أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - بنسعيد دحمان - تونس: سيرورة ثورة جارية















المزيد.....


تونس: سيرورة ثورة جارية


بنسعيد دحمان

الحوار المتمدن-العدد: 3257 - 2011 / 1 / 25 - 20:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تقديم

تجتاز المنطقة المغاربية مند بداية التسعينات موجة احتجاجات اجتماعية ، عفوية وعنيفة ،حيث تعتمد فيها الجماهير على تنظيمها الذاتي وإبداع أشكال الاحتجاج ، ففي افني وتنغير وصفرو واحربيل و تماسيلنت و العيون.. خرجت الآلاف من الجماهير لتواجه نظام القمع ، وفي نفس الزمن وبالقرب من جغرافية المكان، كان عمال قفصة بتونس يواجهون جلاديهم ، وفي الزمن ذاته كان عمال المحلة يعبرون عن غضبهم ، لتنظم شرارة النضال الجماهيري في الجزائر إلى موكب الاحتجاج العريض الجماهيري الغير المتقطع والمنتظر لأداة سياسية ثورية تعكس روح الجماهير الثورية ومطالبها الحقيقية..

شرارة النضال في كل المنطقة المغاربية ،لاتزال في زمن التخصيب القابل للانفجار في أي لحظة ، بأشكال متقطعة ومعزولة لكنها سرعان ما تتجمع في انفجارات شعبية هائلة تواجهها آلة القمع الدموي بمختلف أشكال التنكيل .. لكن هيهات ، بعد ما حدث في تونس من ثورة شعبية أبية، أن يوقفه زحف الأنظمة المستبدة ..إن تونس اليوم، بقدر ما تجمع حولها مختلف المتعاطفين و الحالمين بالثورة ، بقدر ما تجيش ضدها أطماع الامبريالية والمتاجرين بجوع الشعوب ..إنها فعلا ثورة تستحق مراكمة الدروس في كل منطقة ..حتى تصبح ثورة دائمة في كل شبر يئن فيه العمال والكادحين من الاستغلال..


تونس بين المطرقة و السندان

افتتحت تونس والجزائر سنتها الجديدة بدورة من النضالات الاجتماعية غير مسبوقة، سرعان ما تحولت في تونس من حركة اجتماعية قيد التشكل ، تطالب بالحق في الشغل إلى حركة اجتماعية ذات مطالب سياسية واضحة ، حيث تقول الجماهير كلمتها الأخيرة التي لا رجعة فيه "نظام بن علي برا ..تونس بلاد حرة " .

من جهة أخرى ، تسيل التجربة لعاب التواقين إلى الحرية بالمنطقة ، وخصوصا شبابها ، بينما تغوص الأنظمة الديكتاتورية في حالة هلع ودعر، مما قد تؤول إليه أوضاعها مستقبلا ، بينما يقف ما يسمى بالمنتظم الدولي ، المشكل من قوى المؤسسات المالية الضاغطة ولوبيات الاتحاد الأوروبي و الخارجية الأمريكية المسنودة بمصالح الشركات المتعددة الجنسية ، في موقف لا يحسد عليه ، خوفا من ضياع مصالحها .. بالمقابل تستمر الجماهير، بما راكمته من وعي أولي بسيط ، في الدفاع المستميت عن انتفاضتها إما عبر لجان شعبية أو بالتنظيم الذاتي لقواها في ظل غياب حزب سياسي طليعي ينظم حركة الجماهير وأهدافها القصوى ، مما يموقع الجيش في وضعية مريحة ، تؤهله لكسب ثقة الجماهير في ملأ الفراغ السياسي ..وكلها مقدمات غير مريحة تتجه نحو إعادة تشكيل قوى ليبرالية جديدة... فالجماهير التي حجت من كل بلدة عانت من القمع ، تعي مهامها التاريخية اليوم ، وتعي ذاتها من خلال ربط أزمة البطالة وارتفاع أسعار المواد الأساسية بالاختيارات الاقتصادية التبعية .إلا انه يظل وعي أولي تنقصه الأدوات الدعاوية و التحريضية للقوى الثورية في استكمال مهام الثورة .

إنها انتفاضات تذكر الأنظمة الحاكمة بانتفاضات الجوع لعقد الثمانينات من القرن الماضي حينما سقط 12 قتيل في انتفاضة الجوع بالأردن سنة 1989 جراء الزيادة في الأسعار، وفي اليمن 1998 على اثر الزيادة في سعر المحروقات..الخ.. إلا أن جديد انتفاضة تونس الاجتماعية تكمن أهميته في ارتقائه إلى انتفاضة سياسية ( بمنطق التراكم لا الفصل بين السياسي و الاجتماعي ) ، في حين تشرع المؤسسات المالية في البحث عن مشاريع بدائل لبورجوازية وطنية لا تزال تعتقد بإمكانية إقرارا نظام وطني مستقل ، لكنه لا يقطع مع الرأسمالية العالمية، وهو سلوك دأبت عليه القوى الامبريالية متى ثم إحراق ورقة تمثيل لها في أي منطقة ، ليظل الجيش وحده القادر على حسم الموقف ، إما بتسريع ثورة بيضاء مضادة أو التصدي للثورة الحمراء في حالة حدوثها ،مما يطرح أهمية وراهنية الحضور النشيط للقوى المعادية للرأسمالية..

الإملاءات الامبريالية :مشروع جيل التسعينات وبداية الأزمة
يفتخر ممثلو النظام العالمي الجديد (انظر تقرير دافوس حول ترتيب التنافسية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا ) والتونسي خصوصا بكونه الأول مغاربيا وإفريقيا من حيث التنافسية ودعم الاستثمار الأجنبي ، وهو افتخار لم يكتب له أن يطول ، بفعل الانعكاسات الكارثية للتبعية الامبريالية وسياسات التقويم الهيكلي التي أدخلت تونس في النفق المسدود ، والتي ارتفعت حدتها مند السعي إلى تحرير أسواقه في وجه تدفق الرساميل الأجنبية مند تسعينيات القرن الماضي ، حيث خصص لدعم عمليات التقويم الهيكلي بين 1995-1999ما قيمته 220مليون ايكو ، استفادت منه المغرب وتونس و الأردن لبلوغ أحسن نموذج للتوازنات الاجتماعية و الاقتصادية أي تحرير وتسليع الخدمات العمومية والمزيد من شد الحزام على البطن عبر التقشف أكثر فأكثر في تدبير النفقات العمومية ، وتحسين مستويات الأداء في تسديد خدمة الدين الخارجي .

أما مديونية الجزائر الخارجية سنة 1980 فقد وصلت9.7 مليار دولار لترتفع إلى 26.3مليار دولار سنة 1992، حيث تقتص من الصادرات نسبة 23.6% و 71.2% ومن الناتج الوطني الإجمالي ، مما جعلها تنخرط في إعادة جدولة ديونها نتيجة انخفاضات الصادرات ، بينما بلغت سنة 1980 مديونية تونس الخارجية 3.2 مليار دولار لترتفع إلى 8.4 مليار دولار سنة 1992 بمعدل اقتصاص 20.6% من الصادرات و 49.6% من الناتج الوطني الإجمالي (تقرير البنك العالمي للتنمية سنة 1994)

وبذلك تكون تونس قد وقعت أول اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي ، انطلقت محاورها مند مشروع اتفاقيات جيل التسعينات التي حدده الأوروبيون في مجلسي الرئاسة ب " آسن " و "كان " لتتحول إلى طابع رسمي من خلال مؤتمر برشلونة 1995 حيث تضمنت دعم الحوار السياسي وإحداث منطقة تبادل حر أورو متوسطية تدريجيا (لا تتجاوز مرحلة تفعيلها 12 سنة )إلى جانب التعاون التكنولوجي و المالي ، إضافة إلى الدعم الاجتماعي و الثقافي . وهو ما انعكس سلبا على الاقتصاد التونسي حيث حذر رجال أعمال تونسييين من أن الانفتاح سيؤدي إلى زوال 30% من المقاولات الوطنية التي تغطي 58% من الاقتصاد الصناعي وتحتضن 120.000 منصب شغل. كما انعكس تحرير الاقتصاد والانفتاح على الرأسمال الأجنبي على التوازنات المالية للميزانيات العامة تسبب في نقص 60مليون دينار تونسي سنويا و 700 مليون دينار أي ما يعادل 20% من مداخيل الميزانية ...ناهيك عن حالة الفساد الإداري المستشري في أجهزة وأسرة نظام بن علي .

بالإضافة إلى التسهيلات التي طالت القطاع الخاص (المستفيد الأكبر منه الشركات الأجنبية التي تملك إمكانيات هائلة ) شرعت الدولة التونسية تنفض يدها عن تدبير القطاع العام مكرسة استراتيجياتها لدعم القطاع المقاولاتي الخاص ، في إطار برنامج ميدا الذي صادق عليه المجلس الأوربي الرئاسي ، ويقضي بمنح 4.7 مليار ايكو مند الفترة الخماسية الأولى 1995-1999يشمل اعتمادات ذات طابع ثنائي ( برنامج المتوسطي ، برامج إقليمية ، تدخلات لامركزية ، ميكرو تدخلات وبرامج إقليمية للبنك الأوروبي للاستثمار ) .

إن الانتفاضات الجماهيرية التي تشهدها دول المغرب العربي الأمازيغي، مند نهاية التسعينات و التي تتخذ منحى تصاعديا جماهيريا معنونا في مطالب اجتماعية ليس إلا تعبيرا عن بؤس الجماهير التي شرعت حكوماتها وأنظمتها الديكتاتورية في تنفيذ خطط التقويم الهيكلي ، والتي يمكن رصدها نتائجها الكارثية على تونس وغيرها من خلال :

التخلي عن الدعم المالي المخصص للمنتجات والخدمات المرتبطة بسد الحاجيات الأساسية للمواطن .

التخفيض الجدري في النفقات الحكومية (الصحة التعليم ، السكن ، تجميد الأجور ومناصب الشغل القارة ، التسريح الجماعي للعمال ..) بهدف تحقيق توازن مالي في الميزانيات العامة .

تخفيض قيمة العملة المحلية بجعل المنتوجات المحلية المصدر الأقل ثمنا .رفع نسب الفائدة لجلب رؤوس الأموال الأجنبية وتحديد نسب فائدة مرتفعة بمبرر الأزمة .


فهم صيرورة ثورة : من أين والى أين ؟؟

في الزمن الفاصل ، بين ما اعتبره جاك شيراك ، تونس معجزة اقتصادية تنموية ، وتنبؤه بالازدهار و بضرورة تعميم التجربة على باقي البلدان المغاربية ، وبين التفاؤل المفرط لمنظري و سياسيي دافوس الذي جعل من تونس نموذجا اقتصاديا قابلا للحياة بتبوئه الرتبة الأولى مغاربيا و إفريقيا و المرتبة الرابعة في العالم العربي من حيث قدرتها التنافسية الاقتصادية (التقرير العالمي السنوي 2008-2009 لمنتدى دافوس الاقتصادي ) . يفجر انتحار الشاب محمد بوعزيزي ، أنبوب الغضب الجماهيري ضد البطالة والأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية التي تقوم على إغراق الشعب التونسي بويلات الديون و التبعية المفرطة للرأسمال العالمي ، حيث استهدفت قطاعات عمومية عريضة طالت العديد من المرافق المعروضة للتسليع : البنية التحتية والصحة والتعليم الابتدائي والتعليم العالي والتكوين وعدم استقرار سوق الشغل ، وتغلغل المضاربين الماليين .

إن تبجح الليبراليين وأتباعهم الجدد ، عن ربط انتعاشة الأسواق بانتعاشة سوق الشغل هو محض اهتراء ، حيث لوحظ انه متى ثم تحرير الأسواق المحلية وفتحها أمام أخطبوط الاستثمار الأجنبي ، متى ثم التفنن في أشكال الاستغلال المكثف لليد العاملة وضرب استقرار الشغل عبر إقرار المرونة ، في ظل تحكم المؤسسات المالية في اقتصاديات الدول المستدينة حيث تفرض عليها تفاعلا أكثر فأكثر مع برامجها الهادفة إلى تقليص تدخل الدولة في النفقات العمومية وإحلال مكانها دور القطاع الخاص وأخطبوط الشركات المتعددة الجنسية ، وليس غريبا أن تكون فترة التفاؤل المفرط للمثقفين الليبراليين التونسيين بصدد مرحلة الانتعاشة التي خلقها الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الثمانية أشهر الأولى من سنة2010، مجرد فقاعة في الهواء ، حيث بلغت الاستثمارات 1432.9 مليون دينار منها1237.6 مليون دينار استثمارات مباشرة و195.6 مليون دينار استثمارات محفظة. مكنت من دخول 124 مؤسسة جديدة ذات مساهمة أجنبية طور الإنتاج إلى جانب انجاز 146 عملية توسعة من طرف مؤسسات أجنبية متمركزة في تونس ، ادعت المساهمة في إحداث7221 موطن شغل جديد منها 5927 موطن عمل في قطاع الصناعات المعملية..) .

بلا شك أن تلك "الطبقة السياسية" وضعت مصلحة المغتنمين من الانفتاح على الأسواق الأجنبية فوق مصالح الشعب التونسي ، الذي اخدت البطالة تنخر توازناته الاجتماعية في حين تسببت موجات رفع أسعار المواد الاستهلاكية إلى حمى سرعان ما اخدت توحد غضب التونسيين كتراكم انفجر مع أول مبادرة تدمرية لإحراق شاب نفسه ،والتي كانت ستمظهر أشكال انفجاراتها الاجتماعية في هكذا مبادرة ، لتظل سياسات الانفتاح على الاستثمار الأجنبي وضرب الطابع الاجتماعي لتدخل الدولة في القطاعات العمومية السبب الرئيسي في إضعاف سوق الشغل و المزيد من تعميق أزمة البطالة في تونس التي تتراوح ما بين 13% و 14%.

وبالرغم من إجراءات الدولة للخروج من عاصفة الاحتجاج بوصفات لا تخرج عن طلاسيم الشعوذة النيوليبرالية من قبيل : خطط تقديم قروض بنكية للمعطلين لبعث مشاريع صغيرة (تشجيع المقاولات الصغرى و المتوسطة )وتخصيص يوم من كل أسبوع يلتقي فيه العاطلون عن العمل بأصحاب المؤسسات لطرح الأفكار والمبادرات بالإضافة إلى المئات من مكاتب التشغيل (شالينجر المهن الحرة )انه منطق المؤسسات المالية التي تطلب من المعطلين امتلاك أدوات سحرية في إحداث مقاولات باطنية تدعم اخطبوط الشركات الكبرى (زبون المقاولات الصغرى )للمزيد من تشجيعها على عدم إقرار حقوق عمالها و الاستعاضة عنهم بالتسريحات الجماعية متى داع صيت الأزمة .أقرار نظام يقضي بتخفيف سن التقاعد إلى ثلاثة سنوات قبل بلوغ 60 عاما لتتيح إمكانية التشغيل بمبدأ اختياري للراغبين في التقاعد المبكر ،التعويض عن البطالة عبر منح شهرية بدل مراجعة عمق اختياراتها الاقتصادية .

في زمن يسير ، كما تسري النار فوق الهشيم ، انطلقت عناوين التحول من حركة احتجاجية عفوية لانتفاضة جماهيرية ،إلى حركة اجتماعية منظمة افتقدت في بدايتها روحها الثورية ثم سرعان ما تحولت مطالبها من الاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية إلى روح ثورية مرفوقة بمطالب سياسية تطالب نظام بن علي بالرحيل ، لكن الأداة السياسية الذي يفترض أن تلعب دور القيادي للحركة والمطور لدينامكيتها السياسية ، صعقها خبر الثورة بدل أن تكون عنصرا حاسما فيها تتوج بنيل ثقة الجماهير واستكمال قيادتها في اتجاه إسقاط نظام اقتصادي وإحلال مكانه نظام بديل في مختلف جوانبه الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية ...

في ظل هذا الغياب والتردد ، انخرطت الجماهير ومكونات حركتها الاجتماعية المتمرسة في ساحة النضال الحقوقي إلى ابتكار آليات تنظيم ذاتي ، لتدلي هي الأخرى بدلوها ، ولترفع مطالب ترتبط بالحقوق الاقتصادية ، لتصل إلى أقصى ذروتها ولتنتهي مهام مرحلتها الأولى في مقاربة المطالب الاقتصادية ،ثم لتستتبعها موجة نقاش حاد بين القوى السياسية الإصلاحية التي استسلمت سلبيا قبل زمن الثورة بعد أن أنهكتها آلة القمع و المتابعات ، وأيضا القوى السياسية الممانعة التي لم تتوقف من مراكمة الدروس من خلال مناضليها ومناضلاتها وتنظيماتها الجماهيرية ، حيث استفادت الجماهير التونسية وتعلمت وتمرنت في مراحل المد والجزر على أشكال النضال و التصدي..إن التجربة الاحتجاجية التونسية المتوجة عبر الانتفاضات الاجتماعية العفوية ،يحكمها عنصر التراكم النضالي للقوى المناضلة ، لكنها تفتقد إلى روح تغيير ثورية تقوم على برنامج تغيير جدري مما سمح وسيسمح لنظام محمد الغنوشي وأزلام نظام بن علي بالبقاء ، أي الإبقاء على نفس الخيارات الاقتصادية بما قد يتبعها من إصلاحات طفيفة قد تلامس بعض جوانب الحريات العامة إلا أنها لن تغير من أوضاع البطالة و التسريحات العمالية ، والاستمرار في تشجيع الاستثمار الأجنبي على حساب تلبية الحاجيات الأساسية للمواطن التونسي .إن الحركة الاحتجاجية و الاجتماعية شرعت في استكمال حركتها بعدما مهدت الطريق للأحزاب المعادية للبرنامج الرأسمالي لتقوم بمهامها التاريخية، حيث ينتظر منها خلق حالة نقاش وسجال جماهيري تضع الاحتجاجات في سكتها الصحيحة وتعطي للشعب التونسي سلاح التغيير الجدري الذي يربط مصالحه الحقيقية بتغيير النظام الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي في جذريته لا في رموزه.

تدخل الحركة النقابية المركزية بأدوات بطيئة ، حالت دون تقديمها بدائل تكون في متناول الجماهير من قبيل متاريس العمال و الاستيلاء على مراكز الإنتاج ، بالرغم مما قدمه عمال المناجم مند خمس سنوات ، من نضالات متراصة ومسترسلة التضحيات تلو التضحيات ، إلا أن البيروقراطيات النقابية عجزت عن التلويح بالإضراب العام رغم خصوبة الأرضية ...واكتفت بالتمركز في القصرين وصفاقس وقابس ومحافظتي القيروان وجندوبة.

كل أوجه القصور وحالات الدهشة ، لازالت تعصف بالقيادات و الأحزاب الغير المعترف بها ، في حين يعزز بياض التردد محاولات اللوبي الامبريالي بتونس في شخص نظام الغنوشي الأمني ويزيد من كسب ثقة وإجماع مختلف الأطراف الليبرالية ، وأيضا يشرعن فبركة انزياغ حول أهداف الانتفاضة الجديدة ، حيث تشكلت عصابات أمنية لتحريف المطالب السياسية الجديدة و الهاء الجماهير بالدفاع عن منازلها ومصالحها . وبدل تنصيب متاريس ولجان دفاع عمالية تحتل مراكز الانتاج والسلطة السياسية ، تختزل المطلب في لجان دفاع محلية ، أعطت الجيش الشرعية للتدخل في حسم الصراع السياسي ادا ما انفلت زمام الأمور وصارت في اتجاه إنهاء جماعة الغنوشي أوإحلال نظام اقتصادي بديل أو معادي للرسملة .حتى تضمن لزمرة الحاكمين التبعيين الانتقال بأقل الخسائر .مختزلة أزمة الحكم في تونس في شخص الجنرال زين العابدين بن علي .

إن حالة تونس هي نموذج وليست معجزة غير قابلة الحدوث و التكرار ، فمجمل الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة بالمنطقة العربية ، يسودها الرعب ، ففي مصر خرج المئات لدعم الانتفاضة التونسية ، وفي الأردن ارتعبت مفاصل حكم الملك الأردني حيث دعى وزراءه إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمراجعة الأسعار ومراعاة الأوضاع المعيشية للشعب الأردني .إن منطق التراكم الحتمي لقوى الرد الجماهيري المنبعثة من الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية ..اليوم تونس وغدا المغرب الكبير ضد جنرالات وأنظمة الفساد..

لا مفر من الثورة : السلطة للشعب العامل الكادح المنتفض
لازالت إمكانيات الثورة تحبل بالمفاجأة و إعادة عقارب الساعة إلى الصفر، بتنظيم جماهيري ذاتي محكم وإعادة استيعاب القوى المعادية للرأسمالية لمهامها التاريخية الجديدة بالمزيد من كسب ثقة الجماهير و التحريض ضد المخططات التي تستهدف ثورتها المجيدة .

إنها تونس الحدث ...تونس التي تتهددها ثورة مضادة قدم فيها الشعب التونسي دماءه تحصينا لمطلب التغيير ...ثلة من الحاكمين تحاول إجهاض هدا الحلم بتلطيف الصراع وجعل المطالب ثانوية سطحية تتمثل في تغيير الأشخاص و الحفاظ على نفس مسببات الإقصاء الاجتماعي ..إن نجاح الانتفاضة لن يكتمل إلا بنجاح ثورة حقيقية تنهي نظاما الاستغلال وبالتالي فان القوى التقدمية المعادية للاستغلال مطالبة بطرح مطالب واضحة مسنودة بتحركات عاجلة وميدانية لكسب ثقة الشعب وخلف التفاف جماهيري على مطالب جذرية ...إنها دروس يقدمها المحتجون في شوارع تونس والجزائر والمغرب ، أمامنا ،إن جوعهم وبطالتهم وضياع ثرواتهم المحلية لا يمكن حصره في مطلب الإصلاحات بل بالتغيير الجدري للنظم السياسية والاقتصادية ، فلا مفر من أجل رفع مطالب تتجاوز تغيير نظام بن علي وإقرار نظام شبيه يجدد محنة التونسيين ، لا بد إذن من التوجه إلى الشعب التونسي بما يلي من مطالب ومهام :

انقضاض العمال والمعطلين على مراكز الإنتاج و التسيير الذاتي للمصانع و المعامل ...ليس بمنطق الأخلاق الليبرالية في وصفها بالفوضى بل بالسهر على تدبير مباشر لوسائل الإنتاج.

الدعوة إلى تشكيل حكومة تستند إلى تنظيم ذاتي للجماهير كمالكة لمصيرها، تقر الحرية السياسية... وتدعو لجمعية تأسيسية لوضع دستور جديد...الخ

على الشعب المنتفض والمناضلين التوجه بدعاية ثورية وسط الجيش ودعوة الجنود لخلق تنظيمهم الخاص وانتخاب قيادتهم... والانحياز للشعب ضد الطغاة

القطع مع فتح أسواق تونس للاستثمار الأجنبي و إقرار الحقوق الجمركية في وجه الاستثمار والمنتجات الأجنبية . لحماية الاقتصاد المحلي وإعادة تأهيله .

إعادة النظر في التزامات تحرير الاقتصاد التونسي وسن رقابة شعبية وحكومية على حركة تنقل رؤوس الأموال وبسط السيطرة على أسعار الصرف

على حكومة مستندة إلى الشعب المنتفض الإعلان عن عدم شرعية ديون النظام المتهاوي وان تطالب باسترجاع الأموال المهربة،و المطالبة بتعويض التونسيين عن سنوات الاستعمار والنهب والاستبداد والعمل على مصادرة ثروات بن علي وحلفائه.

إقرار حكومة انتقالية ذات توجه معادي للامبريالية ، تعمل على تأميم المؤسسات والقطاعات الحيوية . وإقرار ورش وطني شعبي في التشغيل.وإعادة النظر في السياسات التعليمية .

إيقاف مسلسل الخوصصة وإعادة مراجعة الاتفاقيات و العقد وطرد ، انتقاليا ، كل شركة أخلت بواجباتها اتجاه مصالح الشعب التونسي.

فتح تحقيق في الثروات و التهرب الضريبي و رؤوس أموال المهرب لنظام بن علي وطبقته الرأسمالية و إقرار محكمة الديون الغير المشروعة .وإيقاف تسديد الديون الخارجية

إعادة النظر في تراتبية جهاز الدولة ، وتوسيع صلاحيات الأجهزة النقابية بتموقعها الرسمي في أجهزة الدولة بما يضمن تسييرا عماليا للمنشاة .



#بنسعيد_دحمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - بنسعيد دحمان - تونس: سيرورة ثورة جارية