أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - رضا الظاهر في حوار مع -طريق الشعب-:















المزيد.....


رضا الظاهر في حوار مع -طريق الشعب-:


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 2813 - 2009 / 10 / 28 - 08:15
المحور: مقابلات و حوارات
    


رضا الظاهر في حوار مع "طريق الشعب":
الثقافة الحقيقية تطلع بقوة جذورها العميقة معيدة الاعتبار للعقلانية والتنوير
ظاهرة احتجاجات مبدعي الثقافة تعكس تحولاً اجتماعياً
أجرى الحوار: سعدون هليل

في وضع ينطوي على الالتباس تواجه الثقافة الابداعية العراقية أسئلتها الحارقة. ويجد المثقف نفسه أمام قضايا خطيرة الشأن تمتد من اشكاليات الثقافة والسياسة والثقافة والديمقراطية، مروراً بمعاناة المثقفين على صعيد النتاج الابداعي والحياة اليومية، وصولاً الى دور المثقفين المنشود في الحياة السياسية والاجتماعية.
"طريق الشعب" التقت الكاتب رضا الظاهر صاحب الحضور المتميز على خارطة الانتاج الثقافي والفكري في العراق لتحاوره في هذه القضايا وسواها مما يتصل بالثقافة الابداعية.

رضا الظاهر يتحدث الى المحرر سعدون هليل

تتعاظم الحاجة الى مشاركة المثقفين في صياغة القرار السياسي من خلال حوار مفتوح باتجاهين يوفر شروط التفاعل بين السياسيين والمثقفين عبر الوعي السياسي والجمالي

* كيف ترى الوضع الثقافي في العراق ؟ وما الدور الذي يمكن للمثقف أن يؤديه ؟
ـ تتسم المشاكل التي تواجهها الثقافة العراقية بتنوعها وتعقيدها. بعضها ينبع من طبيعة الثقافة كعملية اجتماعية، وينبع البعض الآخر من نظرة السلطة السياسية اليها وموقفها منها.
السلطة السياسية، وخصوصاً سلطة الاستبداد، تتعامل مع المثقف على أساس الاحتواء والالحاق. وفي غمرة اغترابه يجد المثقف نفسه أمام خيارات بينها التخلي عن موقفه والاندماج بتيار الثقافة السائدة، أو اتخاذ موقف الصمت والعزلة الذي قد يقوده الى اليأس، أو تبني موقف الرفض والمقاومة.
لقد أدى انهيار النظام الدكتاتوري في العراق الى إنهاء أشكال الرقابة على الابداعات الأدبية والفنية، وإشاعة مناخ من الحرية وتعدد المنابر والانفتاح من ناحية، ومن ناحية ثانية الى فوضى ناشئة عن تخبط سياسات وإجراءات المحتلين ولاأبالية السياسيين بالثقافة ومبدعيها.
ولابد أن القوى السياسية، والدولة بالذات، تتحمل مسؤوليات كبرى في معالجة الوضع الثقافي المعقد. وفي هذا السياق يتعين أن تستند هذه المعالجة، قبل كل شيء، الى النزعة الديمقراطية في الموقف من الثقافة ومبدعيها، وعدم إغفال خصوصية المبدعين، وضرورة فهم السياسيين لدور المبدعين وطبيعة العملية الابداعية والتأثيرات الفاعلة لهذا الدور في خلق أنماط جديدة من التفكير.
ومن هنا الدور الخطير للمثقفين الذين تكتسب مشاركتهم في العملية الديمقراطية أهمية استثنائية، وهو ما يتطلب، من بين أمور أخرى، سعي الدولة والقوى السياسية الى توفير متطلبات وشروط هذه المشاركة واستمرارها وإغنائها.
إن الثقافة الابداعية الحقيقية لا ثقافة الاعلام المزيفة، هي القادرة، إذا ما توافقت معها الاجراءات السياسية، الديمقراطية حقاً، على أن تعالج آثار الاستبداد والتشوهات الروحية التي يعاني منها مجتمعنا، وخلق بديل فاعل لثقافة الانحطاط، ينقذ الناس ويرتقي بهم ويضع بأيديهم ثمار الثقافة الحقيقية، ويحفزهم، عبر ذلك، على المشاركة في بناء أسس وتقاليد الديمقراطية.

عندما يحل، بعد جفاف مديد، ربيع بموسم فيضانه، لا يندر أن نجد مياهاً قذرة تتدفق، غير أنه عندما يهدأ هذا الفيضان ستتدفق المياه العذبة في أنهار لا تستطيع أعتى قوة أن تعيدها الى الوراء

* أنت شاهد على مرحلة هامة من تاريخنا المعاصر. هل تعتقد أن هناك غياباً لدور المثقفين في الظرف الراهن ؟
ـ من زاوية معينة يمكن القول إن هناك غياباً لدور المثقفين، وهو أمر يرتقي، من ناحية، الى مصاف المأساة، ويعكس، من ناحية ثانية، الخلل في العلاقة بين السياسيين والمثقفين.
قد يكون هذا من آثار كارثة ما تزال مستمرة بصيغ متباينة : تدمير الدكتاتورية الوحشي للثقافة ومبدعيها، وإشاعتها أجواء انحدار القيم وثقافة الدعاية والخوف من السلطة وتمجيد الطاغية والاستبداد .. يأس المثقفين من السياسيين وفقدانهم الثقة بهم .. الاستمرارية في الموقف السلبي الناجم عن الخراب .. عدم توفر الحوافز التي تدفع المثقفين الى اتخاذ مواقف فاعلة على الرغم من الخلاص من كابوس الاستبداد .. عجز القوى السياسية عن تحريك الأجواء وتنشيط المثقفين. فهذه القوى "المقررة" لا تبالي بقضايا الثقافة والمشاكل التي تواجه مبدعيها، بينما تمارس كل شيء من أجل ضمان امتيازاتها عبر منهجية المحاصصات، لتتجاهل الثقافة على نحو لابد أن يثير الاحباط لدى المثقفين. معاناة المثقفين مريرة، فهمم يواجهون آثار ثقافة الاعلام الزائفة، والاحساس بالتهميش، واستمرار النظرة الأحادية التبسيطية للثقافة الابداعية، والتصورات الشعبوية المبتذلة في فهم دور المثقف وخصوصيته. المثقف يترك لينسحق تحت وطأة الاحساس بالعزلة، وطاحونة اللهاث وراء لقمة العيش، واستنزاف العمل اليومي والهموم الشخصية.
وفي الظرف الحالي تزداد الحاجة الى مشاركة المثقفين في صياغة الخيارات المصيرية من خلال حوار مفتوح باتجاهين، بحيث يرتفع اهتمام السياسيين بالثقافة كقيمة بذاتها لتطوير الوعي الفردي والجماعي، وتغتني رؤيتهم السياسية بالوعي الجمالي الذي يتوفر للمثقفين المبدعين.
التجربة أثبتت ان للمثقفين دوراً ريادياً في التحول والتجديد. هل نذكر آخر الأمثلة ؟ الأصوات التي تعالت في شارع المتنبي منتصف آب الماضي كانت أصوات احتجاج على مصادرة الرأي ورقابة الاستبداد وإلغاء العقل النقدي. وكانت دليلاً آخر على حقيقة غاية في الأهمية، وهي أن المثقفين ما عادوا غائبين، وأن هذا النشاط المتعدد الوجوه والاتجاهات ظاهرة تعكس جوهر التحول الاجتماعي.

* في محاضرة لك أوخر العام الماضي في اتحاد الأدباء والكتاب ببغداد ركزت على جدل الديمقراطية ـ الثقافة. أي جدل كنت تعني ؟
ـ منبع هذا التركيز هو حقيقة أنه لا يمكن للثقافة الأصيلة أن تزدهر إلا في ظل مناخ ديمقراطي، وهو ما يجسد، في الواقع، جدل الديمقراطية ـ الثقافة. والديمقراطية، ارتباطاً بالثقافة، تعني، قبل كل شيء، حرية الفكر والابداع، وتعايش وتفاعل المواقف الانسانية في إطار التعددية الثقافية.
الديمقراطية شرط لانتاج المعرفة، وهي عنصر داخلي في هذه المعرفة، تمنحها سمة اجتماعية، ذلك أن مفهوم الديمقراطية، المرتبط على نحو وثيق بالحرية والمسؤولية، يقبل الاجتهاد والاختلاف، أي الصراع في إطار الثقافة الذي هو أساس تجديدها. ومن هنا حقيقة أنه لا يمكن الفصل بين الديمقراطية والثقافة، إذ كل واحدة منهما شرط للأخرى، وحيث لا يمكن تحقيق الديمقراطية إلا عبر صراع دراماتيكي للأفكار، وهو ما يتجسد نموذج له في أوضاعنا الحالية.
أما التساهل في وضع المثل الديمقراطية موضع التطبيق فيمكن أن يكون مقدمة لنمط من الاستبداد يحول الثقافة الى أداة دعائية تبرر نهج السلطة السياسية، وهو نهج لا يستبعد أن يجد مثقفين بارعين في "بزنس الأفكار" القابض على كل الحقائق المطلقة. وهكذا فانه يتعين على المثقف غير التقليدي أن يتصدى للراهن انطلاقاً من استيعاب الواقع والارتباط الحي بالناس الذين يعتبرهم البعض كتلة صماء غير قابلة للاختراق، بينما يبين الواقع أن قوى أخرى، بينها سلفية واستبدادية، قادرة على اختراقها والتحكم بها.
ولكي يكون لنا نحن المثقفين الديمقراطيين دور فاعل في إعادة إعمار بلادنا، وسط تحول عاصف في الاطار الثقافي لا يخلو من التباسات، لابد، أولاً، من أن نقف وقفة صادقة وجريئة مع ذواتنا، لنكون قادرين على معالجة أزمة الثقافة، وهي جزء من الأزمة الاجتماعية، بالاستناد الى حقائق ومعايير وأدوات الثقافة نفسها.
إن مجتمعنا يمر بأزمة، وإن أسوأ ما يمكن أن يحدث له هو فقدان المنارات الأخلاقية. غير أن المثقفين الحقيقيين، القابضين على جمر المعاناة، والمتشبثين بالأمل، يدركون أن الثقافة الأصيلة تطلع بقوة جذورها العميقة، مهدمة جدران اليقين الجامد، ومجتازة حواجز الظلام والاستبداد، ومعيدة الاعتبار للعقلانية والتنوير.
وفي فوضى البلاد التي يحل فيها، بعد جفاف مديد، ربيع بموسم فيضانه، لا يندر أن نجد مياهاً قذرة تتدفق. غير أنه عندما يهدأ هذا الفيضان سنجد تلك المياه العذبة تتدفق في أنهار لا تستطيع أعتى قوة أن تعيدها الى الوراء.

المسار الفكري للنقد النسوي تحول من التركيز على تبعية النساء الأدبية واستعبادهن الى المقاربة النسوية للأدب وتحليل بنية الجندر وتجسيدها في إطار الخطاب الأدبي

* في إطار مشروعك الذي درست فيه العلاقة بين المرأة والثقافة الابداعية أنجزت عدداً من الأبحاث. هل يمكنك أن تحدثنا عن جوانب من هذا الانجاز ؟
ـ جوهر المشروع هو دراسة علاقة المرأة بالأدب على مستويين: الأول المرأة ككاتبة، والثاني المرأة كشخصية في الرواية. المستوى الأول درسته في كتابي (غرفة فرجينيا وولف ـ دراسة في كتابة النساء). أما الثاني ففي كتابيّ (الأمير المطرود ـ شخصية المرأة في روايات أميركية) و(أمير آخر مطرود ـ شخصية المرأة في روايات بريطانية).
سعيت في كلا المستويين الى دراسة الاشكاليات المتعلقة بكتابة النساء والتعامل معهن كشخصيات في العمل الروائي. ودرست اعتماد النقد النسوي على الانثروبولوجيا الثقافية، والماركسية، واللسانيات، والنظرية السايكوتحليلية، والبنيوية، والتفكيكية، ونظرية الخطاب كأدوات مهمة في التحليل. وتابعت المسار الفكري للنقد النسوي، وتحوله من التركيز على تبعية النساء الأدبية واستعبادهن الى المقاربة النسوية للأدب وتحليل بنية الجندر وتجسيدها في إطار الخطاب الأدبي.
وفي فصول كتاب (غرفة فرجينيا وولف) درست، من بين إشكاليات أخرى، العوائق التي تواجهها الكاتبة، وأسباب اتجاهها الى الرواية أكثر من غيرها من فنون الأدب، وبحثت في البطرياركية وسوسيولوجيا الابداع.
أما على صعيد دراسة شخصية المرأة في الرواية فقد سعيت الى البحث في وضع المرأة في الثقافة البطرياركية، وتتبعت منعطفات تصوير الروائيين "الكبار" شخصية المرأة في أعمالهم، ودرست، من خلال ذلك، مفاهيم الجندر والبطرياركية والمعيار الأدبي، كجزء أساسي من منهج بحثي في علاقة المرأة بالأدب كاتبة وشخصية في الرواية.

* هل من إنجازات أخرى في هذا المشروع ؟
ـ بوسعي القول، بايجاز، إن هناك بحثين اشتغل عليهما حالياً، آمل أن يظهرا في كتابين لاحقاً. الأول دراسة مقارنة بين شخصية أنّا كارنينيا لتولستوي، وشخصية مدام بوفاري لفلوبير، في مسعى لتعقب مثال ومصير هاتين الشخصيتين الروائيتين الغنيتين والمثيرتين للجدل. أما الثاني فدراسة في نساء إبسن. عندنا في العراق تشتهر (بيت الدمية) وأعجب المشاهدون بشخصية نورا في هذه المسرحية التي بدأ تأثيرها في أوروبا منذ ثمانينات القرن التاسع عشر. ومعلوم أن إبسن عبر عن نزعته المناصرة لتحرير النساء في أعماله المسرحية الأخرى، وبينها (أعمدة المجتمع) و(الأشباح) و(عدو الشعب) و(حورية البحر) و(هيدا غابلر) وسواها من الأعمال المسرحية التي فضح فيها العقل البطرياركي واستعباد النساء واضطهادهن.
يمكن القول إن صراعات نساء إبسن في عالم يحرمهن من الحياة الانسانية الكاملة معركة بين القواعد البالية والنبضات المتمردة لبداية عالم جديد. وكان إبسن من ذلك النمط من العباقرة السابقين لعصرهم لأنه، ببساطة، رأى المستقبل في الحاضر. فنساء أواخر القرن التاسع عشر، اللواتي كافحن ضد الافتراضات الموغلة في القدم، هن التجسيد الأشمل لحداثة إبسن.

مساهمتي في إعادة قراءة ماركس عودة الى الينابيع والى جوهر المنهجية الماركسية التي تدرس وتنتقد وتقيّم الظواهر وتنظر اليها في حركتها لا في سكونها

* في كتابك (موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة) تقول إنك كماركسي غير معني بتقديم إجابات. هل يمكن التعليق على هذه الفكرة ؟
ـ لعلكم تعرفون أن طرح الأسئلة بصورة صحيحة أكثر مشقة من تقديم إجابات، بل هو الشرط الأساس لتقديم إجابات. ومن أجل أن نطرح الأسئلة بصورة صحيحة لابد لنا من أن نتحرر من المواقف العصبوية المسبقة، وننطلق من الواقع بحثاً عن الحقائق في محاولة للاقتراب منها. علينا أن نطور أدواتنا النقدية باستمرار حتى نكون قادرين، حقاً، على طرح الأسئلة، على أمل أن نحاور الآخرين ونتفاعل مع أفكارهم لنجد بعضاً من إجابات.
ويتعين، في هذا السياق، الاعتراف بحقيقة أننا أصبحنا، نتيجة تجريد فصل آليات التحليل عن الفكر الماركسي مما حوله الى قوانين جامدة، بعيدين عن العقل النقدي الحي، فبتنا ندرس الرأسمالية دون أن نعرف هذا النظام الذي نهتم بنقده، ورفضنا الليبرالية ومنجزاتها دون أن نكتشفها. وبدل أن تكون الماركسية مدرسة تاريخية للفكر الحديث تحولت الى اختزال مشوه لطائفة من الخلاصات المعطِّلة للتفكير والتحليل.
وعلى أية حال فان "الموضوعات" التي طرحتها في الكتاب ليست مسلمات يمكن تنظيرها، وإنما هي إعادة قراءة، بل هي رهان مفتوح، وستظل بحاجة الى مراجعة وإعادة نظر حتى تستطيع أن تواكب الجديد في الحياة، وإلا تحولت الى عقيدة جامدة ويقين نهائي يشل حركة الفكر.

* كتاب (موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة) جزء من مشروع أوسع كما نعلم. هل يمكن أن نتعرف على العناصر الأساسية لهذا المشروع ؟
ـ هذا المشروع يحمل عنوان (مساهمة في إعادة قراءة ماركس)، وهو عودة الى الينابيع والى جوهر المنهجية. في التحليل علينا أن نتمسك بمنهج ماركس نفسه الذي يدرس وينتقد ويقيّم الظواهر وينظر اليها في حركتها لا في سكونها. علينا أن نتذكر دائماً حديث إنغلز عن الأشياء التي تشيخ في النظرية وفي الحياة، وضرورة مواكبة الجديد في الحياة.
أزمة الرأسمالية العالمية، التي تجلت في الأزمة المالية والاقتصادية مؤخراً، أسهمت في إعادة ماركس الى الواجهة، بعد أن تنبأ كثيرون بموت "المناهج" الماركسية في أعقاب انهيار "الاشتراكية".
وقد يبدو البحث في إعادة قراءة واكتشاف ماركس من باب "البطر". غير أن تطورات النصف الثاني من عقد تسعينات القرن الماضي شهدت تجدداً مفاجئاً للثناء على ماركس من جانب خصومه الرأسماليين باعتباره عبقرية، حتى أن "النيويوركر" وصفته بأنه "المفكر الأعظم المقبل".
واليوم يشكل ماركس، الذي اختير فيلسوف الألفية الثانية، موضوع مؤتمرات وحلقات بحث، وتخلده المؤسسات الأكاديمية ودور النشر. وكانت الذكرى الـ 150 لصدور (البيان الشيوعي) فرصة للكثير من مقالات التقييم الايجابي الرفيع. ولعل من بين التطورات المميزة في الاهتمام بماركس صدور كتاب (أطياف ماركس) عام 1994 للمفكر الفرنسي مابعد الحداثي جاك دريدا.
والحق إن العودة الراهنة الى ماركس هي نتاج أحداث متداخلة ومتفاعلة. ومما له دلالة أن الباحث الماركسي البريطاني إريك هوبسباوم قال إن "العالم الذي حولته الرأسمالية والذي وصفه ماركس ببلاغة عام 1848 هو، في الواقع، العالم الذي نعيش فيه بعد 150 عاماً".
والعودة الى ماركس، ثانياً، ليست عودة الى ماركس بمعنى التقليد الماركسي الثوري. ولا يمكن لأي شيء أن يكون مثالاً واضحاً على هذا أكثر من الصيغ المتباينة تماماً التي تؤثر، في الوقت الحالي، على ماركس نفسه من ناحية، وعلى تاريخ الثورة الروسية من ناحية أخرى. فالاهتمام المتجددد بالماركسية قد يكون اتجاه أقلية حتى الآن. وقد تكون له نقاط ضعف غير قليلة، ولكنه اهتمام واقعي. غير أنه بدون الاعتراف بأن الماركسية تقليد، فان أولئك الذين يرغبون في رؤية انبعاثها سيكونون عاجزين. فتطور الامبريالية والنزعة الاصلاحية والنزعة القومية في العالم الثالث والستالينية، من بين قضايا أخرى، طرح مشكلات يكاد يكون من المستحيل على الماركسيين المعاصرين حلها ما لم يأخذوا بالحسبان أعمال لينين ولوكسمبورغ وغرامشي، مثلاً، كجزء من تقليد حي، متماسك، على الرغم من التباينات والاختلافات في ما بينهم.
وأخيراً فان الاهتمام المتجدد بماركس يواجه عائق افتقار كثير من أنصاره الى صلة مباشرة مع الحياة. فهذا الاهتمام مايزال، الى حد كبير، ظاهرة مقصورة على جيل أقدم من المثقفين، وفي الغالب أولئك الذين حفزتهم أحداث عام 1968 وما أعقبها. وعلى الرغم من توفر بعض الدلائل على وجود جيل جديد تواق الى إعادة اكتشاف التقليد الماركسي، فانه مايزال يتعين عليهم أن يعبروا عن أنفسهم بصورة أوضح وأشمل.
بوسع المرء أن يقول بثقة إن الماركسية لم تمت .. إنها تولد من جديد .. ويتعين علينا أن نقرأ ماركس، وأن نعيد قراءته، بالمنهجية الماركسية ذاتها، وبموقف ماركس الانتقادي نفسه.

علينا أن نتأمل مصائر وتحولات العناصر الأساسية للجماليات الماركسية، وعلى وجه التحديد الأكثر إثارة منها للالتباس، وهي العلاقة بين الفن والآيديولوجيا ووظيفة الفن الاجتماعية والجمالية

* أخيراً نسأل عن جماليات الأدب والفن. ارتباطاً بما تعرضت له الجماليات الماركسية من التباسات، هل يمكنك، كباحث في هذا الميدان الحيوي، تقديم إضاءات في هذا الشأن ؟
ـ منذ زمن بعيد تدور جدالات حول جماليات الابداع الأدبي والفني وعلاقة ذلك بحركة المجتمع وتحولاته. ومن الطبيعي القول إن مساهمتي في إعادة قراءة ماركس تشتمل على إعادة قراءة جماليات ماركس أو بتعبير أدق الجماليات الماركسية.

وإذا كان المجال لا يتسع هنا للدخول في تفاصيل إعادة القراءة هذه، فان بوسعي القول إنني سأتامل مصائر وتحولات العناصر الأساسية للجماليات الماركسية، وعلى وجه التحديد الأكثر إثارة منها للالتباس، وهي العلاقة بين الفن والآيديولوجيا ووظيفة الفن الاجتماعية والجمالية.
غير أنه لابد من الاشارة، ابتداء، الى أن ما نجده في أعمال ماركس من طائفة مؤثرة من المراجع والاشارات الى عدد كبير من الظواهر الجمالية من أعمال فنية معينة الى النواحي الأكثر عمومية للانتاج الفني، لا يصل، على أهميته الفائقة، الى نظرية جمالية منظومة. لكن هذه النظرية تبلورت ملامحها لاحقاً على يد حشد من الفلاسفة والباحثين الماركسيين ابتداء من بليخانوف ولوكاتش، مروراً بغرامشي، ووصولاً الى ألتوسير ورايموند ويليامز وتيري إيغلتون على سبيل المثال لا الحصر.

وإذا ما حكمنا من السجل المكتوب لبدا لنا أن ماركس كان يسعى نحو شيء آخر، صيد أثمن، أو مختلف تماماً على الأقل. ولمثل هذا الاستنتاج قوة سياسية وكذلك نصية. فقد كان ماركس ثورياً على أية حال: "لم يفعل الفلاسفة سوى أن فسروا العالم، بينما المسألة تكمن في تغييره" كما ورد في الموضوعة الأخيرة والأكثر أهمية من (موضوعات حول فويرباخ).

صحيح أن ماركس لم يقل سوى القليل بشأن القضايا الجمالية، غير أن هذه القضايا كانت أساسية بالنسبة له، وكانت داخلة عميقاً في تفكيره على نحو أكثر شبهاً بالبديهيات والافتراضات منها بالمشكلات التي يواجهها المرء على امتداد الطريق. ونحن نتعامل مع المناخ هنا وليس مع النظرية. ولكن المناخ صعب الاكتشاف والملاحظة لأننا غير معتادين على تركيبه الدقيق. ومن الناحية الفلسفية والبديهية نحن مستعدون لرؤية المسائل الجمالية وفي الواقع القضايا الثقافية عموماً باعتبارها أشياء منفصلة عن المسائل العالمية للاقتصاد والسياسة والثورة. وقد أراد ماركس من ناحية أخرى، على الأقل في لحظاته الأكثر ديالكتيكية، المساهمة في اللحظات الثقافية والعملية، وهذا هو الذي جعل من الصعب تحديد موقع تفكيره الجمالي. فنحن لا نراه لأننا ننظر الى المكان الخطأ ونسعى باتجاه النمط الخاطيء من الأمور.

وتساعد مثل هذه الموضوعة على توضيح ما يمكن أن يبقى غامضاً: تعقيد وغنى وقوة الجماليات الماركسية منذ عصر ماركس وحتى الوقت الراهن خصوصاً. واذا كان ماركس شحيحاً، لأسباب مفهومة، في تعليقه المباشر على الفن، فان من جاءوا بعده ساهموا مساهمة كبرى في بلورة وإغناء جمالياته. ومن السليم، بالتأكيد، القول إن الماركسية هي الآن إحدى النظريات الجمالية الرئيسية، خصوصاً النظريات الأدبية، وإنه ليس من غير المبرر الاشارة الى أن النظرات الماركسية غيرت على الدوام، أو على الأقل لفترة طويلة جداً، الطريقة التي تقدمت بها فلسفة الفن والنقد الفني. ولتلك الحقيقة المذهلة علاقة وطيدة بأهمية البعد الجمالي في عمل ماركس، وهي أهمية لا تقع كثيراً في الحدود التقليدية للنظرية الجمالية بقدر ما تقع في جوهر ادراك ماركس للعالم.


رضا الظاهر في سطور

ـ كاتب وباحث وصحفي ومترجم
ـ مجال بحثه الأساسي هو جماليات الأدب والفن.
ـ في إطار مشروعه النقدي درس العلاقة بين المرأة والأدب، ككاتبة وكشخصية في الرواية، وله في هذا المجال ثلاثة كتب: (غرفة فرجينيا وولف ـ دراسة في كتابة النساء) و(الأمير المطرود ـ شخصية المرأة في روايات أميركية) و(أمير آخر مطرود ـ شخصية المرأة في روايات بريطانية)، وهي صادرة عن دار المدى.
ـ لديه العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات في الثقافة الجمالية ونقد الرواية، فضلاً عن أربعة كتب مترجمة في هذا الميدان.
ـ في إطار بحثه في الماركسية والثقافة لديه كتابه الصادر عام 2005 والموسوم (موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة).
ـ التحق بصفوف حركة الأنصار في كردستان وعمل في إعلام الحزب الشيوعي العراقي خلال سنوات الثمانينات.
ـ عمل في وسائل إعلام ومؤسسات صحفية مختلفة، وكان محرراً ثقافياً في هيئة الاذاعة البريطانية في التسعينات.
ـ معروف بعموده النقدي الأسبوعي (تأملات) الذي ينشر كل ثلاثاء منذ سنوات في صحيفة (طريق الشعب).



طريق الشعب 28/10/ 2009






#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - رضا الظاهر في حوار مع -طريق الشعب-: