أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجليل الأزدي - المسودة .. وعي النقصان ...















المزيد.....

المسودة .. وعي النقصان ...


عبد الجليل الأزدي

الحوار المتمدن-العدد: 2683 - 2009 / 6 / 20 - 04:46
المحور: الادب والفن
    



يشكل الاعتراف بالرسالة الموضوعية والإيجابية للمسودات الشعرية خطوة متقدمة في حقلنا الثقافي ، بل وفي تاريخنا . إذ أن الاعتراف برسالة موضوعية ودور اجتماعي يعني تحرر الشعر من الطقوس الخاصة المزعومة والبيوت والمنتديات والأقبية المغلقة ، وخروجه إلى الفضاءات المفتوحة شاهرا للناس العاديين بساطته وتوقه إلى البوح والتواصل وتسمح الرسالة الموضوعية للمسودة بإعادة صوغها على النحو التالي ؛ هل ما سمح الشاعر بمعرفته عن الطريقة التي كتب بها هذه النصوص . وفي المسافة بين السماح بالمعرفة من جهة ، والتعريف من جهة أخرى لا يوجد إلا فرق دقيق وبسيط ؛ إذ لزيارة ورشة ، من الطبيعي ـ أي الضروري ـ أن تكون هذه الورشة موجودة وأن يكون أحدهم ـ أو بعضهم ـ قد فتحها . وفي سياق هذا تبدو ورشة تيزي ذات وضع اعتباري متميز ويستحق المشتغلون فيها كل الثناء .

يعرف الجميع أن المسودات حالات تحريرية متعددة لحالة نهائية واحدة ، وتشمل مختلف أشكال وأنواع المخطوطات وصحوبة بالتعديلات والإضافات والتشطيبات الكاشفة عن أساس تكون القصيدة ، عن لحظات صناعتها وإنتاجها . بهذا المعنى ، المسودة مشروع قصيدة مؤجل وطموح لقصيدة لن تكتمل أبدا . يستتبع هذا القول قولا آخريعلن أن المسودة هي بالتحديد ، وكل تحديد وضوح ، الرحم الذي فيه تتكون القصيدة ومنه تتخلق . وطالما النصوص لا تكتمل أبدا ، وهي دوما سيرورة انتقال ، فإنها جميعا مسودات ولو امتلكت جرأة ادعاء الاكتمال وبلوغ الأرب . والادعاء هذا يتلاشى مفعوله بسرعة برقية ويتم إبطاله بقسوة جميلة عند وعي النقصان أو الوعي بالنقص وعدم الاكتمال ، والذي لايمكن إطلاقا قراءته إلا كنقض لنقص الوعي الملازم " للشعراء " التغطرسين والمتشاعرين الملثاثين بأوهام الوحي والنبوة والموهبة وخرافات العبقرية .

من أجمل ما في جميل عبد العاطي ، أقصد في مسوداته أنها حطت على نوافذنا وهي مبيضة أو مبيضة ـ مع فتح الباء ـ عارية من التشطيب والتعديل والحذف والإضافة ، وتلك حال غير عادية في المسودات ، لكنها تحمل في جناحيها ـ حواشيها اعترافا صريحا وعاديا وبسيطا ، لكنه عميق جدا وبليغ الدلالة وينم عن تواضع جارح . يقول هذا الاعتراف القائم على مشارف حوار تيزي مع الشاعر عبد العاطي جميل ؛ " المسودات هي نقيض كل ما هو مكتمل ونهائي . " . تفر عصافير جميل الشعرية من أسر وهم الكتمال بالرغم من تبيضها أو تثبيتها كتابيا خارج المواصفات المعهودة للمسودة ، لأن هذا الوهم مرتبط عضويا بالظاهرة الأدبية ، ولأنه سيرورة لها موقع في تجربة الشعر . تعلن مسودات جميل انفتاحها وطموحها إلى صيغة لن تصلها أبدا ، طالما الوصول ـ حسب مقتضيات وعي النقص ـ نظير التحجر والجمود والموت . ترتيبا على ذلك ، لم يبعث جميل بأبنائه ناضجين ومشتدي العود ، وإنما بعث بأرحام ، بعصافير في بيضها لا تزال .

اعتبارا لما سبق ، وباقتصاد شديد في القول نقول إن المسودة بوح بالآلية الذهنية للشاعر في حالة من حالاتها . وسواء جاءت هذه الحالات إلى الشاعر أم ذهب هو إليها ، فالرائع في عبد العاطي جميل أنه نشر مسوداته وثر فينا أوراقه بشجاعة واستبسال وجرأة معلنا أحلامه الخصيبة والحرى . ومثلما يحلم الشأن الشعري ومشاغله ، يحلم أيضا الشأن الوطني والقومي من اغتيال الصبايا في وهران إلى تجويع الأطفال في بغداد ...

ومن الهام فيما يخص تبييض هذه المسودات وتعميمها على الناس وفيهم أن العملية تمت بتواضع كبير ، ليس فقط لأن صاحبها سعيد جدا للوشاية عبرها بأنه مشروع شاعر ، ولكن لأنه سعيد أيضا بتجاهل الادعاءات الطاووسية المنفوشة التي يمكن استصدارها في مقهى أو حانة بشأن صناعة الشعر وإنتاجه . ومن الواضح أنه ينبذ بقوة الغطرسة والعجرفة الفاضحتين في كلام بعض " الشعراء " الذين يرون " الورم شحما " بضرب من الحول ، ويعلنون بالواضح لا بالمرموز أن الناس ذباب أو وسخ على زجاج نوافذهم وأن الشوارع المفتوحة تغبر فيها أحذية الشعر اللماعة . ومن ثم يتعالون في أبرج عاجية يسمونها بيوتا وصالونات ودواوين ومنتديات ... إلخ . وإذ يرفض الجميل جميل الغطرسة هذه ويسربل هموم الشعر والوطن فلأنه يعي تمام الوعي أن الغطرسة هي ضياع وموت الإنسان مبنى ومعنى ، وأن مآلها مزبلة التاريخ ، هذا أولا ؛ ولأنه يدرك ثانيا جدلية العلاقة بين قضية الشعر وشعر القضية ...

راودتني المسودات عن نفسي وراودتها عن نفسها فما قد قميصي ولا قميصها من دبر أو قبل ، لكنها ـ وهي العاشقة والمعشوقة ـ باحت بعشق الوطن من مقالع الرمل والنفط إلى أفق الماء ، وأفشت بأحلامها المهووسة بأوجاع بلاد تعثر حظها ذات مساء رهيب فسقطت قسرا في فظاعات مزمنة ومستديمة ، تقترح مسودات عبد العاطي جميل ـ ضمن مقترحها الإيديولوجي ـ مواجهتها بنظافة أكيدة وبنقاء في الروح والوعي والسلوك الفعلي واللفظي ... وليس ذلك بعزيزعلى رجل يقول ما يفعل ويتوحد لذيه النظر والعمل ويتجادل الفكر والممارسة ويمنح البراكسيس كامل وضوحه الأنيق . وبهذا الاعتبار تكف المسودات عن أن تكون مسودات بالمعنى الأليف والمألوف ، لتتحول إلى مبيضات دون أن يفارقها وعي النقص مع ذلك أو بسبب منه .

يقود الاعتراف بوعي النقصان الملازم لمسودات عبد العاطي جميل والمحايث لها إلى القول بالنسبية في الشعر ، كما في التاريخ والمجتمع والسياسة . والقول هذا يقود إلى حقيقتين ؛ تقول الأولى إن المسودة عمل مفتوح على الزمن ؛ أما الثانية فترمي بالسفه ادعاءات الإطلاقية والشمول ، ومن ثم تتبدى المسودة مخاضا مستديما ولحظة طلق لنص لا يأتي أو هو آت . وعلاوة على ذلك ، تلتقي المسودة الشعرية بالقصيدة في البحث عن ديمقراطية التعبير ، فهما معا لا يتركان أية لغة خارجهما ، وفيهما تروج جميع اللغات وتدور ، وهوما يستتبع رخصة القول بتعدد مصادرالاستمداد والاستيحاء التي تحيل المسودة إلى فضاء مشرع النوافذ على التوحيدي والنفري والمعري وابن عربي وأبي نواس وأحمد المجاطي ومحمود درويش وأمل دنقل ... إذا شئن ألا نذكر سوى الشعراء ، لأن المسودة فسيفساءأو بالأحرى أرض ذات طبقات رسوبية عديدة ومتنوعة ، قديمة وحديثة ، تشهد لصانعها شهادة مقتضبة ووجيزة ، ولكنها بليغة ؛ إنه قريء .

يبقى أمر خطاب الحراسة المواكب للمسودات ، أي الخطاب الذي يتخذها موضوعا ومجالا للدراية والمعرفة وينشغل بإنتاج معرفتها واستكشاف قوانينها وبناء نظريتها . وتشييد صياغتها المفاهيمية . ومن المعروف أن المسودة كممارسة قديمة جدا ، غير أن نظريتها حديثة ولا ترقى إلى أكثر من خمسة عشر سنة أو عشرين سنة على أكبر تقدير ، وعنوانها النظرية التكوينية أو النقد التكويني ببساطة . والشكل هذا من الممارسة النقدية ميزال يجدد أدواته وصياغاته المفاهيميةفي أفق تشييد علاقة جديدة مع عموم الأدب وخصوص الشعر ، وبهدف الاقتراب من نظام استفهامي شاسع نسبيا ، من مشمولاته أسئلة أسرار الصنعة والإنتاج وديناميات الكتابة ، وإجمالا الحقل الموسوم ب " ما قبل النص " . والحقل هذا يحدد علاقة النقد التكويني بباقي أشكال الممارسة النقدية على أساس أنها علاقة اختلاف . وهو ما لا يعني التعارض والتناقض . إذ يمكنه التكامل معها ، مثلما يمكنه أ، يتبادل معها الدعم والتعضيد إن على صعيد الفروض النظرية والأسئلة المركزية أم على مستوى الصياغات المفاهيمية والخلاصات والنتائج الاختتامية . والتبادل الذي نلوحبإمكانيته هنا لا يعني المساعدة أو الذيلية أو القبول بالتذييل ، بقدر ما يشي بمطلب جوهري ؛ سبك مناهج ومفاهيم مختلف أشكال النقد النصي في سبيل امتلاك القدرة على تأويل تكون النص الشعري وتخلقه في ديناميته وسيرورته وزمنيته وتاريخيته . ولن يعز المطلب هذا إلا إذا كف النقد عن قصف النصوص بترسانات المصطلحات غير المميزة أي العاجزة عن إنتاج النظرية ، وإلا إذا كف بالتالي عن الاستعلاء والغطرسة والتعالم الذي يتستر تحت مظلات مفكرين كبارقدموا مداخلات واضحة تماما لا نعثر في سطورها على ما يوجد في شكل من ممارساتنا النقدية المعمورة بالتعمية والغموض واللبس ، بل والتضليل الذي لا يضيء النص وإن كان مضيئا بقدر ما يطوح به في متاهات مظلمة وإظلامية . ومن ثم ، فالنقد التكويني مطالب ببعض ـ أو بكل ـ الوضوح . وله في مسودات أبي أصيل ، عبدالعاطي جميل ، أسوة حسنة. والأصيل أصيل دوما وأبدا .

د . عبد الجليل الأزدي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
مراكش



#عبد_الجليل_الأزدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجليل الأزدي - المسودة .. وعي النقصان ...