|
عماد البابلي .. خطوة واثقة بأتجاه الشعر
ياسر العطية
الحوار المتمدن-العدد: 3325 - 2011 / 4 / 3 - 10:33
المحور:
الادب والفن
( 1 ) هناك شبه بين إحياء المادة – الجامدة ، وتحضيرها ، وإحياء الفنون وتصنيعها ، في المراحل والظروف والزمن .. فالذهب والماس والأحجار الكريمة ، لانسميها بهذه الأسماء قبل أن تمر بمراحل وظروف عمل من قبل ( العامل – العاقل – الذي يمتلك الأحساس ) ، أي أن أشتغال الإنسان على المادة يكاد يشابه إلى حد ما إشتغاله على المعنى ، أن الأشياء تتناظر وتتشابه بالرغم من إختلافها . يقول المتنبي : أرانب غير أنهم ملوك مفتحة عيونهم نيام وما أنا منهم في العيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام
( 2 ) العلاقة بين الأنسان والفنون – عموما – قائمة ،، قبل كل شيء . النص الشعري ، وقارئه ، لايمثلان تلك العلاقة برمتها بل يمثلان جانبا كبيرا منها ، بمعنى أن الإنسان حيثما كان وكيف ماكان ، لابد أن يكون متماهيا مع ( حالة شعرية ما ) تغذي أحاسيسه وتشبع حاجته إلى الشعر ، بالتوافق – طبعا – مع وضعه الحضاري . من هنا ينحدر مصطلح ( الذائقة الشعرية ) في ماضيها وحاضرها ومستقبلها . ومادامت السعادة والألم ، الخير والشر ، يتربعان على الأرض ، بين الأزل والأبد ، فالشعر لايغادرها بأية حال من أحواله .
( 3 ) والشعر بحسب ( أدونيس ) : ليس فيه كمال . بل أن الشعر هو البحث عن الأكمل ، بحيث لاينتهي هذا البحث ولايتحقق هذا الأكمل ، ثم قد تقاس قضية على قضية ، أو مفهوم على مفهوم ، لكن كيف يقاس قلب على قلب أخر ، أو شعور على شعور أخر ؟ ومن هنا كان كل تقليد ( في الشعر ) مهما كان بارعا ، نسخة ثانية عن الأصل ، والنسخة الثانية إضافة كمية لا نوعية ، وهي إذن تشويه للأصل .
( 4 ) يرى ( إليوت ) : أن وراء أشد الشعر تحررا يجب أن يكمن شبح وزن بسيط ، وهناك رأي أخر يجد : أن الوزن في القصيدة الحديثة أنتقل من أيقاع البيت الشعري / إلى مرحلة السطر الشعري – في التفعيلة - / إلى مرحلة الجملة الشعرية – وهي بنية موسيقية ذات تقنية فنية متقدمة . أرى من خلال هذين الرأين ، في باب الأيقاع والموسيقى : أن الزمن مفتوح وحافل في العبقريات ، وقد يطلع ( فراهيدي جديد ) يقوم بعملية تشريحية لموسيقة القصيدة الحديثة .
( 5 ) الأدب ( ممارسة لغوية ينتج عنها خلق أشكال تعبيرية متنوعة ) أي أن الأجناس تتبلور في منراحل مختلفة ولاتشترط البدء بها . ولعل أول مفاتيح الأدب : المعاني ، وثانيها : الألفاظ ، فلا يكون لفظ الكلام إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك ، تتحقق البلاغة والفصاحة ، على رأي الجاحظ . أما المفتاح الثالث ، احسب أن من يمتلكه له القدرة على الأجابة في ( ما الحياة ؟ مالزمن ؟ مالإنسان ؟ مالمعاصرة ؟ أو مالحداثة ؟ ) . على هذه المفاتيح الثلاث ، ينتصب قدر النص الأبداعي ، فمن افتقدها ، فعليه أن يتمثل قول الشاعر : وأني لا أستحي من الله أن أرى أجرجر حبلا ما أليه بعير !
( 6 ) في مجموعته ( الكتابة على جسد العراة ) الصادرة ( وعد للنشر والتوزيع ) القاهرة ، بدأ الشاعر عماد البابلي نصوصه سأئحا وصّافا ، تلقائيا ، عند مقاطع حياتيه ، ربما وصفها كما هي ، لكنه أنتقى تلك المقاطع بذائقة شاعر ، ليقدمها للقاريء على طبق من ذهب ، الشاعر يتاجر بالمعاني فيما يتاجر غيره بأشياء اخر : بين التحف الرخيصة المرتبة بشكل شيء على الرف العتيق وقف يسوع مصلوبا
وفي نص أخر نقرأ
كل ليلة ينحب راهب دون سبب وقربه جرذ يملك أسباب للرقص
التاجر يبيع ويشتري ، لكن الشاعر وحده ، الذي يشعر بجوهر الأشياء يقول : عمياء تتلمس الجدران بحذر ليس مخافة السقوط لكن مخافة أن تتذكر
ربما نحدق في أكثر من قناة فضائية لساعات ، لنحصل معنى إختزاله الشاعر بقوله : ذكور الأرانب تتصارع لأخصاء بعضها .. تماما كما يفعل القادة بينهم !
( 7 ) مزّية أسجلها لعماد البابلي : أنه كتب بثقة شعرية عالية – قصائد بسيطة ، دون أن يستخدم مظلة الغموض التي يلجأ أليه الكثير من الشعراء ، واجده قد أقترب كثيرا من الشاعرة الأميركية ( سارا مينغي ) التي قالت قبل أيام : (( الشعر الحقيقي عادة ما يمثل أداة نبؤية ، نبؤية ثورية ، حتى وأن كان مجرد شعر يتناول حياة بسيطة أعتيادية ، ثم تقول : وضوح التعبير والرؤية من منطلق الأصالة يكشفان اللغز الأعظم للوجود ، الواقع هو اللغز الأعظم ، فلا ضرورة لجعله أكثر غموضا . )) وهناك ( معاني ) جميلة أخرى وجدتها في ( كتابة .. البابلي ) أغلب الظن أننا لانجدها في بضاعة السياسي والتاجر والمقاول ، لأنها بضاعة شاعر وهي من بواكير منتجه القادم .
#ياسر_العطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-من أم إلى أم-للمغربية هند برادي رواية عن الأمومة والعالم ال
...
-
الناقد رامي أبو شهاب: الخطاب الغربي متواطئ في إنتاج المحرقة
...
-
جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2023-2024 “صناعي وتجاري وصناع
...
-
مسلسل المتوحش الحلقة 33 مدبلجة على قصة عشق ومترجمة على فوكس
...
-
رئيسي : ندعو الكتّاب والفنانين الى تصوير الصراع بين الشرف وا
...
-
أغاني حلوة وفيديوهات مضحكة.. تردد قناة وناسه على نايل وعرب س
...
-
الإعلان الأول ح 160.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 160 على قصة ع
...
-
لأفلام حصرية باستمرار.. ثبت تردد قناه روتانا سينما على الأقم
...
-
فنون البلاغة العربية.. فلسفتها، ومتى يعد العرب النص فصيحا أو
...
-
الرباط.. معرض الكتاب الدولي يستقبل زواره ويناقش -الرواية وعل
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|