أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف اليوسفي - الفيزا-قصة قصيرة















المزيد.....

الفيزا-قصة قصيرة


يوسف اليوسفي

الحوار المتمدن-العدد: 2659 - 2009 / 5 / 27 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


الصف
كنت واقفا في الصف أنتظر
الصف داء لا دواء منه في بلداننا المتخمة بالبشر...و لا فرق ان كنت تقف انتظارا لرغيف خبز او دواء مستعجل...او فيزا
على الرغم من انني اتيت مبكرا جدا امام السفارة لأكون الاول و اتجنب الوقوف الطويل تجت الشمس التي لا ترحم...لكنني فوجئت بأن الكثيرين كانوا ينامون امام السفارة...و بذلك يحتلون الاماكن الاولى منذ المساء السابق...يرقدون فوق كراتين او ملاحف خفيفة ...بعضهم قادم من مدن بعيدة جدا
لم اتوقع ان تكون حرقة الهروب قد وصلت الى هدا المدى
وقفت اذا في انتظار ان ادخل لأضع ملفي بين الايدي الشقراء...لعل الحظ يجود و أرجع بالباسبور مختوما بفيزا الفرج و السعادة...كل هؤلاء مثلي...كلهم فقدوا الامل في حياة كريمة هنا...كلهم يريدون الهروب من واقع لا ضوء فيه و لا نهاية لنفقه...اعدادهم كثيرة جدا..لكن احزاننا كذلك...لكن شبابنا العاطل كذلك
كان امامي في الصف شاب في مثل عمري...يرتدي ملابس جميلة و تبدو غالية الثمن...و ورائي شابة مع امها...الاثنثان عيناهما حمراوتان..يبدو ان انتظار اليوم المصيري حرمهما من النوم....انا أيضا لم انم جيدا...زارتني كوابيس عديدة...أفظعها و اطولها حينما حلمت بان عددا هائلا من الصراصير تهاجمني و انا جالس في مقهى كوبا اقتل الوقت...لم أستطع ان اتحرك...ساقاي كانتا تزنان اطنانا و حركة يدي كانت ثقيلة و ضعيفة...استفقت فقط بعد ان وصلت الصراصير الى فمي
حاولت ان أنفظ عن راسي هاته الذكرى ففتحت الملف لأراجع الاوراق للمرة المليون...كل شيء موجود و مرتب...لا ينقص شيء
التفت الي الشاب الذي امامي...نظر الي لحظة ثم سأل
الاخ ياتي الى هنا للمرة الاولى؟
جاوبته
نعم....و انت؟
قال
نعم اول مرة آتي...و انا خائف جدا و متوتر...ألا تعلم كيف تجري الامور هنا؟سمعت انهم حاليا يصعبون كل شيء و يرفضون الاغلبية الساحقة من الطلبات؟
قلت محاولا ان اهدئ من توتره....انه يتعرق بشدة الان
على حسب ملفك و قوته يا صديقي
قال لي و هو يفتح محفظة جلدية كان يحملها
انا مهندس في الطاقة الشمسية...تخصصي مطلوب كثيرا في اوروبا..لقد وجدت شركة قبلت توظيفي..و هذا هو العقد..انظر..لقد جلبت كل شيء....و انت؟انت مهندس أيضا؟
قلت
لا لست مهندسا...انا رياضي...هناك نادي فرنسي يريدني ان انظم اليهم..لدي عقد كذلك....لا تخف....اظن ان ملفك قوي ..اذا كان تخصصك نادرا فستاخد الفيزا...انهم لا يتوانون عن أخد الادمغة كما تعلم يا صديقي
لاحظت ان الفتاة التي ورائي كانت تسترق السمع لنا...و لاحظت أيضا انها بدأت ترمق المهندس بنظرات ودية أكثر من اللازم...قلت في نفسي...نعم...مادام مهندسا...الورقة السحرية الأن لكي تحوز الاعجاب المجتمعي هو ان تكون مهندسا...يكفي ان تكون كذلك لكي يظن الجميع انك الخوازمي او نيوتن و يجلوك كأنك من اكتشف النسبية العامة...على الرغم من ان مجتمعنا متقرح بالمهندسين لكننا في الحضيض بين الدول؟لماذا؟ لا احد يفكر في ذلك....يكفي ان تكون مهندسا لكي يحبوك....اللعنة على هؤلاء المنافقين
وصلت الى البوابة...يحرسها رجال شرطة مدججون بالسلاح...احدهم كان ينظر لنا بقرف....ربما يحسد كل من يقف في الصف...و ربما لذلك يتعمد تعذيبنا بالوقوف الطويل...ربما يقول مع نفسه ان هؤلاء سيدهبون الى بلاد المال و انا سأبقى هنا الى ان تذيبني الشمس...كان يكرهنا...قالت عيناه
قبل الدخول فتشني نفس الشرطي بفضاضة...و راقب ملفي أيضا...و سالني ان كنت أتيت هنا سابقا...قلت له لا..ما شانه هو؟
فكرت أن الحكومة تحرص على اهانتنا حتى و نحن امام سفارات الدول الديمقراطية...يريدون ان يحسسوا الجميع انهم لازالو مواطنين درجة ثالثة...و يجب الخضوع مادام الامر ساريا
دخلت...كان المكان جميلا
اننا لا نهرب عبثا...الالم و الضياع هو الذي يرمينا على هاته الابواب ...الغربة داخل الوطن أفظع من غربة خارجه...و نحن مغتربون عن ذواتنا و عن أراضينا...لاشيء لنا هنا..فلماذا نبقى...لماذا أبقى؟ الوطن وهم جميل لمن يعيشه بيسر...لكن من يبلع التراب صباح مساء؟لكن من يدوب تحت القهر و القمع و غصة الاهانة؟
لقد كدبوا علينا عندما قالو اننا كنا خير أمة اخرجت للناس....امة كهاته لا يسرق قويها ضعيفها...امة كهاته لا يصبح غنيها اغنى و فقيرها أفقر....خير امة لا يمكن ان تكون في القاع
كنت اخطو نحو المكتب المسؤول عن تاشيرات الرياضة....احسست انني و ربما لاول مرة اخطو نحو امل ممكن...سابقا كنت أمضي في الزمن و انا ادرس و اكد بين الكتب ليكون للافق معنى جميل...لكنني اكتشفت بعد ذلك انه كان وهما كبيرا كالصحراء...ان من درسوا تنكسر ضلوعهم بهروات الشرطة امام البرلمان...و ان المحظوظين منهم موظفون برواتب بائسة....و اكتشفت أيضا ان الفاسدين و المرتشين و الوصوليين هم ينجحون في هذا البلد....كيف أذا ستخطوا في مستقبلك و حولك كل هاته المستنقعات الفاترة؟كيف ستتطلع الى الافق و كل هاته الغربان تملأ السماء؟
الحلول قليلة جدا كدراهمنا....و مادام الهروب ممكنا فالبقاء هنا انتحار بطئ...الاغتراب
ليس كله معاناة اذا كنا سنجد فيه بعضا من كرامتنا المسفوحة...ذواتنا المغتصبة
دخلت المكتب...كان منظما جيدا و يلمع...انهم يهتمون بالنظافة على الاقل..لا كمكاتب جماعاتنا التي تأوي الى جانب الموظفين شعوبا مختلفة من الحشرات و البكتيريا
أشار لي الموظف لكي أتقدم...ابتسم و قال لي...بنجور
هو على الاقل يبتسم...حتى لو كان ذلك بروتوكولا فهو احسن من سحنات موظفينا الكالحة...طلب مني ان اجلس و بدأ يدرس الملف
قال لي بعد برهة
يلزمنا بعض الوقت لدراسة الملف...سنتصل بك لاعلامك او سنرسل لك رسالة فيها الرد
سالته بنبرة متوترة قليلا
اسمح لي على هدا السؤال يا سيدي...لكن هل تعتقد بحكم خبرتك ان الملف سيقبل؟
ابتسم ابتسامة من كان يتوقع السؤال...نظر لي ثم قال
انت تعلم ان بلادنا محتاجة الى رياضيين في مستواك و موهبتك....اظن ان الملف سيقبل
احسست ان الهواء أصبح عطرا...انفرجت أساريري و شعرت بقشعريرة من يرى حلمه امامه يتجسد....شكرته و ودعته بأدب
السماء اصبحت زرقاء مرة اخرى
الشمس تبتسم لي



#يوسف_اليوسفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحافلة


المزيد.....




- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف اليوسفي - الفيزا-قصة قصيرة