أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجح المعموري - رنين السرد في جمهورية البرتقال














المزيد.....

رنين السرد في جمهورية البرتقال


ناجح المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 2755 - 2009 / 8 / 31 - 18:22
المحور: الادب والفن
    


إن تجربة الشاعر إبراهيم الخياط أكثر التجارب الشعرية الجديدة هدوءاً وضبطاً وتوازناً، والشاعر معني بما يرضيه قبل أن يعرف آراء الآخرين، مكتفياً بالكتابة، وبالنشر قليلاً، وعلى الرغم من أهمية رأي الآخر، لم يغامر مثل الآخرين بمعرفة ذلك، كما أنه قليل الانشغال بتجربته على الرغم من أهميتها كما قلنا. والشاعر مشغول باليومي، وهو محتدم ومتدفق حوله، وكان الشاعر طيلة حياته الطويلة ضحية اليومي/الرسمي وتبدياته السلطوية حتى اللحظات الأخيرة، عندما كان بمواجهة حادة جدا مع الحادث المنفلت.
نواجه في قراءة نصوص ديوانه "جمهورية البرتقال" حكيا متعاليا وكأنه معني أولا بالحكاية القصيرة التي عرفتها القصيدة العربية، وحصرا العراقية، في تجارب كثيرة أهمها تجربة سعدي يوسف/ رشدي العامل/ عبد الكريم كاصد. إنها السردية الغنائية، الهادئة، المتحركة برنين "خيّاطي" يستدعينا بوعي فني، ويأخذ بيدنا نحو امتداد الحكاية، الذي دائما ما يتشظى في حكاية أخرى وسرد يلوح للقارئ للدنو منه، والاقتراب إليه حتى يعقد المتلقي معه قرابة ليست متخيلة، وإنما هي قرابة قرائية تشكلت من خلال الحكي ورنين سردياته.
جمهورية البرتقال مجموعة من سرديات تومئ نحو ذاكرة الفرد/الشاعر والذات الأكبر/ذات الجماعة، لأن الذاكرة الناشطة هي الأقرب للجماعة منها للفرد الذي لا يستطيع وحده تأسيس ذاكرة قادرة على توحيد الجماعة حول مفرداتها. الفرد/الراوي في سرديات البرتقال هو الذي راكم حكايته، وأحياناً يتكرر المماثل أو ثيمة منه في نص آخر، ويتكون التتالي والتراكم للمتخيل وكأنه حضور واضح للمرجع اليومي/الواقعي/المعروف، والذي يتحول في أحيان كثيرة إلى متخيل، بسبب الغرابة السردية الكامنة فيه مع اشتغال المجازيات في قصائده، حتى صارت مجازياته لافتة للانتباه من عنونة ديوانه.
إلحاح إبراهيم الخياط على الضبط السردي هو الذي ساعده على خلق التنظيم في طبقات متراكمة أي مبادئ اختيار الألفاظ، لا إستناداً إلى اعتبارات مرجعية، بل لأسباب صوتية ودلالية كما قال باكوسن.
في قصيدة "الضجة الصديقة" استعارة صاعدة، حيث تحولت المفردات إلى وميض مجازي، أسس واحدة من خصائص الشاعر إبراهيم الخياط، هي غياب الصوت الطاغي حيناً وصعوده في حين آخر، أي بمعنى لم يستطع الشاعر ضبط كل ما أمسك به بهدوء تام، وإنما تفلت منه اليوميات ومخزونات الذاكرة القصيرة وتقول لنا شيئاً جديداً وبإيقاع حاد.
في "الضجة الصديقة" هدوء الشاعر وعنايته الاستعارية وهو يتحدث عن الجماعة وضجتها:
ترى ـ أمن الضجة انتهائي ؟
فعند التقاء المساءات
صامتاً أفردت بعضي
ورتقت بعضي بالجلنار
أحرقت دمعي
( وهل كان دمعي غير ماء ؟ )
أطفأت روحي
ثم رميت عقبها المفحم خلف الباب / ص15
البؤرة في هذه القصيدة هي الجبهة والغياب القائم / أو الاحتمالي، فإن المفرد هو المهيمن في السياق السردي، وإن ظل للجمع دور، لكنه قليل. لأن الحرب تلاحق الفرد وتشظيه ويظل صوت الشاعر ورنينه السردي في ترتيق بعضه بالجلنار.
وفي قصيدته "يا امرأة الوجع الحلو" شذرات والتماعات التكون اليومي الذي يومئ للأسطوري وبروز إمكانات الشاعر في خلق وحدة بين الأساطير الخاصة بالخسران، أساطير من فضاءات دينية مختلفة، لكنها مع الاختلاف الواضح فيما بينها تظل سردية متمركزة في الذاكرة الجمعية، وفاعلة بطاقاتها الإيحائية، قصيدة مائية، مكانها نهري، وقاموسها موحد لقصص وأساطير توزعت بين قصة يوسف ومرويات يسوع:
تقدّ قميصي ـ كل ليلة ـ من الجهات أربعها
ولا أقول : ربّ السجن أحب إليّ
لا أقول : ربّ السجن أ ..
فيا نهيرات بلادي الظامئة
بالغصة الوثقى أتيت
وبالغصات أعاود،
أجيء ـ كما الليل ـ عشياً
أهبط
بين فراتين اثنين
أنزوي في ألق العشب
ثم أحكي للبساتين الصديقة
عن النار والنارنجة والناطور / ص20
لم يتعامل الشاعر مع قصة يوسف مثلما هي في أصلها، وإن كان المقطع السابق دالاً على ذلك، لكن الشاعر خلخل انتظام نسقها القرآني، وانحرف ليضفي على القصيدة رؤيته الجديدة التي أضافت ما لم يكن موجوداً. وحصلت متغيرات في السياق السردي حيث كانت (امرأة الوجع الحلو) تقدّ قميصه من جهاته الأربع وهو صامت، الراوي السردي/ضمير المتكلم في هذه القصيدة تحول مراوداً بعد أن كان ملاحقاً من امرأة العشق الحلو:
أطلب مسرى أقدام تطأ الماء
ويحملها
" أمحي قيل
وقيل سرق "
فرجعت بأشيائي تلك ألوذ
رجعت فناراً
وعن نفسها
بتّ أراود
أنهار بلادي الظامئة / ص21
كان متكتماً في استهلال هذه القصيدة على محاولات امرأة العشق/الوجع الحلو، لكنه وجد في نهاية قصيدته إمكانية كامنة في أعماق الوجع المذكر المتكلم والفنار الذي وجد نفسه فجأة وهو يراود أنهار بلاده الظامئة. لعبت الشعرية قلباً لدال في هذه القصيدة، انحرفت زليخة/امرأة فوطيفار في قصة يوسف التوراتية إلى امرأة الوجع الحلو ولاحقته في النص لكنه صامت، هذا التوافق بين الأصل والقصيدة، أضفى عليها خرقاً فنياً ينطوي على دلالة مهمة.
إنه خرق الثابت وزحزحة المعروف في هذه القصة. لكننا فوجئنا بالشاعر/الراوي السردي/المتكلم قد أعلن عن مراودته للأنهار واتصل معها. ولابد لنا من قراءة أعمق حتى تتضح الزحزحة في الأصل الأسطوري، وكيف وظفه الشاعر إبراهيم الخياط بشكل مدهش حقاً. لقد تغيرت الأنثى في الأسطورة إلى مذكر، المرأة إلى الأنهر، ودلالة رمز المرأة والنهر مختلفة، لأنها مذكرة ومؤنثة في الأسطورة، وأيضاً كلاهما مؤنث في الأسطورة (باشلار).
تحول الراوي إلى مراود ولم يقد طرفاً في الأنهر العطشى. اتصل بها وطفح فيها الماء، ماء الراوي/السردي، وفي هذه النهاية إشارة واضحة لعلاقة الإله أنكي مع الفرات، حيث وقف عند ضفته وأطلق ماء ذكورته حتى امتلأ النهر وانتشر الخصب، وربما هذا الذي أراده الشاعر إبراهيم الخياط.



#ناجح_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الفنانة الروسية أوسبينسكايا بصدد إصدار ألبوم أغان من قصائد م ...
- كواليس مثيرة لأشهر -خناقة- هذا العام في مهرجان كان (فيديو)
- مصر.. الفنان سعد الصغير يكشف حجم ثروته
- بيلا حديد تخطف الأنظار بفستان مستوحى من الكوفية في كان (فيدي ...
- -التركيز على الجودة-... مهند البكري شخصية العام العربية السي ...
- عيد مع أحبابك “محمد امام” و “احمد عز” .. أفلام موسم عيد الأض ...
- بعد إعلانه الخضوع للعلاج الكيماوي.. الفنان السعودي محمد عبده ...
- الدويري: حديث غالانت عن تعزيز قواته بغزة ترجمة لعدم تحقق أهد ...
- روسيا تؤكد صلة أوكرانيا -المباشرة- بهجوم المسرح
- سماعة الترجمة لملك البحرين وصعوبة ارتدائها خلال لقاء بوتين.. ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجح المعموري - رنين السرد في جمهورية البرتقال