أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هاني أبوالقاسم محمد - مصرع القداسة على اعتاب السياسة















المزيد.....



مصرع القداسة على اعتاب السياسة


هاني أبوالقاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 853 - 2004 / 6 / 3 - 04:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإهداء

رسالة من القبر

القبر بارد يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف..

إلى هؤلاء الأحياء تحت الثرى … وأولئك الأموات الصابرين …
كم مرة أوصيتكم أن يكون كفني هو العلم بألوانه الثلاث .. الأزرق، الأصفر،الأخضر –نيل يجري على الصحراء يحيلها جنة خضراء- ليس لأنني أحب هذا العلم فحسب ولكن لأترك مزيدا من القماش الأبيض ليكمل به بعض هؤلاء ثيابهم القصيرة.

إليك يا أفلاطون…
هل تذكر ذلك اليوم، عندما كنتم جميعا مقيدين داخل كهف. حين كسرت القيد لترى الحقيقة التي لم تر سوى ظلالها مطبوعة على جدران الكهف، هل تذكر حينما عدت لتخبرهم أن الحياة لديهم ليست سوى ظلال.. وأن عليهم أن يكسروا القيود لتتجلى لهم الحقيقة والحياة .. قتلوك عندها! لا بأس يا صديقي .. قليلٌ هم الذين كسروا القيد بعدك .. منهم من لم يعد .. أما الذين عادوا فقد قتلوا.

إلى وطني …
ما زلت أذكر مقولة سليمان عميرات .. لو خيرت بين الجزائر والديموقراطية، لاخترت الجزائر .. أما أنا فلو خيرت بين الوطن و … لاخترت الوطن حتما.

إليكم أيها الكفرة …
نعم حتى هؤلاء ، الذين لم يؤمنوا يوما بالحب .. لا تقتلوهم فإني لا أريد أن أراهم هنا.

إليك أبتها الجميلة …
أما زلت تعتقدين أنه ما زال للذكر مثل حظ الأنثيين؟

إلى أبي …
كانت صداقتك متعة لي ، وأنت يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف، لعلي أغطي هذا الجرح الذي ما زال ينزف منذ أن أطلقوا رصاص الجهل على عقلي فلم يصبه، فأطلقوا النار على قلبي.

إليك يا أحلام …
ما زلت أحث الخطى .. تاركا خلفي فوضى الحواس.

------------------------------
ديباجة…
لنا هنا وقفة قصيرة وهي ليست على أطلال الماضي ولا على منزل ليلى أو سعاد ولكنها وقفة على مفترق الطريق الذي نحن فيه، فإما السير إلى الأمام بخطوات واسعة دليلنا فيها بحث علمي ودرس متواصل وإما الرجوع إلى الوراء بخطوات أوسع …
إن الصراع بين مختلف القوى في المجتمع يحتم على التغير الاجتماعي أن لا يتوقف أبدا، فإذا ما تباطأت قوى التقدم فالنتيجة الطبيعية هي الرجوع إلى الوراء. رغم أن قوى التخلف والرجعية لا تملك الكثير من أدوات التغيير في وجه القوى الحديثة إلا أن وجودها يصبح مؤثر جدا إذا ما تغيبت أو تقاعست القوى الحديثة عن دورها الفاعل وواجبها تجاه المجتمع.
والحركة الاتحادية هي امتداد طبيعي للقوى الحديثة السودانية منذ نشأتها في مطلع القرن العشرين. سيرا منا في طريق الواجب تجاه الوطن وتجاه الفكر الذي نحمله وامتدادا لتلك المسيرة المستنيرة واقتباسا من نورها كانت لي هذه الورقة ..

مدخل …
إن الجدل الذي دار في الشارع السوداني حول إعلان القاهرة وما حواه من طرح عرف بعلمانية الخرطوم أعاد من جديد تسليط الضوء على قضية الدين والدولة. رغم ذلك لم يكن ذلك التسليط كافيا ليزيل الغمام الذي صنعه النظام حول القضية وبدلا من الرد الموضوعي أو النقد الفكري وجدنا أن النظام بدأ مباشرة في تزييف الحقائق وتلبيس الحق بالباطل .. بعد ذلك تسارعت الأحداث السياسية لتغطي على قضية الدين والدولة واتجه الشارع السوداني لمتابعة أوراق مشروع السلام -بتشعبه وكثرة أوراقه ووسطائه- بشيء من الحذر والفرح والخوف.

الدين و الدولة …
إن القيم الروحية مقوم أساسي من مقومات الثقافة في أي مجتمع. ولا يمكن لأي توجه تنويري أن يكون مجرد توجه رافض لهذه القيم. فالمحافظة على هذه القيم لا تتعارض أبدا مع ركائز الأفكار التنويرية بل إن هذه القيم تمثل سندا داعماً لبناء وامتداد القاعدة التنويرية. لكن الفهم المتحجر أو المتيبس لهذه القيم هو الذي تحاربه الاتجاهات التنويرية بمختلف مشاربها الفكرية. فالحرب إذا ليست ضد القيم في حد ذاتها كما يدعي أصحاب الفهم المتحجر من الأصوليين و العديد من أصحاب الاتجاهات الإسلاموية. لهذا فأننا نرى في الذين يتبنون مواقف رافضة لمجمل هذه القيم الروحية، حجر عثرة يقف في طريق المناهج التنويرية نفسها. وفي الطرف الأخر نجد أن الذين يرون في كل التجارب الإنسانية فكرا ضالا وافدا يتعارض مع القيم الروحية لمجتمعنا أو بعبارة أخرى يتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف كأهم مصدر من مصادر القيم الروحية في المجتمع السوداني، إنما يجهلون أن هذا الفكر إنما هو امتداد للفكر الإنساني الذي تأثر فيما تأثر بالإسلام و تلاقح مع الكثير من مفاهيم هذا الدين الحنيف. كما تأثر كذلك بالفكر اليوناني، الإغريقي والفارسي ومختلف المدارس الفكرية القديمة والحديثة. وقد رأينا جميعا كيف أن محصلة هذه التجارب والأفكار سمت بالإنسان فعلى سبيل المثال كيف أن الفكر الإنساني قد تخطى ودثر الرق والعبودية كمفاهيم تحط من قدر الإنسان.
يقول الشيخ العارف محي الدين بن عربي: علماء السوء هم الذين أنكروا ما جهلوا وقيدهم التعصب عن مجرد سماع الآخرين وعن الإذعان للحق والتسليم له إن لم يكن الإيمان به. ويقول الإمام محمد عبده وهو أحد رواد الفكر التنويري في الإسلام "عندما بدأ الضعف يظهر بين المسلمين بسبب الجهل والجمود على القديم، حدث الغلو في الدين وثارت الفتن بين الناظرين فيه وسرت عدوى التعصب بينهم وسهل على كل واحد منهم لجهله بحقيقة دينه أن يرمي الآخر لأدنى شبهة بالكفر والزندقة وكلما ازداد جهلهم بدينهم ازداد نفورهم من العلم والنظر وساد فيهم الاعتقاد بالعداوة بين الفلسفة والدين" .
كما أن الإسلام كرسالة سماوية أقر بالتجارب الإنسانية بل إنه وضع العديد من التشريعات والعبادات على أساسها فعلى سبيل المثال نرى أن الإسلام قد تبنى العديد من المفاهيم التي عمل بها العرب قبل الإسلام "كفضل يوم الجمعة والعناية بالإبل وتعدد الزوجات والاستجارة والجوار والاسترقاق والسبي والديّة" . هل نستطيع أن نتحدث عن علوم كالطب والفلك وغيرهما من علوم عند العرب إلا ابتداء من العصر العباسي؟ لماذا؟ السبب هو حركة الترجمة التي ازدهرت في العصر العباسي والتي عن طريقها عرف العرب ثمار العقليات الأخرى من علوم وفنون … إن الإسلام قد أطلق العنان للعقل، ولا يقيد العقل بكتاب ولا يقف به عند باب ويعطينا الشيخ محمد عبده مثالا .. فيما جاء في خبر من سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل السماوات والأرض؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: كان في عماء تحته هواء، والعماء عندهم هو السحاب. ويقول الإمام أبي حامد الغزالي صاحب الإحياء أن العقل والدين شيء واحد، أحدهما أساس والأخر بناء فالشرع عقل من خارج والعقل شرع من داخل وهما متعاضدان بل متحدان. فالدين الذي يوحد بين العقل والشرع لا بد أبد يكون منهاجه هو العلم نورانيا كان أم عقلانيا. ويقول الشيخ عبد الله بن المبارك: "كاد العلم أن يكون ثلثي الدين".
كما أن الإسلام دين لا يعرف الطبقية الاجتماعية بل لا يعرف التمايز بين الناس إلا بالتقوى بالرغم من ذلك فقد اعترف الإسلام بطبقية واحدة هي طبقية العلم والمعرفة "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وقوله جل وعلى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
ويقول الشيخ محمد عبده في مقال له تحت عنوان"أصول الإسلام" أن الأصل الأول هو النظر العقلي لتحصيل الإيمان وكيف أن القرآن أثبت وحدانية الخالق بالأدلة العقلية ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)) والعديد من الأدلة العقلية الأخرى. ويقول الأصل الثاني هو تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض ويقول أن في ذك طريقان الأول طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه وتفويض الأمر إلى الله في علمه والثاني طريق تأويل النقل حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل. ويواصل الشيخ محمد عبده في الأصل الثالث قائلا بالبعد عن التكفير(وليس التفكير) ويقول إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان. أما الأصل السادس هو أن القتال ليس في طبيعة الإسلام بل طبيعته العفو والمسامحة ولكن القتال فيه لرد اعتداء المعتدين على الحق وأهله إلى أن يأمن شرهم. والأصل السابع أن الإسلام لم يوجب العداوة بين المسلمين ومخالفي عقيدتهم بل إنه أباح الزواج من الكتابيات وجعل من حقوقهن أن يتمتعن بالبقاء على عقيدتهن. بل أمر بمودتهم ما داموا ليسوا من أهل الحرب أملا وطمعا في هدايتهم.
المقصود من هذا أن أشير إلى أن معالجة قضايا الإنسان في الحياة إنما تكون عن طريق المنهج العقلي وليس في ذلك مخالفة للشرع لأنه هو الذي أمر وأقر ذلك. وسيظل ابن رشد هو رائد المنهج العقلاني الإسلامي إذ يقول "أن الدين بالضرورة لا يضاد الحقيقة والبرهان العقلي، فان اختلف الدين مع العقل، فإن مصدر الاختلاف هو أن الذي يسمونه دينا إنما هو اجتهاد باطل أو تخريج فاسد للدين .. أو أن الذي يحسبونه علما إنما هو توهم أو خيال، ونحن نقطع قطعا بأن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فان ذلك الظاهر يقبل التأويل .. فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد عليه" .
ويذكرنا التاريخ بالعديد من الحوادث التي تثبت أن تقديم العقل على النص ليس بدعة ابتدعها المفكرون في عصرنا هذا، فالسيرة النبوية تذكر لنا حديث الغامدية المحصنة التي زنت فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطبق فيها الحد فلم يطبقه إلا بعد أن وضعت حملها وأرضعته ووجدت من يكفله رغم أن النص القرآني لم يذكر ذلك. وإذا اعتبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم مصدرا تشريعيا حتى حين مخالفته للقرآن فلنا أن ننظر في التاريخ الإسلامي لنرى نماذج أوفر. فعمر بن الخطاب عليه السلام هو رائد تطبيق المنهج العقلاني حتى قبل أن يقول المنظرون بهذا المنهج فهو لا يرى في النصوص الشرعية قدسية بل يرى القدسية في القيم التي تعبر عنها تلك النصوص ومشهور عن عمر أنه رفع حد السرقة في عام الرمادة وهو عام فقر مر بالمدينة وكان بعض الناس يسرق ليطعم ويطعم أهله. وقدم خطبة الجمعة على صلاتها، فالجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق عليه السلام كانت تصلى ثم يجلس الناس للخطبة، وكذلك ألغى سهم المؤلفة قلوبهم وهم حديثي العهد بالإسلام بالرغم من النص الصريح في القرآن بأنهم يستحقون الزكاة. وكذلك اجتهاده حول مسألة الفيء الذي كان يذهب لآل الرسول صلى الله عليه وسلم والمجاهدين من الأنصار والمهاجرين فعندما اتسعت الفتوحات الإسلامية وكثر الفيء، قرر عمر أن يكون ذلك ملك للأمة أو الدولة لا كما أشار النص القرآني لأن جوهر الدين هو العدل والمساواة .. فوقف ضده العديد من كبار الصحابة وناصره يومها علي بن أبي طالب رغم سهمه في الفيء. أيضاً منع عمر بن الخطاب واليه على المدائن حذيفة بن اليمان كاتم سر الرسول صلى الله عليه وسلم منعه من الزواج بيهودية رغم وجود نص يحل ذلك إذ يقول عمر في كتابه لحذيفة : "إني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين". وكذلك أمر ابن الخطاب بعدم تطبيق حد الخمر على المقاتلين حتى يعودوا إلى ديارهم. وصادر عمر الأراضي التي لا يستثمرها أصحابها رغم الحديث "لا يحل مال إمرىء مسلم إلا بطيب نفسه" ورغم اعتراض أصحاب الأراضي إلا أنه مضى في حكمه حرصا على مصلحة الدولة والأمة.
يقول ابن القيم"إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض. فإذا ظهرت إمارات الحق، وقامت أدلة العقل ، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره" . ومهما كان المبرر العقلاني أو السبب الذي دفع عمر بن الخطاب لمخالفة النصوص القرآنية أو النبوية، حرصا على الدولة الإسلامية فإن ذلك لن يقودنا إلا لإدراك أن عمر بعمق إيمانه وقوته في الحق عمل بمنهج تقديم العقل على النص سواء كان النص من الكتاب أو من سنة المصطفى ليس لهوى في نفسه ولكن لأن العقل والمنطق يوجبان ذلك والدين يوجب ذلك على التوالي.
أردنا من هذا العرض أن نؤكد أن فصل ظاهر الدين عن الدولة ليس بالنظرية الحديثة الوافدة إلينا من الغرب. فالفصل الغربي لسلطة الكنيسة عن كيان الدولة أتى بشكل قاطع وكلي في شكل ثورة حاربها رجال الدين الذين كانوا يتمتعون بتنفيذ السلطة الكنسية التي يرعاها الإقطاعيون والحكام في مقابل إيجاد سند ديني لسياساتهم القهرية المستبدة. أما في الإسلام فإن الدعوة إلى نظرة عقلانية للدين بدأت تظهر في صفوف رجال الدين أمثال ابن رشد والكندي وجمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وقبلهم جميعا كان إمامهم هو عمر بن الخطاب. وقد أمنت على هذه الدعوة الكثير من الحركات التنويرية ويتضح هذا جليا في كتابات الكثير من الكتاب والمفكرين ورجال الدين والأكاديميين والمثقفين والقادة السياسيين في العصر الحديث أمثال: عرفات محمد عبد الله، محمد أحمد محجوب، روجيه جارودي، محمد أركون، فرج فودة، نصر أبو زيد، خليل عبد الكريم، علي شريعتي، محمود محمد طه، منصور خالد، محمد إبراهيم نقد، محمد أبو القاسم حاج حمد، حيدر إبراهيم. رغم تفاوت هذا المفهوم من مدرسة فكرية إلى أخرى إلا أن غالب هذه الاتجاهات الفكرية يرون أن التمسك بظاهر النص أو ظاهر الدين دون الاكتراث بالقيمة التي يقدمها النص إنما يجر مخاطر على الدولة وعلى الدين في المقام الأول.
إن الحديث عن حزب إسلامي أو نهج إسلامي للدولة في الوقت الحالي لن يتمثل إلا في ثلاث صور الأولى أن تكون النظرة أصولية قمعية ديكتاتورية وهي مرفوضة أو أن تكون وصولية تسعى للوصول إلى رضا الشعب متلبسة لباس الدين زورا وبهتانا وهي مرفوضة أيضا. أو نظرة تحديثية كما يقول الصادق المهدي . وما زال أمام هذه درب طويل لأن هذه المناهج التحديثية ليست سوى مناهج فكرية جاهزة ألبست ثوبا أبيضا وأطلق عليها إسلامية.
ويكمن الخطأ والخطر في تبني مفاهيم الدولة الإسلامية في نقاط عديدة منها أن هذه الحركات والأحزاب الإسلامية تبرر مواقفها السياسية باسم الدين، تارة بالتمسك بظاهر النص وتارة بتأويل النصوص الدينية بما يدعم مصالحها، فيما أن هذه المواقف لا تعبر سوى عن مصلحة هذه الجماعات أو الأحزاب وقد لا تمت إلى الدين بأي صلة. كذلك أن الحاكم يرى في نفسه جهة مفوضة من الخالق لتنفيذ سياسته التي شرعها (أي الخالق) ويرى في معارضيه السياسيين مجموعة من الخارجين عن أمر المولى عز وجل لأنه الممثل الشرعي والوحيد لهذا الرب في هذه الدولة وقد ظهر ذلك واضحا عندما اختلف علي بن أبي طالب عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان، حينما أشتد الخلاف بينهما حول قضية الحكم (السياسة). أنصار علي كانوا يقاتلون باسم الإسلام وكذلك فعل أنصار معاوية وكل فريق منهم كان يرى أنه يمثل وجهة الإسلام الصحيحة ويرى في الطرف الآخر خارج عن الخلافة الإسلامية المقدسة. وحدث أيضا أن قتل عبد الرحمن بن ملجم علياً إنقاذا -كما ظن- للمسلمين من التناحر والانقسام. كانت تلك الفتنة خلافا سياسيا لا دينيا أو شرعيا، فقد اجتمع علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس ضد عائشة بنت أبي بكر وطلحة بن الزبير و الزبير بن العوام وفي الطرفين من هم مبشرون بالجنة. ونعلم جميعا أن هذا الصراع خسر فيه المسلمون الكثير من رجالهم الأشداء، كيف لا؟ وفيهم علي بن أبي طالب. حدث هذا مع رجال الصدر الأول من الإسلام -أفضل القرون- عندما زجوا بالدين في أزقة السياسة.
وتستغل حركات الإسلام السياسي المنابر الدينية التي يتعامل معها الكثير من المسلمين باحترام شديد ويولونها في كثير من الأحيان الطاعة العمياء. مما يؤدي إلى تشويه العديد من المفاهيم الفكرية والمواقف السياسية دون وجود أي جانب عقلاني يدحض هذه المفاهيم أو المواقف لأن المتحدث في المنبر إنما يمثل الدين الذي شرعه الله –وهو في الحقيقة ينقل رؤيته أو رؤية حزبه إلى جمهور المصلين على أنها أمر الله-، على سبيل المثال في محاضرة ألقاها رجل من جماعة أنصار السنة في أحد المساجد، عن الفكر الإسلامي أعطى نبذة عن بعض المناهج الفكرية للمقارنة، منها الاشتراكية، تحدث قائلاً أن "الاشتراكية منهج فكري يدعو إلى الاشتراك في جميع أمور الدنيا وأن هذا المنهج دعا له كارل ماركس المفكر اليهودي وللأسف اعتنقه بعض عديمي الإيمان في عالمنا الإسلامي ومنهم من آمن بالاشتراكية لدرجة أنه يشرك رفاقه الاشتراكيين في زوجته" وتحدث عن الليبرالية قائلا "الليبرالية هي الحرية وهي المنهج الذي يدعو إلى حرية الإنسان وعدم عبوديته لكائن من كان حتى ولو كان الله، وتدعو الليبرالية إلى الحرية في جميع الأمور كحرية المرأة والحرية الجنسية … الخ" وفي النهاية نصح هذا الرجل الشباب بأن يبتعدوا عن هذه الأفكار الهدامة التي أعطاهم نبذة عنها، وكأنهم تعرفوا على حقيقتها. ومن الواضح ضحالة معرفة هذا الرجل عن هذه المناهج الفكرية التي ادعى أنه قدم عرضا لها. ولأنه رجل دين كان على الجميع أن يطيع أمر الله ويلتزموا بعدم الاقتراب أو الاطلاع على هذه الأفكار. فأي دين وأي منهج فكري هذا الذي يدعو معتنقيه أن لا يطلعوا على أفكار الآخرين خوفا أن ينقادوا خلفها؟؟ من المؤكد أن هذا المنهج يعي تماما ضعفه أمام حجة ومنطق هذه المدارس الفكرية فكان الحل الوحيد هو الهرب من المواجهة. ومن المؤكد أيضا أن العيب لا يكمن في الدين الإسلامي إنما يكمن في تفكير هؤلاء الذين يحرمون القراءة والاطلاع والمعرفة والعلم بدلا من قراءتها والرد عليها أو نقدها عقلانيا أو أيدلوجيا. ويدعون أن سلاحنا لمواجهة سطوة الغرب الاقتصادية والعسكرية والعلمية هو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وهذا ليس تقليل من شأن الكتاب والسنة ولكن تقليل من شأن طريقة التفكير فكيف لنا أن نواجه حربا بأسلحة بيولوجية أو جرثومية ببنادق البارود أو الكلاشنكوف، يبدو هذا سخفا ومناقضة للواقع والمنطق. فلكي نحارب السطوة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والعسكرية يلزمنا السير في طريق العلم لكي تكون الحرب متكافئة وهذا لا ينافي تمسكنا بالدين بل أن ذلك ما يفرضه الدين علينا.
وفي كثير من الدعوات التي تتبناها الجماعات الإسلامية، دعوة إلى الرجوع إلى دين السلف وإلى حال السلف الصالح، وهذا يخالف المنطق والعقل لأن حالنا لم يعد كحال السلف الصالح بل إن الدعوة يجب أن تكون لتطوير المنهج والفكر الإسلامي ودفعه إلى الأمام لا الرجوع به إلى الوراء ولهذا يبعث الله للمسلمين من يجدد أمر دينهم كما قال الحديث الشريف. ومن يسمع حديثهم يعتقد أن حال السلف كان جنة الله في أرضه متناسين أن السلف عندما اختلفوا سياسيا قتل بعضهم بعضا وقتلوا حفيد رسول الله وعقروا ناقة أم المؤمنين عائشة وقتلوا أول مسلم من الصبيان والراقد في فراش رسول الله ليلة الهجرة، وعذب حكامهم أئمة الفقه ورجال الدين لمجرد الاختلاف في رأي (نذكر كمثال لا للحصر تعذيب المأمون للإمام أحمد بن حنبل عليه السلام عندما اختلفوا حول خلق القرآن أم تنزيله) وسقطت دول السلف دولة تلو أخرى ليس لعدم صلاحهم أو لقلة معرفتهم بالدين ولكن لأنها محض سياسة … نحن لسنا في العالم الثالث لأننا أهملنا ديننا بل نحن مستضعفين لأننا أهملنا العلم والعقل والمعرفة والتجربة الإنسانية وهي نفس العوامل التي دفعت بالغرب إلى صفوف العالم المتقدم حين أخذوا بها وبقينا نحن في مكاننا إلى أن ندرك الحقيقة ونبدأ العمل. وهذه الدعوة ليست دعوة لترك الدين والعمل بالدنيا بل هي دعوة للعمل بالدنيا واستصحاب هذا الدين العظيم الذي يقدس العلم ويرفع الذين آمنوا وأوتوا العلم درجات. ونحن لا ننكر على من يفهم الدين ذلك الفهم المتحجر حقهم في أن يدعو لما يؤمنوا به ولكن الذي ننكره هو ادعاؤهم الحق في قسر الناس على اتباع ذلك باعتباره رسالة الإسلام التي لا معدى عنها ولا فهم للإسلام بسواها، وأن ما سواها هو الكفر والفسوق.
ليس المقصود من هذا أن ألبس التنوير أو العلمانية ثوبا أبيضا أو أن أدعي أسلمتها إنما عملا بمنهج ديكارت القائل بأن جميع النظريات قابلة للشك المنطقي والمنهجي وإلى تحليلها وإعادة قراءتها ثم تركيبها ثم تطبيقها، حتى وإن كانت بديهيات أو مسلمات. وهذه بدورها لا تنطوي على ردة لأن الإسلام دين منطقي وعقلاني، فإذا ما أخضعنا عقلانيته للعقل فمن الطبيعي أن يتم تحليله وفهم أبعاده بصورة أفضل.

صوفية الإسلام في السودان …
التصوف علم يبحث عن الذات الأحدية، وأسمائه وصفاته وبيان مظاهر الأسماء والصفات وخفاياها ويبحث كيف الوصول إلى هذه الذات ومتصوفة الإسلام زادوا بيان حال وفضل ومعجزات وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وبيان فضل آله الطيبين وكذلك أهل الله من العلماء والفقهاء والمتصوفين وكيفية سلوكهم ومجاهدتهم ورياضتهم وبيان فضائل الأعمال والترغيب فيها. وربما كانت قصائد أبونا البرعي في مجملها تحوي هذا التعريف الذي لم أجد أفضل منه. ومن نفحات المتصوفة أن قال أحد العارفين: من كان نظره في وقت النعم إلى المنعم لا إلى النعمة، كان نظره في وقت البلاء إلى المبلي لا إلى البلاء فيكون في جميع حالاته غريقا في ملاحظة الحق، متوجها إلى الحبيب المطلق وهذه أعلى مراتب السعادة. ويقول الشريف الرضي: تاهت العقلاء في ذاته تعالى وصفاته لاحتجابها بأنوار عظيمة، وتحيروا في لفظ الجلالة كأنه انعكس إليه من تلك الأنوار أشعة بهرت أعين المستبصرين.
ويقول الشيخ العارف الواصل محي الدين بن عربي المتوفى سنة 438 للهجرة:

لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعا لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه
فالحب ديني وإيماني

والحب هنا ليس حب قيس وليلى ولا حب جميل بثينة، بل هو الحب كقيمة في حد ذاته وهو حب العبد لله وحب الله لعبده .. الذي إذا جاءه بملء الأرض خطايا أتاه بملئها مغفرة ، وهو الحب الذي في قلب المسيح و قلب غاندي نحو الإنسانية والخير و الحق والجمال والمثل العليا، وحب الخير والحق والجمال إنما هو حب الله، وهو الحب الذي تحدث به أئمة الصوفية وتغنوا به. تذكرني هذه الأبيات بمقولة لمحمد أحمد المحجوب: إنما مثلنا الأعلى .. حفاظنا على ديننا الإسلامي وتمسك بتراثنا العربي مع تسامح شامل وأفق فكري واسع وطموح يجعلنا نقبل على دراسة الثقافات الأخرى.
ويقول أحد الصوفية: إن الله خلق الإنسان على صورة أسمائه الحسنى فهو محل لظهور أحكام هذه الأسماء وصفاتها وقابل لتجليات الحضرة الربوبية، الإنسان هو العالم الصغير الذي فيه انطوى العالم الكبير وهو الكتاب الجامع والعالم الطبيعي صفحات لهذا الكتاب، يقول الله في حديث قدسي: "لم تسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن".
والمدارس الصوفية باختلافها كان لها الدور الأبرز في انتشار الإسلام في السودان، فقد اخترقت الحركات الصوفية الحواجز القبلية والإقليمية وتجاوزت بمسلكيتها الأخلاقية أطر التعصب ، وذكر الدكتور يوسف فضل في كتاب له عن الشلوخ، أن هناك العديد من الشلوخ نسبت إلى شيوخ الطرق الصوفية وتبعها مريدو الشيخ والمتبعون لطريقته وتشلخوا بها.
كانت حملة عبد الله بن أبي السرح على دنقلا، بداية تعرض السودان للفتح الإسلامي ومع ذلك لم تتأثر حياة النوبة بالإسلام فقد عقدوا مع العرب اتفاقية البقط في دنقلا العجوز العاصمة المسيحية وقد ارتضى المواطنون فيها دفع الجزية للعرب. أما الذين اعتنقوا الإسلام فغالبا ما كان ذلك هربا من دفع الجزية لأن معظمهم عاد إلى ممارسة الطقوس المسيحية بعد ذهاب جيش ابن أبي السرح إلى مصر.
وفي 1276 أرسل الظاهر بيبرس حملة أخرى قوية استطاعت هدم مملكة المقرة المسيحية وتدمير الكنائس في عاصمتها دنقلا العجوز. وهنا بدأ دخول العرب وبالذات الفارين من الحكم الأموي وأغلبهم كانوا من المتصوفة الذين دانوا بالولاء لعلي بن أبي طالب إبان حربه مع الأمويين في بداية دولتهم.
اهتم الدعاة وجلهم من التجار والبدو الرحل والمهاجرين من الجزيرة العربية بنشر هذا الدين وهم ممن تنقصهم الثقافة الدينية العميقة فقد ركزوا على السمات العامة للدين دون التفاصيل المرهقة أو المقيدة .
تكونت دولة الفونج بعد أكثر من 200 سنة بتحالف قبائل الفونج مع قبائل العبدلاب العربية الأصل ليشنوا هجوما على مملكة علوة -آخر المعاقل المسيحية في السودان- ودمروا عاصمتها سوبا حتى أطلق المثل (خراب سوبا). وإذا تحدثنا عهد دولة الفونج 1504-1821م وهي أول دولة أطلق عليها مسمى دولة إسلامية في السودان. فقد كان إسلامها لا يعدوا أن يكون اسميا فقط، إذ يقول محمد النور ود ضيف الله في طبقاته نصا يوضح علاقة السودانيين بالدين فيقول عن دولة الفونج أنه لم يشتهر في تلك البلاد مدرسة علم ولا قرآن ويقال أن الرجل كان يطلق المرأة ويتزوجها غيره في نهارها من غير عدة.
بعد الاستقرار النسبي الذي حققته دولة الفونج اجتاحت الحركات الصوفية السودان بأكمله دون جنوبه ونهل السودانيون من تعاليمها بل فضلوها على المدارس الفقهية السلفية وكما يحلل ذلك محمد أبو القاسم حاج حمد قائلا كانت الصوفية (وليست الفقهية السلفية) هي التيار الوحيد القادر على تمثل واستيعاب الحالة الفكرية السائدة (قبل الإسلام في السودان) .. مفهوم الحكيم في الثقافة الإفريقية يسقط نقسه على شيخ الطريقة، دائرة الرقص تسقط نفسها على حلقة الذكر وما بها من إيقاع جماعي .. وعبر هذه الإسقاطات المختلفة تمثلت الصوفية في السودان أبعاد الروحية الدينية الإفريقية ثم استوعبتها في إطار الدين الإسلامي وتطورت بها إلى صورة فقهية أكثر تحديدا. فقد مدت الحركات الصوفية يدها فتناولت مفتاح الشخصية الإفريقية وهنا بالضبط فشلت تيارات السنية النصية وكان مقتل الظاهريين وفقهاء مصر في بداية دولة الفونج .
وبعد استيلاء محمد علي باشا على مقاليد الحكم في مصر بدأ يمد عينيه إلى ما متع الله به الشعب السوداني من الأجسام والأراضي والكنوز وأرسل حملاته المسعورة لجلب الرقيق والخيرات حتى أسقط دولة الفونج في 1821م. وبدأت الدولة التركية السابقة كما يسميها السودانيين ولم يكن السودان وقتها بالنسبة لدولة محمد علي باشا في مصر سوى مصدرا للرقيق وأرض جباية للضرائب التي أنهكت كاهل المزارع والمواطن السوداني.
أرسل السيد أحمد بن إدريس زعيم الأدارسة تلميذه محمد عثمان الميرغني الكبير سنة 1834م . من الطائف بالجزيرة العربية إلى مناطق غرب البحر الأحمر لينشر التعاليم الإسلامية هناك وقد لقي الميرغني حظا وافرا من القبول والمحبة والأتباع والمريدين هناك وتركز ذلك النفوذ الديني ما بين أسوان و دنقلا و أسرع الكثير من أهل النوبة وسلكوا طريقته. وانتشرت طريقته بعد وفاته بواسطة خلفائه وأبنائه لتصل إلى سواكن وكسلا وإرتريا و مصوع وجنوب غربي الحبشة. وقد عاصر الميرغني طوال حياته (1793م – 1853) صراعات الوهابيين السلفيين ذووا الفهم الحجري للدين الإسلامي، القادمين من الدرعية في نجد، ضد الحركات الصوفية وضد الأشراف في مكة والطائف و مختلف أرجاء الحجاز. وهذه الصراعات قد تكون أحد الأسباب الذي دفعت الإدريسي لإيجاد مناطق نفوذ غرب البحر الأحمر عبر تلميذه الميرغني لمواجهة الخطر السلفي الذي يتهدد الدعوة متمثلا في الدولة السعودية أو الحكم الوهابي السلفي النصي. والطريقة الختمية هي إحدى الطرق واسعة الانتشار في السودان ويبدوا واضحا أن الطريقة ومنذ دخولها السودان كانت معادية للاتجاه السلفي أو النصي المتحجر وهو السبب الذي أدى لدخول إمام الطريقة إلى السودان.
وفي لبب وهي جزيرة بالقرب من دنقلا ولد محمد أحمد بن عبد الله سنة 1844م. فنشأ وترك صنعة أهله وكانت صناعة المراكب وأحب العلم الديني فدرس على يد العديد من المشايخ واشتهر بتقواه وورعه وزهده وحبه للخير ونصرته للحق. وفي شبابه تاقت نفسه إلى التصوف فتعلم عند الشيخ محمد شريف نور الدائم وهو أحد كبار قادة الطريقة السمانية في السودان ثم غادر إلى الجزيرة أبا ليكون مدرسة صوفية نهل منها أهل المنطقة واستقطبت الكثير من السودانيين.
جمع الشيخ محمد شريف نور الدائم قادة الطرق الصوفية وكان فيهم المهدي، عارضا عليهم إنشاء سلطة بديلة للحكم التركي الذي أرهق العباد ظلما وضرائبا واستغلالا وتعذيبا، لكن الشيخ عبد المحمود نور الدائم اعترض على تلك الدعوة وكره هذا الرأي واعتبرها جريا وراء السلطة ووافقه العديد من المشايخ. ولهذا رفض محمد شريف دعوة المهدي إلى الدولة المهدية فيما بعد.
وفي عام 1881م قال محمد أحمد بأنه هو المهدي المنتظر ودلل المهدي على مهديته بأحاديث نبوية ورؤية رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد أخبره بذلك كما دلل أيضا بأحاديث منقولة عن الشيخ ابن عربي والشيخ أحمد الإدريسي أستاذ الميرغني الكبير. وكتب ذلك إلى قادة الحركات والطرق الصوفية في أرجاء السودان وقام بزيارة بعضهم والتف عدد منهم حوله وتعلق أمل السودانيين في المهدي الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملأها الأتراك (التركية السابقة أو الحكم المصري التركي الذي بدأه محمد علي باشا) جورا وتعسفا وقهرا.
والعديد من قادة الطرق لم يقبلوا الدعوة بصفتها خارجة عن الإطار الصوفي الداعي إلى الإصلاح بالتي هي أحسن. وقد كان قادة الصوفية في السودان يهربون من الحكم والسلطة كهروب الصحيح من المجذوم كما يقول حاج حمد. مع العلم أن المدارس الصوفية السودانية كانت تنهل من مصدر واحد ولعل كتاب الفتوحات المكية لابن عربي هو المصدر الأساسي لها. إلا أنهم اختلفوا حول قبول مهدية المهدي من عدمها وحول تسويس الحركة. وقد كانت دعوة المهدي التي تضمنت تكفير كل من لم يؤمن بمهديته سببا في إثارة الرأي ضده. كما أن المهدي انتهج نهجا دمويا لمحاربة أعدائه ومن لم يؤمنوا بمهديته مما أدى إلى المزيد من التباعد بينه وبين قادة الطرق الصوفية التي لم تنضوي تحت رايته.

المثقف السوداني والمنهج التنويري …
فارقت دولة المهدي الإطار الصوفي للدين وانتهجت نهجا راديكاليا شبيه بذلك الذي تلبسه الحركات السلفية حتى في أحكامها الفقهية، رغم أن قرارات الخليفة التعايشي الذي خلف المهدي المتوفى عقب فتح الخرطوم بأشهر، كانت قرارات في معظمها مأخوذة من رؤيته للمهدي أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو نبي الله الخضر في المنام وكان يدير أمر دولته بواسطة هذه التجليات الصوفية، إلا أن الفكر الصوفي لم يكن متمثلا في بنية الدولة المهدية الإدارية والتنظيمية والسياسية.
ومع مرور الأيام تحولت أكبر الحركات الصوفية انتشارا في السودان الختمية والمهدية أو الأنصار إلى طوائف أكثر من كونها طرقا صوفية. وبدأ أرباب هذه الطوائف يخوضون المسرح السياسي في فترة الحكم المصري الإنجليزي فتارة هذا مع هؤلاء أو ذاك مع أولئك ليصونوا مصالحهم وأموالهم ونفوذهم في السودان. واصطدمت الطائفتان بعد ذلك بالقوى الحديثة الصاعدة في السودان لتقف الطائفية بجانب الاستعمار ضد القوى الحديثة التي تفاعلت مع الثورة الوطنية المصرية الرافضة للاستعمار. وبدأ المثقفون السودانيون ينتشون بانتصارات الثورة المصرية ويخططون ويحلمون لنظيرة لها في السودان فكانت جمعية اللواء الأبيض بقيادة علي عبد اللطيف وهو ابن قبائل الدينكا الجنوبية.
شنت الطائفتان حملات معادية للمثقفين ولجمعية اللواء الأبيض وثورة 1924. وقد كال حسين شريف رئيس تحرير جريدة حضارة السودان وهي الناطق الرسمي باسم علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي والشريف يوسف الهندي أي الناطقة باسم الطائفية والتي دعمها رجال الحكم البريطاني، كال رئيس التحرير للشعب الذي ثار بثورة 24 وانتفضت الخرطوم و بورتسودان و عطبرة. وكتب رئيس تحرير جريدة الطائفية تلك:إن البلاد قد أهينت عندما تظاهر أصغر وأوضع رجالها … إنها لأمة وضيعة تلك التي يقودها أمثال علي عبد اللطيف ..إن الشعب ينقسم إلى قبائل وبطون وعشائر ولكل منها رئيس أو زعيم أو شيخ .. من علي عبد اللطيف هذا وإلى أي قبيلة ينتسب؟؟. ونسي الكاتب أن شرف علي عبد اللطيف ليس في انتسابه لقبيلة معينة بل في انتساب السودان كله لعلي عبد اللطيف. و حينها زمجرت الخرطوم وعلي عبد اللطيف في سجن كوبر وأخرجت أشعارها المخبوءة:
ألا يا هند قولي أو أجيزي
رجال الشرع أضحوا كالمعيز

ألا ليت اللحى كانت حشيشا
فتعلفها خيول الإنجليز

وهكذا وقف المثقف في وجه الاستخدام المشين للدين الحنيف وكأنه يقول لا قدسية لمفهوم ديني يقف في وجه المنطق والعقل والوطن.
واستطاع مد المثقفين رغم تشعبه وتخبطه الذي أراه طبيعيا، استطاع أن يجر الطائفية إلى مواقعه ليتبنوا النداء الوطني الداعي إلى حرية الشعب السوداني وجلاء المستعمر الأجنبي. ونظرة خاطفة إلى تاريخ استقلالنا تشهد بوطنية السيد علي الميرغني والإمام عبد الرحمن المهدي وكفى بالدموع شهيدا يوم رفع الزعيم إسماعيل الأزهري يدا بيد محمد أحمد محجوب، علم السودان ذا الألوان الثلاثة الأزرق والأصفر والأخضر، إعلان استقلال أمة كافحت وناضلت وبذلت من كل غال ونفيس من أجل حريتها.
وهنا بدأ فصل آخر وهو دخول الطائفية إلى معترك السياسة السودانية وهو ليس فصل فحسب بل يلزمنا دراسة نفند فيها هذا الموضوع.
مرت لتك الفترة وصراع الدين والدولة يدور في الخفاء فالمثقفين أمثال عرفات محمد عبد الله، أحمد خير، معاوية محمد نور ومحمد أحمد محجوب والهادي العمرابي وتوفيق صالح جبريل وأبناء مدرسة أبو روف الاتحادية الذين شكلوا جزءا هاما في جمعية ود مدني الأدبية والتي من خلالها أطلق أحمد خير الدعوة لإنشاء مؤتمر الخريجين. ومختلف الكتاب والأدباء الذين امتلأت صفحات مجلة النهضة ومجلة الفجر بكتاباتهم في الحرية وتحرير المرأة والقومية والاشتراكية ونقد العقلية التقليدية. وتبنت الفجر خط وطني متنابذ مع الطائفية والقبلية وساعيا بكل جهد لتمييز المثقف السوداني بمواقف الحداثة والتجديد.
وليس أوضح من انفتاح المثقف السوداني على الثقافات الأخرى من سياسة طلاب كلية غردون في مواجهة قرار الاستعمار بإلغاء ألف وظيفة وتخفيض مرتبات الموظفين السودانيين فقد قرروا مقاطعة البضائع البريطانية وطالبوا المجتمع بمقاطعتها كما صاموا عن الكلام واعتصموا تماثلا مع دعوة غاندي القائمة على الكفاح السلمي والعصيان المدني. وانقسام مؤتمر الخريجين إلى قسمين أحدهم بقيادة أحمد الفيل والثاني بقيادة محمد شوقي. وقد سميتا مجموعتي الفيلست و الشوقست.. الشوقست أدانت الإضراب الذي تبناه طلبة كلية غردون خوفا من مزيد من البطش على يد الإدارة البريطانية وهرعوا إلى السيد عبد الرحمن المهدي ليقنع الطلاب بالعدول وكانت هذه أول بارقة لتبني المهدي لما سمي لاحقا بحزب الأمة. أما الفيلست فقد أيدوا الطلاب المضربين. بذلك اختار كل شق منهم درب مقاومته للمستعمر فقد مال الشوقست إلى الاستكانة والسلم أكثر حتى من دعوة غاندي أما الفيلست فقد جنحوا إلى المواجهة.
وليس أوضح من أن الصراع كان قائما آن ذاك من مقالة محمد أحمد محجوب التي كان عنوانها "قضاء على حصون الرجعية" في مجلة النهضة والتي لقيت معارضة من أنصار الفكر التقليدي فكتب مواطن مقالة يصف فيها المقال بأنها كلمات محفوظة من بعض ملحدي الأمم الخارجة عن الأديان ويلقي اللوم على التعليم اللاديني ويوقع مقاله باسم رجعي من بورتسودان. وساند كاتب آخر من القضارف، رجعي بورتسودان في مقال سأل فيه الشباب عما جنوه من التعليم غير التفرنج والتقليد الأعمى قائلا وإن كانت هذه نتيجته بيننا ونحن الشبان فكيف تكون بين فتياتنا آلائي لم يهبهن الله عقلا؟ والله إنها لطامة كبرى.
مصرع القداسة على أعتاب السياسة .. كان ذلك هو شعار الحزب الوطني الاتحادي ليأتي معبرا عن توجهاته الفكرية بكل وضوح، ولأرد به على كل الذين يتشدقون رغم جهلهم بأننا انحرفنا عن مسار الحزب. ولم يكن غريبا أن يكتسح الحزب في 1953م الانتخابات النيابية الأولى في تاريخ السودان بأغلبية مطلقة.
أما بعد الاستقلال فقد عادت القضية إلى السطح بشكل واضح بالذات في الفترة التي تلت ثورة أكتوبر المجيدة. في خضم الحديث والنقاش حول دستور السودان. وشهدت تلك الفترة أكبر خطأ انتهجته الأحزاب في حق الديمقراطية والليبرالية السياسية باسم الدين، عندما كشرت جماعة الأخوان المسلمين عن أنيابها فرحة بل حق لها أن تحتفل عندما استطاعت أن تجر البرلمان إلى قرار حل الحزب الشيوعي وطرد أعضاءه من البرلمان وتبعها في ذلك الاتحاديون وحزب الأمة للمكاسب السياسية التي ستؤول لكل منهما. عندها خرج بيان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ليثبت الطلاب وكعادتهم دوما أنهم صمام الأمان الوطني الذي يصون الديمقراطية وورد في لبيان:
يا جماهير شعبنا لقد استطاعت بعض العناصر التي تقف في ضد التطور السلمي الديمقراطي لبلادنا أن تتسلل خلف شعار الدفاع عن الدين وتستغل هذا الحادث الفردي وتصور هذه القضية الأخلاقية كأنها نزاع سياسي ذلك لا لشيء إلا لضرب الديمقراطية وتصفيتها وكان أن خرجت مظاهرات تجوب شوارع العاصمة بتحريض من خطباء المساجد لا للدفاع عن الدين ولا لحماية البلاد ولا لحل مشاكلنا الخانقة بل فقط لمكسب حزبي رخيص وفرض طريق رفضته جماهير شعبنا منذ أكتوبر 1964. إننا نؤمن إيمانا جازما بأن الزج باسم الدين هي إساءة لمعتقداتنا لأنها تجعل من الدين مطية للأهواء والمطامع السياسية المنحرفة.
والحادث الفردي الذي تحدث عنه البيان هو أن طالبا في معهد المعلمين كان قد أساء للإسلام وادعى أنه ماركسي. وبغض النظر عن كونه ماركسيا أم لا! فكما قال البيان هو حادث فردي أدى إلى طامة ديمقراطية في البلاد وتعدي على مفهوم الديمقراطية والليبرالية السياسية.
وبعدها أتى نميري .. وبعد تخبط فكري وسياسي أتى ليطبق لنا قوانينه الإسلامية التي عزف الشعب حتى عن أن يسميها إسلامية فالإسلام منها براء، فسميت قوانين سبتمبر والتي صفقت لها الجبهة الإسلامية كثيرا لا لشيء إلا لأنها تعلم جيدا أن قوانينهم هذه لن تأتي إلا بالقوة ولن يقبلها الشعب السوداني بتعدديته وثقافته ووعيه. وأيضا أعادت الأحزاب الكرة مرة أخرى عندما أمنت للإمام نميري فعاد حزب الأمة بقيادة الصادق ليؤكد لنا أن الحديث عن منهج تحديثي مازال أمامه الكثير لكي يقف جنبا إلى جنب المدارس الفكرية الأخرى وكذلك فعل الميرغني. بقي الشهيد الشريف حسين الهندي ومعه جماهير الحركة الاتحادية ليشكلوا من جديد وبقيادة الشريف، الجبهة الوطنية الديمقراطية في نوفمبر 1979م، متحالفين مع القوى التنويرية أو اليسارية. ومن جديد جاءت الحركة الطلابية لتسجل شموخها فقد فاز التحالف الجديد في انتخابات جامعة الخرطوم في مارس 1980م، معلنين بذلك وقوفهم الصادق مع الديمقراطية رافضين أن ينخدعوا بأي شعار براق أو كذبة واهمة أو ينقادوا خلف القادة في اعوجاجهم الفكري ودخولهم في أزقة التاريخ والسياسة.
وجاءت انتفاضة الشعب في 85م لتسقط الطاغية نميري وبعد عام من الحكم الانتقالي من جديد ترك المسرح للطائفية وكانت الجبهة الإسلاموية في صفوف المعارضة ريثما تحل مشكلات تنافسها مع الصادق المهدي حول شرعية التحدث باسم الصحوة الإسلامية وحول تبني نفس القوانين السابقة (قوانين سبتمبر) معدلة أو مستبدلة . أما الحزب الاتحادي الذي قاده مولانا محمد عثمان الميرغني عقب استشهاد الشريف حسين الهندي وهو في أوج حربه مع الطاغية نميري. فقد سار الحزب بموازاة الشارع السياسي ليخرج برنامج الحزب الاتحادي أيضا باسم الصحوة الإسلامية صافعا التوجه الفكري للحزب منذ نشأته ومنجرفا مع التيار السائد.
أبرم الميرغني و قرنق اتفاق أديس أبابا في نوفمبر 1988م والذي قضى بتجميد قوانين سبتمبر وحل مشكلة السودان في جنوبه وعاد الميرغني ليستقبل بطلا في السودان، رغم تململ الصادق من الاتفاقية وخلافه مع الميرغني حول تنفيذها. وكان للصادق المهدي مبرران للاختلاف مع الميرغني والتحالف مع الجبهة الإسلاموية، الأول هو اعتقاده بأحقيته في حل أزمة كأزمة الجنوب نظرا لأحقيته وأهليته التاريخية لذلك والثاني أن برنامجه يدعو إلى صحوة إسلامية ويأتي تجميد قوانين سبتمبر عقبة في طريقها كما رأى. إلا أن الأمل لاح لجميع السودانيين. ففي فبراير 1989م وقع 29 حزب ونقابة (68 حزبا ونقابة كما ورد في الإنقاذ الأكذوبة .. الوهم - إسماعيل أحمد محمد ، وديع إبراهيم) على برنامج السودان الانتقالي والذي قرر التحضير للمؤتمر القومي الدستوري في 4/7/1989م. وهكذا كانت ستنتهي محنتان للشعب السوداني في آن واحد، حربه في الجنوب ومشكلة دستوره العالق منذ الاستقلال وكانت تلك الاتفاقيات محل إجماع الشعب السوداني ماعدا الجبهة الإسلامية القومية. لأن تلك الاتفاقية كان من شأنها أن تهدم الخطاب السياسي للجبهة الداعي للجهاد ضد زمرة الأوباش في الجنوب كما يقولون. وكان الانقلاب خيارا مصيريا للجبهة لأن عدمه يعني إنهاء الحرب ووضع دستور للسودان أي إنهاء وجود الجبهة في الساحة السياسية. وجاء الانقلاب على عجل حتى دون وجود خطة مدروسة للحكم بعده فعلى سبيل المثال بدأت بإحكام الرقابة على النقد إلى درجة تطبيق الإعدام بسبب التجارة في العملة لتتحول فيما بعد إلى سياسة السوق المفتوح والرأسمالية الفاضحة وكأن شيئا لم يكن. ولا حاجة لنا لتعرية النظام والحديث عن الانتهاكات التي قامت بها حكومة الجبهة باسم الإسلام وباسم إنقاذ الوطن فقد خبرنا سياسة بيوت الأشباح والتصفية الجسدية والمهنية والأكاديمية والاقتصادية… الخ. بالفعل لا حاجة لنا لتعرية النظام فهو يفعل ذلك بنفسه وإن ادعى جنوحه إلى الديمقراطية والتسامح والعدل في الفترة الأخيرة (كما يدعي) إلا أن الحق لا يقوم وأساسه باطل.
لم يكن مشروع الإنقاذ سوى استكمالا لمسيرة الطاغية نميري أو بالأصح استكمالا لمسيرة الجبهة الإسلامية التي وسوست لذلك الطاغية إلى أن نصبته إماما وخليفة إسلام ووسوست له إلى أن أعدم الأستاذ محمود محمد طه الذي كان أيضا يدعو لنهج إسلامي تجديدي .. وأتت لتكمل مشروعها الذي وأده الشعب بانتفاضة أبريل. لهذا لم يكن غريبا أن تبدأ الجبهة بإعادة قوانين سبتمبر83 في 91م مرة أخرى وتعيد سياسية النظام العام على السلوك الشخصي والمظاهر العامة للمجتمع وتستمر في تعاطي إشكالية الجنوب بإضافة العنصر الديني، ضاربين بحق المواطنة عرض الحائط لينقسم الوطن إلى مسلمين وغير مسلمين. واستمرت حملت النظام لأسلمت المجتمع قسرا .. وكانت النتيجة طبيعية .. انحلال أخلاقي واجتماعي في ظل انضباط مظهري شوفيني .. ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الإصابة بالإيدز في ظل تكتم من الأجهزة الرسمية.. تكدس رأس المال في أيدي رجالات الجبهة وتدني المستوى الاقتصادي للمواطن وإدعاء توفير كافة الخدمات والسلع رغم تردي أحوال المواطنين .. حتى الكهرباء التي صرنا ندفع ثمنها مقدما فإننا لا نجدها… كل ذلك وأكثر باسم الإسلام.
وأتت حملت النظام التي شنها على إعلان القاهرة متناسيا تماما أن هذا ما احتفل به السودانيون قبيل الخاتم من يونيو 89م وأتى هو ليجهضه وليدعم الحرب لمزيد من الخراب ويجبر الشعب على حرب أصلا لا يطيقها ولا يريدها وما زال يبث دعواته باسم الجهاد ويسجل برنامج في ساحات الفداء لكسب المزيد من الشباب ليلقي بهم إلى التهلكة ويغرر بآمالهم وتطلعاتهم وعاطفتهم تجاه دينهم. ورغم ذلك اكتسح تحالف القوى الديمقراطية انتخابات جامعة الخرطوم حتى رغم حملات التكفير التي نالت بعض أعضاء التحالف، لكن الخطير في الأمر هو أن تنظيم أنصار السنة المحمدية حصل عدد مرتفع من الأصوات. وكان ذلك مؤشرا لتراجع الخطاب التنويري في الساحة هناك وهو ما دفعني بإلقاء هذه الورقة لإعادة تسليط الضوء على القضية.
إن الذين يتحدثون عن أن نهج الإسلام السياسي في السودان هو سمة طبيعية في المجتمع السوداني إنما يجهلون أو يغالطون أنفسهم لأن تجربتي نميري والجبهة الإسلامية لم تطبقا إلا في إطار ديكتاتورية ترفض الآخر لأن وجوده يعني زوال دعوتهما. أو ربما أن السودان خلال عقدين من الزمان حكم بديكتاتورية إسلاموية أنست البعض من هو الشعب السوداني. والحديث هنا عن نهج الإسلام السياسي وليس عن الإسلام كقيمة روحية واجتماعية وأخلاقية في المجتمع السوداني. أقول هذا لكي لا أجد اسمي مدرجا في قائمة التكفير التي تبناها بعض الإسلامويون مؤخرا في الخرطوم وأهدروا دم عشرات الكتاب والصحفيين، لأنهم عجزوا أن يطلقوا رصاص الجهل إلى عقولهم فأرادوا أن يطلقوا النار على قلوبهم.

-------------
المراجع والهوامش:-
- القيد الذي أدعو لكسره ليس قيد الدين..لأن الدين ليس قيدا أصلا .. إنما هو قيد التحجر والتخلف والرجعية التي تأتينا باسم الدين في أكثر الأحيان.
- الهادي عثمان العمرابي - مجلة الفجر 1953.
- الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية .. الشيخ محمد عبده.
- الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية .. خليل عبد الكريم.
- الشيخ أبو حامد الغزالي صاحب إحياء علوم الدين المتوفى سنة 505 هـ.
- د. منصور خالد . لا خير فينا إن لم نقلها.
- النقل هنا هو النص أو ظاهر الشرع من قرآن أو سنة.
- الشيخ محمد عبده .. الإسلام دين العلم والمدنية .. أصول الإسلام .. تحقيق د. عاطف العراقي
- ابن رشد .. فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال
- منصور خالد .. لا خير فينا إن لم نقلها.
- أعلام الموقعين .. ابن القيم الجوزية.
- الصادق المهدي .. الإسلام النظام العالمي الجديد .. إصدار مركز الإعلام الخارجي لحزب الأمة.
- الكشكول .. الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين العاملي المتوفى سنة 1031هـ.
- حديث قدسي.
- السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .. محمد أبو القاسم حاج حمد.
- مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي .. د. يوسف فضل
- دولة الفونج أو سلطنة سنار أو السلطنة الزرقاء.
- السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل
- وهو من تنسب إليه الطريقة الميرغنية في السودان
- الأدب الصوفي في السودان .. د. الطاهر البشير .. النص والترجيع من السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .
- السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .
- النهضة .. المصدر السابق
- المصدر السابق.
أرشيف ووثائق رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين السودانيين – باكستان.
الإنقاذ الأكذوبة .. الوهم – إسماعيل أحمد – وديع إبراهيم



#هاني_أبوالقاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هاني أبوالقاسم محمد - مصرع القداسة على اعتاب السياسة