أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مجاد - الخزانة المحفوظية ، تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العربي الحديث















المزيد.....


الخزانة المحفوظية ، تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العربي الحديث


حسن مجاد

الحوار المتمدن-العدد: 3182 - 2010 / 11 / 11 - 13:28
المحور: الادب والفن
    


الخزانة المحفوظية ‏
تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العربي الحديث ‏
حسن مجَّاد
قال الفراهيدي ( 175) في العين :( خَزنَ الشيء فلان يخزنه خزنا اذا احرزه في خزانة ، واختزنته لنفسي ، خزانتي قلبي ، وخازني لساني ) ‏ج4-209 . وقال ابن فارس (395) في معجم مقاييس اللغة : ( الخاء والزاي والنون أصل يدل على صيانة الشيء ، يقال خزنت الدرهم وغيره خزنا ، ‏وخزنت السر ) مادة خزن :178 .‏

ترتبط دلالات الخزن المعجمية بنوع المخزون وأهميته و تبقى في دائرة التمدن الحضاري بوصفه صورة من صور التحولات الكبرى في ‏تاريخ البشرية بدءا من انسان الكهوف الى انسان الاقبية مرورا بانسان الابنية الشاهقة والمدن الممتدة على سواحل البترول ، فالخزن ‏محاولة للحفاظ على أصل الانواع مقاومة لاحداث العطب والتلف ، وهو خزن يخفي المخزون عن الانظار ويكسبه جانبا من الرمزية ‏والقدسية ، ومن هنا يصبح المخزون مقاوما لهزات التاريخ الكبرى التي تشعل نيرانها في ذاكرة شعب ما يشكل المخزون هويته التاريخية ‏والعقدية والدينية ، لهذا ارتبط احتفاظ المخزون دينيا بدلالات الجبرية تنزيلا وتأويلا ولو بعد حين ، على حين لا يرتبط فلوكلوريا ‏بدلالات الحفاظ ببقايا الغائبين وشواهدهم استذكارا لهم وتفجعا عليهم مما لحق بهم من صروف الدهر ونوائبه فحسب ، بل يشكل ‏حياتهم ويصيغها ويبقيها مغروسة في رحمه ووعيه لانه ليس معطى تاريخيا بل ضرورة وجودهم وديمومة استمرارهم . من هنا تكتسب ‏الخزانة بعدها الرمزي في تكوين المستوى الطبقي في المجتمع ، وتؤشر مديات الرقي الانساني في اطواره ، وتصبح السياسات القمعية ‏مهددة بانقراض صروح وجودها وزوال سلطانها ، لانها تسللت خارج وصايا المخزون المشبع بالسرية والخفاء والمتلفع بحكايات المهمشين ‏التي تنسج وتحاك في ظل غياب القدرة على التغيير والفعل الثوري ،والشعور بقسوة الاضطهاد الاقتصادي والقهر الاجتماعي وبشكل ‏أوبآخر ولسبب أولأكثر تعمل السلطة على احتواء المخزون وافراغه من محتواه التاريخي والدلالي ، ثم مع التطور يصبح بالامكان ‏تحويل مسار المعنى الى مركز الهيمنة ، ولنا في التراث شواهد ووقائع على احراق الكتب وتخزينها على حد سواء ، واصبحت الخزانة ‏مؤسسة تديرها السلطة بكل تجلياتها الدينية والسياسية ، ويصبح مكان وجودها في قلب الصراع الديني والتنابز السياسي ، وفي مركز ‏العواصم الكبرى التي أنتجت التاريخ وأسهمت في تكوينه ، لعل اقربها الى الاذهان تاريخيا خزانة الاستانة ، وحملات المستشرقين والرحالة ‏الاجانب والقساوسة والحاخامات ومشاهير رجال السلطة . من هنا ، ولكن كيف يفكر الاديب بمصير الخزانة وكيف يتجول في رواقها ‏الطويل ؟، كيف يشعر نجيب محفوظ الروائي العربي الكبير بنفسه وهو يتأمل عوالمها السرية والمغلقة ، وكيف يقع مهووسا بالكتاب ‏الذي وجد فيه عالمه الاولى والاخير، العالم الذي يمنح حياته صدقا ويكسب سيرته معنى، ، فهو في سنواته الاولى من تكوينه الثقافي ‏شغوف بمتابعة ما صدر حديثا وقديما ، فهل فكر محفوظ يوما وهو يتجول في أزقة العباسية او الجمالية في ان يكون خزانة ، وكيف يكون ‏شعوره بنشوة ان يكون مكتبة متنقلة تحملها عربات الخيول ، ليعيد رسم حارات القاهرة ونوافذ بيوتها وأبواب محالها واسطبلات مقاهيها ‏من جديد ، فنجيب محفوظ واحد من هؤلاء الادباء الذين استطاعوا ان يحققوا حضورهم بشكل لافت ، ويشغلوا مكانا واسعا في تاريخنا ‏العربي والثقافي ، فهل يمكن لنا أن نعد سر ظهور نجيب محفوظ وانتشاره بقوة عصرا من عصور النجومية العربية التي ظهر فيها نجوم ‏كبار في حقول المعرفة والثقافة ؟.‏
هل يمكن ان تتحول عشرات الدراسات والمقالات الصحفية والدوريات الكبرى بمعظم لغات العالم الحية ، والكتب والدراسات النقدية، ‏وسلسلة الاطاريح ، والرسائل الجامعية في الجامعات العربية والعالمية على اختلاف توجهاتها ومنطلقاتها الفكرية و مناحيهاالفلسفية، ‏ومقارباتها المنهجية حول نجيب محفوظ وأدبه وسيرته ،أقول هل تتحول هذه الى خزانة كبرى لنجيب محفوظ لا بالمعنى الرسمي ‏للكلمة فحسب ، بل بالمعنى الفني؛ لان عوالم محفوظ الروائية تحمل من التلغيز الشفيف والسرية مايشكل سمة بارزة في ادبه ، وما ‏اشترك به المترجم محمد عناني مع الناقد ماهر فريد لا يشكل الا جزء بسيطا من الكتابة النقدية ، ولعل ميزة ما نشراه مقالة ادوار د ‏سعيد المعنونة بـ "قسوة الذاكرة " ، وقد سبق ان نشرتها مجلة الموقف الثقافي العراقية في تسعينيات القرن الماضي ، وشعرت مجلة العربي ‏الكويتية باهمية رؤية سعيد عن نجيب فنشرت مقالته مترجمة ‏
‏ ان محفوظ يعمل على خزن معناه بستائر وأغطية لا على نحو التعمية والابهام الذي يدلل على عقم التجربة بل على نحو الخيال ‏الخلاق الذي يعيد قراءة الواقع بشكل مغاير ، من هنا يمكن ان نصف عوالمه بخزانة الادب الحديث ، أو بتعبير يدل على سَمْتِه وسِمَته بـ" ‏الخزانة المحفوظية " .‏
ولعل هذا الوصف يقودنا الى التفكير بصياغته وجدوى محتواه الثقافي في سياق التحولات التي عصفت ببنية المجتمع العربي الذي ‏عاش على الامال والاهداف الكبرى ، وبسياق التجربة المحفوظية وتحولاتها على الرغم من عدم وجود مساحة شاسعة بين تلك التحولات ‏من الرومانسية الى التاريخية مرورا بالواقعية والرمزية ، والعودة مرة اخرى للتاريخ برؤية مختلفة كما في ليالي الف ليلة ورحلة ابن ‏فطومة . فالتحولات في التجربة خاضعة لنمط المعالجة القصصية والرؤية الفنية ، ومن هنا يمكن ان نتلمس أثرا لثلاثيته في مراحل ‏تالية ، وهو ميسم وسمت به اعماله ، الا اللهم ما يقال بصدد تجربته القصصية و استعاراته الدينية التي تبدو في بعض الاحيان تلخيصا ‏روائيا؟؟ ، ولعل في هذا ما يقودنا للنظر الى المحاولة العصية على الامساك بصورة محفوظ وتحولاتها ‏
هل يمكن لنا ان نقرر هكذا سلفا ان رحلة الرواية العربية بصحبة قافلة نجيب محفوظ تبدأ مسيرة أخرى وتتخذ لها طريقا مختلفا ‏على اختلاف تحولات التجربة المحفوظية ونضوج الوعي الفني بمعمار البناء وحساسية الرؤية للواقع تمثلا وانعكاسا ، هل يمكن ان نجعل ‏محفوظا مركزا لاستدارة فن القص العربي الحديث في المنتصف الثاني من القرن العشرين على طول رحلته الشاقة ومسيرته المتعثرة ، ‏وما الذي يمكن لنا ان نجنيه بعد ذلك من ثمار نضجت تحت أفياء شجرته المباركة وسقتها يداه ؟، دعونا نشتط قليلا لنستحضر صورة ‏الرجل القابع خلف نظارته ، الرجل الذي يتجول مع صحيفته صباحا ويحتسي الشاي في المقاهي ويتمشى في الاسواق ، يصفه رجاء ‏النقاش في كتابه " في حب نجيب محفوظ " قائلا :- " يمشي على قدميه منذ نصف قرن خمسة كيلو مترات كل يوم .. ولم يغير هذه ‏العادة في أي يوم من الايام " ، وللوصف دلالات تقترن بزمن كتابته التي جاءت بعد حصول محفوظ على جائزة نوبل اكتوبر 1988 ، ‏تتجلى بابراز حساسيته العالية في المثابرة والمواصلة ، و إصغائه الى أعماق ذاته بهدوء .‏
ترى هل يمكن ان نكتشف تاريخا آخر للرواية خارج ملاحم نجيب محفوظ وانتصاراته وهزائمه معا .‏
‏ تلك هي العقدة التي راح ضحيتها كثير من الادباء ، عقدة الشعور بالهيمنة والانسحاق تحت امبراطوريته الممتدة من الخليج الى ‏المحيط رواية وسينما ، والوقوع في دائرة عالمه الروائي ، ثم ألم يعترف هؤلاء بعجزهم عن الخروج عليها ، ألم يتحدث جمال الغيطاني ‏ويوسف القعيد مثلا عن خروجهما من عباءة الاب دون الخروج على عصاه ؟ ، ثم ألا يؤشر لنا هذا الاعتراف من هذين الكاتبين على ‏الرغم من اختلافهما في الاتجاه والرؤية الفنية والسياسية مدى انتسابها الى تقاليد مدرسية ، وكأنهم ارادوا أن يبتعدوا عن سرب ‏الخراط، ومجيد طوبيا، وخيري شلبي ، وخيري عبد الجواد ؛لكي لا يلحقهم أحد بالتجريبية الشكلية ، وهل نستطيع مع محسن جاسم ‏الموسوي ان نتحدث بكل غموض عن تجارب روائية لاجيال مابعد نجيب محفوظ كما في كتابه " انفراط العقد المقدس الرواية العربية ‏بعد نجيب محفوظ " ، ونعمل على اشاعته بعد ان تلقف هذا التقسيم الناقد و المترجم الاردني فخري صالح ليضع لنا كتابه المقالي ‏تحت عنوان " قبل نجيب محفوظ وبعده " من دون ان نتلمس حقيقة حد هذا التقسيم وأثره الفعلي ، أ لان نجيب محفوظ ليس صورة ‏نمطية ؟ كما يخالها النقاد العجالى ، ولم يكن وجها واحدا ابدا ، ولا بد ان ننتبه الى هذه الحقيقة ؛ لان مايقال عن رواية ماقبل ‏محفوظ لا تتحقق مع محفوظ الثلاثية وليس مع رادوبيس او عبث الاقدار ، وما يقال عن رواية مابعد نجيب محفوظ ليس صحيحا؛ لان ‏هناك نماذج هزيلة فنيا كتبها محفوظ منها عصر الحب ، وحب تحت المطر ، أي انها لا تشكل محورا يمكن ان يكون حدا فاصلا للمابعد ‏وللماقبل ، والى جنب ذلك ينبغي التقليل من موضة السردية باتجاهاتها ولو على مضض لحين ما يتم اكتمالها في مشهدها ، والا ‏سيتحول محفوظ في ضوء هذه الرؤية الى هيكل عضمي ؟ . ‏
ترى من يستطيع ان يقرأ في عيون ابطاله الحالمين والمهزومين والمصابين بالدوار الثقافي والمأزق النفسي ، كلهم جميعا بلا استثناء، ‏من يستطيع ان يقرأ في عيونهم عيونه ، ويلحظ هذا التخفي وراء أقنعة الشخصيات دون ان يرمى باشتطاط التأويل او زيغ البصر أو في ‏أحسن الاحوال الاقتراب للوجه دون ان يلمح قفاه ، انه عالم يشيده ببساطة لامتناهية ويعقده بعمق ثري على حد سواء ، وهذا ما جعل ‏تجربة محفوظ ثرية على مستوى الاداة الفنية و سعة في افق الرؤية للعالم وعصية على القراءة الاحادية ، وثراؤها يستقطب القراءات ‏والشروح والتفسيرات المتعددة والمحتملة التي لا مرجوحية لأحدها على الاطلاق ، انها تبقى قراءة على نص ، و تلاوة لطرس لاتمنع من ‏الوقوف على اركانه مرة اخرى .‏
ومن هنا أدرك محمود امين العالم لغز التجربة فسمى كتابه" تأملات في عالم نجيب محفوظ " ، هو تأملات في عالم فسيح ‏ومترامي الاطراف ، وهذا ماقاد الدكتور عبد المحسن طه بدر للوقوف على الرؤية والاداة معا في تجربة محفوظ وملاحقتهما في سياق ‏تطور التجربة الفنية والبحث عن جذورها الاولى وروافدها التي غذتها بالخصب والجفاف والطراوة والعمق ، مستبعدا القراءات القسرية ‏التي حاولت ان تلج التجربة من خارج حدودها وتفرض رؤى وتصورات مسبقةعلى النص المحفوظي ، ومحفوظ في كل ذلك وجه جاد في ‏النقد الادبي والدراسات الادبية ، ولكن هل نلمح له وجوها بصيغ اخرى ، فما ملامح وجهه في صحافة الامس واليوم ؟.‏
ترى هل يمكن ان نؤرشف لصحافة محفوظ؟ ، وبصيغة أخرى هل يمكن ان نتلمس حجم النقد الصحفي على اختلاف توجهاته ‏وطرائق مقاربته حول نجيب محفوظ ؟؟، وكم ستساعدنا صورة محفوظ في الصحافة العربية لفهمها واستيعاب مضامينها ، ترى ماذا لو ‏قام أحد فناني الكاريكتير لرسم صورة محفوظ ونشرها واذاعتها ، حتما ستكون هناك مئات الصور تقرأ جوانب من سحنة محفوظ ‏الخلقية وتبرز الدلالات النفسية والسياسية في ملامح معبرة ، دعونا نتصور هكذا صورة لمحفوظ يبدو فيها رأسه صغيرا على حين تبدو ‏نظارته كبيرة جدا ، ترى ماذا يعني كل هذا ؟؟؟ ، أو دعونا نتصور سوية صورة لمحفوظ يرتدي فيها ملابس نادي الزمالك الرياضي ، الا ‏يغضب عليه جمهور الاهلي بكل اختلافهم العقدي والايديولوجي؛ ليثيروا سخطهم عليه ، ترى كيف يمكن لنا ان نقرأ صورة محفوظ ‏الكاريكترية وهي تكشف عن التدهور الثقافي والانكسار العربي في ابهى عصوره الفضية ؟ ، في الوقت الذي يجب ان نلاحظ فيه ان كل ‏هذه الصور وغيرها هي لأصحابها رؤية وتعبيرا وليست بالضرورة تعبيرا عن محفوظ !!!، ثم بعد ذلك كله نكتشف ان تلك الصور ‏لمصوريها ، ومما أوحته ملامح وجهه الخارجي لهم من دون ان يشعروا انهم يصورون محفوظا من أعماقه المظلمة ؟ ‏
ترى هل وقع محفوظ أسيرا للعبة النجومية التي حظي بها ، وهل نالت من اصالة تجربته ؟ ، هل شعر بنشوتها الى الحد الذي كان ‏عليه ان يتجاوزها ؟؟ أم أرقته وعملت على تعذيبه ؟؟ ، لربما قد تكون الاسئلة ساذجة غير ان الاجابة في غاية الخطورة لاسيما اذا عرفنا ‏حجم الوعي الذي تركه محفوظ في جيل من الشباب العربي والجامعي في خمسينيات القرن الماضي وازدياد وعيه ونضوج رؤيته ،كل ‏هذا نستطيع ان نقرنه بما احتفظت به ذاكرة شبابنا اليوم من صورة شاحبة وغبش في الرؤية الى حد الجهل به ، ترى كيف ينهار فجأة ‏نجم بكل المعاني الثقافية ويتلاشى في ذهن شبابنا الى الحد الذي لا يعرف ، ولا اعرف مقدار المأساة ان ضممنا اليه طائفة من النخب ‏الثقافية التي تحولت الى نجوم كبرى في جميع الفنون والمعارف ، فالقائمة تطول وذاكرة جيلنا اليوم تمحو ، لا اقول هذا الكلام بصدد ‏الانتصار للقديم بلهجة أكلوني البراغيث أو الحنين الى ماض لا يعود ، بقدر ما أحاول ان افسر عبر تناثر الاسئلة حجم ذاكرة جيلنا ‏الان وما يحفظ لمحفوظ وام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من صور ومواقف . ‏
ان ما كتب عن محفوظ وحوله متعدد ولا يمكن حصره ، اذ انه يشكل مكتبة في الادب العربي الحديث ونقده ، ويمكن لنا ان نظيف ‏تعبير لويس عوض في هذا الصدد الذي اسماه بـ" المكتبة المحفوظية " ، فقد تعددت دور النشر والمطبوعات حول الظاهرة المحفوظية نقدا ‏ودراسة ، على الرغم من اننا لا نطمئن لما يعرف بظاهرة محفوظ كتوصيف نقدي راج واشتهر بفعل الماكنة الاعلامية والاقلام الصحفية ‏والملفات الدورية والاماسي الاحتفائية في معظم العواصم العالمية الكبرى من موسكو الى برلين ، ومن لندن الى باريس ، وجوه تتعدد ‏لمسمى واحد شغل الساسة والاقتصاديين ، واختلف حوله اليمين واليسار بكل التناقضات الحادة التي عاشها العقل العربي بصيغته ‏النخبويه وبتجلياته الشعبية .‏
اختلف حوله كثيرا وبعضهم من عده خارجا على نظم القبيلة حتى تعرض لحادث اغتيال في مساء يوم الجمعة 14 اكتوبر ‏‏1994وللتاريخ دلالة تقترن بتغير المشهد السياسي العربي برمته بعد الحروب التي خاضها في مشرقه، يظل محفوظ محتفظا بمساء ذلك ‏اليوم ويتذكمره دائما ولا اعرف حجم المأساة التي عاشها مفكرا ومقلبا ببصره لهذا الجيل ، نراه يتذكر ذلك الحادث في مقالة له تحت ‏عنوان " رحابة حلم " في اكتوبر 2006 قائلا :" الرجلان الذان هاجماني كانا ينفذان فتوى تبيح دمي بسبب اعادة اصدار احدى رواياتي ‏التي كانت صدرت عام 1959 ، وهي أولاد حارتنا ... والشيء المفجع انه خلال محاكمة الجانين اتضح انهما لم يقرأا الرواية" ‏
يني المتطرف الذي يعيد الى الاذهان صورة التحول الاولى وبواكيره الواضحة في التنازع والاقتتال التي عصفت بالمجتمع العربي في ‏ظل سياسات التجهيل والخراب التعليمي ، والتدهور الاقتصادي فضلا عن تردي انماط علاقة العالم العربي بمحيطه الاقليمي والدولي ، ‏من لحظات الحلم على ظهور دبابات الثورة الى لحظة الغثيان على سلم أوركسترا الهزيمة و النكسة .‏
مع محفوظ وعوالمه نستطيع ان نقرأ تاريخنا القريب ، فعلى الرغم من معمار البناء الفني ودقة احكامه من عدمه الا انه استطاع ان ‏يقدم نماذج روائية يتفحص من خلالها خلل التركيب في نسيج المجتمع المصري من البلطجية والفتوات و المثقين وانصاف المثقفين ‏بأوهام احلامهم ، ،و مع محفوظ يمكن ان نقرأ تاريخ الموظف في الدوائر الحكومية العربية ولحظات صعوده الكبرى على أشلاء الاخرين ‏نماذج مهمة من الطبائع البشرية ، سالم الاخشيدي في القاهرة الجديدة و سرحان البحيري في ميرامار و عيسى الدباغ في السمان ‏والخريف ، وغيرهم . ‏
في كتابه دراسات في النقد والادب يصف لويس عوض المغامرة النقدية حول نجيب محفوظ وادبه بقوله : " ما عرفت كاتبا من ‏الكتاب ظل مغمورا مغبونا مهملا عامة حياته دون سبب معلوم ، ثم تفتحت أمامه كل سبل المجد دفعة واحدة في السنوات الخمس ‏الاخيرة دون سبب معلوم ايضا مثل نجيب محفوظ وما عرفت كاتبا رضي عنه القديم والحديث ومن هم بين بين ، مثل نجيب محفوظ ، ‏فنجيب محفوظ قد غدا في بلادنا مؤسسة ادبية او فنية مستقرة ، تشبه تلك المؤسسالت الكثيرة التي تقرأ عنها ولعلك لا تعرف ما ‏يجحري بداخلها ، وهي مع ذلك قائمة وشامخة ، وربما جاء السياح ، أو جيء بهم ، ليتفقدوها فيما يتفقدون من معالم نهضتنا ‏الحديثة ، والاغرب من هذا ان هذه المؤسسة التي هي نجيب محفوظ ليست بالمؤسسة الحكومية التي تستمد قوتهامن الاعتراف الرسمي ‏فحسب ، بل مؤسسة شعبية ايضا يتحدث عنها الناس بمحض الاختيار في القهوة وفي البيت وفي نوادي المتأدبين البسطاء " ‏
في ضوء هذا التصور النقدي الذي يدرك أهمية محفوظ في المشهد الثقافي هل يمكن ان نستنتج ما يمكن ان نؤسس عليه لاحقا في ‏إضاءة عتمة ما لحق بمحفوظ من وضوح وبيان للوهلة الاولى التي اشاعتها الكتابات المتعجلة التي لحقت به وتابعته منذ بواكير ‏كتاباته النقدية لاسيما من كورس النقد الذي أشاع مفاهيم نقدية البرجوازية الصغير والصراع الطبقي ورواية الاجيال والروايوة ‏النفسية وعقدة أوديب في طريق محفوظ وثرثرته .‏
مع محفوظ نبدأ تاريخا للقص العربي الحديث وننشغل بتأويله طويلا على حين يبقى محفوظ راقدا في سرير منفاه الاخير ، اترى ‏ثمة مفارقة في الامر تستدعي النظر والتأمل ، ولا بد لنا ان لا نأخذ أراءه الانطباعية في ما كتب عنه ، نراه يقول لجورج طرابيشي في ‏صدد كتابه " الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية :" بصراحة اعترف لك بصدق بصيرتك ، وقوة استدلالك ، ولك ان تنشر عني بان ‏تفسيرك للاعمال التي عرضتها هو اصدق التفاسير بالمناسبة لمؤلفها " ، لا يمكن ان نأخذ برأيه على الرغم من وجاهته وصحته من عدمه ‏، لا لاننا سنظل محكومين بإرادة المولف وسطوته ، بل لاننا سنقصر المعنى المحفوظي ونغلق مدار دلالته المفتوحية التي تستدعيها ثراء ‏التجربة والقراءة معا .‏
هل نحن وقعنا في مقالنا هذا في متاهة البحث عن وجوه محفوظ المتعددة في النقد الادبي والثقافي ، وهل لنا في هذا الوقوع ما يبررره ‏منطقيا على الاقل في نصوص محفوظ القصصية والروائية ، في مجموعته الموسومة بـ" دنيا الله " نقرأ قصة لمحفوظ تحت عنوان : ‏زعبلاوي " ويقول على لسان احد ابطالها : " على اني اجد زعبلاوي " ، واذا قرنا التجانس الصوتي بين زعبلاوي دنيا الله وجبلاوي اولاد ‏حارتنا يتبين لنا المعطى الرمزي والديني في موروث محفوظ الادبي ، ويكشف لنا موضوع البحث عن الغائب في مرحلة من مراحل نجيب ‏محفوظ الروائية الرمزية التي تجلت في رواياته " صابر الرحيمي في الطريق ، وسعيد مهران في اللص والكلاب وغيراها ، اما مجاميع ‏النقاد لابد ان يخضعوا في قراءاتهم للمعطيات التاريخية والاجتماعية الراهنة لهذا نجيب في النقد الادبي قبل الثورة ليس نجيبا في ‏صورته بعد الثورة ، بوصفها مفصلا تاريخيا يحرك الرؤية ويعمق الاحساس بحالة ما وتفرض اثاره على البيئة والفردج والمجتمع . ‏
‏ ومن هنا ما نجده من تناقض في الاراء النقدية حول ادبه لا يمكن ان يخضع لجانب واحد ولا يمكن ان نصفه بمصفوفات التناقص فرواية ‏‏"بداية ونهاية" بين منظوري عبدالقادر القط و عبدالمحسن طه بدر مختلفة فالقط يعدها من روائع محفوظ على حين يراها طه بدر ‏رواية مهزوزة الاركان ، وقس ذلك على نتاجه من منظورات مختلفة على الرغم من وحدة التكوين الثقافي العام الذي اسسته الثقافة ‏المصرية والتلاقح المعرفي بدءا من عبد العظيم انيس ومحمود امين العالم وغالي شكري وعبد المحسن طه بدر . ‏
‏ وقد أشيع ان ماكثر القول عنه ينبغي هل كثرة الدراسات حوله تمنع من الولوج مرة اخرى في عوالمه ، الا يمكن ان نعد عوالم ‏محفوظ بخزانة المكتبة المحفوظية التي لا بد ان نضيف اليها دائما ونرعاها بدراسات جادة تعتمد المغايرة والرؤية والتصور الذي لا يعيد ‏المكرر ويجتر الافكار او يعمل على التلغيز والالتباس في الكتابة النقدية .‏
انه سؤال اخر لا نعد أحدا على اشعال جمر تعدده في مقال لاحق عسى ان نفتح صفحة من المنسي لنتجول في رواق الخزانة بمتعة فائقة ‏



#حسن_مجاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...
- فيلم السرب 2024 بطولة احمد السقا كامل HD علي ايجي بست | EgyB ...
- أستراليا تستضيف المسابقة الدولية للمؤلفين الناطقين بالروسية ...
- بعد إطلاق صندوق -Big Time-.. مروان حامد يقيم الشراكة الفنية ...
- انطلاق مهرجان أفلام السعودية في مدينة الظهران


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مجاد - الخزانة المحفوظية ، تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العربي الحديث