أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل محمد الربيعي - الشعر الحر وخمسون عاما ً من العقم (1)















المزيد.....

الشعر الحر وخمسون عاما ً من العقم (1)


خليل محمد الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 3266 - 2011 / 2 / 3 - 13:14
المحور: الادب والفن
    


برغم الجدل الواسع الذي أثارته قصيدة التفعيلة عند ظهورها قبل عقود وحتى اليوم، لا يختلف اثنان على أنّ ظهور هذا النوع من النظم الشعري قصَد منذ البدء إلى تسهيل إنشاء المعاني الشعرية على الكتـّاب وتسهيل فهم القرّاء من محبـّي الشعر للكلام العربي الفصيح..هذا على الأقل ما كان يزعمه كتـّاب هذا النوع أنفسهم، وجرت بينهم وبين الشعراء الملتزمين والنقاد المميزين جولات في الجدال والمدافعة لتبرير اللجوء إلى صيغ جديدة تكون يسيرة ويفهمها أكثر القراء ويُسيغونها..مما سيؤدي إلى توسيع نطاق انتشار اللغة العربية التي عانت من الجمود وأصبحت على شفير الإنقراض بسبب تعنت الأدباء الملتزمين بالشعر العمودي –بزعمهم–
وأودّ أن ألفت انتباه القرّاء إلى حقيقة ينبغي أن نتفق عليها أولا..وهي أن قصيدة التفعيلة ليست صيغة مبتدَعة ولا نوعا مخترعا من قبل أصحابه الذين مارسوه أولا..لأن أصل تفعيل الشعر بشكل أبيات مختلفة القافية، بحيث تتوزع قافية متشابهة على بيتين متتاليَين أو على أبيات متفرقة، هو الشعر الأوروبي..الذي يتألف من تقطيعات محددة تعتمد على التأكيد على بعض الحروف وتطويلها عند النطق بها والنزول بالنطق عند حروف أخرى (وهذا ما يقابل الحركات وتواليها مع السكون في تفعيلات الشعر العربي)، لينتج عن ذلك نوع من التناسق والتآلف اللفظي بما يشبه تقاطيع الموسيقى وهو ما يسمى عندهم بالنسَق (rhythm)..وإذا اطلعت على تفصيلات علم العروض في الشعر الأوروبي (والإنجليزي بالتحديد) ستـُدهـَش حين تعرف أن ما جاء به متبنـّو هذا النمط الشعري لا يعدو أن يكون سرقة ولصوصية مفضوحة..فتقطيع التفعيلة إلى رباعية (tetrameter) أو خماسية (pentameter) أو سداسية (hexameter) ومتابعة القافية وترتيبها (rime scheme) إلى تسلسلات محددة كله متشابه بل متطابق...إذا كنت تعرف هذا أو كنت لا تعرفه ولكنك تقرّه الآن معي فلنتابع مقالنا.
إنّ محاولات تغيير وجه الشعر العربي في القرن الماضي له ما يبرره –برأيي– من عجز بعض المطلعين على اللغة –دون اكتمال أدواتهم فيها– عن الإبداع في الشعر العمودي، وارتباط رزق البعض ببيع الكلام (على الوزن) بشرط أن ينتمي إلى الشعر أو يكون قريبا منه (خاصة بعد انتشار مهنة الصحافة والكتابة للجرائد)، ومحاولة البعض إظهار الإختلاف ليعرفوا بين الأوساط الأدبية بعد أن فشلوا أن يصنعوا لأنفسهم مكانة بين الشعراء الحقيقيين، وتأثر طلابنا الذين يذهبون إلى الدراسة في الخارج بما يرونه هناك من تجارب وخبرات.
ونبدأ بزعمنا ضعفَ عشاق هذا الفن الجديد في ناحية اللغة، إذ تتجافى أسماع وأذواقُ أكثرهم عن الشعر المقفى ولا ينفون عن أنفسهم الجهلَ بالنحو والصرف والبديع والبلاغة وأساليب الكناية والإستعارة وغيرها، ولكنهم لا يسمـّونه جهلا بالطبع..فاستسهلوا قصيدة النثر والتفعيلة وركبوا موجتها وأطلقوا عليها الشعر الحر..ومن الدليل على أن الشعر المقفى أصعبُ وأدقّ من أن يمارسه ويبدع فيه كل الناس –بعكس الشعر الحر– أن الأول يكتبه الكثير من الصحفيين والهواة والنساء وحتى الصغار، ولا يكتب الشعر المقفى ويبدع فيه إلا قلة من الشعراء..ولا أقصد هنا الإساءة إلى أحد ممن ذكرتُ إلا أنني أعلم أن الإبداع في الشعر الحقيقي يتطلب حدّة خاطر وسعة خيال وعلما باللغة وإجهادا ً وكدّا ً للذهن واطلاعا على نماذج الإبداع الشعري – مجتمعة..ولكنّ امتلاكك اليوم لواحد من هذه المواصفات يمكـّنك من قول الشعر الحر (بسهولة).
وأما ارتباط انتشار الشعر الحر بالرزق والمعيشة فقد كان من جملة ما أضعف هذا الفن –وكان متماسكا في تجاربه الأولى– وسارع في تدهور مستواه، إذ أصبح المهم كتابة العمود المخصص في وقته المحدد دون التأمل فيما كـُتب والتقييم لما سُطـّر..وأصبح لقب (شاعر) مثل لقب (باشا) في العهد العثماني والملكي، يـُمنح لمن هبّ ودرج مادام يملك الثمن..إنّ الشعر الحر لم يزد في عدد الشعراء لكنه زاد من عدد الذين يزعمون أنهم شعراء ! ألا وإنّ كرة الثلج المتدحرجة لا تزداد حجما ً إلا وهي تندفعُ منحدرة ً إلى أسفل..
وأما تأثر طلابنا بالغرب وأساليبهم فهو جزء من التأثر بحضارة الغرب عموما ً وخاصة بما حققوه في مجال التقدم التقني والعسكري والصعود إلى القمر، فظن طلابنا المساكين أنّ تقليد القوم ولو في طريقة كتابة الشعر سيجعل منهم صنـّاع صواريخ وروّادَ فضاء..وقد فشلوا في الناحيتين جميعا. إنهم يسوّقون لنا الماء المالح الأجاج فإذا اعترضنا عليهم بأن بضاعتهم لا تسيغُ في حلوقنا قالوا العيب فيكم إذ ليس لديكم محطات تحلية..!
فإذا علمنا بأن مبررات ظهور (الإكتشاف) الشعري الجديد لم تكن إلا دعاوى ومغالطات، لم يبق إلا أن نتأمل فيما حققه هذا الفن منذ ظهوره حتى الآن..ولنسأل أي هاو ٍ أو مطلع على الأعمال الأدبية ماذا يحفظ من الشعر الحر، أو نسأل عاميا بسيطا في الشارع عن أي شيء يعلق في ذهنه من ذلك..إن الجواب سيكون محرجا لأصحاب الشعر الحر..لأن هذا الفن ببساطة قد فشل في الوصول إلى ذوقية الإنسان العربي والتعلق بذهنه والمكوث في ذاكرته..وبالمقابل فلنسأل عما يحفظه هؤلاء من الشعر المقفى، فقد نسمع منهم شعرا مازال باقيا ً منذ مئات السنين.
إن الحرية لا تكون في تنوع القافية واختلاف الوزن، بل في تحليق المعاني الشعرية ومَساسها بأوتار القلوب وإشباعها لحوائج الروح..والشعر المقفى قد يبلغ هذا البعد إذا خرج من شاعر مكين ٍ يحرك المعاني بخفة كما تتواثبُ الدلافين فوق سطح المحيط لتعود إليه من جديد، أما أصحاب التجديد فيتصورون الدلافين مجنحة ً تثب خارجة من المحيط وتستمر طائرة في الجو مع النوارس..وليس أبعدَ في السذاجة من هذا.
أنا لا أزعم أنّ الشعر الحر لم تظهر فيه معان مبتكرة ولم يشتهر فيه شعراء متمكنون، لكنّ عدد هؤلاء وحجم الإبداع فيه لا يتناسب مع مدى (الحرية) التي أتيحت لأصحاب هذا الفن، إذ أنهم كسروا القالب الشعري من أجل أن يصلوا إلى كنهه كما زعموا، فهل كنه الشعر العربي أهون وأتفه من قالبه؟؟ إنّ من الشعر –على أية حال– ما يقال ليسكن القلب والذاكرة، ومنه ما يقال ليسكن الكتب والطوامير ويوضع على الرفوف، ومنه ما يقال ليـُرمى في سلة المهملات..ولا أدري كم أكون محقا إذا قلتُ أن ّأكثر ما قيل من الشعر الحر هو من النوع الأخير.
ولنتأمل معا ظاهرة غريبة في تطور الشعر الحر لم يشر إليها النقاد ولا حاولوا تفسيرها، وهي زيادة التعقيد والغموض في لغة (لا مَعاني) هذا الفن باستمرار وعلى مدى السنوات الماضية..فأنا اليوم يمكنني أن أقرأ شعر السيّاب والرعيل الأول الذي سنّ هذا التحول في كتابة الشعر فأصل إلى معان رقيقة جميلة ولا يتعسر عليّ فهم الجو العام للقصيدة إلا في أبيات قليلة تحتاج إلى التعمق والتأويل..لكنْ لا يمكنني الوصول إلى ذلك مطلقا مع أي نص شعري حر معاصر إلا في أبيات قليلة جدا..وهي مسيرة تحولية معاكسة لمسيرة الشعر المقفى الذي مازال يتدرج صعودا ً في الوضوح والسهولة من العصر الجاهلي إلى العصر الأموي والعباسي إلى ما بعده وإلى اليوم...ولنذكــّر هنا أنّ أقوى مبررات ظهور الفن الجديد هو نشر اللغة وتسهيلها وجعلها مباشرة بعيدا عن الغموض والتعقيد..إلا أنّ أحدنا اليوم أصبح يحنّ إلى تعقيد الأقدمين ليفر من التعقيد الشعري الحديث..فأنا أستطيع أن أفهم معنى بيت الفرزدق المعمــّى المشهور :
فما مثلـُهُ في الناس إلا مملــّكا ً أبـــو أمّــه حيّ أبـوه يقاربـُه
بعد قليل من التأمل والتحليل..ومع هذا أعجز عن فهم قصيدة التفعيلة لأدنى شاعر أو شاعرة من المعاصرين الذين يكتبون في هذا النوع (ولنتجنبْ إيراد الأمثلة)..ولا أظن أن جزالة اللفظ وبُعد المعنى وبلاغة الأسلوب تقف حائلا بيني وبين الفهم .. كما أن المتوقع من هذا الشعر أن يكون مباشرا وخاليا من هذه التعقيدات أصلا.. ويبدو أن الشياطين التي اتـُّهمت قديما ً بأنها توحي إلى الشعراء بعض شعرهم قد أصبحت اليوم هي التي تتولى كتابة الشعر كاملا ً لشعرائنا..فأغلب مفرداتهم وتراكيبهم وأساليبهم مما يدخل في خانة الطلاسم والشعوذة التي تحتاج إلى فكّ معمّياتها وتحليل شيفراتها.
ولم يخلُ تطور الشعر الحر من تطور آخر وهو ظهور ما أطلقوا عليه (قصيدة النثر)..وكأنهم لم ينالوا كفايتهم من الحرية في تمزيق قافية القصيدة العربية فشرعوا في سلب موسيقاها وتناسقها..ولم يكفهم تصور الدلافين مجنحة ً حتى تخيلوها تأوي إلى أعشاش النوارس لتشارك في حضانة بيضها !.. وهذا ما لم يفعله حتى الأوربيون في شعرهم، وأجدُ من الأمانة أن أعلن هنا براءة القوم فهم لا يـُتهمون اليوم بتقليد الأوربيون في قصيدة النثر على الأقل.
أيها القوم..ماذا تريدون أن تفعلوا أيضا بعد أكثر من خمسين عاما من التطور العقيم؟؟ إنكم لم تفلحوا في إخراج المعاني الشعرية بتكسير البناء الشعري فهل ستجدونها بتحطيم اللغة؟؟ لماذا لا تعترفون بتقصيركم وعجزكم ؟؟ لقد أشبعتمونا دعاوى لكنّ الميزان أظهر أن الأطنان المزعومة لا تتعدى بضعة غرامات في الحقيقة..كفاكم هروبا ً من النقد، لقد هربتم من القافية ثم من التفعيلة بدعوى الحرص على السهولة والوضوح، ثم أنتم هؤلاء تهربون إلى التعقيد والإغماض هروبا ً فلسفيا ً.. إختصروا الوقت والجهد على أنفسكم وتعلموا العربية وفنونها أولا لتصلوا إلى صنعة الشعر الحقيقي..تعالوا لتبدؤوا بأبجدية لغتنا الحبيبة..هيا.. أ ب ت ث ج ........



#خليل_محمد_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسونامي الثورات العربية: إلى أين؟
- النظرة الإزدواجية للمرأة في المجتمعات المتمدنة


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل محمد الربيعي - الشعر الحر وخمسون عاما ً من العقم (1)