ربطة "سبول"، أي سنابل، وهي في رواية أخرى عدس. وحين كان الفلاح يطارده ويصرخ بالجميع أن أمسكوه، كان العامل يلوح بما حملت يديه، فكان الناس يردون: أمن أجل حفنة سنابل؟ والمزارع يلطم مقهورا ويصرخ: "اِلْمَــايـــِـدْرِي يقـول سْــبُـولْ"...
وقديما أيضا قال التونسيون، "حديثنا قياس"، لذلك اسمحوا لي أن أقيس وضعنا اليوم على وضع هذا المزارع، وستتوضح الصورة جلية. لن أتحدث عن مصر، لأن الوضع مختلف أشدّ الاختلاف، لكني سأكتفي بالحديث عن تونس. يا سادتي، حين اشتعلت الشوارع تحرك العديد من خرّيجي الجامعات العاطلين عن العمل، لأنّ مشهد الاحتراق أو الإقدام على وضع حد للحياة من أجل العمل والكرامة هو في النهاية فكرة تسيطر على أذهان أغلبهم، كثيرون هم من فكروا في إنهاء حياواتهم، كثيرون من فقدوا المعنى، لذلك لبوّا النداء جميعهم وهبوا هبة واحدة، وكأنهم بذلك ينقذون أنفسهم من شبح الموت الاختياري. في تلك الفترة التي قاربت الشهر، هناك أحلام جميلة كانت تتملّك الجميع، كتغيير وجه الزمن للأبد، وتغيير الوضع تغييرا جذريا، وتخليص الوطن من كل قوى الاستغلال والاستنزاف، استعادة الوطن نعم استعادته نهائيا، لأنّ أولئك الآخرين قد سرقوه، وسرقوا العلم، وصار ملكلهم وحدهم. إضافة إلى أن الجميع قد كانوا يَنشدون إحلال العدالة واسترداد الكرامة، وهناك شعار صرخت به كل الحناجر: شغل، حرية، عدالة وطنية، لينضاف إليه مطلب الكرامة في مناطق كثيرة. اليوم، أنظر حولي، أجد كل هذه المطالب قد رُكنت على جنب وسيطرت على الساحة نزاعات مطلبيّة من نوع آخر. فهي من ناحية، مطالب من نوع لا دستور غير القرآن، ورفع صوت الآذان، وصارت المشكلة كل المشكلة في الفصل الأول من الدستور، رغم أنه الفصل الأشد ذكاء فيه، أما من الناحية الأخرى فنجد أن البعض الآخر خرج ليطالب بحق المثليين في الزواج وتكريس مبدأ المناصفة بين الجنسين في تمثيلية كل الجهات دون التفكير في إمكانية عدم وجود العدد الكافي من النساء في مناطق معينة، إلى غير ذلك من المطالب المترفة جدا. تسيطر عليّ الدهشة وأقول في نفسي، ألهذا خرجنا للشوارع؟ إنها مطالب مترفة جدا، مطالب النبلاء ممن لا يتناقشون إلا في الصالونات الفاخرة، ومطالب الأئمة ممن بلغوا مرحلة التماهي مع الذات الإلهية ويريدون تعويض الخالق على الأرض، بإصرار دفين أن يكونوا أشد حزما من توصياته، ومع التمسك بتناسي كل النصوص المتسامحة أو التي تضمن حق الآخر المختلف في التواجد. ينتابني إحساس، وأنا أتابع نزاعاتهم وصولاتهم وجولاتهم، بأن هناك كائن خفي يسألني بسخرية واستهزاء: ألأجل هذا جازفتم؟ ألأجل هذا ثرتم؟ وأجدني أكرر وحدي: آه... "اِلْمَــايـــِـدْرِي يقـول سْــبُـولْ".
ما الذي يجري؟ من سمح لهؤلاء بتغيير المطالب؟ والشباب الثائر؟ ماذا أصابه؟ من أوهمه أن مطلبه هو إعلاء كلمة الخالق أو السهر على ضمان آخرة طيبة قبل رسم ملامح حياة يرضاها هو أولا؟ من مارس على أغلبهم فنون وتقنيات البرمجة العصبية اللغوية حتى صاروا يتحدثون على هذا النحو؟ من أوهمهم أن سؤال الهوية والموقف من القضية الفلسطينية والعبادات تحتاج فصولا في الدستور أو أنها مطالب ثورية؟
إنّ فِعْلَ الشباب قد فتح الساحة أمام كل المُبعَدِين، واستقبلت تونس الجميع وهي تمني نفسها بأن هناك من يهتم لها الآن/هنا، فإذا بنخبنا على اختلافهم يتحدثون عن وطن حيزه المكاني لا يمكن إلا أن يكون هناك لا هنا، فهو إمّا مكان شرقي بعيد أو مكان غربي على قربه جغرافيا يبقى غريبا، أمّا الحيز الزمني فحدث ولا حرج، البعض يدافع عن تونس الغابرة منذ آلاف السنين، والبعض يشرّع لزمن يحتاج مئات السنوات حتى يحل هناك على الضفة الأخرى، فما أدراك به هنا، والبعض الآخر همّه اللازمن، أو ما بعد الزمن، الآخرة فحسب.
ماذا أنتم فاعلون بالوطن وبنا؟ تتلاعبون بمشاعر عامة الشعب وتمارسون الفنون الخطابية وترسمون عالما لا يحمل ملامحنا. يبدو أني مضطرة لاستعارة سؤال العقيد، ذلك الرجل الذي لم تكفه العقود ويبيّت النية لإتمام قرن من الجلوس على كرسي الحكم: من أنتم؟ من أنتم؟ ومن أين أنبتّم؟ أي صحف صفراء نفضتم عنها الغبار وجئتم تُرتّلون علينا تعاليمها؟ ومن أنتم يا طرف النزاع الثاني. من أين سقطتم علينا؟ وأي رواية خيال علمي تريدون تجسيدها؟
وأنتم.. أيتها الأغلبية التي من شدة صمتكم يحسبكم المتابع للشأن الوطني أقلية غائبة مغيَّبَة، أينَكُمْ من كل ما يحدث يا أبناء الوطن؟ أما كفاكم ما جنته عليكم استقالتكم أمس من شؤون البلاد؟ أما ذقتم بعد مرارة تسليم زمام أموركم لزمرة تتولى التفكير عنكم واتخاذ القرارات باسمكم؟ أين عقولكم؟ كم دهرا من استلاب وقهر تحتاجون حتى تقفون في وجه مغتصبي أصواتكم وحتى تقومون على شؤونكم بأنفسكم؟
إنّ القادمين إليكم من مدينة الضباب ليعلموكم اليوم دينكم، واللذين يلوحون بتطبيق الشرع مشروعهم الاقتصادي الوحيد هو الزكاة والبنوك الإسلامية. ثمّ ماذا؟ سيزوجون الشباب من الزكاة وبعد؟ من أين سيمولون الزيجة الثانية والثالثة والرابعة؟ وقبلها من أين حليب أطفال الزيجة الأولى ولباسهم وعلاجهم ومدارسهم؟ والخارجون علينا من صالونات النقاش الفخمة، سيسمحون بالزواج المثلي؟ ما أسعدنا بعالم نضمن فيه حق الأقليات، لكن ماذا عن حق الأغلبية؟ ماذا بعد ذلك؟ لا لا دعونا نسألهم وماذا قبل ذلك؟ هل حُلّت كل مشاكلنا؟ هل ضمنتم الكرامة والشغل والعدالة والحرية للجميع؟ يا أيها الآخرون يا أنتم بكل أنواعكم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إنكم تمارسون النزاع والإقصاء بأفظع أنواعه، ولا برامج في جعبتكم سوى الكلام ترصفونه على الكلام.
ماذا فعلتم؟ لا شيء سوى أنكم ساهمتم في إلهاء الشعب عن قضاياه الرئيسية، وأنهكتموه وأرهقتموه وجعلتموه يملّكم ويملّ خطاباتكم ويملّ حتى نشرة الأخبار. باسم من تتكلمون؟ ونحو أي أفق اِغتراب تدفعون الشعب؟ غَرَّ من سبقكم سقوط الشعب في خندق الصمت أمس، ولم يصدق أحد أن حالهم كان الهدوء الذي سبق العاصفة، وفاجأهم الشعب حين حسبوه الأحمق الذي تبكيه صفعة وترضيه قطعة حلوى، وها أنكم اليوم، يا نخبا تشتري البطون، توزعون الحلوى وتؤجلون الصفعة، لكن الحيلة لن تنطلِيَ على أحد وقريبا قريبا سيفاجئكم الشعب كما فاجئ من سبقكم. أمّا أنتم يا أيّها المتعنتون، يا من تتمثل مشكلتكم في السفر بسرعة الضوء إلى عالم الغد، لأن بذخ حياتكم جعلكم تملون حقبتنا، لا تنسوا أن مشكلة الأغلبية هي ضمان كرامة العيش قبل كلّ شيء، فاحذروا لأنكم تقفون على حافة القطب الآخر، ففي مواجهة الظلاميّة، ألوانكم الصاخبة تصدم أبصار العامة وتعشيهم، والتونسي كائن انفعالي بطبعه، ويكفي أن ينفر شيئا حتى يهاجمه. وبالنسبة للانجاز العظيم والمتمثل في المناصفة، فأنتم أول من سيندم عليه خاصة أن تطبيقه في بعض الجهات سيجعل المجلس التأسيسي يزخر بمن تأخذن الإملاءات من خارجه، وأتمنى أنّ أغلبكم لن يلطم غدا ويقول: "اِلْمَــايـــِـدْرِي يقـول سْــبُـولْ"،لأنه ليس أشد قهرا من أن تحارب من أجل شيء لتكتشف أنه لم يكن سوى الباب فتحته لقلب كفة الميزان وأنك لم تفعل شيئا سوى العمل ضدّك وضدّ الشعب.
أخيرا، وبعد كلّ ما تقدّم، لم يبق لي إلاّ أن أقول لكم، سارعوا إلى الوسط يا أهل القطبين المتنافرين، سارعوا إلى تونس الآن/هنا، قبل أن يقوم الإعصار ويغير الأقطاب كلها ويضع في الوسط من لا ترضوه لكم ولا لتونس وشعبها.

رفيقة بنت علي منتصري



#رفيقة_بنت_علي_منتصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رفيقة بنت علي منتصري - اِلْمَايِدْرِي يقول سْبُولْ 