أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حميد زناز - التحليل النفسي: طقس ديني أم طريقة علاج؟















المزيد.....

التحليل النفسي: طقس ديني أم طريقة علاج؟


حميد زناز

الحوار المتمدن-العدد: 3174 - 2010 / 11 / 3 - 18:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما هي أسباب نجاح التحليل النفسي في الغرب وفي فرنسا تحديدا؟ هل يعود الأمر إلى نجاعة علاجية حقيقية غير قابلة للدحض أم لأسباب إيديولوجية علموية ؟ هل يمكن أن يعيش الإنسان اليوم ويفكر ويكون سعيدا دون إبداء كبير اهتمام ولا اعتبار لما يسمى اللاشعور وغيره من مقولات الطريقة التي فرضت نفسها على لغة الناس اليومية، وسيطرت على لغة النقد والأدب ولم تسلم من تأثيراتهاحتى الفلسفة. يجد المتابع لأوضاع حرفة التحليل النفسي في فرنسا اليوم نفسه مضطرا للتساؤل عما إذا كان فرويد قد أسس علما لدراسة النفس البشرية ومحاولة الولوج إلى غياهيبها واهتدى إلى طريقة عبقرية تخفف من آلامها أم أسس ديانة جديدة يعتاش منها أحفاده ومريدوه؟ هل بإشباعه لبعض حاجات كان يشبعها الدين سابقا قد أصبح التحليل النفسي بديلا دنيويا للدين في الغرب؟ كان الله والشيطان وراء كل أمر وإليهما كان يعود الأوروبيون لتفسير ما انغلق عليهم من مسائل ولإبراء علل أرواحهم وأجسادهم إن مسها عطب. ولكن جاء الملعون نيتشه ليعلن اختفاء الرب والشيطان، فافترض دجال فيينا ، كما يسميه هانس اسرائيل (1) مفتاحا آخر بديلا للمرحومين معا هو اللاشعور . ألا يمكن القول بأن المحلل النفساني ما هو إلا استمرارا لرجل الدين المسيحي المنصت لاعترافات المذنبين؟ ألا يقول المسيحيون بأن الاعتراف بالخطايا هو نزع للنباتات الضارة التي تعترض طريق التفتح الشخصي الإيماني؟ ألا يسبّح المسلمون ويستغفرون من أجل قهر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدورهم؟ ألا يتحدث المحللون عن الاشتغال على النفس وحل العقد؟ و "النفاثات في العقد.." فكما كان الكفر بالله خروجا من الآدمية (ولا يزال لدى المسلمين)، فكذلك الشك في مدى صحة أطروحات فرويد أو لاكان هو نوع من المقاومة لبديهيات التحليل في نظر أنصار المدرسة، بل هو الكبت عينه للجنسانية والشبق! وهي فكرة ذهبية استلها المعاصرون من كبيرهم الذي علمهم التحليل إذ كان يعتبر رفض المريض لاستنتاجاته برهانا على مقاومة المريض . وهكذا تكون المقاومة برهانا إضافيا على صحة تأويل المُحلِل. ففي كلتا الحالتين تبقى كلمته هي العليا أمام العليل المرتاب، وما عليه سوى القبول الطوعي بما يرى الطبيب و إلا أشهر في وجهه ورقة المقاومة وهي في نظر مناهضي التحليل النفسي حيلة أريد بها استباق أي فشل علاجي عيني ومواجهة أي تقييم نقدي يمكن أن يطال الطريقة على المستوى النظري العام. في إطار المنافسة على الزبائن استحدث بعض الفلاسفة الشبان تحليلا فلسفيا على شاكلة التحليل النفسي في فرنسا وبدأت تظهر عيادات فلسفية هنا وهناك ابتداء من منتصف التسعينيات إلا أنها لم تتمكن من تقديم عرض قادر على منافسة جدية للطريقة التحليلية. وقد حاول أعداء مدرسة التحليل النفسي هدمها ورميها بكل الأوصاف السلبية واعتبارها نظرية خاطئة بل تضليلية، ولكنهم لم يتمكنوا من إيقاف نجاحها الفائق. وبغض النظر عن علمية الطريقة أم عدم علميتها، فما هو سر هذا النجاح المتزايد؟
نقرأ عناصر إجابة في الصفحة 179 من الكتاب الأسود للتحليل النفسي (2) والذي أثار ضجة كبرى إثر صدوره سنة2005 في باريس إذ أراد مؤلفوه توجيه ضربة قاضية للمدرسة. لقد لبّت الطريقة حسب أعدائها ولا زالت تلبي حاجات متجذرة في نفس الإنسان الغربي، هي حاجته إلى إيجاد بديل لليقينيات الصلبة التي كان يوفرها له الدين سابقا كالحاجة إلى إعطاء معنى ما لعسر العيش وكذا للقلق الجوهري الذي يعيشه الإنسان في عالم شبه خال من التخريف الديني ومن العناية الإلهية. ربما يكمن سر نجاح النظرية في الحاجة الملحة إلى نظرية تبرر التحرر الجنسي في زمن انهارت فيه القيم الأسرية وتراجعت فيه السلطة الأبوية في الغرب وخاصة بعد ثورة مايو الشهيرة سنة1968. وقد غدا التحليل النفسي إثر هذه الثورة بالذات بمثابة الملجأ الذي آوى كل الذين فقدوا الأمل في تغيير المجتمع وكل الذين خيبت الماركسية الرسمية آمالهم، لينينية كانت أو ماوية. فهل عندما نفشل في تغيير العالم، نكتفي بتغيير أريكة صالوننا أو نمتد على سرير محلل نفساني؟ أصبحت مقولات التحليل النفسي شائعة في مجالات الحياة كلها ومع تداولها الواسع أصبحت الفرويدية بمثابة المفتاح الذي يفسر به السلوك الإنساني كله، فهي في نظر الكثيرين علم شامل لا يمكن الاستغناء عنه ولا أحد يستطيع الانفلات من سطوة مقولاته. وبات الناس يكررون جملا جاهزة معتقدين بصحتها المطلقة مثل: لاشعورنا هو الذي يتحدث ، مازال فلان يتخبط مع الليبيدو ، وقع فلتان في هفوة لفظية دالة ولا داعي للانشغال بأمر ذاك الشخص فهو يعاني من عصاب وسواسي. وهكذا حوّل بعضهم التحليل النفسي الذي هو اجتهاد علاجي أساسا، أنقذ حياة كثير من الناس، إلى نظرة للإنسان والعالم، إلى إيديولوجيا عالمة بكل شيء نرجَست العلاقات بين الناس. فكل حركة أو كلمة هي مثار تأويل في عرف أنصار المدرسة, وكل شيء قابل للتفسير. كل سلوك يُفَسّر ولكل أمر معنى مهما بدا مبتذلا. مجرد حلم بسيط، يمكن أن يأخذ أهمية عظمى وقد يصل عبره بعضهم إلى تفكيك شخصية المستلقي على ظهره وحتى غير المستلقين. مع بعض غلاة التحليل النفسي، انتهى عصر لا أعرف ، فكل شيء يمكن فك تشفيرته! وبواسطة الكلام والكلام فقط. أن ترتبك وتقول لصديقك مع السلامة وأنت تستقبله يفسر الأمر على أنك لم تكن ترغب في لقائه. وهذا في أحسن الأحوال إذ قد يصل التأويل إلى اعتبارات لا تخطر على بال أحد، كالاستنتاج على أنك تعاني من مشكلة انتصاب مثلا! أما إن اعترفت بالخوف من الموت، فستجد من يؤول خوفك المشروع على أنه خوف لاواع من الإخصاء! فكيف يمكن استنباط أسرار مدفونة في أعماق شخصية الفرد بهذه السهولة انطلاقا من بعض تفاصيل تبدو طبيعية كي لا أقول تافهة؟ ولئن كان اللاشعور فرضية عبقرية معقدة فكثيرا ما يطنب بعض أشباه النجوم من ممثلين وممثلات،مغنين ومغنيات في الحديث عن تجربتهم مع محللهم النفساني كأنها رحلة سياحية نحو لاشعورهم. بل يخيّل لي وأنا أتحدث مع بعض المريدين المتعصبين، مُحلليين كانوا أو خاضعين للتحليل أنهم يضعون اللاشعور بمنزلة العضو الذي يحتل مكانا حقيقيا من البدن! وإن سلمنا بصحة فرضية هذا اللاشعور، هل يستطيع أحد أن ينفذ إلى لاشعوره دون تأويلات المحلل النفساني؟ ألا يستطيع هذا الأخير أن يقوّل اللاشعور ما يريد باعتباره مترجمه الحصري أو الناطق الرسمي باسم لاشعور الخاضع للتحليل؟ وهكذا يمكن أن يقوّل اللاشعور ما يريد أن يسمع صاحبه، بل يمكن أن يصل المعالج إلى ما يريد أن يصل إليه هو،فضلا على أن كثير من المعالجين يكتبون ما يقولون في حصة التحليل ضاربين بــ التداعي الحر" ضرب الحائط. لا أعرف ماذا أقول له غدا، ساعدني قليلا ، هكذا كانت تقول لي إحدى الصديقات الفرنسيات وهي أستاذة فلسفة.هي التي أماتتني ضحكا يوما حينما حكت لي عن محلل نفساني يسأل زبونه في أول الحصة: قص علي أحلام الليلة الفائتة من فضلك؟ لم أحلم، يقول. هيا تذكر يشجعه المحلل. لا لم أحلم، أنا متأكد. وهنا ينفجر المحلل غاضبا : كيف تريدون أن نعالجكم إذا كنتم لا تقومون بواجباتكم المنزلية!
كلما تحدثنا مارسنا الجنس يقول فرويد. فهل من الضروري أن تستخدم خصيتيك كنظارتين لفهم العالم على حد قول ميل مالسبين؟ و إن كنتِ امرأة هل تقضين حياتك في اشتهاء امتلاك قضيب وتنظرين إلى العالم من خلال هذا الفراغ أو النقص المفترض في نظر أهل التحليل التقليدي؟

1) Hans Israëls, Le charlatan de Vienne, Cent ans de Freud et les freudiens, éd. Bert Bakker,Amsterdam,1999.
2) Le livre noir de la psychanalyse, éd. Les arènes, 2005.



#حميد_زناز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل في الإسلام روحانية ؟
- امرأة غاضبة..رسالة من الجزائر إلى الأوروبيين التائبين عن عال ...
- وهذا من فضل الأصولية!
- حدّث كارل ماركس قال...
- التصفيح أو كيف تحافظين على عذريتك آنستي!


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حميد زناز - التحليل النفسي: طقس ديني أم طريقة علاج؟