أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الأمل والانعتاق في (كرنتينة) عدي رشيد. . دراسة نقدية للشخصيات الرئيسة والمؤازرة التي صنعت أحداث الفيلم















المزيد.....


الأمل والانعتاق في (كرنتينة) عدي رشيد. . دراسة نقدية للشخصيات الرئيسة والمؤازرة التي صنعت أحداث الفيلم


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 15:54
المحور: الادب والفن
    


أبو ظبي
على الرغم من مشاركة العراق المحدودة في مهرجان (أبو ظبي) السينما الدولي لهذا العام إلا أن فيلم (كرنتينة) للمخرج العراقي المثابر عدي رشيد كان من ضمن الأفلام المُدرجة في لائحة مسابقة (آفاق جديدة) التي اشتملت على (17) فيلماً من مختلف أنحاء العالم نذكر منها (أوريون) للمخرج الايراني زماني عصمتي، (بين يديك) للفرنسية لولا دوايون، (ثوب الشمس) للامارتي سعيد سالمين، (زفير) للتركية بيلما باش، (سلاكستان) للباكستاني حمّاد خان، (مرّة أُخرى) للسوري جود سعيد، (مملكة النساء: عين الحلوة) للبنانبة دانا أبو رحمة، إضافة الى الأفلام الأخرى التي حصدت عدداً مهماً من اللآلئ السود وهي (غيشير) للمخرج الايراني وحيد وكيليفيار، و (طيّب، خلّص، يللا) للمخرجة اللبنانية رانيا عطية والأميركي دانييل غارسيا. فيما فاز فيلم (بيل كانينغهام نيويورك) للأميركي ريتشارد برس و (المتجوّل) لأدريانا يوركوفيتش إدوارد دي لا سيرنا، ولوكاس مارشيفيانو مناصفة بجائزة اللؤلؤة السوداء وقيمتها (100.000) دولار أميركي. كما حصل فيلم (جلد خاص) للمصري فوزي صالح على تنويه من لجنة التحكيم التي توسمت فيه مخرجاً ناجحاً يعد بالكثير.
كرنتينة
أثار عنوان الفيلم (كرنتينة) للمخرج عدي رشيد الكثير من التساؤلات حتى للمتلقين العراقيين الذين يعرفون بأن (الكرنتينة) هي منطقة من مناطق بغداد المعروفة، ولكن قد لا يعرف البعض معناها اللغوي والتداعيات المجازية لهذا الأسم الذي يبدو غريباً على الأذن العربية. فالكرنتينة تعني (المَحجَر الصحي الذي يُعزّل فيه المختلّون عقلياً) كما تعني (العُزلة الإلزامية للنُزلاء المضطربين ذهنياً)، ولكن المخرج عدي رشيد أراد أن يوسّع هذه الدلالة فجعل العراق كله كرنتينة، أو محجراً صحياً يضم ملاييناً مملينة من العراقيين المعزولين عن العالم في أقل تقدير. فلا غرابة إذاً حينما تكون أغلب الشخصيات مضطربة وقلقة وسلبية كما هو الحال مع القاتل المحترف والزوجة الخائنة الموزعة بين رجلين أو أكثر ربما، والأب الذي ينتهك عذرية إبنته وما الى ذلك من شخصيات مُحبَطة تتقطع أنفاسها يومياً في هذا المحجر الكبير الذي نسيهُ العالم أو تناساه عن قصد. سنناقش في هذه الدراسة النقدية عدداً من الشخصيات الرئيسة والمؤازرة التي صنعت الأحداث في القصة السينمائية وهذه الشخصيات هي على التوالي: (الشخصية المقنّعة، الشخصية المُلتبِسة، شخصية القاتل المأجور، الشخصية المُنتهَكة، الشخصية المُشعوِّذة، الشخصية المؤدلَجة التي كانت تحرّك الأحداث والشخصية المؤازرة.)
الشخصية المقنّعة
لم يختر كاتب السيناريو شخصية الأب صالح (حاتم عودة) من فراغ لأنه أراد أن يعرّي هذا النمط من الناس الذين يتسترون بالدين وينتهكونه في آن معاً. فهذا الأب الذي كان متزوجاً من امراة سابقة أنجبت له بنتاً تدعى مريم سوف ينتهكها لاحقاً لكي يؤكد للمُشاهد بما لا يقبل الشك بأنه شخصية سلبية لا يستطيع أن يواجه القاتل المُحترف والمأجور من قبل (الأستاذ) الذي يحيل بالتأكيد الى حزب سياسي أو جماعة مسلّحة تفرض سيطرتها على الكرنتينة ومناطق أخرى من بغداد. إن هذه الشخصية الإمعّة التي لا تستأسد إلا على الضعفاء أمثال زوجته (كريمة) وإبنته (مريم) وإبنه (مهنّد)، هي شخصية سلبية ومتناقضة بامتياز. فالانسان الذي يؤدي فروضه الدينية عليه أولاً أن يؤمِّن لقمة العيش الكريم لأسرته وأطفاله. فزوجته كريمة (آلاء نجم) تخدم القاتل المأجور وتحصل منه على بعض النقود. كما أن الصبي الصغير مهنّد يترك مدرسته ليصبغ أحذية العابرين علّه يؤمِّن بعض متطلبات الأسرة. فلماذا إذاً تتستر هذه الشخصية المزيفة بقناع الدين، وتسكت على حقائق دامغة لا جدال فيها؟ فحتى مهند بات يعرف بالعلاقة المريبة بين أمه والقاتل المأجور، فيما يظل الأب خانعاً ولا يكاد ينبس ببنت شفة أمام هذا المجرم الذي يسكن في الطابق الثاني من البيت ولا يجد حرجاً في تقريع صالح وتوبيخه أمام زوجته وأطفاله.
الشخصية المُلتبِسة
جسّدت الفنانة آلاء نجم دور (كريمة) زوجة صالح الذي يُكنّى بـ(أبي مهنّد)، وهو شخصية سلبية، كما أشرنا، ولم نره يقوم بعمل ما سوى توبيخ أفراد أسرته، وإنزال العقاب البدني بهم، ومحاصرتهم بإدعاته الدينية الزائفة. فهو يطلب من زوجته (كريمة) أن تضع الحجاب على رأسها بحجة وجود شخص غريب يقيم في الطابق الثاني. كما يفرض على إبنته التي إنتهكها هو بنفسه أن تضع الحجاب أيضاً للسبب ذاته. تكمن مشكلة (كريمة) في كونها موزعة بين شخصين، الأول هو زوجها على سنّة الله ورسوله (صالح)، لكنها لا تميل له لتشدده وأصوليته وكبر سنه، والثاني هو القاتل المحترف الذي يقضي وطره معها ولابد أن يتخلى عنها ذات يوم. قد يبدو للمُشاهد أن العلاقة بينها وبين القاتل المأجور تسير على خير ما يُرام، وهذا صحيح الى حدٍ ما. فذات مرّة رفضت أن تأخذ النقود التي قدّمها إليها إثر واحدة من الممارسات الجنسية، لأنها لا تعتبر نفسها مُومساً، بل تمارس حقها الشخصي مع من تُحب، فهو شاب ويلبّي لها رغباتها الجنسية، ويمنحها كل ما تحتاجه من نقود. أما زوجها (صالح) الذي سمعناه وهو ينادي عليها أن تأتي لتنام معه فطاعن سناً، ويبدو أن فارق العمر بينهما كبير جداً، لذلك فهي تنفر منه، ولا تريد أن تلتقي معه على فراش واحد. كان المتلقي يتوقع أن تندفع (كريمة) بإتجاه القاتل المأجور لأنه أقرب اليها من زوجها صالح، لكنها في نهاية المطاف كرهت الاثنين معاً حينما قررت أن تتركهما معاً وتغادر البيت مع الضحية (مريم) ثم يلتحق بهما في الحال مهند وهو يحمل على عاتقه عدّة عمله. ولتبرير كرهها للإثنين معاً تقول بأنها (تريد أن تعيش، وأن تشتغل، وأن تبحث عن صديق، وهي بالأساس تفتقر الى صديقة!) قد يبدو هذا الصوت الأنوي مُبرَراً لأنها تريد أن تقول ماعندها، لا أن تسمع ما يقوله الآخرون، لكن الشيء الوحيد الذي تُنتقد عليه هو استمرارها في علاقتها الجنسية مع القاتل المأجور وهي تعلم علم اليقين بأنه سوف يتركها ذات يوم أو يواجه مصيره المحتوم، فالقاتل المأجور غالباً ما يكون الضحية القادمة حينما يختار خوض مجازفة اللعب مع الكبار.
شخصية القاتل المأجور
شاعت ظاهرة القتلة المأجورين في العراق غب الاحتلال الأميركي وقد مارستها العديد من الأحزاب والقوى المسلحة، سواء تلك التي قدِمت من الخارج أو التي كانت موجودة في الداخل أصلاً. وبغض النظر عن (أجندة) الحزب أو الحركة المسلحة التي كانت تقف وراء القاتل المأجور وتدفعه لتصفية هذه الشخصية أو تلك إلا أن المُشاهد الحصيف قد يفهم بأن هذه الحركة هي الحزب الذي فقد زمام الأمور وخسر السلطة وإمتيازاتها، وربما تحيل الى أية جماعة مسلحة هدفها الرئيس هو اغتيال الطاقات العلمية والفكرية والثقافية وإغراق البلد في حماماتِ دمٍ متواصلة الهدف منها ترويع الناس الآمنين، وبث الفرقة بين صفوفهم، وتغليب لغة الرصاص على لغة الحوار الذي يُفترض أن يكون سائداً بين الأحزاب والكتل السياسية التي تصدرت المشهد السياسي الجديد بإرادة أميركية صرف قلبت حياة العراقيين رأساً على عقب. حسناً فعل كاتب السيناريو ومخرج الفيلم عدي رشيد حينما جرّد القاتل المأجور من إسمه أو الجهة التي ينتمي اليها. وقد جسّد هذا الدور بإتقان عالٍ وحرفية ملحوظة الفنان (أسعد عبد المجيد) الذي بدا هادئاً رابط الجأش في بعض المواقف، ومنفعلاً موتوراً في مواقف أُخَرْ. لم تكن ظاهرة القاتل المأجور شائعة ومألوفة في العراق قبل الاحتلال إلا باستثناءات محدودة حينما كانت سلطة النظام السابق تطارد بعض السياسيين المناوئين لها، أو المنشقين من العلماء والأدباء والمثقفين الذين فضلوا المنافي الهادئة على الحياة القلقة في الداخل، فلا غرابة إذاً حينما يظهر قاتل مأجور لا يلتزم بكل الأعراف والتقاليد السائدة للتصفيات الجسدية وعمليات القتل المنظّم التي تهدف الى إرباك المشهدين السياسي والاجتماعي للبلد. وربما يتحرق المُشاهد العراقي والعربي تحديداً الى معرفة هوية هؤلاء القتلة المأجورين والأسباب المنطقية التي دفعتهم لارتكاب هذا العدد المهول من الجرائم المنظمة التي أرقّت البلاد والعباد. ينتمي القاتل المأجور الى أسرة متواضعة قوامها أب مريض وأم متواضعة أحست فجأة بغياب إبنها من البيت، وحينما طال هذا الغياب لمدة ثلاثة أشهر، وانتشرت أخباره السيئة في عموم المدينة أدركت الأسرة بأن ولدها قد سلك طريقاً غير مأمونة، وربما يكون الأب هو الأكثر إحساساً بالفجيعة التي إنتهى إليها ولده الذي لم يحسن تربيته، فلا غرابة أن يزجره ويطرده من البيت غير آبهٍ بصلة الرحم التي تربطهما معاً. كان القاتل المأجور ينتمي قبل تورطه في هذه االمحنة الى ثلة من الأصدقاء الناجحين من بينهم د.علي و د.هناء اللذين أصبحا أساتذة في الجامعة نفسها، وأحمد الذي أصبح سياسياً متنفذاً وكان يُكنى بـ (الأستاذ) الذي يأمر بالقتل والإغتيالات المنظمة، وزياد الذي أصبح مصوراً، ورفض الدعوة التي وصلته من جامعة تورنتو لكي يتفرغ للاعتناء بوالدته المُعاقة التي تتحرك على كرسي للمقعدين. أما القاتل المأجور فسوف نعرف بأنه فشل في مواصلة دراسته الجامعية، كما فشل في علاقته العاطفية مع زميلته (هناء) التي أحبها أول الأمر ثم إنتهك عرضها لاحقاً، ولولا شهامة الدكتور علي لضاعت هناء في مجتمع معروف بعاداته وتقاليده المتزمتة. وتجاوزاً لكل أشكال الفشل التي عانى منها القاتل المأجور، ونبذ الاصدقاء والمقرّبين له، إختار القاتل هذه المهنة الاجرامية، وأكثر من ذلك فقد تمادى فيها وقتل عدداً من الضحايا لأسباب مزاجية وشخصية مثل الدكتور علي لأنه تزوج صديقته السابقة (هناء)، والدكتور (رفعت) الذي أجهز عليه قبل الموعدد المحدد، و(أم زياد) التي كانت عائقاً أمام سفر إبنها الذي يعرف تفاصيل مروّعة عن حياة صديقه القاتل المأجور الذي تغيّر كثيراً وإتخذ من القتل والجريمة مهنة له. حينما تمادى القاتل المأجور وخرج عن الخطط الممنهجة التي يضعها (الأستاذ) قرر هذا الأخير تصفيته على يد مساعده (طالب) مع شخص آخر وإلقاء جثته في النهر الذي كانت تعوم على سطحه نفايات كثيرة في ظل الظروف الغامضة التي ألمّت بالبلد.
الشخصية المُنتهَكة
أدت الممثلة الشابة روان عبدالله دور (مريم) ابنة صالح من زوجة سابقة. ونتيجة (لساعة شيطانية) إغتصبها الأب الذي كنا نراه يؤدي فروض الصلاة، ويعترض على زوجته حينما لا تضع غطاء الرأس، كما فرض على ابنته أن تتحجب أيضاً لأن حُرمة البيت ينتهكها القاتل المأجور. لا شك في أن بعض المُشاهدين كانوا يتوقعون أن يكون المُغتصِب هو القاتل المأجور الذي يرتبط اصلاً بعلاقة جنسية مع (كريمة) زوجة صالح، الكائن الأعزل والمُنتهَك هو الآخر، وهذا توقع مقبول ومنطقي، خصوصاً وأن مريم جميلة جداً ولم تجتز عقدها الثاني. غير أن الصدمة الكبيرة التي تعرضت لها،على ما يبدو، هي التي سببت لها هذا الصمت المطبق والعزوف عن الكلام الذي أرّق الأب وزوجته (كريمة) وشقيقها الصبي الصغير أيضاً الذي كان يفعل كل ما بوسعه لكي يدخل السرور الى قلبها. ولأن عملية الزنا بالمحارم لا تمر مرور الكرام في مجتمع شرقي كالمجتمع العراقي، فلا غرابة أن تستمر هذه الصدمة طوال مدة الفيلم الذي لم تنبس فيه الضحية بحرف واحد على الرغم مما تعرضت له من ضرب مبرِّح على يد المشعوذة الدجّالة (فضيلة) التي كانت تحاول أن تُخرج الشيطان الأخرس من جسدها كما كانت تزعم، فيما كان الأب المجرم يؤازرها في تأكيد هذا الإدعاء الزائف القائم على الخرافة والأكاذيب لا غير. إن دور هذه الضحية المُنتهكة يمكن أن يأخذ شكلاً مجازياً لكي يقول لنا المؤلف/ المخرج بأن إنتهاك البلد قد تمَّ في جزء منه على أيدي أبنائه كما هو الحال في الأب الذي مارس السفاح من ابنته، أو القاتل الأجور الذي تبنى تصفية العديد من الشخصيات المُعتبرة ثقافياً وإجتماعياً من دون أن ننسى أو نتناسى، طبعاً، دور المحتل الذي مارس عمليات القتل الجماعي، وفكك دولة بأسرها وتركها نهباً للصوص وقطاع الطرق والمرتزقة المأجورين على الرغم من أن حضور الجانب كان رمزياً من خلال الهمر الأميركية التي ظهرت مرتين وهي تجوب في بعض شوارع بغداد.
الشخصية المُشعوِّذة
بعد الاحتلال مباشرة برزت في العراق العديد من الظواهر الغريبة مثل الطائفية والنزوع القبلي والتصفيات الجسدية وزواج المتعة (المتاجرة بالرقيق الأبيض) وما الى ذلك. كما طفحت الى السطح ظاهرة السحر والدجل والشعوذة نتيجة لهيمنة التيارات الدينية وسيطرتها على معظم مرافق الحياة السياسية والاجتماعية. وقد جسّدت دور المُشعوِّذة (فضيلة) الفنانة القديرة عواطف نعيم التي يعرف المشاهد العراقي من كثب قدراتها الفنية الكبيرة. ربما يتوقع مُشاهد فيلم (كرنتينة) أن هناك إتفاقاً سرّياً بين الأب (صالح) والدجّالة( فضيلة) على ترويج الخرافة التي تقول بأن الشيطان الأخرس هو الذي إغتصب (مريم) بعد أن دخل في جسدها، وأن الجنين الذي تحمله في بطنها هو منه وليس من الأب صالح. غير أن هذه التخرصات لم تنطلِ على زوجته (كريمة) التي تعرف كل شيء عن هذه المُشعوذة (التي تعيد بجرّة ابرة المرأة الى فتاة عذراء!).
تحريك الأحداث
جسّد الممثل البارع حكيم جاسم دور (الأستاذ) الذي كان يدير دفة الأحداث من بعيد، ولكنه إضطر الى الظهور حينما تمادى القاتل المأجور وبات يصفي الناس على وفق مزاجه الشخصي ضارباً عرض الحائط بالأوامر والتوجيهات التي كان يتلقاها من (الأستاذ). وحينما يدقق المُشاهد في الكلمات والعبارات والجمل التي أطلقها الاستاذ يكتشف أنه إزاء جهة سياسية منظّمة لديها مبادئ وأصول ومنهج واضح تعتمد عليه في تصفاياتها الجسدية. وأن الأستاذ (أحمد) لا يقبل بهذه التصرفات الهوجاء التي توحي للمتلقين وكأن الحياة في العراق فوضى عارمة. وحينما يصل النقاش الى ذروته يتمادى القاتل المأجور فيخاطب الأستاذ قائلاً: ( أنتَ تعتاش عليّ، وأنك من دوني لا تساوي شيئاً. فلا تتكلم معي بهذه الطريقة. أنا الذي أشغلّك معي وليس العكس، وكلانا محتمٍ بالآخر. دعنا نتفق على هذا الأمر فهو أفضل لي ولك.) وعندما يتيقن (الأستاذ) بأن القاتل المأجور قد تمادى في غيّه بسبب شخصيته غير الطبيعية والخلل الذهني الذي أصابه يقرر قتله والتخلص منه الى الأبد.
الشخصية المؤازرة
يتميز هذا الفيلم بوجود عدد من الشخصيات المؤازرة التي تعزّز سياق الأحداث وتساهم في نموّها وتصاعدها المضطرد. كما تسلّط الضوء على الشخصيات الرئيسة التي تصنع وقائع القصة السينمائية من بينها شخصية (أبو ربيع) التي أداها الفنان الكبير سامي عبد الحميد. فبواسطته نتعرف على شخصية القاتل المأجور الذي ترك الدراسة وتخلف عن أقرانه الذين واصلوا مشاريعهم الدراسية وحققوا أحلامهم الجميلة التي رسموها في مخيلاتهم مثل علي وهناء وأحمد وزياد. أما الفنانة (آزادوهي صموئيل) التي جسدت دور (أم زياد) وتميزت بحضورها القوي من خلال ملامحها التعبيرية التي تؤكد على عمق رابطة الأمومة التي تربطها بإبنها زياد الذي لم يقلب لها ظهر المجن. فبعد أن سافرت شقيقاته الى خارج العراق قرر هو البقاء الى جوارها للعناية بها الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. ومع ذلك فقد تعرضت للموت المروِّع على يد القاتل المأجور الذي أدمن لعبة القتل ولم يعد يفرّق بين شاب أو رجل عجوز أو امرأة مقعدة طاعنة في السن. وهذا الأمر ينطبق على الفنانة زهرة الربيعي التي جسدت دور أم القاتل المأجور وكان حضورها إشكالياً ومثيراً للتساؤل فهي التي قبلت بالمبلغ الكبير من الدولارات التي قدّمها لها إبنها وطلب منها أن لا تعطي شيئاً من النقود لوالده الذي طرده من البيت إثر تواتر الأنباء السيئة عن ابنه والتي انتشرت أسرع من إنتشار العطر في الهواء. كما ظهرت الفنانة عواطف السلمان (فضة) بدور بائعة القيمر في بعض المشاهد المتكررة والمتشابهة التي لم تضف لسياق القصة السينمائية شيئاً يُذكر. وربما كان ظهورها يحتاج الى بناء المشاهد بطريقة متنوعة ومختلفة بعض الشئ كي لا يسقط المتلقي في الملل. أما الشخصية المؤازرة الأخيرة فهي شخصية (زياد) التي أداها الفنان هادي المهدي بطريقة ذكية ومعبرة كشفت لنا كمتلقين طبيعة التغيير الدراماتيكي الذي طرأ على شخصية القاتل المأجور. ولأنه الصديق القريب والحميم للقاتل المأجور فقد كاشفه مكاشفة صريحة ليس فيها لف أو دوران ووضع من خلالها النقاط على الحروف التي تؤشر على الكيفية التي استفاق فيها الوحش الكامن في هذه الشخصية التي كانت في يوم ما طبيعية ومألوفة، غير أن الظروف الجديدة هي التي ساعدته على هذا التغيير المفاجئ، وربما كان هو نفسه مهيئاً للانخراط في لعبة الموت التي دفع حياته ثمناً لها. بعض الشخصيات المؤازرة لم تتكلم مطلقاً كما هو حال الدكتور رفعت (عقيل عبد الحسين) لكن حضورها كان يشير الى حجم الاستهداف الكبير للشخصيات الفكرية والثقافية، والبعض الآخر لم ينطق إلا عبارة واحدة مثل والد زياد (طارق عدوان) الذي طرد ولده الذي تحوّل الى قاتل مأجور ينفذ ما يريده الحزب الذي أشرنا اليه سابقاً.
فن السيناريو
لا شك في أن السيناريو يحتاج الى كاتب متخصص في هذا الفن، ولكن هذا لا يعني أن المخرجين غير قادرين تماماً على كتابة سيناريو أو قصة سينمائية يضع عليها السينارست لمساته الأخيرة، ولكننا نفضل أن يفرد لهذا الجانب كاتب متمرس بمهنته ومنقطع إليها لأنه سوف يضيف بالنتيجة رؤية جديدة ومغايرة لرؤية المخرج الذي قد يرى الأمر من زاوية واحدة. تنطوي قصة (كرنتينة) على ثيمات متعددة فهي ترصد الواقع العراقي منذ الاحتلال في عام 2003 وحتى يومنا هذا، وما طرأت على هذا الواقع من تغييرات جذرية نسفت السياق الاجتماعي في العراق وصدعت العديد من أركانه. وتكفي الاشارة هنا الى بروز ظاهرة (القاتل المأجور) التي كنا نراها على شاشات السينما والتلفزيون فقط، أما اليوم فإنها صارت تتحرك بلحمها ودمها في أغلب المدن العراقية. تتناول القصة ظاهرة التهجير القسري القائم على أسس طائفية مقيتة كما حدث لأسرة صالح التي وجدت في هذا البيت المهجور ملاذاً آمناً بفضل (الأستاذ) الذي لم يجد حرجاً في أن يدّس هذا القاتل المأجور الذي أغوى (كريمة) بطريقة ما، وأساء نفسياً الى الطفل حينما حرق كتابه لكي لا يواصل مشروعه الدراسي ويصبح عنصراً صالحاً في المجتمع. غير أن القاتل المأجور لم يكن يعرف بأن هذا الصبي كان يمثل الأمل بأسمى معانيه فلقد قايض السكين التي يمتلكها بكتاب الرياضيات، مثلما قررت (كريمة) أن تترك زوجها المحبَط صالح الذي كان يمثل بالنسبة لها كابوساً ثقيلاً، وتهرب من القاتل المأجور الذي كان يعتبرها مجرد وعاء لتفريغ حاجته الجنسية العابرة. تعالج قصة الفيلم موضوعات أخرى مثل الخيانة الزوجية والزنا بالمحارم التي أشرنا إليهما سلفاً والطفولة المستباحة وقتل بعض الناس الذين يعملون في مهن محددة مثل (الخبّازين)، الأمر الذي يحيلنا الى أصحاب المهن الأخرى الذين تعرضوا للموت بسبب الفتاوى الفنطازية التي أصدرها بعض رجال الدين الوافدين من خارج الحدود لارباك حياة العراقيين التي كانت مرتبكة أصلاً بفعل الاحتلال. لم يشر الفيلم الى استهداف الحلاقين أو باعة المرطبات من قبل الأحزاب الدينية ولكن المتلقي الحليم من الإشارة يفهم! ثمة ثيمات فرعية أخرى لا مجال لذكرها الآن تسلط الضوء على المجتمع العراقي الذي أفاق من صدمة الحرب فوجد نفسه مذهولاً أمام الجرائم التي ارتكبها الأميركيون بمؤازرة بعض المجموعات العراقية القادمة من وراء الحدود، ولما يزل المجتمع العراقي غارقاً في صدمته المذهلة التي لم يفق من تداعياتها حتى الآن. وفي الختام لابد من الإشارة الى أن المخرج عدي رشيد من مواليد بغداد، وسبق له أن أخرج فيلمه الطويل الأول (غير صالح للعرض) الذي فاز بعدة جوائز من بينها جائزة أفضل فيلم في مهرجان سنغافورة السينمائي الدولي عام 2005. و (كرنتينة) هو فيلمه الروائي الطويل الثاني. وهو أحد مؤسسي مركز الفيلم العراقي المستقل.






#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (روداج) نضال الدبس. . النبوّ عن الواقع والجنوح الى الخيال. . ...
- (طيّب، خلّص، يلّلا) لرانيا عطيّة ودانييل غارسيا. . يرصد الشخ ...
- كيارستمي في فيلمه التجريبي الجديد - شيرين - مُجدِّد لم يكف ع ...
- على خطى هاينكة سليم إيفجي يعرّي الطبقة الوسطى، وينشر غسيلها ...
- بلا نقاب: فن جديد قادم من الشرق الأوسط وشمال القارة السمراء
- يشيم أستا أوغلو و - رحلة الى الشمس -
- في فيلمه الروائي الجديد - خريف - أوزجان ألبير يرصد قمع المنا ...
- تشتّت الرؤية الاخراجية لعمرو سلامة: - زي النهاردة - فيلم يتر ...
- الفيلم الوثائقي- طفل الحرب - لكريم شروبورغ محاولة لنبذ العنف ...
- فيلم - بورات - للاري تشارلس . . . من السخرية الوثائقية المُر ...
- أهمية القصة السينمائية في صناعة الفيلم الناجح
- في فيلمه الروائي الجديد - الحقل البرّي - ميخائيل كالاتوزيشفي ...
- الشاعرة الأسكتلندية جين هادفيلد تفوز بجائزة ت. أس. إليوت للش ...
- الفنان البريطاني رون مُوِيك يصعق المشاهدين ويهُّز مشاعرهم
- المُستفَّزة . . فيلم بريطاني يعيد النظر في قضية العنف المنزل ...
- في شريط - بدي شوف - لجوانا حاجي وخليل جريج: هل رأت أيقونة ال ...
- في فيلمها الأخير - صندوق باندورا - يشيم أستا أوغلو تستجلي ثل ...
- المخرجة التركية يسيم أستا أوغلو في - رحلتها الى الشمس -
- رشيد مشهراوي في فيلم -عيد ميلاد ليلى-: نقد لواقع الحال الفلس ...
- قوة الرمز واستثمار الدلالة التعبيرية في فيلم - فايروس - لجما ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الأمل والانعتاق في (كرنتينة) عدي رشيد. . دراسة نقدية للشخصيات الرئيسة والمؤازرة التي صنعت أحداث الفيلم