أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - حنَّا هاشول يصرخ في الوادي















المزيد.....

حنَّا هاشول يصرخ في الوادي


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 3250 - 2011 / 1 / 18 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


عن مطبعة الجليل للنشر في حيفا، صدرت الطبعة الأولى من مجموعة الأديب حنا نبيل هاشول (صراخ الوادي) في حلّة أنيقة مزدانة بصورٍ معبِّرة رسمها بقلم الرصاص تلميذٌ موهوب من تلامذته. وقد جاءت المجموعةُ في مائة وسبعين صفحة من القطع المتوسط الصقيل.
تشتمل المجموعة على إحدى عشرة قصة تتراوح بين الطول والقصر. وقد قدّم لها الكاتب بكلمة مختصرة تضمّنت ثلاثة أغراض يحسن ذكرُها هنا؛ إذ لعلها تضيء جانباً من مذهبه الفني في صناعة الأدب القصصي، وموقفه النفسي من حركة الإبداع في هذا المجال.
أول هذه الأغراض: إيضاح سبب اختياره للعنوان، حيث جاء قوله:
"صراخ الوادي هو العنوان الذي اخترته للمجموعة القصصية هذه. لم يأتِ هذا العنوان من باب المصادفة، وإنما بحثت عنه حتى عثرت عليه فتعمدته من بعد تفكير؛ إذ وجدت فيه ما تجتمع تحته كلُّ القصص. أرى أننا كبشر نحيا ضمن أطر وضعناها لأنفسنا، أو انسقنا إليها بغير إرادة منا، لكننا نحتاج دوماً لأن نتمرد على قوانيننا وذواتنا. وكي يتمَّ ذلك لا بدّ من قوة كبيرة تدفعنا لنندفع كما تندفع أحجار من قمة جبل وتتساقط في بطن وادٍ محدثة دويّاً وصراخاً. هذا هو حالنا نحن البشر، نحتاج أحياناً إلى الصراخ من وادي أحزاننا وهمومنا؛ فلعلّ الصراخ يخفّف من أعبائنا! وهذه حال شخصيات هذه القصص أيضاً؛ إنها تصرخ من أعماق وديانها لتعبّر عن متاعبها وكربها الناجم عن الضغوط التي تتعرض لها ".
وثانيها: التعريف بشخصيات قصصه مع بيان علاقته بها وتأثيرها فيه:
" التقيتها في حياتي، ومن خيالي غذيتها، عشت معها ساعات طويلة وأنا أحاورها وأغوص في بحور أفكارها، وأرتشف من مشاعرها. أحببتها بعفويتها واندفاعها، بغموضها وانفتاحها، ببؤسها وأفراحها، بجمالها وقبحها، بقوتها وضعفها. كانت تحركني في كثير من لحظات حياتي وتثير فيّ ما يشبه لوعة العاشق إلى المعشوق. ولعلَّ انتقالي بين الجشّ وحيفا، وشقيب السلام وشفا عمرو، ساهم في بناء الأحداث واستلهام صور الشخصيات".
وثالثها: الشكوى من عزوف القراء عن الأدب. وهي شكوى تكاد اليوم تعمُّ أدباء العربية. وهي في أغلب الأحيان تأتي مصحوبة بمشاعر المرارة و الإحباط، يقول:
"هذا كتابي الأول ولعلّه الأخير، لا أقول هذا من باب التشاؤم ، بل لأني أرى جيلاً من الشباب لا يحب القراءة، ولا يعير الأدب أدنى اهتمام. عصر الانترنت يسرق منا الشباب؛ ليأخذهم إلى عالم قد لا نحبه، ولكننا نجد أنفسنا مجبرين على تقبّله. ولا ننسى أيضاً أنّ القنوات الفضائية باتت تنافس الكتاب، وجعلت قلوب الناس تحيد عنه ". وإذ اعترف الكاتب فيما تقدَّم من قوله، بأنَّ أحداث وشخصيات قصصه، منتزعةٌ من بيئته؛ من داخل إسرائيل، وأنه عاشها واختبرها وتلمّسها بجوارحه؛ فانطبعت آثارُها الواضحة في نفسه، بات الحكم على واقعية مذهبه الفني أمراً مفروغاً منه. ولربما توسّم القارئُ إثر أن اطّلع على هذا الاعتراف من قبل أن يكون شرع بقراءة شيء من هذا القصص، أنّه سيجد نفسه إزاء واقعية تنقل له أحداثاً حقيقية من تلك الأحداث التي دأبت بيئته على تفجيرها، كلّما احتدمت بالمآزق، نقلاً حرفياً كما تفعل آلة التصوير دون زيادة ولا نقصان. بيد أنّ القارئ سيكتشف عندما يأخذ في قراءة القصص، أنّ واقعية (حنّا هاشول) هي من الصنف الذي يسمو فوق النقل الحرفيّ والتصوير الفوتوغرافي إلى فضاء الفن الرحيب الذي يرتكز إلى التخييل والإبداع والاستلهام والتصرف الحرّ الواعي في مجرى لغة السرد. وهي واقعية توشك أن تكون قريبة الشبه بالانطباعية التي تنشد التأثير في نفس القارئ قبل عقله، وتوشك أن تكون بعيدة عن الواقعية الملتزمة بأهداف إيديولوجية محددة؛ تلك التي تصور الأحداث التي يضطرم بها الواقع الاجتماعي لا كما هي في حقيقتها، بل كما تريدها أن تكون، بأسلوب يتعمد بدهاء تفرّيغها من مضمونها الصريح، والسيرَ بها في اتجاه يخدم رؤيتها السياسية. إنّ واقعية (حَنَّا) واقعية تعكس صورة بيئته المضطربة بشتى ألوان السلوك والوقائع والأفكار والمؤثرات بأمانة، وترسم ملامح الإنسان الرازح تحت وطأة مشكلات هذه البيئة، ولكنْ بريشة فنان لم يألف أن يغمس ريشته إلا في طلاء ممتزج بعناصر من روحه وفكره. يرصد (حنّا) في قصصه خلجات الحدث الطارئ بنظر ثاقب، ويستشعر انفعال شخصياته به، ويتتبّع أصداءه بداخلها إذ يراها تنجرف معه، حتى إذا امتلأ بمعطيات الحدث بجميع أبعاده الحسية والنفسية، أخذ في العكوف على هذه المعطيات بصبر وشغف: يغوص خلفها فيصطاد معانيها البعيدة، ثمّ يعود محمّلا بها إلى مختبره، يفكّكها، ويحلّلها، ويصبّها في قالب جديد يجسّد فكرة مثيرة أمام القارئ. في قصته (جسد من رماد) سيصوّر علاقة حبّ نشأت بين قلبين على مقاعد الدرس، إلا أنها لن تكتمل؛ ستحول دون ذلك حالة الحرب التي يعيشها الشعب الإسرائيلي، وحالة التأهب والاستعداد الدائم لها بين الشباب. وهي حالة يشيع فيها القلق والصرامة والتشاؤم ويختنق فيها الحبّ المفعم بأفراح الحياة. وفي (النافذة) يحكي قصة امرأة مصلوبة على خشبة العزلة والتفرّد والكآبة، تتنهّد ضجراً وتوقاً بعدما تفرق عنها الأهل والأصدقاء، وفاتها قطار الزواج. ولا تني تتسمّر ساعات طويلة خلف نافذة بيتها "الصامت الكئيب" ترقب "الحركة التي لا تتوقف في الشارع" الممتدِّ أمام بصرها الساهم الفارغ من معاني الحياة البهيجة، وتجترُّ ذكرياتِ صباها الجميل وفي نفسها لهفةٌ إليه تعوّضها عن حياتها الرتيبة المملَّة القاسية. وما يزال الكاتب يتقصّى جزيئات حياتها الماضية، ويتتبَّع أطوارها ومنعطفاتها بخياله، ويصوّر ظلال أحلامها ودفقات مشاعرها بفنِّه؛ حتى يصل من ذلك إلى غاية مرموقة في مجال الفكر تتمثّل في مغزىً وجوديّ صارمٍ ينمُّ عنه غدرُ الزمان وحدثانُ الأيام: "مضحكة هي الحياة بتقلباتها.. لم تعد تجد من تجالسه تحت ظلّ زيتونة، ولا تجد من ترسل له رسالة، ولا من تفرّغ له همومها. تجلس عند النافذة؛ ترمق الشارع بشهوة المشتاق إلى ملاعب الطفولة وحيوية الشباب.. وتشتاق إلى أمها وإخوتها وإلى سميرة ونهى وفوفو. الحركة في الشارع لا تتوقف: سيارات، مارّة، مقاهٍ جديدة تستقبل الرواد وضجيجٌ. أما المنزل فصامت لا يتحرك"
ويُرى الكاتبُ في بعض قصصه - ولا سيما قصصُه التي يسردها بضمير المتكلم – ملتحماً بالحدث، منصهراً بوجدانه في الشخصية على نحوٍ من الصدق والتمثّل ربما أفضيا به إلى التواطؤ والخيانة الفنية؛ فإنّ من شأن هذا الأسلوب – كما هو معروف - أن يعرِّض للثلم حياديةَ الكاتب تجاه الحدث والشخصية، ويخلّفَ لدى القارئ انطباعاً بأنّ الكاتب يقبس موضوعاتِ قصصه من تجاربه وظروفه الخاصة، قبل أن يقبسها من خياله ومن تجارب وظروف الآخرين. ومن أمثلة ذلك قصتاه: (جسد من رماد) و (بلا وطن).
ومما يستلفت النظر في هذه المجموعة، احتواؤها قصصاً تضمّن تجارب إنسانية لم يسبق للأدب الفلسطيني المعاصر أن طرقها أو عالجها من قبل، منها على سبيل المثال: (ذاكرة الريح) و (مريم على الحدود) .
تروي ذاكرةُ الريح، حكاية امرأة يهودية اجتثَّتها زعازعُ الصراع العربي - الاسرائيلي من أرض مصر، وطوّحت بها إلى أرض جديدة غريبة هي إسرائيل. وتمرُّ على المرأة السنونَ الطويلةُ وهي تتجرّع الإقامة في أرضها الجديدة، ومع ذلك لن تتمكّن جذورُها - على الرغم من طول الإقامة والرغد – من أن تتغلغل في أعماق تربتها الجديدة على رخاوتها، وسيظلّ الحنين المحفور في صدرها، يرعش جذعها الواني بتباريح الشوق، ويميل به نحو وطنها الأول الذي ما انفكَّ نسغُه يجري في نسيجها بلا هوادة، وستطلُّ أشواقها إلى صديقاتها وأيامها معهن، لا تكفُّ عن الانثيال في ذاكرتها المستيقظة على الدوام. إنها مأساة الإنسان - أيِّ إنسان - ما إن تقتلعه صروف الزمان من متن التاريخ والمكان: " تحدثني عن مصر بشوق لا يحدّه وجود ولا عدم، فكأن القاهرة في منزلها تعانق جدرانه بأيد شفافة الإحساس، كأنها تقول: أنا هنا برائحة البخور وصوت انسياب النيل، فكن لائقاً بتاريخ الأهرام وأبي الهول! وكن ما تريد ولكن اترك في قلبك مكاناً لي..! وما تزال تحدثني قائلة: لقد قدمت مع زوجي وأولادي إلى إسرائيل سنة 1957 وتركتُ في مصر منزلاً فخماً وخادمة أمينة، كنت جميلة جداً في صباي، شعري كان طويلاً. في بنايتنا سكنت عائلة قبطية وعائلة مسلمة، لم نكن جيراناً وحسب، بل أكثر من جيران جمعتنا سماء صافية وشمس تتوهج في آب، وحبٌّ أخويّ من فطرة الإحساس بالأمان" .
وما أبلغ تصويرها للحظة الفراق! وما أشدَّ تأثيره في القلوب الحسّاسة التي تنبض بالعواطف الإنسانية الرقيقة!: "تعانقنا بشدة، شعرتُ بطعم ملوحة الدموع، تعبت من العناق والبكاء، فخفّضت رأسي نحو الأرض؛ كي لا أرى وجهيهما. وقف الرجال الثلاثة يتصافحون ويصمتون، ركضت نحو زوجي فاحتضنني وربّت على كتفي، ولم يقل شيئاً. ثمّ انطلقت بنا السيارة، فانطلقت خلفها الصيحات وانطلق النحيب. لم أجرؤ على أن أستدير، كنت أعلم أنهما تقفان هناك تنتظران أن أغيّر قراري - مع أني لم أكن صاحبة القرار – فأبقى معهما.."
بمثل هذه الروح الإنسانية الصافية، والنزعة العطوف التي تمّيز بها حنّا هاشول، والتي لن ينقص منها انتماؤه إلى قوم يرون الآخر غريباً، سيحكي لنا قصة (مريم على الحدود)؛ مريم التي قضت ضحية الحدود التي رسمتها العداوة بين البشر.
في قرية (عين إبل) في جنوب لبنان، ولدت مريم من أب لبناني وأم فلسطينية من الجليل: " أمها ابنة القرية الصغيرة في الجليل، تزوجت بشاب من جنوب لبنان عندما كانت الحدود مفتوحة. لم تتوقع تلك الفلسطينية أنّ عام 1948 سيكون عام انغلاق الحدود بين الدولة الجديدة وبين لبنان، لم تتوقع قط أنها لن ترى أفراد أسرتها في الجليل إلى الأبد.."
وماتت الأم خلف الحدود حزناً وكمداً ومرضاً بعد اختطاف ابنها، ولحق بها والدها وزوجها: "اختفى الأربعة في سنة واحدة، رحلوا وتركوا مريم وحيدة تتخبط بين الذكريات وقسوة لقمة العيش .."
وإذ تفاقمت الأخطار في الجنوب، وخشيت مريم من الانتقام، قررت أن تعبر الحدود بحثاً عن لقمة العيش والأمان: " نزحت مريم مع آلاف النازحين إلى إسرائيل خوفاً.. أقامت في (نهاريا) عند أسرة يهودية؛ لترعى شؤون المرأة العجوز المنحدرة من أصل عراقي، والتي تجيد العربية أكثر من العبرية. كانت هذه المرأة بالنسبة لمريم عود الخلاص؛ فهي التي ضمنت لها عملاً وسكناً .. "
ولكنّ موت العجوز، سيقصم عود الخلاص الذي كانت تتشبّث به، ثمّ لن يلبث طويلاً حتى يقضي على آخر أملٍ لها في النجاة من الغرق في لجة عمرها الهادر بالجوع والتشرد، ولا سيما أنها قد أشرفت على مطالع السبعين؛ فبات العثور على عمل لها في مجال الخدمة - وهي في مثل هذه السن المتقدمة، وفي زمن اشتدت فيه منافسة اليد العاملة المستقدمة من الشرق الآسيوي البعيد - ضرباً من المستحيل. ولمّا كانت مريم لا تتمتع بالجنسية الإسرائيلية، فلن تتكفّل المؤسسات الاجتماعية الإسرائيلية بواجب رعايتها. سدّت الأبواب في وجه مريم، ولم يبقَ أمامها من سبيل تقصده، غير أن تلجأ إلى ابنة خالتها في حيفا؛ فعسى أن تمدّ لها يد العون!: "ستقول لها إنها لا تملك نقوداً ولا مأوى يحتضنها، لا، لن تدع الكبرياء هذه المرة يقف حاجزاً بينها وبين كاميليا. ولماذا الكبرياء الآن؟ أليست كاميليا ابنة خالتها من لحمها ودمها؟ "
بيد أنّ القضاء سيترصّد خطوات مريم المرتبكة الخائرة من الضعف والإعياء والمرض في عرض الشارع الذي سلكته إلى ابنة خالتها كاميليا؛ ليستلّّ منها الرجاء والأمل؛ فتسقط مريم أمام عجلات سيارة عابرة. وبسقوطها سينزاح عن كاهلها عبءُ الحياة إلى الأبد، وستتبدّد من وجودها المتلاشي مرارةُ السنين المصطخبة بالحنين، وبالذكريات الأليمة وخصوصاً ذكرى أخيها المخطوف، وستنمحي الحدود التي زرعتها الضغائن بين بلديها من خارطة الشقاء الذي وسم حياتها. إنه المصير الذي حاكه لها واقعُها المنهوم بالغلظة وشظف العداوة. وإنه لمصير يذكّر من بعض الوجوه بمصير أمها التي لفظت أوجاعها من قبلها خلف الحدود في الجانب الآخر: "رأت مريم أمامها نفقاً طويلاً، طويلاً ومظلماً ينتهي بنور. كانت تجري عبره، كلا! لم تكن تجري؛ كانت تطير. ها هو الحلم يتحقق، الحلم الذي راودها مذ كانت مع أمها على الحدود. تذكر أنها حلمت أنها تطير، تطير، وتعبر الحدود لتضع إكليلاً من الزهور على القبور. وها هي الآن تطير تعبر الحدود بعد أن غابت في عالم بلا حدود ".
تتصدّر الجمل الفعلية فواتحَ القصص ما عدا قصة (شوق العصافير)؛ وهي القصة الثانية في ترتيب المجموعة إذ جاءت هذه مصدرة بجملة اسمية في صيغة الاستفهام: "ما الحكمة من زوال الأشياء؟ وما الغاية من تجددها..؟". ولا غرو في أنْ تبتدئ القصص بالجمل الفعلية ذات الطبيعة المتوهجة بالنشاط والتزجية؛ فهي أكثر ملائمةً لفحوى هذه القصص من الجمل الاسمية ذات الدلالة على معنى السكون والرسوخ في أعمّ الأحوال. إنّ ما يهجس في صدر شخصيات القصص، وما يستبدُّ بحياتها من سطوة الزمن القاهر، وتحولاته الرهيبة، لا بدَّ من أن يستدعي استعمال هذا النمط من التعبير. كما في قصة (عودة طفلة):
"ارتعشت يداها رعشة خفيفة على مقود السيارة حالما نزل زوجها، وتركها وحدها تقود السيارة. كانت قد وصلت إلى المفرق ذي الإشارات الضوئية تنوي الالتفاف إلى اليسار؛ كي تعود إلى منزلها في حيفا.."
ولمّا كان الكاتب واقعياً في مذهبه الفني، فإنّ سرده، سيجنح إلى الأداء الواضح السلس، وإلى البساطة واللين في التعبير إلى حدّ الاقتراب من لغة العامة، بعيداً عن التنميق اللفظي والتعقيد والإبهار، وسينأى عن أساليب التجريب والتغريب والعناية المفرطة بالشكل والبنية الفنية، وسيتجنّب الخروج – ما أمكنه - على منطق اللغة وقيودها المعجمية. ولكنّ ذلك لن يعصم بعض لفظه وتركيبه من الوهن في أماكن لن تلحظها لندرتها إلا عينُ قارئ متمرّس.
وقد اعتمد الكاتب في أكثر قصصه على فن الاسترجاع، وتداخل الأحداث، ونبش الحوادث القديمة من ذاكرة الشخصيات؛ ليفسر واقعها الجديد، أو ليعمّق المفارقة بين ماضيها وحاضرها تحت ضغط الإحساس بقوة الزمن الجارفة. ولا شكّ في أنّ براعة الكاتب في إدارة الحوار على ألسنة الشخصيات بما يتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي، وبما ينطبق على حالاتها النفسية، سيسهم إلى جانب الفنون الأخرى التي اصطنعها الكاتب من دون ضجيج في نجاح قصصه. غير أنّ النجاح الحقيقي الذي أصابته هذه المجموعة لا يُعزى إلى الوسائط الفنية، ولا إلى الموضوعات الإنسانية الفريدة المتنوعة التي تناولتها فحسب، وإنما إلى هذا الأثر الذي يبقى عالقاً منها في نفس القارئ بعد الانتهاء من قراءتها ولا يكاد يبرحها.
ولعمري ! فإنّ هذا الأثر الذي يعبق في النفس من قراءة الأدب، لمن أهمّ مقاييس جماله ولذته وقيمته.



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياتي في خطر. قصة قصيرة


المزيد.....




- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - حنَّا هاشول يصرخ في الوادي