أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - المتخفّي إلى أحمد الغريب..!















المزيد.....

المتخفّي إلى أحمد الغريب..!


طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 2783 - 2009 / 9 / 28 - 23:05
المحور: الادب والفن
    


كنت أعبر إلى الضّفّة الأخرى من الشّارع عندما اقترب منّي مبتسماً، وكأنّه يعرفني، حاولت أن أتذكر من يكون، لكني لم أعرفه.
ظننته يقصد غيري، لكنّه مد يده مصافحاً، مددت يدي متردداً صافحني، وقلب يدي، قطعة صغيرة مغلّفة استقرّت في باطن كفّي، سحب يده ببطء قبضت على القطعة اختفى في الزّحام عندما كنتُ أدور في دوائر باردة المركز صقيعيّة الحواف..!!

* * *

عزيزي... لا تستغرب أننا نناديك بهذه الكلمة، فأنت ترفض أن نناديك بما نتنادى به..
من يرى الحقيقة، ويدير ظهره لها أشبه بالخنزير..
لكنك لست خنزيراً ، أنت جبان فقط..
التاريخ لأصحاب القضايا العادلة ..
التاريخ لنا..
مساءً..
تذكرت من يكون..
إن الذي هربت منه منذ زمن يتبعني الآن..
أنا لا أريد أن أنتمي لتحيز ما..لتحيز بعدسةٍ أحاديةٍ..
هذه قناعتي..ولن يغيرها أحد..
شتمت.. سخرت.. وتمنيت أن يكون ما حصل هو نهاية الأمر..
في اليوم الثاني..
تكرر المشهد.. لم أتوقع أن أكون ضعيفاً لهذا الحد.. لم أكن أريد أن أبقى صامتاً..
اقترب مني المتخفي خلف ابتسامته.. سلمني رسالة أخرى برجاء آمر ومضى...
"عندنا حالة طارئة لا نجد سبيلاً لحلّها الآن ...
لا يترتب عليها شيء ذو قيمة.. ونعرف أنّك تقدر أن تساعدنا..
المكان...
الزمان...
إشارات التعارف... "
وداعاً...
قرأت الرسالة عدة مرّات لأعرف من أرسلها؟!
أهو شخص بعينه أم مجموعة ؟! إن "نا" بـ "عندنا" تدل أن مجموعة أرسلتها وليس شخصاً بعينه.. وهنا تكمن المشكلة!!.
لقد ذكرتُ أكثر من مرّة أني غير أهل لأخوض في الأعماق، ولست قادراً حتى أن أطفو على السّطح..!!
لدي زوجة وطفل وبيت من غرفتين غير مكتملتين..
يعني لدي ما يشغلني بعيداً عن قضاياكم الملحّة أو المهمّة أو العادلة لا أعرف بالضبط ..!!
ثم إنّي أشعر بالخوف ... بالخوف فقط... لأن الوضع مخيف...
وقد قالوا أنّهم يتفهّمون موقفي !!
أنا خائف، ولديّ ما أقوم به .. أمّا فيما يتعلّق بالخنزير...
فقد تكون العبارة صحيحة ، لكني لا أستطيع أن أجزم، أن ما تنطق به حناجركم هو .. حقيقة.. أن ما ترونه بأعينكم هو الواقع.. على كل المقدمة جريئة.. لا..لا.. أعتقد أنها وقحة، وعلى الرغم من ذلك فإنكم تطلبون منّي إخفاء شخص لا تقدرون على إخفائه الآن لظرفكم الصعب..؟!!
أمّا غريبة ؟!! تشتمون وتطلبون المساعدة ؟!!
بصقت.. أحرقت الرّسالة دون أن تراني زوجتي ، وقرّرت أن أتجاهل كلّ شيء فأنا لديّ ما يشغلني..!!
لكن كيف وصلوا إليّ ؟!
من دلّهم عليّ الآن ؟!
من ذاك المتخفِّي ؟!
تلك اللّيلة .. أكلتني الوساوس.. وزوجتي أكلها القلق لما رأتني!!

* * *

خرجت على غير عادتي.. فسألتني زوجتي إلى أين؟!
وأجبتُ بسرعة.. أني لن أتأخّر !!
اشتريت جريدة ، وشرعتُ أبحث عن موقف باص بجوار مكتبة عامة اسمها النّورس ، أنتظر هناك رجلاً لا أعرفه سيعرفني من الإشارات..!! سأخفيه عن العيون بعض الوقت، ريثما يتم تأمين مكان آخر أكثر أماناً، ثم يتركوني إلى شؤوني الخاصة..
تفاجأت لما وجدت المكتبة بسرعة ..كنت اعرفها، لكني لم أعرف أن اسمها النورس .. ولم يلفت انتباهي الطائر الجميل الأبيض وهو يحضن دفّتي بوابتها بجناحيه الهائلين..
دقّقتُ ساعتي.. بقي على الموعد بعض الوقت .. سرت بهدوء إلى الأمام ألتفت كل لحظة إلى الخلف لأرى إن كان يتبعني أحدٌ ما..
قطعت نصف الوقت، ثم عدت أدراجي وبنفس الخطا والحذر اقتربت من الموقف، وقفت تحت مظلّته، أحمل جريدة باليد اليسرى، وأمسح ذقني باليمنى بين الفترة والأخرى، ليعرفني ذاك الذي لا أعرفه.
توقّفت سيارة عامة، ونزل الجابي ليسمح لي بالصعود..
لم أتحرك.. استغرب الجابي..
صرخ بسخرية : "خالص..." وامتطى السّيّارة من بوّابتها ببراعة..
قطع رجل أنيق الشّارع، واقترب من الموقف بحياد تام..
قفز قلبي إلى فمي أعيد الجواب لسؤال سيطرحه عليّ..
لكنّ الرّجل لم يكلّمني، لم يقترب منّي..؟!!
اقتربت سيّارة عامة أخرى..
لكنّ الرجل الأنيق لم يصعد مثلما أنا لم أصعد، ارتبك الجابي، وفتل رأسه مستغرباً..
ضربت الجريدة بفخذي ومسحت ذقني بكفي ليراني... لكنه لم يتحرك... يا اللــه.. إنّه.. إنّه..
نظّارته السوداء، لباسه الأنيق، ربطة عنقه، وقفته المنتصبة والصامتة... إنه من رجال الأمن..
اجتاحني شعور أنّي وقعت، ما خفت منه وهربت، يحضنني بين فكّيه، لقد انتهيت، الموعد مكشوف،
لن يمر وقت طويل، حتى يقترب مني أربعة رجال يكبّلوني، يدفعوني في سيّارة رمادية، ويقول رئيس الدّورية في جهاز اللاسلكي :
- سيدي... الهدف بين أيدينا..
غامت الصور، وضاءت اللّوحة بالإعتقال، مُضفيةً لون الصّمت على الأشياء .. كل الأشياء..
راقبتْ عيناي عيني الرّجل المتخفّي خلف نظّارتيه، تنتظران إشارة صغيرة منه، فيهرع الآخرون إلى تكبيلي بعقد معدني متحرك وصلب...
ألقى نظرة ثاقبةً إلى وجهي مباشرةً .. مسحتني.. جمدتني..
تخشّبتْ ساقاي.. صوت داخلي قال.. اهرب.. لكن كيف؟!
شعرت أنّ الكون صغير.. هلاميّ.. وأنا قشّة أطفو على سطحه..
شعرت أني وسط الأضواء في زاوية صغيرة مسيّجة.. وتحت سماء زرقاء ساكنة.. ساكنة وساكتة ... ساكتة تترقّب!!
أيقظني صراخ طفل صغير بين يديّ مربيّة على باب سيّارة عامة ، تحمل أطفال "روضة الواحة" اقترب الرّجل المتخفّي خلف نظّارتيه.. حمل الطّفل بيديه.. قبّله، وضع كفّه فوق رأسه ليحميه من حرارة الشمس..
ابتسم للمربيّة وحيّاها ، انطلقت السيّارة ، ومضى الرّجل يهرب من تأتأة طفله وطلباته الكثيرة بكلماته الدّوّارة:
- " بعدين بابا.. بعدين بابا..."
لحقت الرّجل كالتائه،توقفت من جديد، كنت سأصرخ، ألن تعتقلني...؟! ألست من سيعتقلني..؟!
ضحكت.. قهقهت، التفت المارّة إليَّ مستغربين..
نظرت في ساعتي، لقد مضى الموعد أخيراً ولم يأت من أنتظره، لقد انفتحت في وجهي أبواب السّماء، لقد خلصت ُمنهم... لقد انتهى الكابوس الآن...
دخلتُ منزلي.. قبلتُ زوجتي.. وحملتُ طفلي.. ولمّا طلب منّي أن أشتري له حلوى قلّدت صوت المتخفي خلف نظّارتيه "بعدين بابا... بعدين بابا"
استغربت زوجتي من محاولتي الفاشلة في جعل صوتي خشناً ورخيماً، طيّرت طفلي في محيط الغرفة لأطفئ بكاءه، وعندما سكت أعطيته لأمّه..
قرأت الجريدة .. تناولت طعامي.. مساءً خرجت مع زوجتي وطفلي نجوب الشوارع بخطانا البطيئة..
نام الطّفل بين يديّ.. عدنا لغرفتينا.. وضعت الصغير في سريره، وجلست بالقرب من زوجتي نشرب شاي المساء، ونشاهد حلقة أخرى من مسلسل السّهرة... سبقتني زوجتي إلى الحمام، ولمّا عادت أطفأتِ النّور.. خلعت ثيابها.. واستلقت في السّرير.. نهضتُ.. ودخلت ُ الحمام ثم خرجت.. نظفت أسناني.. اقتربت.. خلعت ثيابي على حافة السّرير..
دخلت تحت الغطاء، نتنفّس من دفئنا، ونبحث عن تفاصيلنا الرّطبة والحنونة.. ثم نمنا.. نمنا معاً..
مع تباشير الفجر الأولى، قرع باب غرفتينا برقّة، ثم علا الصوت قليلاً... قليلاً ..!!
نهضت بسرعة، ارتديت ثيابي، جلستْ زوجتي في السرير..
فاق الصغير يبكي!!
اقتربت متردداً، لأفتح الباب، انكسر الباب.. أربعة رجال يتخفّون خلف المفاجأة .. قلبوا غرفتي يبحثون عن شيء لا أعرفه .. قادوني إلى سيّارة رماديّة.. صوت رئيس الدّورية، ارتفع صادحاً:
- سيدي... سيدي... الهدف بين أيدينا... حوِّل...
قيدٌ صلبٌ لفّ يدي، وعصابة سوداء أخفت عينيَّ ، وأطفأت بكاء طفلي، وجزع زوجتي، وطائر نورس يفتح جناحيه، ويحضن غرفتين غير مكتملتين، تحت سماء زرقاء ساكنة..
ساكنة وساكتة... ساكتة تترقّب..؟!!



#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)       Taleb_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة التفاصيل - اعتقال من مطار دمشق ثم محكمة أمن الدولة - إل ...
- التهمة المعلّبة -من مذكرات معتقل سياسي علويّ-
- المعارضة القصيرة والباب العالي
- البعد الطائفي للنظام السوري والتسوية


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - المتخفّي إلى أحمد الغريب..!