أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - عقول صغيرة















المزيد.....

عقول صغيرة


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 20:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الكتابة عن حقد أو بدافع التحريض وإشاعة الكراهية هي أحط أنواع الكتابة، لسبب بسيط هو أنها تخلو من الفكر، ذلك لأن الجهد الذي يتطلبه التفكير يضيع في صياغة عبارات الإنتقام و النهش في الأشخاص، لا لشيء إلا لأنهم يطرحون أسئلة لا يحبّ غيرهم أن تطرح، و يثيرون قضايا يعتبرها هؤلاء محسومة قطعية وداخلة ضمن "الثوابت" و"المقدسات". غير أنّ ما يشعر به المرء أمام بعض بهلوانيات ثقافة التحريض والكراهية كالتي صدرت عن مصطفى العلوي مدير جريدة "الأسبوع"، أو عن رشيد نيني مدير جريدة "المساء"، أو بعض ما نشرته جريدة "العلم" في صدر صفحتها الأولى، و كذا ما نشره بعض كتاب "التجديد"، هو أنّ نهاية مرحلة وبداية أخرى أمر وشيك، لأن انتفاضة حراس التقليد والمحافظة تزداد شراسة كلما اقتربت الأفكار التي يتداولونها من الإحتضار، رغم كل المؤشرات السطحية التي قد توحي بخلاف ذلك، حيث يحرص حراس المعبد القديم على استعمال أشرس أسلحتهم التي قد تصل حدّ استعداء الناس ضد بعضهم البعض وتحريض السلطة القمعية على المثقفين أو السياسيين الذين يتحلون بقدر من الشجاعة، فالأولوية بالنسبة لهؤلاء الحراس هي إسكات الأصوات النقدية.
وبدون الخوض في نقاش عبثي حول من يحرك هؤلاء وما هي أهدافهم الحقيقية من وراء حملات من هذا النوع، إذ لا أحب نظرية المؤامرة، وأفضّل أن أترك حرية استعمالها للذين يجدون أنفسهم بلا حجج أو براهين مقنعة، سأحاول أن أبرز خصائص هذا النوع من الكتابة الذي نشرته المنابر الثلاثة المذكورة، ومواطن ضعفه وحدوده، والضرر الذي يمكن أن ينتج عنه للأشخاص أو للمجتمع.
تعتمد مقالات التحريض التي كتبت عن حقد أو برغبة في الإستعداء على الخصائص التالية:
1) استهداف الشخص والتركيز عليه بوسائل التجريح البلاغية، عوض مناقشة أفكاره التي يتمّ عرضها كـ"أدوات جريمة"، منزوعة من سياقها الحجاجي، ويُظهر هذا مقدار ضعف العقول الصغيرة، التي تنفعل بالرأي الآخر وتتشنج له، مما لا يسمح لها بالتفكير فيه.
2) شيوع العنف اللفظي وأساليب الهجاء والقذف بشكل ملفت للإنتباه في هذا النوع من المقالات، التي يبدو أنّ مهمة أصحابها هي إطلاق النار على كل من يتحرك، وهو ما يجعل من اللغة وسيلة الحجاج الوحيدة، في غياب التماسك المنطقي للفكر ومراعاته لواقع الأشياء، ويقصد بهذا العنف أساسا التعمية والإخفاء، أكثر مما يراد به قول حقيقة ما، فالإشاعة هنا تعوض الحقيقة ، لأن الهدف هو فقط ترهيب الشخص والتشهير به واستعداء الآخرين عليه وتحريض السلطة ضدّه من أجل دفعه إلى الإنزواء و الصمت، و لهذا تتخذ بعض هذه المقالات طابع محاضر الشرطة و تقاريرها.
3) تعكس مقالات التحريضيين قدرا كبيرا من الجهل و الأمية، و تعرض نسبة هامة من الأخطاء المعرفية التي تدلّ على مستوى دراسي متدني، و على انقطاع هؤلاء عن البحث و التفكير منذ زمن غير يسير، و لهذا يجدون صعوبة في فهم الأفكار أو الآراء النقدية فيعمدون إلى تحريفها أو تسطيحها حتى تصير على درجة كبيرة من الميوعة، ثم يعرضونها للقراء الذين عليهم الإحتفاظ فقط للأشخاص المعنيين بالصّور التي يرسمها لهم المهيّجون.
4) يتعمّد كتاب المقالات الهجائية و التحريضية الحديث باسم "الشعب"، الذي يعرفون نسبة الأمية فيه، كما يعرفون شيوع التقليد و النزعات الماضوية لديه بسبب السياسة الرسمية التي اتبعت في التعليم و الإعلام منذ عقود، فيعمدون إلى تملق عقلية التخلف و مداهنة قوى السلف التي يعتبرونها جمهورهم، و تحويل سلبيات المجتمع إلى "ثوابت" و "قيم الأمة"، و اعتبار أي نقد "مسّا بمشاعر المؤمنين"، تماما كما تفعل السلطة. و الغرض هو إظهار قوى التغيير و الديمقراطية بمظهر الشواذ المنعزلين، لكن الحقيقة التي لا يريد هؤلاء الإنتباه إليها، هي أنّ منطق الواقع و اتجاه سيره لا يراعي بالضرورة عواطف المهيّجين و المهتاجين، و قد يسير بهدوء و ثبات في اتجاه التغيير المحتوم. لقد رفعت الجماهير المهيجة صواريخ "الحسين" الكارتونية في شوارع الرباط قبل سنوات في مبايعة مقززة للدكتاتور الدموي الذي أوقع العراق في خراب شامل، و كان ذلك بسبب تأثير صحافة التحريض القومية و الإسلامية، لكن الأحداث مضت في اتجاه آخر مطابق تماما لما كانت تقول به أقلية صغيرة من العقلاء.
5) تعمل الكتابات التحريضية على حماية حقل السلطة وحراسة مقدساتها من رياح التغيير، وفي هذا يبرز الدور الحقيقي لهذا النوع من الكتابة، فما وراء التهجم على الأشخاص النشطين من كتاب و مثقفين و سياسيين و مناضلين حقوقيين وفاعلين جمعويين والتجريح فيهم، يوجد مخطط التصدي لمشروع مجتمعي لا يروق للذين بنوا امتيازاتهم و مصالحهم على ثوابت الإستبداد، و لهذا تتجنب صحافة التحريض كليا التصادم مع الإسلاميين و أهل التقليد، أو مع المسؤولين الذين يدورون في فلك "المخزن"، لأن هؤلاء يمثلون جمهورا مفترضا لهذا النوع من الكتابات، حيث يلتقي الخطاب الوعظي الشرس واللإنساني، منتج الفتاوى المضحكة، مع المقالات الهجائية للصحفيين خدام المعبد وحراسه في هدف رئيسي هو إجهاض أي انتقال ممكن نحو الديمقراطية، مهما كان بطيئا أو معاقا، وفي هدف ثانوي هو إرضاء جمهور يعرفون مستواه ونزواته و غرائزه، وذلك بالتنفيس عن غيظه وضيقه من الحريات ومن مسلسل التحديث الطبيعي، ومن الدور النقدي للفاعلين السياسيين والمدنيين.
6) تتعمد الكتابات التحريضية استعمال نظرية المؤامرة بشكل مكثف يكاد يوحي بحالة مَرضية، فكل من يتحرك من أجل تحرير العقول من أساطير وأوهام ثقافة متآكلة، يُنعت بأنه مسخّر من قبل قوى أجنبية عن المغرب بهدف زعزعة استقرار البلاد و إحداث شرخ في وحدته الخالدة، والحقيقة أن وحدة المغرب واستقراره لا يختلفان عن وحدة واستقرار البلدان المسماة "عربية"، والتي يبدو أنّ قدرها أن ترزح جميعها تحت نير أنظمة الإستعباد والتسلط، إنه استقرار هشّ لأنه لا يقوم على أسس ديمقراطية سليمة ودائمة.
ويرمي مستعملو نظرية المؤامرة إلى صرف الإنتباه عن الأسباب الحقيقية للتخلف والتي هي أسباب داخلية مرتبطة بطبيعة النسق السياسي والإجتماعي القائم، كما يهدفون عبر إطلاق النار على كل من يتحرك إلى تقديم أنفسهم للسلطة كـ"وطنيين" مخلصين ومتشبثين بـ"الثوابت"، هذه الأخيرة التي ليست سوى مناطق نفوذ مسيّجة بإحكام.
ويمكن تفسير لجوء هؤلاء إلى نظرية المؤامرة بأنهم يجدون فيها أفضل طريقة للتخلص من الخصوم دون "وجع الرأس"، أي دون مناقشة آرائهم أو دحضها، ولهذا فهي السلاح المفضل لدى العقول الصغيرة.
7) التركيز على الجزئيات المتفرقة و بعض المظاهر الخارجية عوض النسق ككل، و ذلك لإظهار الآخر كما لو أنه مجرد شخص فوضوي أو مخرّب بدون مشروع أو قضية.
هذه الخصائص هي ما يميز على العموم كُتاب المقالات التحريضية و الهجائية، إنهم يعملون بتواطؤ مباشر أو غير مباشر في إطار جبهة تضمّ قوى المحافظة وحماة القيم التقليدية، للدفاع عن الماضي ضدّ الحاضر و المستقبل، الماضي الذي هو عبارة عن إرث ميت في معظمه، لكن يتمّ النفخ فيه لكي يستمر وتستمر معه العقليات والسلوكات القديمة، تلك التي عمادها احتقار الإنسان واعتباره مجرد وسيلة وضيعة لخدمة نسق سياسي لا يريد أن يتغير، نسق تغيب فيه شروط النقاش الحر و الصريح وقيم و أخلاق الإحترام المتبادل و الضمير المهني والحسّ الإنساني، نسق يقتات من الخوف و النفاق والتواطؤ العفوي على اللجوء إلى السلطة كبديل مطلق، عوض العمل في عمق المجتمع من أجل تغيير العقليات.
إن المستهدف من طرف هؤلاء ليس كاتب هذه السطور أو غيره من الأشخاص، وإنما هو الرأي الحر والفكر النقدي، الذي يكشف عن التناقضات و يبتّ في المفارقات ولا يكفّ عن طرح الأسئلة، وهي معركة ـ رغم عدم تكافؤ الفرص والإمكانيات فيها بين الطرفين ـ محكومة بأن تنتهي لصالح من يطابق فكره اتجاه التاريخ ويخدم الكرامة الإنسانية، وفق القيم الكونية التي هي أفضل وأرقى ما بلغته البشرية حتى الآن.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن و الدين أو الحرية في دائرة المطلق
- جذور العنف في الدولة المغربية أو المغاربة في مواجهة نمط الإس ...
- ثقافة الحظر و الوصاية (دفاعا عن الفن و الجمال)
- الهوية و التاريخ و رموز الدولة الوطنية (إلى حراس المعبد القد ...
- ترجمة القرآن بين الريسوني و الأخ رشيد
- حمى الإفتاء الدلالات و الأبعاد
- في -عروبة الإسلام-
- أبواق المساجد و أجراس الكنائس
- العربية و التعريب بالمغرب
- المغرب و التبشير المسيحي
- سباق المدن -المقدسة-
- متى يفهم المسلمون ما يجري؟
- رسائل قصيرة في الدين و السياسة إلى السيد الأمين العام لحزب ا ...
- في معنى العنصرية ردود سريعة إلى وزيرة الصحة
- ما قاله الريسوني في الخمر
- أسئلة الإسلام الصعبة
- حول استنكار بيع الخمور بالمغرب
- في أنّ دين الدولة مفروض و ليس اختيارا حرا (على هامش اعتقال م ...
- ما لا يفهمه المسلمون (على هامش النقاش الدائر بسويسرا)
- الصحافة و التحريض بصدد الكرة بين مصر و الجزائر


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - عقول صغيرة