أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس منصور - نهج البداوة















المزيد.....


نهج البداوة


عباس منصور

الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 01:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جاء في القرآن "واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثه أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا"4 سورة الطلاق .

جاء ذلك في القرآن ولم يقل لي أحد من أساتذتي حتى في كلية دار العلوم أن مضمون تلك الآية يبيح نكاح الأطفال ويعطي شرعية للرجل الشاب او العجوز أن ينكح طفلة لم تبلغ سن الحيض ، ويجوز له أن يطلقها ، وان شك في بلوغها سن الحيض عند الطلاق فله أن يحبسها عن نكاح غير مدة ثلاثة أشهر ، ولم يقل لي أحد من مشايخي الذين حفيت أقدامي وانفعالاتي وقلبي في إثرهم من صلاة إلى أخرى ومن مسجد إلى آخر طوال ثلاثين عاما ، لم يقل لي احد منهم ان الاسلام يبيح ذلك .

والسبب لانني كنت أعيش في مصر ، وولدت في مصر ، وتربيت في
مصر ـ طبعا اكتشفت كل ذلك متاخرا ـ وأن الناس في مصر على دين حقيقي لا يحبون الخوض في أعراض الناس وحرماتهم أو النيل منهم وتجريسهم ولا يحبون اتباع العورات والفتن والاختلاف وهذا دينهم الأصلي في السر والعلن منذ الآف السنين ، وعلى هذا يسير معلموهم في الأزهر والجامعات والمدارس والمساجد حتى الآن ، كنت أعيش في مصر وتلقيت دين شعبها على نص عربي في المدارس والجامعة ، وكنت أحسب أن العرب كالمصريين ، والمصريين كالعرب لا فرق بينهم في مباشرة
أمور الحياة والنظرإلى الوجود ومسائل الزواج والطلاق والغنى والفقر وتكوين الأسرة وتربية الاولاد ومعاملة الضعفاء والمساكين وممارسة الحرف والمهن والصنائع ، كنت أحسب مصر كالعرب ، ولم يقل لي أحد من أساتذتي أو مشايخي غير ذلك إلى أن انتقلت إلى بلادهم وأقمت بينهم في الرابعة والثلاثين من عمري وكانت الصدمة التي أربكتني لأكثر من خمس سنوات إلى أن عرفت الحقيقة بعد معاناة وطول اصطبار على متابعة الحياة من حولي في بلادهم وفي متون الكتب التي اسلمتني إلى المشي في العهدين القديم والجديد والفقه الاسلامي والسير والتفاسير وكتابات قدماء المصريين و آدابهم عبر ثلاثين قرنا سبقت مجئ الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد.

لم يقل لي أحد أن معظم ما يقال عن كرم العرب هو من قبيل الرياء والسمعة البحث عن الرياسة ، وان الشجاعة لديهم هي استئساد على الضعفاء والمنكوبين وخصوصا اذا أمنوا العواقب ؛ لم يقل أحد لي أن معاجم العربية لا تشتمل على كلمة الضمير إلا دلالة على كل مستور وسري وليست لها أي دلالة على قيمة أخلاقية تتحكم في السلوك ،
فالضمير عندهم هو كل مضمر ومختبئ ولا علاقة له بالاخلاق والسلوك.

عندما كنت في الخامسة والعشرين من عمري مكثت في العراق تسعة اشهر ما بين بغداد والفلوجة مدرسا على شاطئ الفرات ولم أجد كبير فرق بين المصريين والعراقيين ، وظننت أنهم عرب وأن العرب كلهم هكذا، لم أكن أعلم أن القسم الأكبر من العراقيين ليسوا عربا وأن العراق نفسها لم يكن اسمها كذلك إلا في وقت متأخر من تاريخ الإقليم ، وقرأت النص القرآني معاودة ثلاث مرات ولم تستوقفني حينها إلا مسالة " إسرائيل " هذا الرجل الذي صار قبيلة ثم شعبا على مدى خمسة قرون قضى أربعة ونصفا منها بين المصريين في أرض مصر ، هذا الرجل النبى القبيلة الشعب أزعجنى النص القرآنى فى تناول سيرته ، فهو قد اصطفاه الله واختاره هو ونسله وميّزه على العالمين وكتب له أرضا بشعبها ، إسرائيل هو نفسه الشعب والقبيلة التى واصلت معصية الله ومخالفته ولم يطق الرب إبادتها على الرغم من تتابع الهلاك والإبادة صفحات القرآن لكل الأمم التى عصت رسلها ابتداء من نوح وثمود وهود ولوط وشعيب وغيرهم الى شعب إسرائيل فلم يفعل الرب معهم سنته في العصاة ، وهذا كله في القرآن مما أربكني وأزعجني كثيرا وسلب السكينة والطمأنينة من حياتي ولم تعد الصلوات وارتياد المساجد قادرة على إعادتها .

في بلاد العرب وأثناء إقامتي بينهم انفتح التاريخ القديم والوسيط على الواقع وأصبح كله أمامى سيرة واحدة واضحة ؛ حلقات تسلم إحداها إلى الأخرى ، فالأديان منها جذر سماوى قادم من خارج التاريخ ومنها جذر أرضى اهتدى إليه البشر خلال حياتهم فى كل أصقاع المعمورة عبر التاريخ ، و الجذر السماوى تمت حلقاته كلها في منطقة صغيرة من العالم في ما بين الموصل على الفرات وحتى طيبة على شاطئ النيل في جنوب مصر وأن أهم حلقاته ظلت متداولة شفاهة إلى أن تم تدوينها في سراديب بابل أيام الغزو الآشوري لأرض إسرائيل المكتوبة في اللوح المحفوظ .

وعرفت أن الدعاة الأنبياء كلهم من نسل واحد تكرس تماما ابتداء بأبراهيم وحتى محمد في المدة ما بين القرن الثامن عشر قبل الميلاد وحتى السادس الميلادي على مدار ثلاثة وعشرين قرنا تقريبا وأن البشرية منذ ذلك التاريخ بلا أنبياء مكرسين من قبل السماء على الرغم من أن الحياة تتوالد والآثام والشرور والمعاصي تتوالى وبنو البشر يعيشون في ضنك ومازالت الأيام تدفع بالجبابرة والعصاة والضالين حسب المفهوم الديني في الجذر السماوي .

في بلاد العرب أصبحت أصغي جيدا للنصوص ـ تعلمت الإصغاء ـ وعرفت ان الدين الذي دعا الى المساواة وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى قال خليفة رسوله في سقيفة بني ساعدة عقب وفاة الرسول عندما أوشك الأنصار على اختيار زعيمهم سعد بن عبادة ليخلفه ـ ابن عبادة هذا قالت كتب السيرة أن الجن قتلته في الصحراء و روت في مقتله شعرا على ألسنة الجن .

في السقيفة حسم خليفة رسول الله الأمر بالقول إن الأئمة من قريش وهم يتنازعون على من يتولى خلافته في تدبير أمور المسلمين ، وقريش قبيلة , والمعنى أن الله فضلها و جعل الحكم والسلطان فيها وهذا ضد مبدأ التقوى والمساواه وقد ظلت في قريش رياسة الناس وخلافة الرسول تداولها بنو أمية وبنو العباس من هاشم وكلهم من قريش بمن فيهم الأربعه الراشدون .

وعرفت أن العرب مازالوا قبائل إلى الآن و أن كل حكام بلادهم من نسل قبائل مشهورة وعريقة ؛ لكنهم لا يظهرون أسماء قبائلهم لمكر فيهم يعتبرونه نوعا من الحكمة لعدم إثارة الآخرين ضدهم بلا مبرر في زمن الثورات الاجتماعية و الديمقراطية وتداول السلطة و الدساتير المكتوبة بين الحكام والمحكومين , فأغلبهم من قبائل عنزة أو هاشميون من قريش لهم قصص طويلة في التحالف مع حكومات الاستعمار لمساعدتهم في القضاء على العثمانين منذ مطلع القرن العشرين و حتى الآن .

وفي بلاد العرب عرفت أن الإسلام لم يفرض الجزية على العرب النصارى من قبائل تغلب بن وائل المجاورين للروم , وذلك لأنهم يعتبرونها "خوة" " فردة" وإتاوة يفرضها القوي على الضعيف وأنهم لا يحتملون ذلك فهرع عمر بن الخطاب الى فقهاء يثرب فأجازوا له أن يأخذ منهم ضعف الزكاة المفروضة على المسلمين ؛ بينما عزل والي مصر عمرو بن العاص لأنه لم يستخلص الجزية من المصريين كما ينبغي وشك في ذمته وأرسل له من يحاسبه , هذا العمرو الذي جمع مليوني دينار من ذهب الشعب المؤمن الذي رفض تبديل دينه كما فعل الفرس ـ إلى حين ـ وارتضى دفع الجزية , عزله عمر وعين مكانه عبدالله بن سعد بن أبي السرح ـ أحد المطلوبين للقتل في القائمة السوداء عند فتح مكة ـ هذا السرح جمع أربعة ملايين من الدنانير الذهبية جزية من ذهب المصريين فكان تعليق عمر أن قال لعمرو هامزا لامزا " يبدو أن مصر في عهدكم قد أصابها لفاح" هذا مع العلم بأن الشعب المصري ظل تعداده عبر التاريخ يتراوح ما بين مليونين و أ ربعة ملايين حتى مجئ محمد علي واصلاحاته الادارية والزراعية و المائية . . ومع ما يقال عن أن الجزية لم تفرض إلا على كل ذكر قادر على حمل السلاح , فهل كان في مصر في عهد عمر بن الخطاب مليونان من المصريين المقاتلين وإذا كان الأمر كذلك فهل كان تعداد المصريين في ذلك الزمان اثني عشر مليوناً إذا أضفنا النساء والأطفال والكهول! ؟ ابن الخطاب لم يشأ أخذ الجزية من نصارى العرب على الرغم من صراحة النص القرآني في وجوب أخذها " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من اللذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " 29 التوبة , وعرفت أن " صاغرون هذه " ليست معنوية كما يحاول فقهاء مصر تقديمها للناس إنما لها اشتراطات وإجراءات مادية محددة وملزمة ؛ لم يشأ ابن الخطاب أخذ الجزية من العرب في حين عزل والي مصر لأنه في نظره تهاون في جباية الجزية من المصريين ! ؟ وهكذا سلب العرب المسلمون ذهب مصر بالجزية تقربا الى الله كما سرقه بنو إسرائيل من قبل بزعامة نبيهم موسى قبل ذلك تقربا إلى نفس الإله .

وعرفت في بلاد العرب أن كل الأنبياء والرسل الذين ذكرو في القرآن لم يحمل أحدهم سيفا في وجه الناس سوى داوود ومحمد وأنهم كانوا أصحاب معجزات أو شهودا عليها ما عدا النبي الخاتم الذي لم يورد له النص القرآني معجزة أو خرقا لناموس أو قانون و إن كان الشعراوي في أواخر القرن العشرين حاول فلسفة الأمر بالقول أن معجزة كل نبي كانت من جنس ما برع فيه قومه و أعداؤه فمعجزة موسى كانت السحر و معجزة عيسى إحياء الموتى وشفاء المرضى والنار معجزة إبراهيم أما محمد فكانت معجزته الكلام , بلاغة الكلام حيث العرب كانوا أهل بلاغة إلا أن محمداً لم يكن ولم يقل أنه نبي للعرب وحدهم بل هو حسب قوله تفرد بالنبي الخاتم وتفرد بأخذ الأسلاب و الغنائم من أعدائه المهزومين تحت وطأة الحرب . وعرفت أيضا أن المسلمين فقط هم الذين يعترفون بسماوية الديانة اليهودية وكذلك المسيحية وأنهما من عند الله بينما اليهود و المسيحيون لا يعترفون بسماوية الدين الإسلامي وأن المسلمين في نظرهم مجموعة من الناس أتيح لهم زعيم ذكي استطاع أن يوحد قبائل العرب ويصنع منهم قوة تغلبت على مستعمرات الفرس والروم من حولهم في الشرق والغرب , وتمكن رجاله في عهده وبعد موته من احتلال البلدان والشعوب المجاورة وطرد المستعمرين من الفرس والرومان في ظرف تاريخي كان مواتيا حيث ضعفت القوتان ـ الفرس والروم ـ نظرا للحروب المستعرة بينهما والتي استمرت أكثر من ألف سنة قبل مجئ رسول العرب إضافة إلى عوامل الضعف والانحلال الداخلي في كل امبراطورية منهما وأن ذلك من الأمور الطبيعية في التاريخ حيث يتغلب الأقوياء على الضعفاء و أن الأيام دول بين الشعوب و الأقوام عبر التاريخ الإنساني كله .

عرفت في بلاد العرب أن نظام ملك اليمين ما زال معمولا به من خلال نظام الكفيل وقوانين الإقامة وكذلك نظام الرق والتجارة بالبشر ولماذا لم يحرم الإسلام ذلك النظام بل أبقاه وجعله من كفارات المسلم اذا عصى ثم أراد التوبة ؛ في حين دخل الإسلام بتشريعاته المفصلة في أمور النكاح والطلاق والعدة والرضاعة وغيرها من الأمور التي تسير عليها الشعوب والأمم والناس منذ الخلق وحتى الآن دونما تشريعات تفيض بها السماء على قلوب الأنبياء الرسل ؛ " يعني أيهما أهم الرق واستعباد البشر وتكريس المظالم ولا عدة الحائض ! ؟

وعرفت فى بلاد العرب أن شيخ القبيلة لايجوز لأحد أن يطأ "يركب" نساءه من بعده سواء مات عنهن أو طلقهن فى حياته ، ولماذا حرم الإسلام نكاح زوجات الرسول بحجة أنهن أمهات للمسلمين على الرغم من أن النص قال فى موضع آخر ( إن امهاتهم إلا الائىْ ولدنهم ) 2المجادلة ، ولماذا لم يطلق الرسول واحدة من نسائه وفضل الاحتفاظ بأكثر من عشرة منهن على الرغم من مخالفة ذلك لما جاء به من تشريع !؟ "مثنى و ثلاث و رباع ".

وعرفت حجم التناقض و اللامعقول فى كثير من أحداث الإسلام وما جاء به المسلمون الأوائل ، ولماذا سكت الرسول عن قتل عصماء بنت مروان وكعب بن الأشرف وأبى عفك فى يثرب لمجرد أنهم تعرضوا له بالشتم ولم يقترب من هند بنت عتبة زوجة ابى سفيان التى مثلت بجثة عمه حمزة فى معركة أحد وأخرجت كبده من أحشائه وأكلت منه بعد أن أعتقت عبدها وحشى مكافاْة له على قتل عم الرسول ،ولم ينلها سوء بل أكرمها الرسول كما أكرم زوجها عند فتح مكة بعد خمس سنوات من مقتل عمه قائلاً :" من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" . و كيف لم يدع الرسول إلى قتل أحد من أقاربه القرشيين في مكة على الرغم من أنه قتل النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط اللذين أسرا مع عمه العباس بن عبدالمطلب و ابن عمه عقيل بن أبي طالب و زوج ابنته زينب أبي العاصي بن الربيع و سهيل بن عمرو فعفا عن أقربائه و قبل منهم الفداء بينما قتل النضر و عقبة مع العلم أنهم جميعاً وحتى ذلك الحين كانوا كفاراً جاءوا من مكة لقتل الرسول و أصحابه , و الأغرب من ذلك أن الرسول أعطاهم الأموال و هم كفار , أموال الغنائم التي سلبها من قبيلتي هوازن و ثقيف يوم حنين ؛ أعطاهم على سبيل التأليف "المؤلفة قلوبهم" و منهم أبو سفيان بن حرب و سهيل ابن عمرو , أعطى كلاً منها مئة ناقة . أعطى الكفار من أموال الكفار !! فلماذا إذا قتل و سلب كفاراً ليعطي و يهب كفاراً آخرين !!.

و عرفت في بلاد العرب أن أغلب ما أقره الإسلام من تشريعات و قوانين كانت أعرافاً و تقاليد معمولاً بها قبل الإسلام و منها أخذ الخمس من الغنائم عندما أقدم عبدالله بن جحش على فصل الخمس من الغنائم التي سلبها و سريته في غارة بأمر الرسول على قافلة مكية في السنة الأولى للهجرة و في الأشهر و رفض الرسول أخذ الخمس أول الأمر ثم عاد و أخذه بعد نزول الوحي الذي أباح القتال في الأشهر الحرم التي حرم فيها العرب القتال " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ... " و كذلك دفع الأجرة للزوجة التي ترضع طفلها و الحج و الجزية التي كان يفرضها سادات القبائل القوية على القبائل الضعيفة أو الغرباء حتى يسمحوا لهم بالعيش بينهم أو المرور في مضاربهم و كذلك الرجم و الجلد و إرضاع الكبير و نكاح الصغيرة و المهر الذي يدفع لولي المنكوحة مقابل استحلال فرجها و ملك اليمين و العبيد و الموالي و حتى القصص المتداول شفاهة ما بين تخوم الشام الرومانية حتى حدود اليمن و العراق الفارسية و لعل قصة موسى مع ملك مصر التي كتبها زيد عمرو بن نفيل شعراً و أوردها ابن هشام في سيرته ؛ لعلها أصدق دليل على ذلك , ناهيك عن عاد و ثمود و الأحقاف و أصحاب الأيكة وذي القرنين و أهل الكهف و غيرها من القصص السائرة في نطاق الجزيرة العربية و جوارها من القصص التي لم يرد ذكرها في العهدين القديم و الجديد .

وبعد ؛ فمن هم هؤلاء العرب !؟ هل كل من يتحدث العربية بأية لهجة أو لسان فهو عربي , أم أن العروبة لها علاقة بالعرق و الأصل و الثقافة لا بالنطق و اللسان , هذه قضية لم يحسمها أحد من الباحثين و خصوصاً في الفترة التي أعقبت التوسعات الكبيرة بعد مجيء الإسلام و صار لهم نفوذ و حكومة في كثير من البلدان و الشعوب المجاورة شرقاً و غرباً .

علماء اللغة و الأجناس من العرب و غيرهم يحسمون هوية العرب قبل الإسلام و يقسمونهم قسمين : عرب عاربة "بائدة" و هم الأقوام التي سكنت جزيرة العرب من عاد و ثمود و جديس وطسم و أميم و العمالقة و جرهم و حضرموت , و القسم الآخر هم العرب المستعربة "الباقية" و هم فريقان , عرب قحطانية جنوبية من حمير و نحوها من أهل اليمن و الفريق الآخرعرب عدنانية في الحجاز و ما يليها شرقاً و شمالاً , و كل تلك التقسيمات للعرب تقع في الفترة التي سبقت الإسلام , و لم يهتم أحد بالشعوب التي تعربت أو اعتربت بواسطة الإسلام خلال القرون من السابع و حتى العاشر الميلادي بسبب غزو العرب بالإسلام للشعوب في مصر و شمال افريقيا و بلاد الشام و الرافدين و حتى اليمن .

وهذه شعوب لها ثقافاتها وحضاراتها ودياناتها وقد أثر فيهم العرب من خلال التزوج الكثيف لقبائلهم من شبه الجزيرة العربية صوب الشام و شمال إفريقيا .

وعلى الرغم من انهيار حكم العرب تماما في البلدان الإسلامية ابتداءً من القرن الحادي عشر الميلادي ووصول غير العرب إلى سدة الحكم والرياسة في كل العواصم من حدود الرومان والخليج الفارسي وحتى الأطلس غربا وامساكهم بزمام الأمور ؛ على الرغم من كل ذلك إلا أن أحدا لم يهتم ببحث هوية تلك الأقاليم التي ساد فيها العرب المسلمون فترة من الوقت ثم استؤصلت شأفتهم وحل مكانهم سادة آخرون ليسوا عربا أحدثوا الكثير من التغييرات في الشعائر والشرائع لدرجة أن بعضهم هدم كعبة العرب في مكه ونقل حجرها الأسود إلى البحرين في القرن الرابع الهجري وعطل شريعة الحج الأكبر لأكثر من عشرين عاما ثم أضاف بعضهم أصنافا إلى قائمة المحرمات من المأكولات والمشروبات على المسلمين الذين ظل يقتل بعضهم بعضا منذ مصرع الخليفة الراشدي عثمان بن عفان وحتى الآن على حدود الكويت والعراق والسعودية واليمن .

والواقع أن تاريخ المسلمين الذي دونه مؤرخوهم أنفسهم لم يتحدث إطلاقا عن دول عربية أو حكومات عربية في المشرق أو في المغرب و أن الأقاليم التي غزاها العرب استمر تاريخها يكتب باعتبارها دولا اسلامية , فهناك من يؤرخ لليمن و أرض السواد - جزء من سورية والعراق - وبلاد الشام ومصر والبربر وشمال إفريقيا ,و لم يقل أحد من مؤرخي الحقب الإسلامية فى تلك البلدان أنهاعربية،وظلت تلك البلدان كذلك فى كتب التاريخ حتى انحلت سيادة الدول العثمانية التركية - أحفاد السلاجقة غير العرب طبعا - مع نهاية الحرب العالمية الاولى فى العقد الثانى من القرن العشرين للميلاد وبداية الاستعمار الأوروبى لتلك البلدان والذى أعاد تسميتها وإطلاق حدودها الثقافية الجغرافية الجديدة محددا هويتها وملامحها وفق ما تقتضيه مصالحه ، ومن هنا برز مصطلح العروبة والعربية والدول العربية ، هذا العنوان الجامع الذى لم يكن أبدا ذا فعالية فى سير الأحداث وتطور الحضارة والثقافة فى تلك البلدان عبر أكثر من اثنى عشر قرنا منذ نشب الإسلام فيها وحتى نهاية العثمانيين .


هذه البلدان المنخرطة الآن فى حزمة تسمى جامعة الدول العربية ليس فيها من العرب سوى بلدان الخليج واليمن ، ولايوجد فى المراجع التاريخية منذ نشاْة بلدان الجامعة وحتى بداية القرن العشرين ما يشير إلى أنها دول عربية ؛ إنما العرب ودولهم كانوا فى شبه الجزيرةمن اليمن وحتى حدود الشام على البحر الأحمر ، وما زالوا حتى الآن هم العرب بالمعنى العرقى والثقافى، وإذا أردت أن نتعرف على ملامح هويتهم فما عليك إلا الذهاب إليهم والانخراط فى حياتهم - إذا استطعت - حتى تعرف ماذا يعنى العرب والعروبة ؟وستعرف أن الإسلام كاْسلوب حياة يمارسه الناس ليس إسلاما واحد ا؛إنما أكثر من إسلام ،وستعرف أن ديانة كل إقليم من أقاليم المسلمين ما هى إلا امتداد وتطور لجذره القديم الذى يضرب فى عمق هوية هذه الأقاليم عبر آلاف السنين ،فالإسلام فى الشام فيه كثير من ملامح ديانة الآراميين وفى العراق ستجد رائحة بابل وآشور بقوة فى معتقدات الناس ومذاهبهم ومسلك حياتهم ، وفى وادى النيل هناك ديانة مصر القديمة وكذلك هناك الأمازيغ فى غالبية الشمال الإفريقى .

و ستعرف لماذا لا يتوحد هؤلاء الناس على الرغم مما يقال ليل نهار عن اتحادهم فى اللغة والدين ؛وستعرف لماذا تنشب الحروب بينهم طوال فترات التاريخ، ستعرف المواريث الحقة لتلك الشعوب والقبائل؛نعم شعوب وقبائل هذا جذرها الحضارىوأنها لم تعثر حتى الآن على خيط يوحد مصالحها ونزوعاتها ويحترم حياة الانسان على الرغم من عثور الشعوب والقبائل فى غرب المتوسط على ذلك الخيط منذ أكثر من خمسة قرون مضت عندما أخذوا فى جمع المقدس السماوى وحبسه داخل جدران الكنائس وفتحوا الشوارع والمدن والحقول والتاريخ لصوت العقل والحرية واحترام وجود الانسان .



#عباس_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس منصور - نهج البداوة