أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد ياسين - رسالة الى قريبي في المخيم















المزيد.....

رسالة الى قريبي في المخيم


وليد ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 837 - 2004 / 5 / 17 - 03:14
المحور: القضية الفلسطينية
    


اليوم، تبدأ وابدأ معك، احصاء أيام العام الـ57.

بالأمس، رايتك في وجوه آلاف الفلسطينيين، في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مخيمات البؤس، تحمل راية ملونة، أو كوفية، أو قطعة ورق كتبت عليها احدى الشعارات التي ما سئمت وما سئمنا كلنا نرددها: "حق العودة، حق مقدس"، تقول انت واقول أنا، لكنهم هناك في "يروشلايم"، وهناك في الماخور المسيطر على العالم كله، ذلك الذي يسمى "البيت الابيض"، يقولون ان حقك بالعودة الى التراب الذي جبلت منه، إلى القبر، اقرب إليك من حقك بالعودة الى التراب الذي حبوت عليه صغيرا، الى بلدك، الى وطنك، الى حاكورة جدك التي سيطرت دائرة "املاك الغائبين" عليها، وباعتها لاحفادك الذين اعتبرتهم من الغائبين، أيضًا، ولم تقر بحقهم في ميراثك..

بالأمس، شاهدتك للمرة المليون، وعبر شاشات كل التلفزيونات العربية، وبعض الاجنبية، تحمل كيسك على ظهرك، وتمضي نحو الشمال ونحو الشرق، بعد ان حملتك شاحناتهم والقت بك مع كافة المهجرين على الحدود وفي المرج وفي الغور، وفي كل مكان كان يمكنهم ان يراقبون منه خطواتك التي كانت تمضي في اتجاه واحد.. نحو ذلك الشتات الذي فرضوه عليك بالنار وبوعد بلفور وبصمت وتآمر بريطانيا وأميركا.. وبصمت وتآمر عربيين.. حملوك من بيتك، بيتي، والقوا بك هناك وراء الحدود، وحين سألتهم، بعد 50 عاما، لماذا هجروك قالوا: "قريبك اختار الرحيل، نحن لم نطرد أحد، نحن لم نهجر احد من بيته، ولذلك نحن نرفض تحمل المسؤولية الاخلاقية عن قرار أهلك، ونحن نرفض اعادة فتح الباب امامهم، لان الباب لا يدخل منه الا اليهود، ولأن البيت لا يتسع لنا ولكم، وانما لنا ولابناء شعبنا اليهودي، اينما كان، وفي كل زمان ومكان"... ولا تستغرب يا قريبي، هناك من بيننا، من عربنا، من فلسطيننا من يمنحهم صك الغفران ويوقع لهم على مثل هذا الكلام..

56 عاما انصرمت امس، وبدأنا، اليوم، العام الـ57، وذلك الذي ارسل جنده وعاهراته الى العراق لتدمير ما تبقى من حضارة بابل، لتدنيس بلاد ما بين النهرين، لاقامة حفلات المجون واعادة "أمجاد" الف ليلة وليلة، يمنح اولئك الذين لا تربطهم اي صلة في هذه الارض، حق القدوم اليها والاقامة عليها، والبناء والتزاوج والتكاثر والتناسل، أما انت فيمنعك من العودة الى شجرة تين خلفتها في ساحة الدار، الى شجرة دالية تنتظر اناملك لتعود فتلاطفها وترويها بعرقك.. الى كرم زيتون ينتظر القطاف..

56 عاما وانت تتمرغ في وحل المخيم، تأكل التراب حين لا تجد الخبز، تشرب الماء الملوث من مستنقعات خلفها الشتاء الطويل، وحين ترفع هامتك وتغوص في حلم العودة، يكون الجلاد العربي أول من يلسع ظهرك بسوط صنع من جلد أميركي، او حتى اسرائيلي..

56 عاما مضت، لكن النكبة لم تغب من وعيك، بل كانت افعالهم تتعمد جعلك تحياها كل يوم من جديد، وليس صدفة، ليس صدفة، ليس صدفة، ان يوم الذكرى الـ56 كان اليوم الذي اختاره شارون ليواصل بجرافاته دك منازل اخوتك في مخيم رفح للاجئين، تماما كما دكت دبابات شعبه وعصابات بلاده بيتك وبيوت اخوانك، عام 48.. يوم أمس، كنا على موعد مع الذكرى، لكننا واصلنا عيش النكبة المتواصلة والمتجددة سنة بعد سنة..

في عام 1948 دكوا البيوت، قتلوا الناس، احرقوهم، وزعموا: هذه حربنا "لاسترداد ارض اقام عليها اليهود قبل قرون وقرون".. وقالوا: "لا ننسى حتى لو مر الف قرن على سبي بابل".. اما انت يا قريبي، فيريدون لك ان تنسى بيتك، ان تنسى فلسطينك، رغم انه لم تمض الا 56 عاما بائسة.. يريدون لك ان تنسى امك التي ارضعتك الحليب وماتت على صليبهم يوم اطلقوا النار عليها من الخلف وهي تحملك طفلا على صدرها وتحاول النجاة بك، فعاجلتها رصاصاتهم وارتمت فوقك لتحميك.. يريدون لك ان تحمل باقات الورد وترش بها جنودهم ودباباتهم حين تجتاح المخيم لتدك بيوته، يريدنك ان تفرش لهم البساط الاحمر وترشهم بالأرز واللوز حين يقتحمون خلوتك ويعكرون صفو حياتك، يختطفون احد أو كل أولادك، ينكلون بأطفالك، يهتكون عرضك، ويقتلوك.. أما اذا وقفت في وجههم، تصديت لهم، رشقتهم بكلمة، بحجر، أو برصاصة، فأنت الارهابي.. وانت الذي يجب قتلك لأنك منعت الدبابة من زرع الموت والدمار في حي الزيتون وفي مخيم يبنة، وحين تسببت بقتل جنودهم الذين جاؤوا لقتلك، فقدت صورتك الانسانية واصبحت اللاسامي والنازي، فهكذا قال ذلك الذي يحرك الماخور الدولي باصبعه، من على حافة بركة الاستجمام في البيت الابيض، او في منتجع كامب ديفيد، في وقت لا يتوانى فيه جيشه عن ابتكار شتى صنوف التعذيب والهوان، وآخرها، تعذيب حتى العضو التناسلي لاسير عراقي، يجبرونه على مشاهدة مجنداتهم تمارسن البغاء العلني والجماعي، وعلى الاستنماء بيده، حتى تشبع تلك المجندة شبقها الجنسي.. واذا كان هذا ما يحدث في ابو غريب، الذي خرج منه بعض الاحياء لرواية يحاولون نسفها بدعم عربي، فما الذي يحدث في تلك الجزيرة الكوبية، في ذلك المعسكر الذي لا يخرج من يدخل اليه، الا على حمالة، او ممسوح الدماغ.. ورغم ذلك كله، يسمون انفسهم الحضارة، يختزلون التاريخ في كلمة واحدة: الارهاب.. وانت الارهابي يا ابن عمي، لانك تكافح الدبابة، وتتمنى ان تصبح عصفورًا أو نسراً يحلق في الجو، لتتصدى للطائرة التي لا تتوقف عن زرع الاشواك الحمراء في أرضك..

يا قريبي.. مضت 56 عاما، وقد تليها مثلها، أو أكثر منها، وسامحني لانني لست قادرا على تمني ان تمر أقل منها، لانني لا أرى ذلك في عالم عربي يختلف على موعد وجدول اعمال قمة، ولا يختلف على لقاء رئيس دولة واستقبال وزير دولة، تلطخت أياديهما بدماء شعبك، ودماء عروبتك...

يا قريبي، ستمضي مسيرة العودة الى ان تعود، لكنني اخشى ان الحق بك، قبل ان تعود... وهذا ليس بعيدا، حين تمنح حتى الفضائية العربية التي تحاربها اميركا واسرائيل، ليل نهار، منصتين لصوتين صهيونيين يرفضان حق العودة، مقابل منصة لصوت فلسطيني يطالب بأقل ما يمكن من حق العودة، وبأقل ما يمكن من فلسطين التاريخية.. لا تستغرب هذا يا قريبي، فهذا ما حدث في محطة فضائية عربية، وليس في يوم عادي، بل في يوم النكبة...

يا قريبي، اتمنى ان تصلك رسالتي هذه وفيك رمق من حياة، او عيون ما زال يمكنها قراءة الكلمات، او قلب تركوا فيه ولو بعض شريان ينبض كي يرسخ الحلم في ذاكرة الاجيال، ويورثهم المفتاح الذي تآكله الصدأ وهو في جيب القمباز، فلعله يأتي اليوم الذي يجد فيه ابنك او حفيدك او حفيد حفيدك، نقطة زيت عربية يغمس فيها المفتاح قبل ان يولجه في باب بيتك الوهمي...

* فلسطين 16.5.2004



#وليد_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد ياسين - رسالة الى قريبي في المخيم