أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الحد بين الثورتين البورجوازية و الإشتراكية















المزيد.....


الحد بين الثورتين البورجوازية و الإشتراكية


امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)


الحوار المتمدن-العدد: 2781 - 2009 / 9 / 26 - 18:17
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كثر الحديث عن دراسة الثورات في القرن 20 و التي اتسمت بالبعد الإشتراكي الذي وضع لينين أسسه النظرية و العملية بعد تحقيق الثورة الإشتراكية ببلد واحد و توسيع هذا المفهوم ليشمل عدة دول بعد الحرب الأهلية و الحرب الإمبريالية الثانية ، واختلف الدارسون حول تناول الثورتين الروسية و الصينية هذا الإختلاف الذي يطغى عليه التعصب الفكري و العقائدي لهؤلاء ، إلى حد تجاوز المنطلقات العلمية التي تتطلبها الدراسة التاريخية لمثل هذين الحدثين العظيمين ليصل إلى حد التنافر الأيديولوجي و السياسي بين الفريقين ، اللذان يتبادلان التهم حول المنظور التاريخي لمنطلقاتهما المتناقضة التي احتلت مستوى أيديولوجيا و سياسيا يقود إلى الكلام عن التقليد و التحديث في الفكر و النظرية ، الذي لا ندري إلى أين سيصل بأصحابه و متى سيتم وضع حد لمثل هذه المجازفات الجدلية غير العلمية ، فالتناقض بين الثورتين التي قادهما القائدان لينين و ماو جعلت هؤلاء يحددون انتماءاتهما الفكرية و النظرية بالصفتين المقرونتين باسم هذين القائدين ليتم الحديث عن الماركسية اللينينية و الماركسية الللينينيةـ الماوية ، محاولة لتجاوز منطلقاتهما الفكرية و النظرية كحد فاصل بين البعد التاريخي للمفهوم إلى الإنتماء الأيديولوجي و السياسي فينعت هذا الفريق الآخر بالتقليدية و يعتبر نفسه أكثر تقدمية من الآخر ، كما يفعل "الماويون المغاربة" انطلاقا من مقولة ماو :" إذ أن تفكيرهم يعجز عن مجاراة تغيرات الظروف الموضوعية فأظهروا أنفسهم تاريخيا في صورة الانتهازية اليمينية. إن هؤلاء الناس لا يدركون أن صراع التناقضات قد دفع العملية الموضوعية إلى الأمام، فبقيت معرفتهم في مرحلتها القديمة." ، و التقليدية بالنسبة لهم مرادفة للإنتهازية مما يدفع بهم إلى أن يكنوا العداء لمن يخالفهم الرأي من الماركسيين اللينينيين و من منطلقاتهم الفكرية و النظرية اللاتاريخية.
و هكذا يتم اقتران التقليد/القديم بالإنتهازية كما جاء في قول ماو الذي يتخذه "الماويون" للتغطية على عدم القدرة على تجاوز منطلقاتهم النمطية التي يحددها موقع الثورة الصينية اللاتاريخي في أذهانهم ، فيعتبرون كل عمل ابتغى فهم الواقع الموضوعي للأوضاع الراهنة و آفاق الثورة الإشتراكية انطلاقا من منطلقات الماركسية اللينينية عملا تقليديا ، غافلين كنه التقليد و التقليدية الذي بتجاوز البعد التاريخي للمفهومين ليصل إلى حد البنية الفكرية النمطية التي تريد إسقاط الإنتماء الأيديولوجي على أية قضية من القضايا السياسية و الإقتصادية الراهنة بشكل فج ، فالتقليد ليس فقط الرجوع إلى الوراء من أجل استنباط الحلول الواقعية الراهنة لهذه القضايا بل هو كذلك تجريد لفكر القائد و اعتباره حقيقة مطلقة يتم التشبث بها بشكل أعمى و تدل على ذلك الصفة التي يتم مزجها بالإنتماء الفكري و العقائدي لهؤلاء ، فاللينينية باعتبارها مرحلة تطور عليا للماركسية ليست فقط صفة مقرونة بالماركسية بل أكثر من ذلك نظرية حديثة حول الثورة الإشتراكية ، فكيف لنا أن نضيف لها صفة ثانية و ثالثة و أكثر ؟ و من منطلقات أيديولوجية و سياسية و ننعتها بالستالينية و الماوية و الغيفارية و غيرها و بالتالي نعت المتشبثين بالمفهوم العلمي للماركية اللينينية بالتقليد و الفكر التقليدي.
إن البعد التاريخي للمفهوم لا يتم من منطلقات أيديولوجية و سياسية متعصبة التي تجعل صاحبها يستخف بل يكن العداء إلى أي حد لغير المتفقين معه كما يفعل "الماويون المغاربة " اتجاه الماركسيين اللينينيين بل النظرة إلى المفهوم يجب أن تنطلق من النظرة الفلسفية المادية للدياليكتيك الماركسي و ليس من الأوهام الأيديولوجية الضيقة ، فما هي الدلالة التاريخية للمفهوم ؟ أولا ارتباط ظهوره بحدث تاريخي يطبع حياة الناس بل و المجتمعات و العالم بأسره كما هو الشأن بالنسبة للماركسية اللينينية التي تعتبر التطوير التاريخي الممكن للماركسية على المستوى الفلسفي و المعرفي و الإقتصادي و السياسي و التنظيمي و القابل للتطور ، و أصبحت بذلك المفهوم الجديد للماركسية أي الماركسية اللينينية التي تعتبر حدثا تاريخيا تجاوز منطلقاته النظرية الفلسفية و العلمية ليصبح المنطلق الأساس لكل ممارسة ثورية تسمى بهذا المفهوم و تصبح هي بذاتها و لذاتها منطلقات التطور المستقبلي للبشرية ، ثانيا تاريخ هذا المفهوم مقرون بالحدث النوعي بالقفزة النوعية التي تلازمه عبر التاريخ و التي طبعت العالم و هي الثورة الإشتراكية النموذج الوحيد و الأوحد في العالم الذي استطاع طبع حياة الناس بعد الثورات البورجوازية الأوربية ، و أحدثت طفرة فلسفية و علمية لا يمكن تجاوزها بالنمطية الفكرية و التقليد بل بالعلمية المعرفية المنطقية التاريخية التي لا يمكن أن تنطلق إلا من الماركسية اللينينية كنظرة الثورة الإشتراكية نقيض الثورة البورجوازية ، باعتبار أن منطلقات الثورة البورجوازية منبثقة من حضن نمط الإنتاج الإقطاعي و من فلسفة رفض هذا النمط من طرف البورجوازية و ليس من منطلقات المرحلة العليا للرأسمالية الحديثة التي تعتبر حضن منطلقات الثورة الإشتراكية و نقيضها الأساسي.
هذا الحد الفاصل بين الثورتين تم بشكل تاريخي لانفصام فيه و هو وليد الحدث التاريخي للثورة الإشتراكية الذي لا يمكن تجاوزه بالرجوع إلى الخلف و الحديث عن تطوير الماركسية اللينينية من منطلقات الثورة البورجوازية بالصين ، فما هي منطلقات "الماوية" ؟
أولا : هي التشبث بالنظرية الماركسية اللينينية التي أعطت نموذجا حيا للثورة الإشتراكية السوفييتية نقيض الرأسمالية الحديثة ذات البعد الإمبريالي الذي يميز المرحلة التاريخية التي أفرزت الماركسية اللينينة باعتبارها التكامل النظري لفلسفة و علم الماركسية ، و هي نقيض الثورة البورجوازية و النظرية الثورية البروليتاريا التي لا جدال فيها بعدما تم تحقيق الثورة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي و طبع الحياة في العالم بطابعها و خلق تناقضات تاريخية بين الإمبريالية و الإشتراكية يصعب تجاوزها أيديولوجيا و سياسيا ، فمهما تم الإجتهاد عبر إنجازات الثورة البورجوازية لا يمكن أن يصل حد تجاوز منطلقات الثورة الإشتراكية التي تم تحقيقها و تجاوزها إلى مستوى البناء الإشتراكي في بلد واحد و تم توسعه جغرافيا في شكل اتحاد أكثر من 24 بلدا و مئات القوميات ، عاشت و تعايشت في نمط إنتاج واحد موحد تنتفي فيه الفوارق الطبقية و الإجتماعية بشكل كبير و أصبحت فيه القوى المنتجة ذات الصفة الإجتماعية الإشتراكية ، ذلك ما طبع الثورة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي و شرق أوربا .
ثانيا : لقد كان للبناء الإشتراكي الذي انطلق منذ نهاية الحرب الأهلية التي انتصر فيها البلاشفة أثر كبير في ترسيخ أسس المفهوم الإشتراكي للثورة الذي أحرز انتصارات تلو انتصارات سياسيا و اقتصاديا ، وصلت حد القفزة النوعية بعد توسيع مفهوم الثورة الإشتراكية في بلد واحد مع الإنتصار الباهر على الإمبريالية في الحرب الإمبريالية الثانية ، هذا الإنتصار الذي خلص الإنسانية من جرائم الفاشية و النازية و فتح الباب أمام توسيع مفهوم الثورة من الغرب إلى الشرق بعد تحقيق الثورة البورجوازية بالصين ذات الجذور الإشتراكية ، بفضل تحقيق الثورة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي و شرق أوربا و التي قال عنها ماو :" وقد بدأ تحقيق مثل هذا التغيير في جزء من الكرة الأرضية أي في الإتحاد السوفياتي. ولا يزال الشعب هناك يقوم بدفع عملية هذا التغيير إلى الأمام. أما الشعب الصيني وسائر شعوب العالم فهي بدورها تمر الآن، أو ستمر في المستقبل، بمثل هذه العملية." ، التي لم تستطع الثورة الصينية تجاوز إنجازاتها العظيم في الإتحاد السوفييتي كما يعترف ماو بذلك لكونها سبقت الثورة البورجوازية الصينية بكثير على جميع المستويات النظرية و العملية.
ثالثا : لقد انطلقت الثورة الصينية نظريا من منطلقات الماركسية اللينينية التي وضع لينين أسسها و طورها ستالين في مرحلة البناء الإشتراكي في الإتحاد السوفييتي و شرق أوربا التي حررها من سيطرة الإمبريالية و منع الإمبرياليين من اجتياح الصين مما فتح آفاق انتصار الثورة الصينية التي واجهت الإقطاع المتعفن ، إلا أن الثورة الصينية لم تستطع تجاوز مرحلة الثورة البورجوازية رغم أنها حدث عظيم بعد الثورة الإشتراكية السوفييتية و بذلك لا يمكن أن تضيف إلى الماركسية اللينينية فلسفيا و معرفيا و سياسيا و اقتصاديا لكون هاتين الثورتين متناقضتين في ظل الوحدة بينهما ، و التي تشكل فيه الثورة البورجوازية بصفة عامة التناقض الثانوي المساعد على بلوغ الثورة الإشتراكية باعتبارها الحضن الذي انبثقت منه الثورة الإشتراكية ، و قد يصبح هذا التناقض أساسيا في كون تناقضات الثورة البورجوازية الداخلية التي تحاول عرقلة تطور القوى المنتجة في اتجاه الإشتراكية كما هو الشأن في الصين التي لم تستطع تخطي مستوى التطور البورجوازي ، بعد فقدانها للسند التاريخي للثورة الإشتراكية السوفييتية بعد التراجع عن الخط و الإسترانيجية اللينينين بالإتحاد السوفييتي.
رابعا : تعتبر الثورة الإشتراكية وليدة الثورة البورجوازية و نقيضها التاريخي باعتبارها المرحلة التاريخية المتقدمة في تطور المجتمعات من الرأسمالية إلى الشيوعية ، و هي باستطاعتها جر عربة كل ثورة بورجوازية ناشئة التي من الممكن تطويرها بعد تحقيقها لتصل حد الثورة الإشتراكية ، إلا أن الثورة البورجوازية الصينية لم تستطع تجاوز تناقضاتها الداخلية بحكم شروط الحياة المادية التي طبعت المجتمع الصيني و هي ذات صفة الإقطاع لتبقى رهينة منطلقاتها النظرية المتسمة بالماركسية اللينينية دون القدرة على تجاوزها إلى الممارسة العملية في البناء الإشتراكي ، الشيء الذي يمنعها من أن تضيف للثورة الإشتراكية جديدا بقدر ما يمكن عرقلة تطورها اتجاهها إلى الشيوعية التي يسعى البناء الإشتراكي السوفييتي الوصول إليها عند تحقيق الإشتراكية ، خاصة بعد اغتيال ستالين مهندس البناء الإشتراكي و صعود الإنتهازية التحريفية إلى السلطة و التراجع عن الخط و الإستراتيجية اللينينين ، مما خلق للثورة الصينية أعباء إضافية باعتبارها وليدة الثورة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي التي تراجعت فيها الثورة أو بالأحرى توقفت مما أثر على الثورة الصينية البورجوازية التي تراوح مكانها ، و لا غرابة أن نجد الصين حاليا في مراحل متقدمة على روسيا في التطور نحو الإمبريالية لكون الثورة الصينية ذات أسس بورجوازية من منطلقات النظرية الماركسية اللينينينة و ليس انطلاقا من مفاهيم البورجوازية التقليدية المعروفة في الثورات البورجوازية التي حدثت في أوربا .
خامسا : إن الثورة البورجوازية التي قادتها الطبقة العاملة و الفلاحون بالصين ليست كمثيلاتها التي قادتها البورجوازية و سيطرت على السلطة في البلدان الأوربية ، إلا أن عرقلة تطور الثورة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي و ثقل الإرث التاريخي للإقطاع بالصين جعلا هذه الثورة الناشئة لم تكتمل لتصل حد الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي كما هو الشأن في الإتحاد السوفييتي و شرق أوربا ، و نرى اليوم الصين مؤهلة لتصبح من أكبر الإمبريالية الحديثة لكون منطلقات البورجوزاية التي أرستها الثورة الصينية صلبت عود اقتصادها الرأسمالي الحديث الذي لا يمكن تجاوزه ، فالإنتهازية التحريفية بالصين حولت البلاد بسلاسة بعد موت ماو مباشرة إلى طريق الرأسمالية الحديثة المتسمة بالإمبريالية ، بينما في الإتحاد السوفييتي فرغم محاولات الإنتهازية التحريفية إلى تحويل القوى المنتجة الإشتراكية التي خلفتها الثورة الإشتراكية إلى قوى إنتاج رأسمالية لم تستطع إلا إعلان انهيار التجربة الإشتراكية بعد أكثر من ثلاثة عقود من محاولات الهدم ، بينما الصين لم يتم فيها الهدم بشكل مباشر بقدر ما تم التطور السلس نحو الإمبريالية من منطلقات الثورة البورجوازية التي لم تكتمل أطوارها ، كما أن تفكيك الإتحاد السوفييتي و شرق أوربا إلى دويلات أضعف موقع روسيا بين الإمبرياليات الشيء الذي لم يحدث في الصين و تم تعطيل القوى المنتجة الإشتراكية في روسيا بعد الإنتقال من الإشتراكية إلى الرأسمالية ، و هدم القوى المنتجة الإشتراكية لا يمكن حدوثه بالسهولة بمكان كما يتصوره أصحاب التعصب لتحديث الماركسية اللينينية عن طريق "الماوية" الذين ينعتون كل من يتحدث عن هذه المرحلة من أجل بناء تصور متكامل لدى الماركسيين اللينينيين بالتقليد و التقليدية هذا الحكم الأعمى الذي لا تقبله النظرية الماركسية اللينينية .
سادسا : إن الثورة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي ستبقى تعرقل الإمبريالية مهما حاوت الإنتهازية التحريفية تحويل روسيا إلى إمبريالية حيث لم تستطع بعد تجاوز عرقلة القوى المنتجة الإشتراكية ، التي نمت في أحضان الثورة الإشتراكية و التي ستبقى تعرقل أي محاولة لتحول روسيا إلى دولة إمبريالية حديثة كالصين التي وجدت كل مؤهلات الإنتقال السلس إلى الرأسمالية الحديثة جاهزة و التي وضعت الثورة الصينية أسسها ، و كان للتكامل بين البناء البورجوازي بالإنتقال من الإقطاع إلى الرأسمال من منطلقات اشتراكية أثر كبير في التحديث في الصين ، فكان النموذج الرأسمالي الحديث المقتبس من هون كونك خير معين في سلاسة الرأسمالية الحديثة في الصين ، و لم يتم إدماج هذا النمط في الصين إلا بعد القضاء على كل مظاهر الثورة الإشتراكية التي حاول ماو بناءها في الصين ، عكس الطفرة الإقتصادية التي حققتها دكتاتورية البروليتاريا في الإتحاد السيوفييتي ذات الأثر الكبير في النهوض الإجتماعي الإشتراكي الذي أثر على الحياة في العالم بصفة عامة .
لقد تكاملت النظرية الماركسية اللينينية خلال المرحلة المتقدمة من الإمبريالية التي تفاقمت فيها التناقضات الداخلية للرأسمالية الحديثة ، فصعدت الأنظمة الفاشية و النازية التي سيطرت على السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية في أوربا ، بعد نتائج الحرب الإمبريالية الأولى و انتصار الثورة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي ، و برزت الأزمة الإقتصادية العالمية نتيجة هزيمة الإمبريالية أمام الجيش الأحمر في الحرب الأهلية التي غذتها الإنتهازية التحريفية ، و انطلق البناء الإشتراكي بقيادة ستالين باكتشاف قوانين علم الإقتصاد الإشتراكي انطلاقا من الدياليكتيك الماركسي الذي تم عبره دحض النظرية القائلة بأنه يمكن وضع قوانين اقتصادية حديثة ، كما هو الشأن في علم الإقتصاد الليبرالي الذي يسعى إلى التخلص من تناقضاته الداخلية من أجل الإستمرار لتجاوز أزماته عبر استغلال البروليتاريا ، عكس الإتحاد السوفييتي الذي سعى إلى القضاء على جميع أشكال الإستغلال في المجتمع الإشتراكي ، انطلاقا من نفي الصفة الخاصة لوائل الإنتاج التي تعتبر التناقض الأساسي بين الرأسمال و العمل عبر هدم علاقات الإنتاج القديمة و اكتشاف قوانين جديدة لتيسير علاقات الإنتاج الإشتراكية ، لكن دون الوقوع في تطبيق أسلوب استغلال جديد ليعوض الأسلوب الرأسمالي القديم إنما الشروع في محو كل أشكل الإستغلال ، و لا يمكن لذلك أن يتم إلا بابتداع أشكال الإنتاج الإشتراكية تنطلق من أرض الواقع التي من خلالها يمكن اكتشاف هذه القوانين الجديدة مرحلة البناء الإشتراكي .
إن البناء الإشتراكي أصيح النموذج الأمثل في دحض الرأسمالية الحديثة و الذي وضع لينين أسسه النظرية و العملية عندما أحس أن الإمبريالية آتية لا ريب في ذلك لتعصف بالعالم إلى الهلاك ، و قامت الثورة البولشيفية التي أحدثت تحولا عميقا في علاقات الإنتاج الرأسمالية باكتشاف علاقات الإنتاج الإشتراكية في أفقر بلد في أوربا و توسيعه بعد الإنتصار في الحرب الإمبريالية الثانية ، و ما كانت الثورة الإشتراكية لتحدث طفرة علمية على مستوى الإقتصاد الإشتراكي لو لم يتم تطبيق قوانين التطور الإجتماعي وفق الدياليكتيك الماركسي الذي أقر أحد القوانين العام للتطور الإجتماعي وهو قانون " التوافق الضروري بين علاقات الإنتاج وبين صفة القوى المنتجة"، هذا القانون الذي اكتشفه ماركس بعد نقده للرأسمالية و حاول ستالين تطبيقه في المجتمع الإشتراكي بنفي قوانين الإقتصاد اللامتكافيء الذي يحكم علاقات الإنتاج في المجتمعات الرأسمالي ، و حول بذلك وسائل الإنتاج من خاصة رأسمالية إلى اجتماعية اشتراكية بنفي التناقض الأساسي في الإقتصاد الرأسمالي الذي يتجلى في التناقض بين الصفة الخاصة لوسائل الإنتاج التي يتحكم فيها الرأسماليين و العمل الذي أصبح اجتماعيا يتم فيه استغلال البروليتاريا، و لم يحدث ذلك فجأة واحدة بل واجهت الثورة الإشتراكية القوى الرجعية التي ترفض هذا التوافق الضروري في التقدم ، و التي أخذت تقاومه حيث ترى أن مصالحها مهددة بالزوال و أن طبقتها متجهة إلى الفناء و هي البورجوازية و الملاكين العقاريين الكبار بتحالف مع الإمبريالية و التي انهزمت في الحرب الأهلية الحرب الإمبريالية الثانية.
و نتج عن التناقض بين القوى الإجتماعية الصاعد البروليتاريا و الفلاحون في صراعها مع القوى القديمة الرجعية التي تسعى إلى تدميرها ، و احتدم الصراع الطبقي بين القوتين لكن هذه المرة في صالح العمل ضد الرأسمال عكس التناقض في المجتمعات الرأسمالية ، التي استحوذت فيها المزاحمة الحرة على علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تسعى الإشتراكية إلى تحطيمها بتحطيم أسس المزاحمة الحرة ، انطلاقا من القضاء على فوضى الإنتاج بوضع أسس الإقتصاد الإشتراكي وفق البرامج الصحيحة من أجل الإنتاج الإجتماعي الإشتراكي ، و أكبر ما يمكن أن يعرقل هذه البرامج هو العلاقة الجدلية بين النظر و العمل فالواقع الإجتماعي للإتحاد السوفييتي بعد الحرب الأهلية ينم عن أزمة شاملة آلت إلى الجوع المطبق في صفوف الطبقة العاملة و الفلاحين ، إلا أن الوضع السياسي المريح بعد الإنتصار في الحرب الأهلية جعل الجيش الأحمر يتحول إلى طبقة عاملة تحالفت مع الفلاحين في أرض الواقع من أجل البناء الإشتراكي ، لتكون دولة دكتاتورية الروليتاريا مجالا خصبا للحركة الإجتماعية الإشتراكية في جميع الجبهات لتحويل جميع وسائل الإنتاج إلى اجتماعية ، و التي لا يمكن تحويل دفعة واحدة في مجتمع يعرف تخلفا على مستوى الصناعة و الفلاحة مما أحدث عرقلة أمام التطور الصناعي نتيجة التخلف الفلاحي الذي يعيق التطور الإشتراكي ، الذي لا يمكن أن تقع فيه الطفرة إلا عندما يصل الكم حدا هائلا يتطلب التحول النوعي بعد الوصول إلى تدمير الصفة الفردية في الإنتاج الفلاحي بشكل كبير ، بعد تطوير وسائل الإنتاج الإجتماعية الإشتراكية التي أثرت على تطور القوى المنتجة بعد الطفرة الصناعية ، و المطروح على دكتاتورية البروليتاري التعامل مع هذا الوضع الجديد الذي أصبح معه الفلاحون الصغار يشكلون العائق الأساسي في البناء الإشتراكي بتحويلهم إلى طبقة عاملة ، و لم يتم ذلك إلا بعد التطور الصناعة الذي بلغ شأنا عظيم بفضل التقدم التكنولوجي للعلماء السوفييت الذين طوروا نظرياتهم العلمية وفق الدياليكتيك الماركسي في مراحله العليا التي وضع لينين أسسها .

تارودانت في : 26 شتنبر 2009

امال الحسين



#امال_الحسين (هاشتاغ)       Lahoucine_Amal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام العالمي الراهن و المهام الثورية
- المنظور الإشتراكي للنظام العالمي الحالي ج5
- المنظور الإشتراكي للنظام العالمي الحالي ج4
- المنظور الإشتراكي للنظام العالمي الحالي ج3
- المنظور الإشتراكي للنظام العالمي الحالي ج2
- المنظور الإشتراكي للنظام العالمي الحالي ج1
- الماركسية اللينينية و أسس الثورة الإشتراكية ج 5
- الماركسية اللينينية و أسس الثورة الإشتراكية ج 6
- الماركسية اللينينية و أسس الثورة الإشتراكية ج 4
- الماركسية اللينينية و أسس الثورة الإشتراكية ج 3
- الماركسية اللينينية و أسس الثورة الإشتراكية ج 2
- الماركسية اللينينية و أسس الثورة الإشتراكية ج 1
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 12
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 11
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 8
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 9
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 10
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 7
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 4
- الوضع الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة الجزء 6


المزيد.....




- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عملية بمجمع الشفاء الطبي في غزة ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى تخليد ...
- النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يعبر عن رفضه المطلق للأحكام ا ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الحد بين الثورتين البورجوازية و الإشتراكية