أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - كيف ترى الصين نفسها؟















المزيد.....

كيف ترى الصين نفسها؟


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 20 - 12:12
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


الأمم الحية هي تلك التي لا تقف في مكانها جامدة متفرجة، وإنما تتحرك وتتفاعل مع الأحداث، وتضع لنفسها إستراتيجيات قصيرة المدى وأخرى متوسطة وبعيدة، بل هي التي تعيد حساباتها وخياراتها من وقت إلى آخر طبقا لمقتضيات الحال، و تبدل الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، حتى وإنْ إضطرت إلى إعادة صياغة إستراتيجياتها بالكامل.
وإذا كان هذا الكلام ينطبق على أمم حية كثيرة، فإن أبرزها بلا شك هي الصين، التي تراقب جيدا، وتستخلص الدروس بدقة، وتغير خياراتها، وتعيد رسم سياساتها الداخلية والخارجية من وقت إلى آخر كي تتلاءم مع أوضاع عالم يتغير بسرعة صاروخية في كل ميدان. حدث ذلك في السبعينات والثمانينات بعد الإنفتاح على الولايات المتحدة والغرب، وحدث لاحقا في التسعينات بعيد سقوط الإتحاد السوفيتي، ويحدث اليوم مجددا في ظل بروز قوى عملاقة منافسة تتقدمها الهند واليابان والإتحاد الأوروبي، وربما روسيا
على أنه رغم كل ما بلغته الصين من تقدم علمي وقوة إقتصادية وشأن عسكري في العقود الأخيرة، فإنها إلى اليوم لم تحدد لنفسها وصفا دقيقا. بمعنى هل هي دولة نامية أم متقدمة؟، قطب عالمي أم قطب إقليمي؟، بلد صناعي أم زراعي؟،قوة عالمية أم قوة شبه عالمية؟
فالقيادة الصينية المعروفة بالذكاء والحذر – شأنها في ذلك شأن الصينيين عموما – تتردد مثلا في إضفاء صفة الدولة العظمى على بلادها مؤكدة "أن الولايات المتحدة ستبقى وحدها - رغم كل أزماتها الحالية - القوة الأعظم في المدى المنظور" ومكيفة سياسات الخارجية وفق هذه المعادلة. وبالمثل فإن قادة بكين لا يعتبرون الصين – رغم صعودها الإقتصادي المضطرد المعروف - قوة إقليمية عظمى في ظل وجود دول في المنطقة لا تقل أهمية وقوة وصعودا مثل الهند واليابان. أما إذا أتينا إلى صفة "النامية" التي ظل المعلم "ماو تسي تونغ" وخلفاؤه حريصين على إسباغه على بلادهم لحقبة طويلة بهدف التقرب من الدول المتخلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ناهيك عن هدف تخويف هذه الدول من الخصم الإيديولوجي السوفياتي، فإن صين اليوم تحت قيادة "هو جينتاو" لا تزال متمسكة بهذه الصفة، وإنْ لإهداف أخرى مثل تسهيل عملية تمددها في القارة السوداء للإستحواذ على مصادر الطاقة ومكامن التعدين دون حساسيات.
والحقيقة - في رأي الكثيرين من محللي ومتابعي الشئون الصينية – أن الصين، بغض النظر عما يقوله قادتها في خطبهم وتصريحاتهم ومؤتمراتهم الحزبية، هي دولة عملاقة تجمع كل مؤهلات البروز كقوة عظمى يوما ما. ونقول يوما ما لأنه لا يمكن التكهن بدقة حول الزمن الذي ستحتاجه القيادة الصينية لمعالجة المشاكل الداخلية من تلك التي لا تليق بدولة تتبع إسمها كلمة "عظمى"، ونعني بتلك المشاكل قضايا مثل "الإنفتاح السياسي"، و"الحريات المدنية"، و"النظام المصرفي المتين"، و"الوحدة الوطنية الراسخة"، و"النمو المتوازن ما بين الحواضر والمناطق النائية"، و"الحد من الفساد والتسيب". وبطبيعة الحال، فإن الذين حددوا خمسين عاما، كفترة زمنية قصوى تعالج الصين فيها القضايا المذكورة، سرعان ما تراجعوا عن جملتهم الشهيرة "سوف يشهد العالم بروز الصين كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة بحلول عام 2050 ".
ربما يحتاج ما ذكرناه في الأسطر السابقة إلى شيء من التفصيل. صحيح أن الصين نجحت في أن تتحول منذ منتصف العقد الجاري إلى ثاني أكبر قوة جاذبة للإستثمارات الأجنبية ( بعد الولايات المتحدة)، كما نجحت في فتح أسواق العالم أمام صادراتها المتنوعة (مثلا زادت تجارتها مع العالم العربي من 36.4 بليون دولار في عام 2004 إلى 107.4 بليون دولار في عام 2009)، وفي تحقيق معدلات نمو تراوحت ما بين 9 – 10 بالمئة خلال العقدين الماضيين (أي أكثر بكثير من معدلات سائر الإقتصاديات الكبرى في العالم)، فأصبحت بالتالي رابع أكبر دولة في المبادلات التجارية، وثاني أكبر مستورد للنفط، وثالث أكبر سوق للمركبات على مستوى العالم، وثاني مالك لأضخم الإحتياطيات النقدية الأجنبيية إلى جانب اليابان. وصحيح أن الصين صارت تنتج من الصلب ما يفوق إنتاج دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة بعشرين مرة. وصحيح أنه من بين كل عشرة أكياس من الأسمنت ينتج في العالم تستهلك الصين منها أربعة أكياس في ورشة الإعمار والإنشاءات التي لا تهدأ. إلا أن الصحيح هو أن كل هذه الإنجازات الباهرة أفضت إلى ظواهر سلبية، بمعنى أنها وضعت الصين أمام تحديات جديدة.
فالتوسع في التصنيع كان على حساب الزراعة، الأمر الذي سيجعل البلاد عاجلا أم آجلا مضطرة لإستيراد الطعام، خصوصا في ظل عدد السكان الضخم(أكثر من 1.5 مليار نسمة مليار نسمة)، وبقاء معدلات المواليد السنوية على حالها. كما أن التوسع في التصنيع، معطوفا على تحسن الدخول، وبالتالي التوسع في إستخدام الطاقة أدى إلى حدوث مشاكل بيئية خطيرة وغير مسبوقة.
وتحسن الأحوال المعيشية كنتيجة لزيادة معدلات النمو في مختلف القطاعات حوّل البلاد منذ عام 1993 من دولة مكتفية ذاتيا في الطاقة إلى دولة مستوردة لها، بل دولة يزداد فيها الطلب على الطاقة بإضطراد رهيب، وهو ما دفع القيادة السياسية إلى تخصيص جزء معتبر من مدخرات البلاد وميزانيتها العامة للإنفاق على إكتشاف مكامن جديدة للنفط والغاز في داخل الصين وخارجها.
والإستعجال في إكتساح أسواق العالم بالمنتج الصناعي الصيني، جعل عبارة "صنع في الصين" مرادفة للبضائع قليلة الجودة، بل المتسببة في الحوادث المميتة، خصوصا في ظل صعوبة تطبيق لوائح الضبط والربط بدقة بسبب ترامي أطراف البلاد وإنتشار الفساد بين المسئولين، وتزايد جماعات المافيا.
و التباطيء في تدشين إصلاحات سياسية – حتى في حدودها الدنيا – وضع القيادة الصينية في مرمى الإنتقادات المريرة من الدول الكبرى، والمنظمات الحقوقية الدولية، علاوة على أنها سهلت من تعاطف العالم مع خصومها في الداخل كشعبي التيبت وتركستان الشرقية.
وطريقة إدارة بكين المتعجرفة لإقليم "هونغ كونغ" الذي عاد إلى السيادة الصينية في عام 1997 وفق صيغة "نظامان وبلد واحد"، لم تشجع التايوانيين على الإنضمام إلى البر الصيني، فظلت "تايبيه" شوكة في خاصرة بكين، بل ظلت ضمن الأسباب التي تدفع الأخيرة للأنفاق الهائل على التسلح والأبحاث العسكرية ( وصل هذا الإنفاق إلى 7.5 بليون دولار في عام 1993 ، وظل يتزايد مذاك بنسبة 10 بالمئة سنويا، حتى وصل إلى 30 بليون دولار في عام 2005 مثلا).
وإذا ما إنتقلنا إلى سؤال آخر هو "ماهي الخيارات الإستراتيجية التي وضعتها الصين لنفسها، أو ما هي أبرز ملامح وأهداف السياسات الخارجية الصينية في المدى المنظور"، فإننا سنجد الآتي:
أولا: تعتبر الصين التنمية الاقتصادية هدفا رئيسيا لسياساتها الخارجية، بمعنى أنها تضع مصالحها الاقتصادية في المقام الأول، وتستخدم البرغماتية في تحقيقها.
ثانيا: تعتبر الصين عملية تحديث وتقوية قدراتها العسكرية أمرا ضروريا من أجل إحترام نفوذها الإقليمي والدفاع عن مكتسباتها.
ثالثا: تعطي الصين أهمية خاصة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، ليس من منطلق حاجتها إلى الإستثمارات والأسواق الأمريكية الكبيرة فحسب ، وإنما أيضا من منطلق أن التعاون الثنائي مع واشنطون كفيل بإيجاد حلول واقعية للعديد من الأزمات العالمية والصراعات الدولية. ويبدو أن واشنطون تبادل بكين النظرة ذاتها بدليل إقحام الأولى للثانية في ملفي طهران وبيونغيانغ النوويين.
رابعا: تعطي الصين أهمية كبرى لعلاقاتها مع القوى الكبرى مثل الهند، وروسيا، والإتحاد الأوروبي، من منطلق أن هذه القوى قادرة على منافستها على الساحة الدولية لجهة الاستحواذ على الاسواق ومكامن الطاقة، أوتأسيس النفوذ والتأثير، وبالتالي يجب عدم الدخول معها في صراعات أو مماحكات. كما أن الصين تعطي أهمية كبيرة لروابطها مع الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وخصوصا تلك الدول التي تتمتع بأسواق كبيرة قادرة على إمتصاص الصادرات الصينية الرخيصة، أو الدول التي تمتلك إحتياطيات ضخمة غير مستغلة من النفط والغاز والمعادن.
خامسا: تملك الصين رؤية مزدوجة بخصوص اليابان كقوة إقليمية منافسة. الأولى سلبية وتقول أن اليابان عدو تاريخي شرس يجب أن يُحجم عسكريا كيلا تفكر يوما ما في إستعادة دورها الإمبراطوري التوسعي القديم. والثانية إيجابية وتقول بأن اليابان نموذج تنموي ناجح يجب الإستفادة القصوى منه تجارة وتصنيعا وإستثمارا وتقنية.
سادسا: تولي الصين إهتماما كبيرا بمسألة الحلول مكان الولايات المتحدة الإمريكية كحليف أمني لدول جنوب شرق آسيا، حيث تعيش كتل بشرية كبيرة من أصل صيني. وفي سبيل هذا الهدف تبذل بكين جهودا شاقة لمحو الصورة القديمة التي إنطبعت عنها في أذهان شعوب هذه الدول كقوة ديكتاتورية شرسة، ونظام توتاليتاري عنيف، لا يضمن التعددية السياسية، ولا يؤمن بالملكية الخاصة، و يبالغ في تقييد الحريات الفردية.



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في اليابان أيضا .. -ما بيصائب للحكم إلا صائب-
- تحديات جمة تنتظر زعيم الفلبين الجديد
- صعود آسيا و حراك القوى الإعلامية (2 من 2)
- صعود آسيا وحراك القوى الإعلامية (1 من 2)
- آخر معقلين للماويين في آسيا
- حكاية ذوي القمصان الحمراء في تايلاند
- عند البعض نفايات، وعند البعض الآخر مناجم للذهب
- الحيرة ما بين النظامين الرئاسي والبرلماني: باكستان مثالا
- دييغو غارسيا .. صاحبة الدور المحوري في حرب الخليج القادمة
- الصين كعقبة وحيدة أمام عقوبات أممية على طهران
- حول عملي الروائي الأول
- - ذو المتين- صار في خبر كان
- دماء في پونا الهندية
- باكستان تكذب رواية طهران عن إعتقال زعيم متمردي بلوشستان
- إستمرار الفساد في أندونيسيا يقوض شعبية يودويونو
- تايوان كنموذج للدولة العلمانية متعددة الأديان
- في رثاء -الماركسي- الذي رفض أن يحكم الهند
- عن إنهيار عملاق الطيران الآسيوي
- وداعا يا أبا الديمقراطية والعلمانية الإندونيسية
- سريلانكا: إنتهت الحرب الإنفصالية، وبدأ الصراع السياسي


المزيد.....




- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...
- جميع الإصابات -مباشرة-..-حزب الله- اللبناني ينشر ملخص عمليات ...
- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- -بوليتيكو-: شي جين بينغ سيقوم بأول زيارة له لفرنسا بعد -كوفي ...
- كيم جونغ أون يشرف بشكل شخصي على تدريب رماية باستخدام منصات ص ...
- دمشق: دفاعاتنا الجوية تصدت لعدوان إسرائيلي استهدف ريف دمشق
- هبوط اضطراري لطائرة مسيرة أمريكية في بولندا بعد فقدان الاتصا ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - كيف ترى الصين نفسها؟