أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي صالح محسن المالكي - الجزء الأول من كتاب عن حضارة وادي الرافدين مترجم إلى اللغة العربية للمؤلف السويدي- تورة سيترهولم















المزيد.....


الجزء الأول من كتاب عن حضارة وادي الرافدين مترجم إلى اللغة العربية للمؤلف السويدي- تورة سيترهولم


مهدي صالح محسن المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 3236 - 2011 / 1 / 4 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


ســومريي أور


كان إسم الرجل الذي أبحـثُ عنهُ في منطقة أور هو ( إجيميــل – سن ). كان يعملُ كاتبا، كاهنا و مـُعلــِمــا في أحد مدارس الأولاد. سألتُ عنهُ أحد الرجال الساكنين على إمتداد الشوارع القريبه من منطقة الآثار، فأجابني وكأننــا كُنــا واقفين في بغداد أو في لنــدن، واصفا الطريق:
- تأخذ أول شارع على جهة اليميــن, ثم تحسب رابع بيت على اليسار.

لم يكــُن العثــور عليهِ صعبــا. فالمسالك الضيقه كانت مفتــوحة وتدعو القادمين للدخول إلى وسط البقايا الطينية. والبوابة كانت كمثيلاتها من البوابات الشرقية صغيرة ومـُهلهَلة. إلى اليسار منها امتدَت مجموعة من البيوت الطينية متباعدة وكأنها أخذت انحرافا يشبه الامتداد الطبيعي لنهرٍ. لم يكُن الشارع المرصوف بالحجر موجودا، ولم يبق منه سوى مــُدرَج صلد ملبــوخ بالطيــن.
ولم يـكــُن ( إجميــل- سـن ) موجودا في البيت......
لأنهُ كان موجودا قبل أربعـــة آلاف سنه......
مع ذلك عندما وقفتُ في نهاية بيتهِ ارتجـَفـت كـَمـَن يرتجـف مـَن يـَسقـُط في بئــر عميق ويداه مشدودتان للخلف.

أربعة آلاف من السنين مضَت متصاعدة وكأنها سحابة دخان، ولازالت الأسئلة نفسـِها موجودة أراهـا الآن بين الجدران الطينيه البـُنيــة اللون.


وللحظه من الزمن أغمضـتُ عيني لأتخيل بيت هذا الرجل مثلما كان في زمانه! حيث أن هذه الجدران التي تبدو مُخَرَبة كانت مـُعـافـاة، وأرضية
غـُرَفها كانت مفروشة بالحـُصران المصنوعه من سعف النخــل، ورائحة القـلـي تفـوحُُ من فتحات المطبخ الذي تجـَمـَعَ فيهِ العبيــد ليــُحضـِروا وجبة العشاء، وثـمـة حِمــــار ينهَق في الإصطبل المجاور لصالة المدرسة التي كان( إجميل- سن ) يقرأ فيها قـُداسا سومـريـا على تلاميذهِ العشرين ويُعلــِمهم الأفعـال السومرية وكيفة رسمـها.

يوجد المئــات من البيوت المحفــورة بقـايـاهـا، والتي تشبه هذا البيت في مدينة - أور – التي كانت لاتختلف عن أي مدينه كبيرة في عصرنا الحالي. ويتمكن البـاحث بالإعتماد على الكتابة المسمارية المحفورة على جدران هذه البيوت أو بالإعتماد على الألواح الطينيه المدفونة فيها تحديد مالكــي البيوت. فعلى بيت ( إجميل- سن ) مثلا كان اسمهُ محفـورا ومـُعرّفـا بمهنتهِ ككاتب ومُعلم, ومقابل بيته بالضبط مغتسَل الآلهة, وعلى مسافة منهُ كانت ورشة حدادة النحــاس التي كان يمتلكها ( إجميل- نيجشجا ).
تقريبا نصف الأحيـاء السكنية رأيتهـا مـُنتشرة على إمتداد الشارع المـُقـَوَس الذي أشـارَ إليه مُرشد الطريق الذي رافقني وأخبرني أن إبراهيــم سـَكـَنَ فيه, وأضـاف:

- والنبي إبراهيم غادرَ أور الكلدانيه تلبيــة لأوامر الملك الذي بسطَ َ سيطرة الكنعانيين على المنطقه. ومعروف عن إبراهيم أنهُ تزوجَ من إمرأتين الأولى كان إسمها ( ســارة ) التي يرجع إليها أصــل اليهود، والثانيـه اسمها (هاجــر) ويعود إليها أصـل بقية البشر. وكانوا يسكنون في بيت يقع فوق منطقه مـُدرَجـّة, تُحيط بها الحدائق. وإلى جانب سكنهم كانت غـُرف الخــدَم.

كم تمنيتُ أن أصدق كلام الرجل...
غير أن معلوماتي كانت عكس ما سمعت منهُ.


فحسب ما قرأتُ للمؤرخ - وولي - وغيرهِ من الباحثين الذين لـَم يـجدوا أي دليل يـُشيـر إلى مسكن إبراهيم.

ولكن من الممكن الإقتراب من رأي هذا الرجل إذا ما عثرنــا على سـجل لأقارب أو عائلة النبي إبراهيم بين شظايا هذه الآثار والتي ستكون بالتأكيد خالية من اشارة ما إلى أنهُ عاش مع زوجتيه هنا، لأن زواجهِ من هاجر جاءَ متأخـِرا بعد أن طلبـَت منه سارة الزواج من الفتاة المصريه هاجر.
الشئ الوحيد الذي أجرؤ على قولهِ هو أن كل الآثــار أو بقايا البيوت المـُغبِرة في شارع ( إجميل- سن ) كانت تُشـير إلى أنه شـارع بيت النبي إبراهيـــم خلال سنين – أور، لكنني الآن بدلا مـِن أن أرى الورود التي كانت متفتحه في حديقتك يا أبــانـا إبراهيــم! أرى أحدى الأفاعي الرقطاء تنسـَلُ مـُختفــيــة في جدران إصطبل الحميـــر، لكنني أشعـُر أن الرمل الذي يخترقُ نعلــي الآن هو نفس الرمـل الذي وطأتهُ قدماك وقدمي سارة في ذلك الزمـــان.

نحن لا نعرف بالضبط ما الذي دعــا إبراهيم وأباه ( تيرا ) إلى مـُغادرة أور في حكم حمــورابي، ليستبدلا البيوت المريحـة في المدينه بخيم البدو في الصحراء. قد يكون السبب شخصي أوأقتصادي أو لتعرضهما للإضطهاد من قـِبَل الأقليــه العـِـبريــه خلال فترة الفوضى في أور التي سبقـَت سقوطها. وهناك رأي آخر يقـول بأن إبراهيم ربما لم يسكن بالمرة في مدينة أور التي كانت مركزا للمدنية حينذاك، بل أنه سكنَ قريبا منها وفي خيمه! مثلما يفعل البدو حين يسكنون عند مشارف المدن، ثم بهرتهُ المدنية فدخـلَها كرحــالة.
هناك نظرية تقول أن إبراهيم ظهرَ في مدينة أور أخرى أكتـُشـشفـَت مؤخرا بالقرب من مدينة ( إبــلا ) السورية، وهاجرَ منها قبل حوالي خمسمائة عام مما كان يعتقده الجميع.


( يجدر الإشارة هنا إلى أن أغلب الباحثين المسلمين في العادة يقولون أن مغادرة إبراهيم مدينة أور حصلَ في 2300 ق.م)
وبغض النظر عمّن كان مـُحـِقا في إفتراضهُ التاريخي حول الوقت الذي غادر فيه إبراهيم مدينة أور، يبقى هذا الحدَث خالدا ومهما في تاريخ البشرية، فكتاب العهد القديم يؤكد في بعض الأحيان الاكتشافات الحديثة لعلماء الآثار. ففي كتابهِ( إبراهيم وأصـل العبــرانيين ) يـُبـَين ( وولي ) أن العديد من تقاليد القبائل العبرية ومفاهيمها العبريه جاءَت من ارث الحضارة الســومرية:
فمثلا تصرفـات إبراهيم تجاه زوجتهِ هاجر وابنها إسمـاعيـل, واستعدادهِ غير المفهـــوم في التضحية بإبنهِ إسحاق تجد تفسيراتها في قوانين السومريين والبابليين.

الشئ الوحيد الذي نعرفهُ بقناعة تـامة هو عدم وجود أي هجرة بشريه على مدى التاريخ تحمل معان وتنطوي على نتائج مثل هجرة إبراهيــم. فإبراهيم وقومهِ الجوالين بدأوا بهجرتهم صفحة مهمة من صفحات الحضارة البشرية. فكانوا بداية للديانة اليهودية، والمسيحية والاسلامية.
وإلى الرحلة تلك ينتمي حتى التاريخ السويدي أيضا. فلا يوجد معبد أو مقبرة أثرية تُكتشف في إقليم ( لابلاند ) * لم تستلهم طقوسها مما حملهُ معهُ إبراهيم من مدينة أور الكلدانية التي عندما نـُسافِرُ إليها فكأننا نـُسافر إلى أصلنــا. ولما نلتقي بأور، وقلعة جلجامش وبابل فإننا لا نلتقي حضارة وادي الرافدين التي تـُمثـِل التاريخ القديم للعراق فقط، بل نلتقي بأنفـُسـَنـا أيضا، وتاريخــنــــا الممتد طويلا وسنلتقي ديننــا الذي نظنه لحد الآن بأنه: جاءنــا من الإغريـق واليهـــود الذين هم بدورهم جلبوه من تلك الأرض- أور .
هنــاك تبلورت نظرية نظرية إقليدس قبلَ إقليدس نفسهُ بألف عام، وهنــاك كُتـِبَ أول بيت شعر قبل ألف وخمسمائة عام من ولادة هــوميــروس، هنــا أختلـِقـَت أول أسطورة حول بداية الخليقه والطــوفــان بسنين طويله قبل مجئ كتــاب موسى.
..........................................................................................
• لابلاند : السويد مُقسـَم إلى 24 إقليم مرتبطه فيدراليا وتخضع للقانون السيدي المركزي والسلطات المركزيه في ستوكهولم. ولابلانــد هو الإقليــم الشمالي في السويد ويسكنهُ قوما يسموهم ( سامرنا ) يمتهنون لحد الآن مهنة الصيد ولهم لغتهم الخاصه التي تحرص الحكومه السويديه على الحفاظ عليها. ......المترجم

يُدعى الناس الذين عاشـوا لحد نهاية العام 3000 ق.م بالسـومريين وهم الذين بدأوا ببناء أقدم وأرقى حضارة عالمية. عاش السومريون حول نهري دجله والفرات في الجزء الأسفل- الجنوبي من العراق الحالي. اصولهم مجهــولة، وكانوا يتحدثـون بلغة تُعتـَبـر الآن من اللغات المـُندثرة


اشتمـَل قيام الإمبراطوريه السومريه عدة مراحل تخللتها بعض التوقفات التي سبقت ظهورها بألف وخمسمائة عام، وكانت أول حضارة في تاريخ وادي الرافدين وتـُعـَد بمثابة خطوة متقدمة عن العصـر الحجري.


والسومريون هم الذين بدأوا بإستخدام المعادن التي كانوا يستوردونها من بلدان أخرى، كما وانهم اكتشفوا الكتابة والحروف، وبدأوا ببناء السدود والقنوات لسقي أراضيهم التي كانت تشكو من قلة الأمطـــار.
لم تكن دولتهم بالكبيرة، وأنما كانت أقل من ( سمولاند ) * وكانت مؤلفه من عدد من المدن المستقلــة عن بعضها بحيث أن كل مدينه لها مـَلكـها ومعبــَدها وإلهـهـا الخاص. وكانت المـدن المـُكوِنـه للدولة السومرية تـُدعـى بـ ( الأقاليـــم )، والمشهور منها في الفترة بين 3000 & 2300 ق. م
ثلاثة عشر مدينة أشهرها : أريــدو، أور، أوروك، لارسا، أوما، لكش، نـُفـَر
وكيــش. وبين فترة واخرى تستطيع مدينة من هذهِ المدن النمو والتوسع لتصبح أكثر قوة وتـُخـضـِع بقية المـدن لسيطرتها.

فقـَدَ السـومريون مملكتِهم في فترة من الفترات بسبب الحروب، لكنهم استعادوها قبل الطوفــان، والكوارث الطبيعيه الأخرى التي تبعتهُ كما تقول الألواح الطينية التي سجل عليها السومريون تلك التفاصيل المخيفة، والتي عثر عليها علماء الأثار والباحثـون. الواردة لاحقا في الإنجيل تحت عنوان
( طوفـان الخطيئة ).
...............................................................................................
*سمولاند: وهي الأخرى أحد الأقاليم السويديه الأربعه والعشرون تقع في الوسط تقريبا.
المترجم
حكـَمَ الملك السومري الأول (إنمي برجسي) في عام 2600 ق.م ، وكان من مدينة كيش، وحسب ما جاء في الأساطير فأن هذا الملك كان لديه ابنا إسمهُ ( إكا ) دخل في نزاع مع ملك أوروك الذي كان حينها جلجامش المشهور بجسدهِ القوي.

وبفضل الاكتشافات الأثرية المثيرة عرفنـا الكثير: فمدينة أور كانت تسمى مدينة – نـــانــو ( إلــه القمر )، ومدينة نـُفــَـر كانت المركز الديني أو رومـــا السـومريين أو كعبتهم، وكانت تـُسمى مدينة – إنليلس ( إله السماء ).
أن هذا البلد الخــِصـب كان مـُغريــا بشكل دائم للجياع الذين من حولهُ في الصحارى والجبال، لذا تعرضَ إلى حملات تدميرية شـَنها عليهِ هؤلاء، من أول هذه المجاميع الساميــين، الأكديين، الأموريين، الآراميين والعـــرب. وأول موجة جاءت بحدود 2300 ق.م. عندما قام الملك سرجــون بتدمير المدن السومريه وأسـَسَ الإمبراطورية الفارسية* التي أمتدت حينها حتى صارت جبال جنوب لبنان حدودها الشماليه. وقد شاهدنــا في متحـف بغداد التاريخي خوذة هذا الملك المصنـوعة من البرونز، و المـُصـُمـِمَة لتُـغطي وجههُ، بحيث تـُثيرُ رُعـبَ في قلب مـَن يراه.

وامبراطورية سرجون هي بدورها سقـَطـَت على أيدي الكوتيـيــن، وهم أقوام جبليه مجهولة المصدر دمروا كل المدن الموجودة في الشرق على مدى مـائــة عـام، إلى أن ظهر الملك ( أورنمــو ) في مدينة أوروك، فأعـادَ القوة والسلطة من جديد بيد – أور، وقد عُثر على لــوح طيني بخطـّهِ فيه عبارة خاطـَبَ فيها جنوده موجّها اياهم الى كيفية التعامل مع العدو قـائلا:

( ضـــَع قـــدَمــــُكَ على رقــبــتــه ِ)
.............................................................................................
* سرجون الأكدي بسطَ ووسع الامبراطورية الأكدية وهي تختلف جذريـا عما ذهب إليه المؤلف بنسبه إلى الحضارة الفارسية ( العيلاميين)
..... المترجم
فاستعـادت بزمنه البلاد هيبتها وتحررت من الحـــراميـــه، والمـُحتليـن والمشعوذين.....
شرّعَ بعد ذلك أقدم القوانين في العالم، وبـنى في عدة مدن معابد تقوم على مرتفعـات متدرجه سـُميت بـ ( الزقــورأت ). واهتـمَ بمعبد – أنـــا- إلــه القمـــر الكائن في مدينة أور.

وقـُتـل ( أورنـــمو ) في أحدى المعارك ( وُجـِدَ مرميأ أرضا وينزف من رأسهِ وكأن شريانا إنقطـع ). ثم تعاقَبَ على حـُكم أور عدة ملوك هم:

كوديــو، شـُلجي و آمارسين، ليُقيمـوا الفترة الملكيه الثالثه ويـُعيدوا العصر الذهبي إلى سومر وأكــَد، ويـَفتـَحوا الشوارع والقنوات الزراعية، ويـَبنوا المعــابــد والأماكن السكنية في الشمال والجنـوب من المملكة، ويــُصـَنفـوا وحدات القياس الخاصه بالطــول والوزن، وأنشأوا القوانين االتي عاشَت بعدهم سنينا طويلة وكانت سببا في ازدهار الزراعة والتجارة واصـدار الآلاف من العقـود التجاريه التي وُجـِدَت مكتـوبه بالخط المسماري على ألواح طينية.
ونـُظِمـَت شؤون المعابد بشكل دقيق يخضـَع لهيئه مـِن الكهـَنــة، والتي وضـَعـَت بدورها لوائح لأخلاقيات المجتمع وقت السلم والحرب، سُميـَت حينها حينها (بقواعد السيطرة على قرون العالم الأربعه).
لكـــن هذا التطور لـَم يـَدُم.......
ففي عــام 2003 ق.م إجتاحَـت دولـة السومريين قبائل جبلية متوحشــة هـَدَمـَت كل البنـاء وسـاوتهُ بالأرض وأسـَرَت ملكهـا ( إبــي- سن ) ووضعته في السجن، وكان قد تعرضَ إلى خيــانة كبير قـواد جيشه. ووجـَدَ الباحثـون في لــوح طيني مرثية شعرية سجَلـَت الكارثة تلك:

ويلي , أيها الأب نانو، مدينتُكَ صــارت ركـاما ..
وتناثر ناسها خارج المدينة مثل شظايـا الفخار
هـُدِمَت أسوارها، وصـارَ يُسمـَعُ فيها صوت الشـكوى والأنين


وجوار البوابات العاليه التي كُنـا في العادة نتجولُ عندها،
ازحمت بأجساد القتلى
وفي الشوارع التي كـُنـا في العادة نُقـيـم إحتفالاتُنا،
توجد الأن أكوام الجـُثـَث
أووور... القوية والضعية استباحها الجوع
وحُرقَ الآبـاء فيها والأمهات في بيوتهم،

ورُمِيَ الأطفــال في الماء،
ثم تم انتشالهم من النهر كالأسماك
الزوجه هــُجِرَت.... والطِفل هـُجـِر

وصـودرَت المـُلكيـات
أووووه نـــانـو...
أووور الآن مـُدَمـَرة
وناسها تبدَدوا.........
............

أعـيــدَ بناء أور أكثر من مرة، إلى ظهـور القوة الجديدة في بابل، التي دمـرَت، واُحرِقـَت من جديد مدينة –أور - في عام 1737 ق.م من قـِبَل إبن حمــورابي الذي كان إسمه ( سـامسـو- لونه ). كان ذلك في آخر حملة تدميرية تعرضَت لها البلاد والتي أصبحَ بعـدهــا صديقنا ( إجميل – سن )، وصاحـِب ورشة حدادة النحاس( إجميل – نيجشجا )، وربما حتى إبراهيم بلا مأوى، فابتلعَ النسيان مدينتهم التي كانت مـَبعـَث الفخر والاعتزاز وصـار مكانها مجهولا بعد أن غَيـّر نهر الفــرات مـَجـراه مـُبتعـِدا عن المدينة التي تحولت إلى حـِطام تاركـا الرمال تــُغـَطي آثـــارها، إلى حين اكتشـافها في أواسـط عـام 1850م .

ففي عـام 1922م. بدأت عمليـات الحفـُر التنقيـب المنهجيه الإنكليزية- الأمريكية تحـت إشراف ( ليونارد وولي). وكانت النتائج مـُبهـِرة.

استمــرت الحفريات إثنتا عشر عـاما. كان أهم ما عُثـِرَ عليه ليــَرى النور مرة ثانية هو – زقــورة الإلـه( نـانـاس )، لـــِما احـتـوتـه من أفضل المقابر في وادي الرافدين. عُثـِرَ فيها على مقابر الملــوك موزعه على هيئة رفوف محفـورة داخل الجدران.

يعودَ تاريخ تدمير أور إلى عام 1737 ق.م.

حيث عُثِرَ على مقابر مبعثرة وكانها دفنت مباشرة بعد التدمير، وهناك احتمـال أنها مقابر لأجيال لاحقة، إذ ظهرت الجثث البشرية وكأنها في آخِر وضع لها قبل أن يجتاحها الموت، فبعضها كان واقفا وبعضها منحنيا وبعضها كان في الحمام، او في حُضـن عشيقتهِ، وهذا يدل أن البلاد تعرضَت لكارثه موت مـُفاجئ حصَدَ أعدادا مـَهـولة من البشر. أمـا الحريق الذي حصلَ في المدينة لاحقـا قد يكون ساعد في فـَخر طين ألواح الكتابة وجعلها أكثر قابليه على مقاومة ظروف الطبيعه على مر االسنين.
أكثر الاكتشافات جذبا للإهتمام كانت قبور الملوك والملكات التي لم يلمسها أحد، أو أن جزءا منها فقط تعرضَ للنهب. إذ عكسـَت قوة وتقنية السومـريين، وبينـَت مدى تطور دولتهم، وتفانيهم واخلاصهم فيما بينهم، وكذلك مهارات الحرفيين فيها:

مقابل الجدار المُنخفِض لأحدى الغرف الحجريه تمدَدت هناك جُثـَث عشرة نســاء. كل واحدة منهن حملـَت شعرا كثيفا مـُزينـا بالحـُلي المصنوعة من الفضة المرصَعة بالبلــور، بعضهن علقـنَ ( تراجي ) مـُذهـَبة مصنوعة على هيئة أوراق نبات الزان، والبعض الآخر علقن ( تراجي ) ذهبية خالصة وكبيرة الحجم، أما الأمشاط فكانت فضية، بعضهنَ كُن يمتلكنَ ظفائِر ثلاثية منتهية بورود أوراقها من الفضة ومطعَمة بالياقوت والذهب.
كانت رؤوس النساء مـُسـندة على السيـاج في حين كانت أجسادهُنَ مُمـدة على الأرض وإلى جانبهن جثث رجال كان بينهم جنود مـُسلحيــن بمجموعة من العصي ذات النهايات الذهبية المُدببة,، وآخرون يحملـون عـُصي ذات



أربعة نهايات فضية مُدببة، وبجانبهم كومة ضخمة من النحاس مصنوعة بهيئة تمثال يصور أسديــن يدوسان رجلين بقدميهما
وفوقَ أجســاد سيدات البلاط الملكي ألقيت قيثــارة خشبية، مهتـرئة لـَم يبق منها سوى رأس ثور مصنوع من النحاس, وقطع بلورية مأخوذة من أصداف القواقع تُزين قاع القيثـارة. كانت ثمـة خشبة أخرى وضعَت بين الجثث والحائط الجانبي مزينه بشكل رائع برأس ثور مصنوع من الذهب لهُ عينان ولحيــه, ونهايات قرونهُ مصنوعه من الزُمَرد والياقوت،و قطع من أصداف القواقع ليس أقلُ جمـــالا.......


مقطوعه من :
وصـــف ليونارد ووليفي كتابهِ
( أور الكلدانيه)


لكن هذا العدد الكبير من الجثث تعطينا فكرة عن ثقافة الموت في العصور القديمة. فما الذي حصلَ عندما دُفـِنَ الملك ( مسكه- لام- دوك) و( ابـارجيــر) و الملكه ( خوب- باد) ؟
فمـَن يُشاهـَدَ منظرهم عند اكتشاف مقابرهم يقف كالأخرس تجاه التطور والتقنية التي ُأستخدِمـَت في بنائها، ثم يتلوها بالتنازل قبور الخدم والخادمات، والجنود والموسيقيين، والتي وُضـِحـَت كـِتـابة على لوح طيني:


إلى الأسفل في نهاية النفـَق تأتي العمليات والفعاليات الطويلة لرجال البلاط ، الجنـود، الخـدَم، والخادمـات، حيث أن الأخيرون يأتونَ صائحين ومرتدين لبدلات الأعياد الملونه، ومـُزينين شعرهم بشارات مصنوعة من الذهب والياقوت والفضه، ويصطف الضباط بصف خـاص يتلوه الموسيقيون الذين يحملون قيثاراتهم الخشبية. يأتي بعدها كراديس الثيران أو الحمـيــر يسحبون العربات العاديه( ذات العجلات) أو العربات المزودة بزلاجات تشبه زلاجات

الجليد. يجلسُ الحوذيون داخل العربات في حين يسير خادمي الإصطبلات بجانب حيواناتهم ماسكيها من رؤوسها. الكل كانوا يجلسون في قاع النفق، الذي يقف في نهايته حرس عسكري. وكان لـِزامـا على كل شخص يحضَر هذه المراسيم جلب كأسا من الطين، أو الحجر او المعدن.
فإن قــِداسا سيـُقـام مصحــوبـا بالموسيقى، وسيـُفرِغ الجميع الشراب الذي معهم في الكؤوس، و يتبادلون امكانتهم مـُنتظرين الموت. وبعد ذلك يجب أن يأتي أحد الأشخاص ليقـتـل حيوانا ويضع أرجلهُ فوق أحد خادمي الاصطبلات, الذي سيكون الضحيه البشريه التي ستقدَم في هذا الإحتفال.


وفي قبر الملك ( آبارجيرس) مثلا وضِعَت القيثارات على أجساد النساء العازفات اللواتي كـُنَ يديرَنَ وجوهـَهُن صوب الحائط. وعندما يكون كل شئ على ما يرام يُجــرف التراب فوق الضحيه، إلى أن يُملأ القبر بالتراب.

مقطوعه من:
كتــــاب ليونارد وولي ( أور الكلدانيه)


عندما نتجول تحت القباب البنية اللون ذات الرائحه المـُميزة، فكـرت شخصيا بالدافع الذي يدفع بالمرء بأن يتطوَع لأن يصبح ضحية ويموت. تبدو هذه الحالة في عصرنا غريبة وفيها شيء من الظلم. لكن حتى لو كان الموت طوعيا واختارتهُ النفس، تبقى هناك ممانعات عفوية وقوية في الجسد ذاته تجاه الموت مما يجعل التفكير بالموت أو بالحياة بعد الموت شيئا غير مُحبّب وغير مطلوب. قد يكونون صادقين في اعتقادهم، بأن نشورا سيـُعيد الروح للأجساد الميته، وبالتالي هم نفذوا إعتقادهم هذا بشكل فعلي. لـِذا فهم أفضل من المسيحيين الذين يحملون مثل هذا الإعتقاد ويرددونهُ بكلمات فارغة كل يوم أحــد وبدون أيمـان.



ولكنني أعتقـِد أنهم رغم قناعتهم، لابد أن يعيشوا لحظات اعتصار القلوب وهي تجرع كأسا السـُم الذي حملوه معهم, ثم يـُغمضون أعينهم لتـَمـور الأرض من تحتهم، أو ربما يفقدوا وعيهم بعــد لحظـات.

نعم لقد فكرتُ كثيرا بالقبو المـُقفـِر وبالمسرحيه التي مُثِلـَت تحت سقفـه, وإقتربتُ أكثر من خـدَم الاصطبلات ونساء البلاط اللواتي استقبلن الموت بهدوء. بماذا علـَّل هؤلاء تطوعهم للموت؟ أو قبول إجبارهم على الموت ؟ أو نصف تطوعهم للقيام بدور الضحيه؟ إذا لم يكونوا على نفس القدر الذي نمتلكهُ نحن كبشر من الخوف المشترك؟ مـَن هذا الذي يحاولون خـِداعهُ أو تجنبهُ من خلال التظاهر بقبولهم لـِلـُقياه بشكل طوعي؟ وإذا لم يشعروا مطلقا
بأنهم خُدِعوا؟ نعم، أي طقس غريب بالنسبه لنا؟ وماهي الشعائر التي لم نُضيفها لشعائرنا على مر القرون.



#مهدي_صالح_محسن_المالكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي صالح محسن المالكي - الجزء الأول من كتاب عن حضارة وادي الرافدين مترجم إلى اللغة العربية للمؤلف السويدي- تورة سيترهولم