أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - المحاصّة الطائفية .. واقعها ومخاطرها















المزيد.....

المحاصّة الطائفية .. واقعها ومخاطرها


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 824 - 2004 / 5 / 4 - 08:58
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لأن الأحزاب الوطنية العراقية صعدت إلى دست الحكم ، بعيد سقوط نظام الحزب الواحد ودكتاتورية صدام حسين ، وهي بدون برامج حقيقية تتلاءم أو تتجدد مع الواقع الوطني الجديد ، فأنها لجأت إلى شكل( التوافقية ) اعتمادا على نوع من أنواع المحاصة الحزبية والقومية والمذهبية ، كأسلوب أرقى في صياغة موقف وطني موحد لقيادة الدولة تمهيداً لإعادة بنائها وإعادة أعمار العراق بمشاركة جماعية ، بعد عقود طويلة من الخراب والتخريب .

كان بإمكان التوافقية الوطنية هذه ان تعزز تحولها يوما بعد يوم نحو( التوافقية الديمقراطية) لبناء مرتكز متوازن لتأسيس دولة ديمقراطية ، غير أن غالبية الأحزاب الوطنية والشخصيات الوطنية زاغت بعيونها عن المحاصة الديمقراطية وراحت تتدافع كأسراب النحل وراء المناصب والمراكز الوزارية والوظيفية لها ولاصحابها بعيون المحاصة الطائفية حتى داهم هذا النوع من المحاصة كل شيء يتعلق بالدولة وأصبحت كالنار في هشيم أي مؤتمر وطني أو حزبي كما أصبحت مخلوقا مذهـّبا حتى بعيون قادة الاحتلال لا يمكنهم الابتعاد عن التالف معه أو السير بخلاف خطواته .

هذه الطريقة في معالجة أمور الدولة وبناء هياكلها العليا والوسطى خلال اكثر من عام وفـّرت في المجتمع ركائز الهرمية الطائفية أكثر مما ركزت الهرمية الديمقراطية ، انتقالا من الأحزاب إلى المجتمع ، ونزولا من الأعلى الهرمي إلى الأسفل وقد لعبت بعض الصحف العربية وعدد كبير من القنوات التلفزيونية الفضائية دورها بأفضل مما تلعبه صحف و لوحات إعلانات الأحزاب الطائفية لنشر بذورها الجديدة في التربة الوطنية في فترة انتقالية يبدو فيها ان العراق يعيش دون هدف وطني جماعي يلهم جميع أبنائه ودون معرفة جلية للمبادئ الديمقراطية التي يريد شعبنا إرساء قواعدها في مجتمعنا..

من المنطلق نفسه وجدنا حركة الأحزاب الوطنية بعد تحولها من( المعارضة ) إلى( السلطة ) تتجه نحو ترسيخ الأوليجاركية الطائفية بدلا من السعي لإلغاء فرماناتها السابقة في الوظيفية الحزبية التي ابتدعها صدام حسين..

لكن الغالب الحزبي الجديد تجاهل خطر هذه الوظيفية الحزبية الضيقة بل سعى لاعادتها بتماسك عمودي من اجل استمرار العلاقات الطائفية بين الفرد والمجتمع والفرد والدولة والفرد والحزب ، وقد نشطت الأحزاب بوسائل استئجار المؤيدين بطريقة القربى الزائفة وبطريقة الإغراء بالمنصب وبطريقة الرشوة والإغراء المالي وغيرها حتى أصبحت القاعدة العشائرية أساسا في الكسب الحزبي لدى تنظيمات دينية متطرفة وحتى لدى أحزاب وطنية علمانية قضى قادتها جل عمرهم في دول الديمقراطية الغربية بعد ان وجد هؤلاء القادة ـ أقول صراحة ومباشرة ـ انهم لا يستطيعون بلوغ أهدافهم الحزبية الضيقة من دون إنعاش الطائفية بدلا من تحطيمها ولجئوا إلى تقوية التركيب الاجتماعي العشائري بدلا من تجديده.

بصورة طواعية راحت جميع مؤسسات الدولة حتى جامعاتها تكيف نفسها وعلاقاتها الأكاديمية مع الطائفية وهو اخطر شكل من أشكال الاندحار العلمي يواجهه مسرح التاريخ العراقي الحديث ستكون تكاليفه باهظة على مستقبل وطننا إذا استمر زحف المحاصة الطائفية في المؤسسات العلمية تعدو وتدور بين طلبة الكليات وأساتذتها وتتأرجح على شعارات جاهلة أو مراهقة أو لا واعية بأقل تقدير .

منذ عام كامل مضى ونحن نرى الأحزاب كلها مندفعة في معركة المناصب الوزارية ( تعيين وزراء ووكلاء وزارات وسفراء وقادة جيش ) بحرارة منقطعة النظير وبعضها يندفع بعفوية حارة أيضا .

من المؤسف ان لا أحد يعرف ـ ربما يعرف ولا يعلن ـ إلى أين يمكن ان تقود مثل هذه المعركة .. كانت القوى المعارضة لنظام صدام حسين قبل سقوطه تناضل في سبيل تغيير النظام الشوفييني القمعي واقامة مجتمع اخوي حر يعالج بنزاهة وتخطيط وشراكة مسألة إيجاد الحلول لجميع المشاكل الموروثة من النظام الفاشي وقد تضمنت برامج أحزاب المعارضة تصميما على( وحدة ) تلك المعالجة والحلول انطلاقا من طبيعة مجتمعنا وطبعه وقد بدا هذا الهدف واضحا في قرارات مؤتمر لندن ديسمبر 2002 لكن حين عهدت قوات الاحتلال إلى مجلس الحكم الانتقالي بمهمة قيادة الدولة المهدمة بصورة وقتية وجدنا العزيمة الأولى لدى الكثير من أعضاء المجلس من ممثلي الأحزاب يتوخون بلوغ غاية واحدة هي غاية المكسب الحزبي الضيق فكل حزب يريد تأسيس قوته الانتخابية في الشارع العراقي وبصورة خاصة في شارع الجولة الانتخابية التشريعية القادمة.

لا شك عندي ان من حق كل حزب ان يؤسس لنفسه قوته في الشارع الانتخابي لكن ذلك يجب ان يقوم على قوة البرامج الحزبية المحققة لطموحات الجماهير ومدى قدرتها الفاعلة على بناء الديمقراطية العراقية وليس بوسائل تعزيز الروح الطائفية المقيتة مسندة بأسلحة النيلشيات الخاصة التي تهدد وجود القانون كعلاقة منظمة في علاقات الناس بالدولة أو تعيق الإشراف المباشر من قبل الدولة على سير الدورة الاجتماعية ــ السياسية .



في هذه المقالة اكتب رأيي للعراق والعراقيين كلهم بوصفي كاتبا مستقلا أدعو إلى التماسك الاجتماعي كهدف أول وأخير .

أنا اكتب للشعب العراقي كله من دون انحياز مسبق لأية قومية أو طائفة أو دين :

فأقول ان الطائفية ستنمو في حال عدم وجود علاقات ديمقراطية حقيقية ومقومات دولة ديمقراطية حقيقية .. هذا ما شاهدناه خلال عام كامل حيث اندفعت الأحزاب إلى ( اقتسام ) ميراث الدولة البائدة بحصص متساوية أو شبه متساوية وكانت الطريقة المتبعة في هذه ( المصيبة) تستند إلى تفسيرات فلسفية وقانونية لتبرير ما سمي بـ(تقاسم السلطة) في قانون إدارة الدولة المصاغ من قبل مجلس الحكم بشكل بيروقراطي لم يأبه للكثير من الآراء والمقترحات التي قدمها عراقيون مستقلون على صفحات الجرائد والانترنيت أو في رسائل شخصية مباشرة قدمت إلى المجلس . كنت قد اقترحت ، برسالتين مطولتين مرسلتين إلكترونيا إلى السيدين حميد الكفائي وموفق الربيعي بقصد إيصالهما لمجلس الحكم نفسه ، لاستبدال مصطلح ( المشاركة ) في السلطة وهو مصطلح قادم من علم الاقتصاد السياسي بدلا من مصطلح ( التقاسم ) القادم من ربحية السوق التجاري . لكن عنصر الطائفية كانت حقيقته هي الأقوى من كل رأي ومن كل اقتراح في تفسيرات مجلس الحكم الانتقالي... ربما أن الكفائي والربيعي لم يوصلا رسالتي إلى المجلس أصلا ، خلافا لما تعودنا عليه في بلد كهولندا إذ لا يغفل أحد في الدولة او البرلمان او المنظمات رسائل المواطنين والمقيمين حيث الدولة الهولندية وفروعها اعتادت على الالتزام بقاعدة : لكل مواطن حق الجواب على رسالته .

مع الأسف ان أول ناتج لهذه البيروقراطية هو(تقاسم السلطة) كإرث وهو في جوهره شكل من أشكال بيع المناصب يأتي كظاهرة من ظواهر( الفساد السياسي) وكوسيلة لتحقيق الانسجام مع الامتداد الواسع للرقعة الطائفية مما أدى بالنتيجة إلى إضعاف فعالية السيطرة المركزية في الدولة أمام الطائفية المتشددة كما في حركة مقتدى الصدر وميليشيا جيش المهدي وغيرها من متاعب الطائفية في الفلوجة التي أيقن الجميع انه لولا الوجود العسكري الأمريكي القاسي لسادت فوضى مجتمع الغابة في العراق لزمن طويل قادم .





أريد ان اقصر عملي في هذه المقالة للتنبيه إلى خطورة استمرار نغم المحاصة الطائفية فهو يدفع الجميع إلى ممر مظلم خطير سيكون هائجا بإيقاعات كثيرة ضارة بوحدة الوطن وتطوره ولا بد في البداية من الإشارة إلى ان نظام المحاصة الطائفية هو (موهبة ..!) ضد معطيات العصر وضد التقدم الإنساني وهو ترقيع غير صالح كقاعدة لطيبات التعددية في العراق للأسباب التالية :

(1) إن هذا النظام يخالف جميع المبادئ الديمقراطية الأساسية التي تتوازى خلف شاشتها جميع الأحزاب الوطنية العراقية التي تقدم أطروحتها في برامج ديمقراطية ، كما أنها تخالف ، عراقيا ، حتى رؤية ذلك الرجل العسكري الكلاسيكي عبد الكريم قاسم الذي خفق قلبه قبل نصف قرن تقريبا ، بكثير من الدعوات لجعل دولته التي حلم بها ( فوق الميول والاتجاهات) كما ان نظام المحاصة الطائفية لا تتسامى ، عربيا، مع رباعيات جمال عبد الناصر في معاناته لتأسيس دولة تخيلها (دولة تحالف عمال وفلاحين ).

(2) يخالف نظام المحاصة الطائفية حقوق الإنسان الجوهرية التي جاءت بها وثيقة الثورة الفرنسية عام 1789 كما يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 وجميع الوثائق الدولية بهذا الصدد ..

(3) جوهر نظام المحاصة الطائفية يقوم بالأساس على التمييز الطائفي وهو بكل الأحوال لا يعني التوازن الطائفي ولا يحقق الوفاق والعدالة لا بين الطوائف ولا حتى بين الطائفة الواحدة كما سآتي ببعض تفصيله لاحقاً ..

(4) يؤدي نظام المحاصة الطائفية إلى تعميق الانقسام في المجتمع العراقي ويعمق شكل المزايدات الغوغائية بين النخب الطائفية وهو ما شهدناه خلال اكثر من عام كامل على مختلف الأصعدة السياسية .

(5) أدى نظام المحاصة الطائفية إلى تأخير الوعي( الوطني) وانتشاره بين الجماهير الشعبية وأدى إلى انعدام الالتزام بسيادة القانون وتجاوز حقوق الدولة بالتسلح الطائفي وظهور عدد من الميليشيات شبه العسكرية المعتدية على حقوق المواطنين سالكة مسلك الحرس القومي والجيش الشعبي الرد يفين لدولة حزب البعث الإرهابية القمعية.

(6) همشت المحاصة الطائفية الكثير من أصحاب الكفاءات والتكنوقراط من خلال الركض الطائفي وراء اقتسام فتات مناصب الدولة .

(7) وبالتالي فأن أبرز ما ساهمت به المحاصة الطائفية إلى جانب عوامل أخرى هو إبعاد الطاقة الشعبية عن العملية الوطنية الكبرى لإعادة أعمار العراق وزيادة إنتاج النفط والمصافي وتعمير منشئات الطاقة الكهربائية وتطوير التربية والتعليم واعادة المفصولين إلى أعمالهم والقضاء على البطالة ..إلخ

(8) في ظل المحاصة الطائفية جرى تضييع حقوق المرأة الإدارية والسياسية وهمشت طاقاتها داخل المنازل وحرمت المرأة من حقها في المتعة الإنسانية بالتسوق والسفر وتهديد المرأة غير المحجبة بالموت وجميع ذلك أمور لا تتفق مع مبادئ الإسلام ولا مع مبادئ السلم الاجتماعي .

هذه المجموعة من سلبيات المحاصة الطائفية لا يمكن ان تتوافق مع الديمقراطية ولا مع أهداف وبرامج القوى التي تبتغي التخلص من بقايا النظام الدكتاتوري السابق بل تقود شيئا فشيئا إلى التحجر وتمزق المجتمع من رأسه حتى قدميه وترغمه على مزيد من التدهور وتؤدي إلى بروز النقمة الشعبية.

ليست الطائفية شكلا من أشكال الحرية كما يعتقد بعض قادة الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية.. ان من أولى موجبات الحرية هي ان تترافق مع ملكية التراث الوطني العميق للشعب العراقي كله. أما وجود حزب اسمه الحزب الإسلامي ــ كمثال وليس للحصر ــ كحزب سني أو وجود حزب اسمه حزب الدعوة الإسلامية - للمثال وليس للحصر - كحزب شيعي هما وضعان لا يؤديان لغير القلق والاستسلام للطائفية ليس غير وهما بالتالي وضعان لا يقدمان أية ضمانات ضد الطائفية خاصة إذا ما أقررنا ان مجتمعنا لم يرتكز بعد على تكامل شخصية الفرد العراقي بل ان الفرد العراقي بعد عقود طويلة من الكبت والحرمان يصب جميع جهوده اليومية على إطعام نفسه وعائلته والبحث عن سكن يؤمن كرامته . من هنا يأتي خطر لجوء( الفرد) إلى دواوين( الجماعة) تأمينا لوسائل دفاعه عن حق وجوده ويمكن لهذا الواقع ان يكون قاعدة نمو الطائفية كلما عجزت الدولة عن تأمين حاجيات المواطن الفرد . العكس هو الصحيح المقابل فكلما استطاعت الدولة تحقيق مطالب الفرد كلما تقطعت تدريجيا جذور الطائفية .

لننظر في منابع الطائفية في العصر العراقي الحديث فسوف نرى أنها متأتية من تكوينات عوامل كثيرة :

(1) من منابع فترة الهيمنة العثمانية على جميع نواحي الحياة في المجتمع العراقي طيلة قرون عديدة حددت نتائجها البنية الثقافية المحلية مرهونة بالقطيعة التامة بين الفرد والدولة .

(2) أن الطائفية في العراق أخذت بعض منابعها من السيطرة البريطانية القائمة على مبدأ فرق تسد باعتبارها الوسيلة الضامنة لمطامع الاحتكارات الأجنبية .

(3) من العوامل الأخرى المغذية للطائفية هو اختلاط المفاهيم حول علاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالسياسة وارتباط الدين بالقومية وكلها كانت موضع خلافات واختلافات بين الأحزاب خلال عام مضى مما يؤدي استمرار غموض أو تصادم هذه العلاقات إلى تكريس الانقسام وإعطاءه الصفة القانونية والشرعية حتى أننا وجدناه في التفسيرات الخاطئة التي قدمها مجلس الحكم بشأن العـَـلم العراقي الجديد الذي يشير لونه الأصفر ، كما قيل ، كرمز للأكراد في حين اغفل منح العرب والتركمان والمسيحيين والصابئة وغيرهم وبقية المكونات أية رموز لونية ــ جميعها غير ضرورية من وجهة نظري ، بل أن الرمز ( الوطني ) هو المطلوب الجماعي ــ مما يؤكد ان أعلى قيادة دولة ما بعد صدام حسين ، أعني مجلس الحكم الانتقالي ، لا تخلو سيكولوجيتها من رسوخ الرواسب والعقد المتعلقة بالحساسية الطائفية .



كل هذه العوامل اشتركت وتداخلت وتضافرت عبر حقبات وأحداث كثيرة لتكون ما نسميه اليوم بالطائفية. لعل هذا التعقيد في قضية الطائفية جعلها مفهوما غامضا أفسح المجال لإساءة إدراكها واستخدامها وأخضعها لتفسيرات غريبة واشراكها بمفاهيم غريبة أيضا خلال الفترة الانتقالية الأولى بشكل أوهن الفكر السياسي العراقي وقلل من قدرته على ضرورة التفريق بين مفهومي الطائفية والطائفة..

من ضرورات التقوى هنا انه لا بد من التذكير بان الطائفية لا تعني الانتماء لطائفة معينة وان كان ذلك يصح من الناحية اللغوية الشكلية على اعتبار تنسيب كلمة طائفي إلى كلمة طائفة.. فالطائفية كمفهوم وممارسة يقترن بكثير من الأحيان بتطرف عنصري وهذا هو بالضبط نبراس حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة صدام حسين إضافة إلى اتصافها بالبيروقراطية والبوليسية.

لكن الخطر هو تحويل هذه الشكلية اللغوية إلى نظام سياسي / لبنان نموذجاً/ أو إلى واقع سياسي كعراق صدام حسين ونظام حافظ أسد وكثير من الأنظمة العربية مع التجاهل التام في النظام الطائفي أو في الواقع الطائفي في بناء علاقة المواطن مع دولته على أساس المواطنة . هذا التمايز أوجد في العراق خلال النظام السابق شكلا خاصا من أشكال العلاقة بين الدولة والمواطن في الدولة البعثية السابقة ولا تتم مثل هذه العلاقة إلا من خلال ( حزب البعث) . فأية وظيفة أو مركز اجتماعي أو تجاري أو أكاديمي أو وزاري أو دبلوماسي لا يمكن لأي مواطن مهما كان اختصاصه ومهما كانت كفاءته فهو في الغالب لا يتبوأه إلا بقرار أو توصية أو وساطة من حزب البعث أو من قيادي بعثي متنفذ وغدا( الجسم الوسيط ) في الدولة البعثية هو القانون السائد للمواطنة العراقية.

في العام المنصرم من الفترة الانتقالية ، بعد سقوط الدولة البعثية، تحول هذا القانون نفسه من شكل إلى شكل واصبح إثبات المواطنة هو الانتماء لحزب من أحزاب الطوائف العراقية. فإن كنت شيعيا بلا سند من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أو من حزب الدعوة فمن الصعب عليك ان تقيم علاقة نزيهة مع الدولة الجديدة.. وإن لم تكن كرديا منتميا إلى أحد الأحزاب الكردية يصعب عليك الحصول على مركز وظيفي تؤهلك له كفاءاتك أو شهادتك الدراسية ، وان كنت سنيا بلا ارتباط مع حزب سني أو هيئة سنية ما فلا شان لأحد بحقوقك الوطنية والإنسانية والشخصية . وعلى هذا الأساس الطائفي أعيد بناء اغلب مرتكزات الدولة العراقية التي يراد تسميتها بالدولة الديمقراطية.

من جانب آخر تجد الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي نفسها وهي خارج الحزبية والطائفية معزولة تماما ليس عن المساهمة بصنع القرار أو الاستفتاء عليه بل تجد نفسها أمام حالة إثبات حقوقها المواطنية عن طريق ممارسة دفع الرشاوى حتى لمجرد الحصول على تلفون في مكتب أو مسكن . من هنا تنشا قواعد إفساد الضمير الفردي وإفساد جهاز الدولة..

هكذا رأينا خلال الفترة الحالية حتى القادة الأمريكان في البنتاغون ووزارة الخارجية يمارسون شكلا سافرا من أشكال الطائفية. فالعراقيون الذين اشتراهم البنتاجون أو الذين تعاقدوا معه يقبضون في داخل العراق أعلى الأجور ـ حتى أعلى من أجور أعضاء مجلس الحكم ــ وأولئك الذين ارتبطوا بالخارجية الأمريكية ينالون افضل نسب المقاولات والتجارة بهدف تعزيز الشكل الطائفي لعلاقة الفرد مع الدولة أو مع سلطة الاحتلال التي سيتغير جلبابها فقط في الفترة اللاحقة للثلاثين من حزيران 2004 وربما لربع قرن قادم .

نعم بهذه الصور جميعها يتبلور نهج الطائفية ويتعمق بحجة ( موضوعية..! ) هي حجة ( تعددية الطوائف ) في المجتمع العراقي وبوجودها كهيئات دينية وليست كتجمعات أو جماعات سوسيولوجية ، إنه نهج خطير لتركيز نظام سياسي طائفي ودولة طائفية يحط بطريقة أو أخرى من قيمة الديمقراطية في الدولة والأحزاب ويجعل العلاقات الإنسانية في العراق الجديد في حالة دائمة من القلق والتوتر والعجز عن البناء الحر ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بصرة لاهاي في 29/4/2004



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسامير صغيرة 645
- مسامير صغيرة 644
- مسامير صفيرة 642
- مسامير صغيرة 642 - لا تطبيع مع المرأة
- مسامير صغيرة 641
- مسامير صغيرة 640
- مسامير صغيرة 639
- مسامير صغيرة 638
- مسامير صغيرة 637
- مسامير صغيرة 636
- مسامير صغيرة 635 - إلى مقتدى الصدر مع التحية
- مسامير صغيرة 634
- مسامير صغيرة 632
- مسامير صغيرة 631
- مسامير صغيرة 630
- مسامير صغيرة 629- الانتخابات الجزائرية
- مسامير صغيرة 628
- مسامير صغيرة627
- مسامير صغيرة 626
- مسامير صغيرة 625


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - المحاصّة الطائفية .. واقعها ومخاطرها