أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعد سامي نادر - يوميات هولندية 2 (آنزهايمر )















المزيد.....

يوميات هولندية 2 (آنزهايمر )


سعد سامي نادر

الحوار المتمدن-العدد: 3010 - 2010 / 5 / 20 - 02:53
المحور: سيرة ذاتية
    


" آنزهايمر "
الطريق الى أمستردام يمر عبر سوريا، كانت آخر ليلة لي كي أودع فيها معشوقتي دمشق وازقتها القديمة الساحرة. أنا الآن في المطار لفراقها ولربما يكون وداعي لها هو الاخير. أحمد الله، كانت تاشيرتي رسمية هذه المرة، لا كسابقتها التي هرَبتْ بها عائلتي. يومها، كانوا مجبرين ودون بديل يقودهم الخوف بلا مفرْ ليضعهم تحت رحمة المهربين وعيون الشرطة السورية. لهذا كله، كنت بلا حسد امشي بلا فزع أو ريبة، مزهوا مرفوع الرأس كطاووس يتبختر. لكن!! دعابة صديق سخيفة أفسد ت عليَّ متعة سفري. لا ادري لمّ وكيف تم ذلك!! هكذا، دسها في أذني مع القبلات ودموع الفراق:
"انها حقا مخيفة !!... العشرون الف قدم فوق سطح الأرض".. إنها آخر مزحة لأبي داني، وهو صديق مزمن أعرفه منذ اكثر من أربعين عام. كان يعرف كل تفاصيل حياتي ويعرف ايضا انني بعد لحظات سأركب الطائرة لاول مرة. ثلاث وستون عاما تركتها ورائي غير نادما. محرمات كثيرة لا تحصى وممنوعات وطنية بامتياز حجرتني أربعون عاما متذرعة بشتى قواعد إستثناءاتها الدائمة، حين كان أبو داني بالمقابل وخلافا لكل أقرانه ، يتنقل بحرية مستفيدا ومتنعما بامتيازات كونه أحد ابطال العراق برياضة الجمباز، بعدها أصبح حكما دوليا بنفس الرياضة. لكن لا بأس، فنحن الإثنان نحمد لله على إننا تلاقينا أحياء سالمون من الأذىحين جمعنا قدرنا الوطني سويّة مرة اخرى ، أنا مستفيدا من رحمة قانون الغرب "الكافر"!! بـ "لم شمل" شتات هروباتنا الوطنية المظفرة!!، وهو الآخر ينتظر رحمة الامم المتحدة ليهاجر مع عائلتة الى كندا بعد نكبتهم باغتيال شقيق زوجته أمام أعينهم . لا تعجبوا!! فالوطن ببساطة، لم يكن فيى خدماته أو مؤهلاته كواحد من مجموع خمسة عشر خبيرا نفطيا دوليا على مستوى العالم بالحفر المائل. كلنا سواء، انه لا يختلف عنا سوى بمصيره ومكان الدفن ، كلنا ندرة فائضة عن حاجة الوطن. لكني على ما أظن لست متيقنا بالتمام عن سبب إغتياله، ربما إن إسم "ميخائيل" هوالآخر لم يرق للذوق العام!! أو لربما كان تصرفه (يخدش الحياء العام الكركوكلي"!! )*" يا للسخرية ويا للمصادفة المريرة،هكذا كان اسم الشهيد عندما أغتيل باسم الهدى!! وبدم بارد .


ما علينا من الضياع في متاهات سياسات النفط والقتل المبرر!!. أظن إنّ أبا داني كان قد قرأ خوفي من اصفرار وجهي وأراد المزاح، لكن مزاحه كان ثقيلا وسخيفا بكل معنى الكلمة. ما كان عليه ان يذكرني بـ"العشرين ألف قدم" هكذا دسها في رأسي بعد أن ترجمها بالاقدام لا بالكيلومتر ، يا له من لؤم مقصود. يقينا انه يقصد زيادة خوفي، ويقيناً انه لؤم وخبث، بل ربما عداوة مذهب!!، أجل عداوة مذهب، حيث ان مصاباته الأليمة على ما أظن، يمكنها فعل ذالك وقد تكون قد أفقدته الشيء الكثير ولوثت كل شيء فيه حتى طيبته المعهودة. عليه اللعنة هذا الـ "نصراني" المتشرد!! . لكني أذكر جيدا وبما لايقبل الشك، انه كان طيبا جدا لدرجة السذاجة! ماذا دهاه هو الآخر؟، إن لم تخونني ذاكرة السنين الطوال، فقد كان لطيبته المتميزة وسذاجته أن تقوداه في صباه الى ان يصبح راهبا في خدمة الكنيسة. يا لطيبته ، تصوروا! كان طموحه أن يصبح قسا في أحد الأديرة لولا تعارض الكنيسة واللاهوت مع حبه وولعه بالجمناستك والتي حسب ما كان يزعم، تتطلب حسابات حركة وتكنيك دقيق يحسب باجزاء مئوية من عشر الثانية والتي تتعارض مع رصانة وهيبة علم اللاهوت على حد قوله بالضبط: "تعذر عليّ الجمع بينهما"!. يا لسوء حظي وطالعي، فلو لم يتغلب طموح هوايته على طموحه الروحي لأصبح قسا أو ربما شهيدا هو الآخر في أحد تفجيرات الكنائس والاديرة ولكنت في مأمن من مصادفته وتحمل مزاحه الآثم الذي عكـّر عليّ مزاجي ومتعة سفري واستمتاعي بركوب الطائرة لاول مرة. نعم ما كنت بحاجة لقبلة وداعه الصاخبة المسمومة تلك. يا لقبلة "يهوذا" المخادعة.
لقد جعلني مزاحه المج رجلا هرماً خرفاً أرتجف من الخوف مرددا ببلادة مع نفسي : " 20 الف قدم..... 20 الف قدم .
في تلك الساعة من صمتي المطبق وضعفي، لفـّني الخوف وقادني الخرَف الى ان أرفع يدي تضرعا الى السماء ادعوا فيها ربي ان يطيل مكوث هذا المعتوه قي سوريا وان لا تهطل عليه رحمة الامم المتحدة، انتقاما مني لصدى همسة الخيانة التي راحت تدوي في رأسي " 20 الف قدم..20 الف قدم"........
لكن! عليه ان يحمد الله، أنّي لم افعل ذلك ولو فعلت، لكنت أبقيته أمد الدهر في "جرمانه" تحت رحمة المجهول..عليه اللعنه، ليحمد الله إن شفيعه في ذالك كانت زوجته الطيبة الرائعة أم داني ، فبالرغم من حزنها ومرارة فقدانها لأخيها "ميخائيل".. فقد نسَتْ ألم جراحها المر وذهبت بود ومحبة وايمان خالص متجردة من لوثة العصر الوطني !!،لتشعل لي في كنيسة القديس جرمانوس شمعتين، واحدة لحصولي على التأشيرة والاخرى لسلامة وصولي، يا لتلك المرأة الرائعة، وها انا الآن بكامل حريتي مستنفذا نتاج دعائها الصادق وحب القديسين!!.
عجباً، ما هذا الخرف الذي يهيمن عليّ؟ كيف أسمح لنفسي أن يقودني الخرف كي أنسى ذاك التأريخ الطويل؟؟ بالمقابل، ما كان عليّ قبل الذهاب الى الطائرة إلا أن أقف لبرهة أنظّف فيها نفسي من عقدة الذنب لهذا اليقين الخرف وتلك الظنون البلهاء التي راودتني عن هذا المخلوق الطيب. كما عليّ ان أعنـّف نفسي وأبرئها في ذات الوقت من هذه المفردات الدخيلة على قاموسي، لا أدري من أين هطلت؟؟ حاشا للسماء من ذلك، لا بدّ إنه فيروس جديد مُعدٍ، فيروس يحمل جينات خرف وصرع المعتوهين، يقودني أنا الآخر نحو الضلالة. يا إلهي عليَّ اللعنة ، ما كان على هذه المزحة أن تنسيني عقودا طوال من الاخوة والمحبة والود. يا إلهي، لم تنفعني حتى علمانيتي، لقد لوثتني الأحداث أنا الآخر، الخوف والخرف يقوداني بلا وعي لمسيرة القطيع البلهاء نحو المجهول.
عليَّ إيقاظ ذاكرتي الرياضية والشطرنجية حتى لا اصاب أنا الآخر بهذه اللوثة التي تعدت ذاكرتي المتقدة لتخرج مرَّة جارحة لساني وملوِّثة طبيعتي المسالمة حتى العظم . أشعر بمرارة تخنقني ، عليه اللعنة هذا "الأنزهايمر الوطني"، إنه ليس دخيل طارئ ولا وليد صدفة آنية أو مصلحة ذاتية لمتعة شخصية قدمت لي للتوّ على اربفاع 20 ألف قدم. أرجو من ذاكرتي إن لا تخونني هذه المرة وتستطيع ان تعيد وتسترجع بطراوة وحلاوة صورة أحدى اجمل ايام الألفة وتجمع المحبين: حدث ذلك قبل أربعين عاما. نعم أتذكر، قبل أربعين عاما، في أحد ايام عاشوراء. أظنه حدث في مجلس عزاء لاستشهاد الامام الحسين علية السلام. نعم مجلس عزاء أتذكره جيدا، كان يقيمه أحد المحسنين في الهواء الطلق. كنا شباب منطقة صغيرة يحاصرها الريف من كل جانت، كنا نمثل فريقها الكروي. كان فريقنا رائعا يضم ستة من اخواننا المسيحيين ، نعم ستة من أعمدة الفريق.. كان فريقنا رائع بوجودهم معنا، كنا مع المشجعين نمثل نصف حضور ذلك المجلس . نعم اتذكر، في ذلك المساء كنا نمثل نصف الحضور واكثر. أذكر حينها كنا نحب اللعب واللهو والضحك ايضا. يومها كنا نستمع باصغاء لمآثر آل البيت الكرام، حينها قام الراوي الشاب بحركة مسرحية أوقعته من كرسيه العالي. يا له من رجل مضحك.. لقد أضحك الجميع ، نعم اتذكر كان معنا أبو داني يضحك ايضا!!. اللعنة على ذاكرتي الخرفة، لم يكن له "داني" بعد. في حينها، لم نكن متزوجون بعد. أتذكر جيدا، كنا طلاب جامعة. نعم لم يكن "ممتاز" متزوجا أيضا، اجل هكذا كان اسمه، عظيم، لقد تذكرته "ممتاز".
لا أدري لمَ غضب الحاج صاحب المجلس. صاح بعصبية مشيرا الى "ممتاز". لا ادري لماذا اختار "ممتاز" من دون جميع الذين ضحكوا، نعم من دون الاخرين : ايها "النصراني" لماذا تضحك؟؟. نعم هكذا قال "نصراني" وبعصبية. حدث ذلك قبل اربعين عاما. يومها أتذكر اننا وبدون اتفاق، خرجنا جميعا ضجرين . أجل كنا ساخطين. لقد أفرغنا مجلس العزاء من كل الشباب نعم من كل الشباب. كنا ضجرين من كلمة "نصراني" . إنها بغير محلها. اللعنة عليه، هذا المحسن الغبي الذي أفسد مجلس العزاء وشوه ذكرى أبا الشهداء. لم يتسن لنا معرفة ومأثرة قصة "وهب"أجل اني أذكره جيدا، "وهب" النصراني الذي "ناصر" الامام الحسين واستشهد معه ومات تحت رايته. أجل كان يوم وفات "وهب". عظيم لقد تذكرته الآن، إنه وهب..نعم وهب.
لم يشفع لـ"ابو داني" استشهاد "وهب" ولم تشفع له أيضا مدالياته الرياضية الوطنية والدولية، كما لم تشفع له طيبته المفرطة ولا ألفة عشرات السنين من جيرة مسالمة ومحبة حد الموت. اللعنة على ذاكرة خَرِفة خانتها ازدواجية المعاني والمعايير..


* (حينما رحلت الرذيلة!! عن أهل البصرة وحلت الفضيلة!! وفي حفل تخرج جرى في احد حدائق البصرة. قتل طالب وسحلت طالبات من شعرهن لأنهم كانوا يغنون!! الحجة بالقتل والضرب شرعنت" بالتلفزيون وامام الملأ : انهم كانوا يخدشون الحياء العام البصري"؟؟؟؟).



#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات هولندية- 1 (إرثٌ وحقيبة )


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعد سامي نادر - يوميات هولندية 2 (آنزهايمر )