أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - شغب لبنى أحمد حسين














المزيد.....

شغب لبنى أحمد حسين


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 2715 - 2009 / 7 / 22 - 06:52
المحور: حقوق الانسان
    


حسناً فعلت الزميلة الصحافية السودانية لبنى أحمد حسين حين طبعت 500 دعوة، وزّعتها على أهل الصحافة والإعلام، وبعض منظمات حقوق الإنسان في السودان، وذلك للمشاركة في الحدث التالي: "حضور محاكمتها وجلدها 40 جلدة، تحت المادة 152 من القانون الجنائي لسنة 91 (ملابس تسبب مضايقة للشعور العام). المكان محكمة النظام العام ـ محلية الخرطوم وسط السجانة. الزمان يوليو 2009 (لم تحدد حتى الآن). والدعوة عامة!!!".
وكما بات معروفاً اليوم، في الثالث من شهر تموز (يوليو) الجاري، كان أفراد من شرطة النظام العام في الخرطوم قد داهموا قاعة يُقام فيها حفل عامّ يضم نحو 300 إلى 400 شخص، وأوقفوا 13 من الفتيات اللواتي كنّ يرتدين البناطيل، واقتادوهنّ إلى مفوضية الشرطة. وهناك جرى تنفيذ عشر جلدات بحقّ بعضهنّ، ممن وافقن على قبول العقوبة والنجاة من المحاكمة؛ كما أحيلت ثلاث منهنّ إلى المحكمة، كانت بينهنّ الصحافية لبنى أحمد حسين. العقوبة طُبّقت إستناداً إلى المادة 152 من القانون الجنائي السوداني، لعام 1991، حول "الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة"، والتي يقول نصّها: "1) من يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخلّ بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز اربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً. 2) يعدّ الفعل مخلاً بالآداب العامة إذا كان كذلك في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل".
ثمة، ابتداء، مقدار مريع من الغموض يكتنف الصياغة اللغوية لهذه المادّة، ويفسح بالتالي المجال الأوسع لأشكال لا حصر لها من التأويلات، بصدد تعريف "الفعل" أو "السلوك" أو "الفاضح" أو "المخلّ بالآداب"، ناهيك عن تحديد "الزيّ" أو "المضايقة" أو "معيار الدين" أو "العرف". ولكن، بمعزل عن هذه الاعتبارات القانونية، ما يثير الدهشة هو أنّ الصورة التي نشرتها الزميلة حسين عن زيها "الفاضح" ساعة توقيفها، هي في الواقع الدليل الفاضح على تخلّف تلك المادّة من القانون، وانفصالها عن أزمنة البشر وأمكنتهم، وانتمائها إلى غيهب جاهلي بغيض ومقيت. ذلك لأنّ الزميلة، كما تبيّن الصورة، كانت ترتدي بنطالاً فضفاضاً (من القماش العادي، وليس الـ "جينز" الضيق)، ينسدل عليه قميص ملوّن يكاد يبلغ الركبتين، وتضع غطاء الرأس السوداني التقليدي (الطرحة). ما الـ "فاضح"، إذاً؟ وهل يشكّل هذا اللباس "مضايقة" للشعور العام، وعقوبة 40 جلدة؟
يشير الكثيرون، بحقّ في الواقع، إلى أنّ ما وراء الأكمة هو غير ذاك الذي تذرعت به الشرطة، والباعث الحقيقي يتجاوز بكثير حكاية البنطال، ليبلغ شأو معاقبة الزميلة على ما تنشره من مقالات نقدية نارية ضدّ السلطة، في عمود شهير جسور يحمل العنوان الدالّ: "كلام رجال". ولعلّ خدش حياء أهل السلطة، وليس الإخلال بالآداب العامة، هو الذي دفع رجال الشرطة إلى معاقبة الصحافية الشجاعة؛ وهذا ما دفعها إلى دعوة الرأي العام لكي يشهد محاكمتها وجلدها، ولكي تنقل إلى العلن نقاشاً آن أوانه، حول تلك المادّة الظلامية من القانون الجنائي السوداني.
تقول لبنى أحمد حسين: "قضيتى هي قضية البنات العشر اللواتي جُلدن في ذات اليوم، وقضية عشرات بل مئات بل آلاف الفتيات اللواتى يُجلدن يومياً وشهرياً وسنوياً فى محاكم النظام العام بسبب الملابس، ثم يخرجن مطأطأت الرأس لأن المجتمع لا يصدّق ولن يصدّق أن هذه البنت جُلدت فى مجرد ملابس. والنتيجة الحكم بالإعدام الاجتماعى لأسرة الفتاة، وصدمة السكري أو الضغط أو السكتة القلبية لوالدها وأمها، والحالة النفسية التى يمكن أن تُصاب بها الفتاة، ووصمة العار التي ستلحقها طوال عمرها".
والحال أنّ همجية هذا الطراز من العقاب، أي جلد الأنثى بتهمة ارتكاب "أفعال فاضحة"، لا تتلاءم البتة مع تقاليد السودان التربوية والثقافية التي أسندت على الدوام، وما تزال تسند، إلى المرأة دوراً فاعلاً وحيوياً في الحياة العامة. ولولا هذه الخصوصية، كيف يمكن للمرء أن يفسّر تلك الدرجة العالية من "التسامح" التي يبديها الشيخ حسن الترابي تجاه الحقوق الشخصية للفرد عموماً، والمرأة خصوصاً؟ ألا يقول، في حوار شهير مع الصحافي الأمريكي ملتون فيورست: "الرسول نفسه أغلظ في القول للممتنعين عن الصلاة، ولكنه لم يتخذ أي إجراء بحقّهم. وتوجد فروض اجتماعية حول كيفية اختيار الرجال والنساء للباسهم، ولكن المسألة ليست جزءاً من القانون"؟
وكما في كلّ شأن يمسّ الحرّيات العامة، سيما إذا تمّ انتهاكها على النحو المشين الذي تنتهي إليه المادّة 152، لا طائل من وراء استنكار هذه الوقائع بهدف تجميل الشريعة أو تنزيه الدين عن إلحاق الجور بالعباد، فالجوهر لا يكمن هنا في كلّ حال. المطلوب، في المقابل، هو إدانة ذلك البند في ذاته، وكلّ ما يشبهه أو يتكامل معه من قوانين، دون تأتأة أو مجاملة أو مراعاة أو مداهنة، فلا كرامة لنصّ يهدر كرامة الإنسان، وهذا هو الأصل والفصل، وهنا القاعدة والقياس. لقد وضعت لبنى أحمد حسين إصبعها على جرح مفتوح، يتوجب أن يُطهّر من القيح لكي يتعافى تماماً، عملاً بالمبدأ الذي كان الراحل الكبير محمود أمين العالم يلهج به: شاغبوا، تصحّوا!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاصصات لبنان الطائفية: علام الضجة الكبرى؟
- وردة النوروز الدامية
- المخرّب
- الأسد بين قمّة وأخرى: خطاب المقاوم أم المساوم؟
- الجولان في البورصة: الحدود الوطنية أم خرائط البيع والشراء؟
- انتخابات أمريكا: هل فاز أوباما أم خسر ماكين؟
- محاكمة -إعلان دمشق-: ملهاة القضاء ومأساة البلاء
- مأزق اقتصاد السوق: انكشف الوهم أم سقطت اليوتوبيا؟
- حدود الجسارة
- -اعتدال- النظام السوري: الوقائع تكذّب الخرافة
- تحوّلات -القيادة السورية-: العصيّ على الإصلاح ممتنع عن الإنف ...
- روح سيطان الولي
- الأسد في باريس: مجازفة الإرتهان وعسر الإنفتاح
- سياسة ساركوزي في الشرق الأوسط: أقرب إلى حصاد الهشيم
- استئناف المسار السوري الإسرائيلي: ماذا سيصلح العطّار التركي ...
- مدنيّة الوحش
- جنوب اليمن: انتفاضة المظالم أم نار تستعر تحت الرماد؟
- نبض الشارع العربي
- اغتيال عماد مغنية: علام استمرار الصمت الرسمي السوري؟
- إعلان دمشق في المحكمة: كاريكاتور القضاء بعد سوط الجلاّد


المزيد.....




- مجلس أوروبا: ألمانيا لا تفعل ما يكفي من أجل حقوق الإنسان
- واشنطن بوست: المجاعة تضرب غزة والكارثة أكبر إن لم تتوقف الحر ...
- غرق مئات خيام النازحين نتيجة الأمطار والرياح الشديدة في غزة ...
- برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن المجاعة في شمال غزة “وشيكة ...
- غرق مئات خيام النازحين نتيجة الأمطار والرياح الشديدة في غزة ...
- نتنياهو يستبعد غانتس من مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى
- عهد جديد للعلاقات بين مصر وأوروبا.. كيف ينعكس على حقوق الإنس ...
- -إسرائيل اليوم-: نتنياهو يستبعد غانتس من مفاوضات الهدنة وتبا ...
- ماسك يوضح استغلال بايدن للمهاجرين غير الشرعيين في الانتخابات ...
- سفير فرنسا في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء فوري للحرب على غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - شغب لبنى أحمد حسين