أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - علاء لمين - حول الموقف من الانتخابات إلى المؤسسات البرجوازية















المزيد.....


حول الموقف من الانتخابات إلى المؤسسات البرجوازية


علاء لمين

الحوار المتمدن-العدد: 2856 - 2009 / 12 / 12 - 10:16
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نقاش مع الرفيق عبد الله الحريف حول الموقف من الانتخابات إلى المؤسسات البرجوازية


في سياق توضيح والدفاع عن موقف «المقاطعة» الذي عبر عنه حزب النهج الديمقراطي خلال انتخابات 12 يونيو 2009، أجرت جريدة النهج الديمقراطي (عدد 131، يونيو 2009) حوارا مع الرفيق عبد الله الحريف الكاتب الوطني للحزب جاء فيه:«إننا نعتبر الانتخابات قضية هامة كإحدى آليات الديمقراطية. وهي بالنسبة لنا مسالة تكتيكية يتم اتخاذ موقف منها انطلاقا من التحليلي الملموس للواقع الملموس وليس لنا منها موقف نهائي جامد بمقاطعتها أو المشاركة فيها مهما كانت الظروف. فالانتخابات إذا كانت حرة ونزيهة وتمكن الشعب من ممارسة إرادته وتمكن ممثليه من فرض اختياراتهم وتوجهاتهم سيكون من الخطأ السياسي مقاطعتها. كما أنها إذا كانت وسيلة لتطوير الوعي السياسي للطبقات الكادحة والتجذر وسطها والفضح الواسع للرجعية فسيكون أيضا من العبث مقاطعتها ».

في الموقف العام من المؤسسات البرجوازية ومن الانتخابات

فالانتخابات إذن، حسب الرفيق، قضية هامة كإحدى آليات الديمقراطية. ويمكن أن تكون حرة ونزيهة وتمكن الشعب من ممارسة إرادته وتمكن ممثليه من فرض اختياراتهم وتوجهاتهم. وفي هذه الحالة سيكون من الخطأ السياسي أن يقاطعها النهج الديمقراطي.

إن الرفيق عبد الله ومعه النهج الديمقراطي وفي سياق دفاعه عن تكتيك المقاطعة يتحول إلى محام للبرلمانية و للانتخابات إلى المؤسسات البرجوازية. نستطيع أن نفهم كيف يمكن أن تكون انتخابات ما "حرة ونزيهة" أي غير مزورة. وهو على أي الأمر في كل البلدان الرأسمالية المسماة ديمقراطية. أما أن الانتخابات "تمكن الشعب من ممارسة إرادته" أو "تعبير عن إرادته" فهو أمر يتجاوز، صراحة، قدرتنا على الفهم.

إن هذه الفكرة القائلة ب«تجسيد أو تعبير الانتخابات والمؤسسات المنتخبة عن إرادة الشعب» والمقصود بالطبع حين تكون هذه الأخيرة "حرة ونزيهة" رائجة في صفوف النهج الديمقراطي؛ فقد جاء في الصفحة 69 من وثائق المؤتمر الثاني للنهج الديمقراطي ما يلي: «إن الانتخابات بصفتها آلية من المفروض أن يعبر بواسطتها الشعب عن اختياره وإرادته، لابد أن تحظى منا بالاهتمام في إطار النضال الديمقراطي». والفكرة ذاتها أكثر وضوحا وشفافية حينما كتب الرفيق عزيز عقاوي، في الصفحة 12 من نفس عدد الجريدة، في سياق تقديمه لمبررات "المقاطعة" مايلي: «حصار مضروب على المعارضة الحقيقية للنظام (النهج الديمقراطي نموذجا)... علاوة على جملة من الإجراءات الظاهرة والخفية الهادفة إلى إفراغ واجهة النضال المؤسساتي من مضمونها الحقيقي المتمثل في تجسيد الإرادة الشعبية».

وحتى نكون منصفين فالرفيق عبد الله إذ يضع "ممارسة الشعب لإرادته" كشرط للمشاركة في الانتخابات يضيف فيما بعد:«والحال أن النظام السياسي في المغرب «منغلق» وكل قوة مشاركة في مؤسساته تصبح رهينة له». وهو ما معناه أن طبيعة النظام السياسي بالمغرب «المنغلقة» هي التي تحول بين هذه المؤسسات المنتخبة و"تمكين الشعب من ممارسة إرادته وتمكين ممثليه من فرض اختياراتهم وتوجهاتهم".

على هذا النحو، فرفاق النهج الديمقراطي يعتقدون أن انتخابات فرنسا مثلا، التي لم يسبق لأي كان أن شكك في نزاهتها، والمؤسسات المنتخبة الناجمة عنها لاسيما البرلمان الفرنسي "تجسيد لإرادة الشعب الفرنسي" أو "من المفروض أن يعبر بواسطتها الشعب الفرنسي عن اختياره وإرادته". إن هذا القول، المستمد من كتيبات جيب الفكر البرجوازي الرائجة جدا، ينسى إحدى ألفبائيات الماركسية الأكثر شعبية: الدولة أداة للسيطرة والإكراه الطبقي. والبرلمان هو "أحد الأجهزة الأساسية للآلة الحكومية البرجوازية" وليس بأي حال "تعبيرا عن إرادة الشعب" ناهيك عن أن يكون تجسيدا لها. والأمر ذاته بالنسبة للبلديات فهي جزء من الآلة الحكومية.

الديمقراطية البرجوازية ديمقراطية شكلية خاضعة كليا لسلطة وجبروت رأس المال. ولذلك يسميها الماركسيون عن حق "ديكتاتورية بورجوازية". والمؤسسات البرجوازية المنتخبة في كل بلاد الدنيا أداة للكذب والنفاق واللصوصية والخداع. وهو خداع في منتهى الحبكة لدرجة انه تسلل إلى وثائق النهج الديمقراطي وكتابات مناضليه.

صحيح أن الديمقراطية البرجوازية أي الجمهورية الديمقراطية هي أفضل من الاستبداد والحكم الفردي. وصحيح وضروري أن نرفع في وجه هذا الاستبداد كل المطالب الديمقراطية من مجلس تأسيسي وحريات. لكن إن يتحول المرء إلى زارع أوهام حول الطبيعة الطبقية للمؤسسات البرجوازية المنتخبة "إذا كانت حرة ونزيهة"، فذلك أمر لا يليق بماركسي ويفتح الباب مشرعا أمام تبلور النزعات الإصلاحية من كل نوع.

وهكذا إذا أردنا أن نظل على أرضية الماركسية يمكننا أن نصوغ كلام الرفيق عبد الله كما يلي:«فالانتخابات إذا كانت حرة ونزيهة سيكون من الخطأ السياسي مقاطعتها». مع وضع كلمة حرة بين مزدوجتين لأنه ببساطة لفظ غير دقيق. وغالب الظن أن الرفيق عبد الله سيتفق على أن طرح الأمر بهذا الشكل لا يناسبه. ف«موقف المشاركة في الانتخابات لا يتحدد من كون الانتخابات ستكون مزورة إلى هذا الحد او ذاك» (الصفحة 69 من وثائق المؤتمر الثاني للنهج الديمقراطي). فالثوريون قد يشاركون في انتخابات بالغة التزوير لكنهم أيضا قد يقاطعون انتخابات تشع نزاهة. وهذا الأمر الأخير لا يذكره النهج أبدا. وكلام الرفاق أعلاه يؤكد أن لدى رفاق النهج، خلف ستار الدعوة للمقاطعة، الكثير من الأوهام البرلمانية حين تكون الانتخابات "حرة ونزيهة". الثوريون يتعاملون مع الانتخابات بمنطق الاستخدام لا أقل ولا أكثر. استخدامها بالضبط للنضال ضد الأوهام البرلمانية في صفوف العمال، أي لكسبهم لطريق الثورة. وجلي أن على من يريد محاربة أوهام الجماهير أن يتخلص أولا من أوهامه الخاصة.

إن شرط "الحرية والنزاهة" التي يضعها رفاق النهج للمشاركة بالإضافة إلى البلاهة البرلمانية التي يغذيها لا يشكل ولا يمكن أن يشكل قاعدة لتكتيك ماركسي صائب.

كيف يطرح الرفيق عبد الله المسألة؟

لنعتبر إذن كما لو أننا لم نسمع الشرط الأول، ولنمر إلى الشرط الثاني الذي يضعه الرفيق عبد الله في نفس الحوار: «كما أنها [أي الانتخابات] إذا كانت وسيلة لتطوير الوعي السياسي للطبقات الكادحة والتجذر وسطها والفضح الواسع للرجعية فسيكون أيضا من العبث مقاطعتها». ويضيف فيما بعد شارحا:«وفيما يخص استعمال الانتخابات والتواجد في المؤسسات "التمثيلية" كوسيلة للارتباط بالجماهير الشعبية، فإن الارتباط الحقيقي يتم عبر التواجد اليومي المباشر معها وفي معمعان نضالاتها، وليس عملا مناسباتيا يتم خلال حملة انتخابية ولا هو مرتبط بالتواجد في المؤسسات، بل هو عمل دؤوب يتطلب الصبر والتفاني في خدمة مصالح الكادحين، وأهم شيء يحتاجه الكادحون ليس ربط علاقات زبونية أو تقديم بعض الخدمات البسيطة لهم بفضل التواجد في المؤسسات، بل هو أساسا نشر الوعي الطبقي وسطهم والعمل من اجل أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم بواسطة بناء أدوات تحريرهم من الاستغلال والاستبداد والقهر. وهو ما يعني بناء تنظيمهم السياسي المستقل القادر على الدفاع عن مصالحهم الآنية والبعيدة وكذا باقي تنظيماتهم الذاتية المستقلة. وأخيرا من الوهم الظن بإمكانية استعمال المؤسسات كأدوات للفضح، لان خبراء البرجوازية أبدعوا قوانين ومساطير حولت جل البرلمانات في العالم إلى مجرد غرف تسجيل، ولان أهم وسائل الإعلام العمومية والخاصة في يد النظام والكثلة الطبقية السائدة».

هنا يتلمس الرفيق عبد الله أسس التكتيك الماركسي من الانتخابات والمؤسسات البرجوازية. لأنه ربطها بـ "الوعي السياسي للكادحين". غير انه يربط مشاركة النهج بالإجابة عن السؤال التالي: هل المشاركة في الانتخابات وسيلة لتطوير الوعي السياسي للطبقات الكادحة والتجذر وسطها والفضح الواسع للرجعية؟. وفي معرض جوابه نجده يقول:«لا فالارتباط الحقيقي يتم في معمعان النضال...وأهـم شيء يحتاجه الكادحون هو بناء تنظيمهم السياسي».

ونستنتج هكذا انه يجيب عن سؤال، غير الذي طرحه، هو التالي: هل المشاركة في الانتخابات هي الوسيلة الأهم لتطوير الوعي السياسي للطبقات الكادحة والتجذر وسطها والفضح الواسع للرجعية؟ وعن هذا السؤال يجيب الرفيق بلا ونضيف من جهتنا لا أبدا. إن الإجابة بنعم على هذا السؤال هو في الواقع إعلان للمؤسسات البرجوازية المنتخبة "أداة" للثورة. إن الرفيق وهو يستدل بهذه الطريقة إنما يخفي موضوع الخلاف بتكرار حقائق لا جدال فيها من قبيل أن الارتباط الحقيقي يتم في معمعان النضال وان البرلمان غرفة تسجيل لا تصلح للفضح الواسع وان وسائل الإعلام في يد الكثلة الطبقية السائدة وأن أهم شيء يحتاجه الكادحون هو تنظيمهم السياسي.

هاكم إلى أين يقود منهج الرفيق عبد الله:«النهج سيشارك في الانتخابات إذا كانت وسيلة لتطوير الوعي السياسي للطبقات الكادحة والتجذر وسطها والفضح الواسع للرجعية. لكنها ليست كذلك ولا يمكنها أن تكون. ليس الآن وحسب بل في كل الأوقات والظروف. وليس في المغرب وحسب بل في كل بلاد رأس المال. فالارتباط الحقيقي يتم، دائما وأبدا، في معمعان النضال. والبرلمانات، في العالم اجمع، ليست إلا مجرد غرف تسجيل لا تصلح لاستعمالها كأدوات للفضح الواسع للرجعية. كما أن وسائل الإعلام هي، على مر العصور، في يد الكثلة الطبقية السائدة». والخلاصة هي التالية:«النهج سيقاطع لا الانتخابات الحالية وحسب بل وكل الانتخابات ويدعو جميع "ماركسيي العالم" لمقاطعة انتخابات"هم" الخاصة». يتحول هكذا الموقف العملي من الانتخابات من دائرة التكتيك إلى دائرة المواقف المبدئية. سيحتج الرفيق مدافعا: «أنت تقولني ما لا اقصد. فالانتخابات قضية هامة ليس لنا منها موقف نهائي جامد فموقفنا يتحدد انطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس».

التحليل الملموس للواقع الملموس يقتضي أولا وقبل كل شيء طرح الأسئلة الحقيقية وبالشكل الصحيح وصياغة إجابة دقيقة وواضحة لا مجال فيها لتكرار الحقائق العامة التي لا علاقة لها بالموضوع. لننظر الآن إلى السؤال الذي طرحه الرفيق مجردا عن الشكل الذي يأخذه في جوابه: هل المشاركة في الانتخابات وسيلة لتطوير الوعي السياسي للطبقات الكادحة والتجذر وسطها والفضح الواسع للرجعية؟

ومع كل المجهود الضروري لنسيان "جواب" الرفيق، فان أي ماركسي سيجيب عن سؤال الرفيق دائما وأبدا وطوال كل تاريخ القرن العشرين وما يليه بلا. فالسؤال يتضمن في الواقع ثلاثة أسئلة ينبغي الإجابة عنها كلها بنعم لكي يقبل النهج بالمشاركة في الانتخابات وآخرها هو: هل المشاركة في الانتخابات وسيلة للفضح الواسع للرجعية؟ عن هذا السؤال لا يمكن أن نجيب إلا بلا . والسبب هو لفظ "الواسع" الذي أقحمه الرفيق إقحاما. لو كانت المؤسسات المنتخبة وسيلة للفضح الواسع للرجعية لأصبحت المشاركة في الانتخابات "أداة للثورة" لا "نقطة ارتكاز ثانوية ضمن استراتيجية ثورية شاملة" كما يصفها التراث الماركسي للمؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الثالثة. الواقع أن الانتخابات والبرلمانات ليست أداة للفضح الواسع للرجعية وذلك ليس أساسا لان "خبراء البرجوازية أبدعوا قوانين ومساطر حولتها الى غرف تسجيل" كما يعتقد الرفيق، ولكن لان هذه المؤسسات هي الشكل الديمقراطي المواتي والمنسجم مع مضمون سلطة رأس المال الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي فكل (وليس فقط جل كما يرى الرفيق) برلمانات العالم هي مؤسسات في أيدي الرجعية وممثلة لمصالحها وحامية لها. لم تكن البرلمانات تاريخيا أدوات "للفضح الواسع للرجعية" (أي أداة للتقدم التاريخي) إلا في الفترة التاريخية التي كانت فيها الطبقة السائدة أي البرجوازية ثورية في مواجهة رجعية الإقطاع. وهو أمر لم يعد قائما منذ أزيد من قرن من الزمن على الأقل. وبعد كل تلك الحقب التاريخية نجد من يقول:«إذا كانت المشاركة في الانتخابات وسيلة للفضح الواسع للرجعية فمن العبث مقاطعتها». نود حقا أن نفهم. لماذا يستعير رفاق النهج "شروطا" من متحف التاريخ البرجوازي لتحديد تكتيك عند بداية القرن الحادي والعشرين؟. إنه لمن العبث حقا طرح المسألة على هذا النحو.

من جهة أخرى، إذا كان الرفاق في النهج يعتقدون بالفعل أن شرط المشاركة في الانتخابات هو أن تكون وسيلة "للفضح الواسع للرجعية" فمن حقنا أن نتساءل بالمماثلة هل جريدة النهج وسيلة "للفضح الواسع للرجعية"؟ وهل حزب "النهج الديمقراطي" ذاته وسيلة "للفضح الواسع للرجعية"؟ إن طرح الأمر بهذا الشكل يستتبع مباشرة وقف الجريدة وحل الحزب. لاشك أن رفاق النهج سيقتنعون انه من الأفضل حذف هذا المصطلح "الواسع" المشؤوم. ولا يسعنا من جهتنا إلا أن نرحب بذلك، وان ندعوهم بالمناسبة أيضا إلى التخلص من أفكار أخرى عديدة لا سيما "ان الانتخابات إذا كانت حرة ونزيهة فهي تجسيد للإرادة الشعبية ...ولا ينبغي مقاطعتها".

كيف تنطرح المسألة ماركسيا؟

مع كل النسيان الضروري والحذف اللازم، يظل طرح الرفيق عبد الله للمسألة قاصرا ومشوشا للغاية:«إذا كانت المشاركة في الانتخابات وسيلة لتطوير الوعي السياسي للطبقات الكادحة التجذر وسطها وفضح الرجعية فسيكون من العبث مقاطعتها». لعل القارئ قد لاحظ أننا عوضنا كلمة "الانتخابات" بـ"المشاركة في الانتخابات" وهو على كل ما يقصده الرفيق عبد الله.

فالانتخابات، بما هي انتخابات، ليست ولا يمكن أن تكون أبدا وسيلة لتطوير الوعي السياسي للكادحين. الانتخابات والمؤسسات المنتخبة هي على العكس وعلى الدوام وسيلة في يد الطبقات المالكة بالضبط لطمس تبلور وعي سياسي ثوري في أوساط الكادحين. إنها وسيلة بالضبط لإقناع الكادحين ألا ضرورة للنضال الجماهيري المباشر فـ"ممثلو الأمة سيتكفلون بطرح قضاياكم والدفاع عليها وسيشكلون حكومة ستسهر على تنفيذ رغبات الأمة وما عليكم إلا أن تجددوا فيهم الثقة كل 5 او 6 سنوات". وثمة من الفئات المتأخرة الوعي من العمال ومن جماهير الشعب المضطهد من يصدق هذا الكلام ويعيش على هذا الوهم. ومحاربة هذا الوهم هو بالضبط السبب الذي يفرض على حزب الطبقة العاملة، المسلح باستراتيجية شاملة للتغيير الثوري، ضرورة استخدام هذه المؤسسات الرجعية كمنبر للدعاية والتحريض الثوريين الموجهين أساسا لهذه الشرائح العمالية والشعبية التي تعميها الغشاوة البرلمانية. فإذا كانت مجرد أقلية لا باس بتعدادها من العمال وجماهير البرجوازية الصغيرة بالمدن والقرى تتق في البرلمانية ولم تتخل عن أوهام البرلمانية، فإن النضال من على منبر البرلمان أمر لابد منه لحزب البروليتاريا الثورية وذلك بالضبط لأغراض تربية الفئات المتأخرة من طبقته هو (لينين، الفصل 7 من اليسراوية مرض الشيوعية الطفولي). والشيوعي الذي يرسله حزبه إلى هذه المؤسسات الرجعية ليس مشرعا أو برلمانيا أو مستشارا كما بقية ممثلي أحزاب الطبقات الأخرى (وهدفه ليس ربط علاقات زبونية مع الكادحين أو تقديم بعض الخدمات البسيطة لهم كما يلمح الرفيق عبد الله في المقطع أعلاه) بل "محرضا ثوريا مرسلا إلى معسكر العدو". هكذا عبرت الأممية الثالثة أيام لينين وتروتسكي. وهكذا ينبغي أن يكون المنتخب الشيوعي، وهكذا ينبغي للحزب أن يتصرف إزاء منتخَبيه ليكون جديرا بتمثيل طبقته وبلقبه كحزب ثوري.

ويظل هذا الاستخدام، المسمى ماركسيا بالبرلمانية الثورية، ضروريا ومفيدا ولا غنى عنه طالما لم تنهض جماهير العمال والجماهير المضطهدة، في اندفاعة ثورية متسارعة تضع على جدول الأعمال تحطيم هذه المؤسسات الرجعية وكنس كل المجتمع القديم. وفي ظل وضع الاندفاعة الثورية هاته التي تجذب إلى النضال المباشر حتى العناصر المتأخرة الوعي من جماهير العمال والمضطهدين، في ظل وضع كهذا فقط يكون لشعار المقاطعة معنى وضرورة بما هي «رفض الاعتراف بالنظام القديم، ليس بالأقوال بل بالأفعال طبعا، رفض لا يتجلى فقط في نداءات وشعارات المنظمات، بل في حركة الجماهير الشعبية التي تخرق منهجيا قوانين النظام القديم وتخلق مؤسسات جديدة غير شرعية لكنها ذات وجود فعلي»(لينين، ضد المقاطعة).

وفي غياب هذا المد الثوري يصير رفع شعار المقاطعة مجرد ضرب من الصبيانية الصرف، أو سعيا لإخفاء العجز عن إنجاز المهمة الصعبة وبالغة الصعوبة المتمثلة في استخدام منبر المؤسسات المنتخبة بالطريقة الشيوعية، أو ببساطة تعبيرا عن الجهل بدروس تاريخ نضال البروليتاريا، أو تركيبا من كل ذلك أو بعضه. والنتيجة واحدة: تَتفيه وتعهير شعار المقاطعة وترك شريحة من جماهير العمال والمضطهدين فريسة لأحزاب وجهاز النفاق البرجوازي.

وبما أن المد الثوري لا يتوفر إلا في لحظات تاريخية استثنائية، والى غاية قدومه وإعدادا لهذا القدوم، اعتبرت الحركة العمالية الثورية كقاعدة عامة ضرورة المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية وبالعمل في البرلمانات والبلديات. وهذا الأمر ليس مرتبطا لا بطبيعة الانتخابات بالبلد ولا بطبيعة المهمة الثورية المباشرة الملقاة على عاتق بروليتاريا ومضطهدي البلد. هذه خلاصة نضال البروليتاريا الثورية العالمية فيما يتصل بالموقف النظري والعملي من الانتخابات إلى المؤسسات البرجوازية وعمل الثوريين داخلها. وفي ظل غياب حزب الطبقة العاملة القادر على تنفيذها تكون مهمة الثوريين دعاوية: التعريف بالموقف الماركسي وشرحه والتوقف عن رفع شعارات لا معنى لها خارج ظروف الزخم الثوري (أي المقاطعة)، أو توهم إمكانية تطبيق تكتيك البرلمانية الثورية.

خلاصة

هل هناك اندفاعة ثورية متسارعة لنضال البروليتاريا؟ إذا كان نعم فالمقاطعة تفرض نفسها. وإذا كان لا فلابديل عن المشاركة بمنظور ثوري إعدادا للاندفاعة القادمة. هكذا تنطرح المسالة ماركسيا. وما أبعد طرح الرفيق عبد الله للمشاركة في الانتخابات عن خلاصة التجربة التاريخية لنضال البروليتاريا. بالطبع ليست الماركسية قرءانا ولا تاريخ نضال البروليتاريا شيئا من قبيل "صحيح البخاري"، غير أن رفاقنا في النهج لم يسبق لهم أن عبروا صراحة عن عدم اتفاقهم مع هذه الخلاصة التاريخية، النظرية والعملية، وهو ما يعني إنهم لا يرفضونها وإن كانوا في مرتين سابقتين تحاشوا التفاعل مع النقاش الذي فتحته جريدة المناضل-ة حول مسالة الانتخابات. لكنهم بالمقابل يواصلون الدعوة لمقاطعة تلو أخرى في ظل غياب مد ثوري. مقاطعات ليست لذلك أكثر من عدم مشاركة أو مقاطعة سلبية ليس إلا. إن منهج رفاقنا بالنهج الديمقراطي بصدد الانتخابات عجيب. فرفاقنا في النهج ومن خلال حوار الرفيق عبد الله ومجمل مضمون العدد من الجريدة آنف الذكر، وبهدف تحديد موقف من الانتخابات، يطرحون أسئلة عامة ومشوشة وأخرى بالية للغاية ويقدمون إجابات لا علاقة لها بالأسئلة ليصلوا في النهاية إلى ضرورة "المقاطعة". إن الرفاق في النهج يبدون كمن يحدد الجواب أولا وهو المقاطعة ويشرع بعد ذلك في تفصيل أسئلة على مقاسه. إنهم يتصرفون كمن لا يريد أو لا يستطيع أن يقوم بمهمة ما فيسترسل، كيفما اتفق، في سرد كل الذرائع التي قد تقع تحت يديه ويسمي ذلك في النهاية، قطعا لدابر الشك، تحليلا ملموسا.






#علاء_لمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - علاء لمين - حول الموقف من الانتخابات إلى المؤسسات البرجوازية