أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بول شاؤول - عزلة في الكريستال .....إسترجاعُ لحظاتِ موتٍ مقبل















المزيد.....

عزلة في الكريستال .....إسترجاعُ لحظاتِ موتٍ مقبل


بول شاؤول

الحوار المتمدن-العدد: 3338 - 2011 / 4 / 16 - 06:08
المحور: الادب والفن
    


من العدم إلى العدم، صلاح القصب في "عزلة في الكريستال" يسترجع لحظات موت مقبل، يتذكر لحظات موت مقبل، كحالةٍ وكوسواس، في الجسد، وفي الحدس، وفي الروح، وليس كمجرد أفكار أو تأملات ذهنية أو فلسفية، هذه الحالة لا تتـّحد في لحظةٍ مقننةٍ محدودةٍ، خاصةٍ، وإنما تتّسع إلى زمنيةٍ مطلقةٍ، معممةٍ، تطول إلى مجمل الإرث التاريخي والإنسانيّ، أنها شريط العدم الذي، يجرنا ونجرّه في هذه الفاجعة، الوجودية اللانهائية، في هذا العبث الكونيّ الشامل.
في هذا الدوران المميت (والمسرحية تدور حول نفسها) تصهر الحالة الملتبسة، المبهمة، المجفـّرة في المعيش، كابوساً طاغياً، وسواساً موتوراً يلامس رغبات الموت الكبرى، ويقتحمها، فيما يشبه القفز فوق هذه الشروط الإنسانية القسرية، البائسة، أجماد مطرودة من مداراتها، وجاذبياتها، هائمة في رعبها، وفي تذكاراتها، وفي يأسها . شاعر بين أنفار ورهبان وطقوس، وبقايا ذاكرة، يصرخ بين عناصر موته بكلام عاجز أو مردود، بكلام من حطام الجسد، وركام الحلم، بين هؤلاء المدفوعين بقوة رعبهم وجنونهم إلى هواء طقوسياتهم البائدة.
إن هذه الحالات تستبطن تواريخها القديمة، تستقعر أمكنتها الشاغرة، وتذكارات، ومكبوتات وإرهاصات، وفواجع، في حركة سيزيفية، متكررة، غامضة، عصابية، في كتل مرئية، أو في حلقات مأساوية تنجرف فيها، بقدريـّة جوفاء، لا يلمع فيها حضوراً، أو تمتد لها يد حركة دائرية، لا معقولة، تتحرك في أمكنتها. لا تطور، ولا أحداث، لا من أحد يأتي ولا من أحد يذهب، لا عقدة، لا ملامح، لا تقاسيم، لا أفكار.
لهذا من الصعب البحث عن مضامين، عن منطق، عن معقول، عن كلام عن حوار، عن شخصيات، الكلُّ مجروفٌ بطوفانٍ واحدٍ، بقدريةٍ واحدة بوباء واحد إزاء أمكنته ولحظاته الأخيرة، تحولت الكائنات إلى جزء من العناصر، إلى جزءٍ من القدريةِ، وارتدّت إلى طقوسها البدائية الأولى بين الرعب والنار والتراب والهواء..إأنها ليست شخصيات وإنما حطام مخلوقات تشهد انقراضها بعيون مفتوحة.
لهذا ربما اختار صلاح القصب مساحة مطلقة لتتحرك عليها هذه المخلوقات المعذّبة وتمارس هنا طقوسية النهايات، مساحة ملتبسة، تصل بين التراب والسماء، وبين القبور، وبين شتات الأشياء المتروكة، ولهذا ربما، خلط العناصر الطبيعية بالهوس والصراخ، وفتح الأمكنة على بعضها، تفقد أسماءها وهوياتها، بل لتنظم إلى اللامكان وإلى اللاشيء، وجمع بين عناصر متباعدة ومتناقضة (كالسورياليين) وفكك المدى البصري على اتساعه إلى مستويات وبؤر، تتوازى فيها الحركات، والأفعال والتمزقات، في مدّها وكرّها اللانهائيين ليلغي الحدود القائمة بين الواقع والخيال، بين الذاكرة والحلم، بين الماضي والحاضر بين الموت والحياة، بين الجسد وظلاله، بين الصراع والصمت، بين الجحيم والسماء، لتندفع كلها في فوضوية كونية كاسرة، وساحقة تقطع المسافة وتكررها بين جنون العناصر وجنون الكائنات.
هذه العدمية المتغلغلة، المعيشة المحسوسة، الملموسة، التي تعدم التوازن والاتـّساق، والشروط الوضعية، ووهم التواصل المباشر والأفكار، والخطط والخرائط الجاهزة، والتآلف، والتواطؤ والعادات يتقدم بها صلاح القصب، بكل فوضاها الجامحة وبكل خرابها، لا ليتوجه إلى الذهن العاجز أصلاً عن التقاطها، ولا إلى قوانين المنطق المبسطة والعملية والمنظمة، وإنما يتقدم بها، عن طريق الإيحاء يشي بها، ليختزنها في ذاكرة مهلهلة ليدفعها بالصورة المتعددة المرايا والتأويل، ويكسر أشكال التواصل (أو همّ التواصل) المعهود من كلام وإقناع ومسببات ونتائج وتقسيمات عقلانية باردة ليجتاز عبر الصورة كأداة للإيحاء، إلى علاقات أخرى قائمة على التدمير.
و(عزلة في الكريستال) تقوم على لعبة التدمير، المستمر، الصورة تدمـّر الصورة بالصورة، الطقوسية تلغي الطقوسية بالطقوسية، المشهدية تكسر المشهدية، الكلام ينفي الكلام، الحركة تقطع الحركة، علاقة نفي متبادل، لذا حطب صلاح القصب، النص الشعري الجميل، والحي الذي كتبه خزعل الماجدي، جعله من حطام الذاكرة الحقة بكسور اللحظات المبهمة، فتـّت سياقه وجرّده من خصوصيته الشعرية، ومن انتمائه الأصلي، ومن امتداداته المعنوية الخاصة، وردّه، عنصراً من العناصر المشهدية، على أن مفارقات هذه العلاقة القائمة على التدمير، أنها تكون مشهدية، مشهدية تنتصر بها المخيلة ببؤرتها الكامنة، على الذاكرة المهزومة، الممزقة، المخيلة التي تفتح الحواس وتصدمها، وتوجعها وهنا بالذات يمكن الكلام عن كيميائية سرية، حول بها صلاح القصب المواد الأولية مجمل العناصر الهشّة، المتنافرة، الموزّعة، المتباعدة في فضاء النص، وفي الفضاء التمثيلي وفي الفضاء المسرحي، إلى فضاء درامي مغلق ومرصوص، ومكثـّف، أي إلى مسرحية شاملة صهرت هذه العناصر في بؤرة كتـّلت الإيحاء العام، وبلّورت الشكل واختزلت مختلف الأقسام، والتضاعيف، في كثافة أخيرة واحدة، تحمل الدلالة الموحية، (بقوة الصورة) الدلالة غير الإحادية، وغير المعممة وغير المقنـّنة في وضوحٍ فقيرٍ، أو في تفسيرٍ بائسٍ، الدلالة الخصبة بإيحاءاتها ومتعها.
لهذا نجد أن الصراع الذي استمر طيلة العرض بين الجمالي (تشاكيل بصرية وإيقاعية) وبين الدلالي، ينتفي في لحظة التتويج الإيقاعية الأخيرة، فالعناصر المتباعدة، التابوت، الجذع، الآلة الكاتبة، العجلة، التراب النار، المطرقة، الأبواق، الملابس، الفضاءات المتعددة، بمجمل مواقعها، تقتحم بقوة فوضاها في صورة مشهدية متداخلة العناصر تتحرك بتناقضاتها وصدقها، ومجاليتها إلى فضائها الدينامي، الدلالي بإيقاع واحد من هنا نفهم التكرار في النص، والتكرار في الحركات وفي الإيقاعات، وفي الأصوات، أنه التكرار الذي يساعد على لقاء هذه العناصر في بنية مغلقة، ويسترجع الحركات البالية المولية إلى مدارها الأساس، وهذا ما يجعل من (عزلة في الكريستال) عملاً مسرحياً لا مجرد مشاهد، أو التقاطات عارضة أو نبرات منقلتةٍ أي يكسبها بنيةً دائريةً متماسكةً، مشدودةً، مجدولةً، لفنان يعرف كيف يصهرها بكيميائيةٍ داخليةٍ خاصة، يعرف كيف يحوّل المعاني والأفكار والحالات إلى شكل، وإلى لغة، فالشكل هو الحالة، واللغة هي المضمون.
وإذا كان صلاح القصب تجاوز النص والكلام، كعناصر إيحاء، وتوصيل إلى الصورة، فإنه إعتمد أساساً على التشاكيل الجسدية الجماعية، الجسد هو بؤرة الغرائز، والرعب، والكوابيس والتجلي، والذاكرة، والموت، والإيماء والحركة، ولطقوسية هذه التشاكيل البصرية ومن ثم الصوتية لم تقع في البهر الجمالي، البرّاني الخاوي، ولم تتقدم كلغةٍ مستقلةٍ، وإنما جاءت مقتصدةً، متقشفةً، ومن ضمن المناخ الجوّاني للعمل، وقد تمكنت المجموعات التمثيلية، أن تؤدي أدوارها الصعبة، والجديدة، بحيوية، وامتلاك وسيطرة على أدواتها، حيث جعلت من هذه الهلوسة، الجماعية الموقّعة والمنضبطة، نوعاً من ملحمية جسدية منسجمة ومتآلفة.
مغامرة صلاح القصب في (عزلة الكريستال) أنحاز إليها، انحيازي إلى كل ما هو مدهش وطليعي ومجنون، في زمن، بدا فيه أهل المسرح عموماً، وكأنهم خلعوا جنونـَهم، ومغامراتهم على عتبة المسرح، ودخلوا بوقار وحكمةٍ وتعقلٍ ، إلى لعبة المعادلات التوفيقية، ذات العقم، وذات الترهل.



#بول_شاؤول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بول شاؤول - عزلة في الكريستال .....إسترجاعُ لحظاتِ موتٍ مقبل